رؤية الله تعالى في الجنة ومناقشة أثر مجاهد
--------------------------------------------------------------------------------
رؤية الله تعالى في الجنة ومناقشة أثر مجاهد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فقد سألني أحد الإباضية عن مسألة تفسير مجاهد لآية (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) بأن المعنى تنتظر ثواب ربها ويطلب معرفة الحق في هذه المسألة فكتبت هذه الورقات ملخصا ما فيها من كلام أهل العلم من سلفنا الصالح مقسما لها إلى مباحث متسلسلة تيسيراً للقراء سائلاً الله أن ينفعه بها ومن شاء من عباده إنه سميع الدعاء.
المبحث الأول
الروايات عن مجاهد في تفسير آية سورة القيامة :
أخرج ابن جرير من طريق عمر بن عبيد وسفيان الثوري عن منصور عن مجاهد أنه فسر الآية الكريم بالألفاظ التالية:
(تنتظر منه الثواب) ، (تنظر الثواب من ربها) (تنتظر الثواب)
وهذا إسناد صحيح ثابت عنه.
وليس في هذه الرواية الثابتة ما يزيد على كونها تفسيراً لهذه الآية لا أنه يقرر فيها نفي الرؤية عن الله عز وجل.
وكأنه جعل (إلى) اسماً لا حرف جر بمعنى واحدة الآلاء أي النعم ويكون في محل نصب مفعولاً به مقدماً.
المبحث الثاني
النقل عن مجاهد بإنكار الرؤية
أخرج ابن جرير من طريق ابن حميد عن مهران عن سفيان عن منصور عن مجاهد أنه قال (تنتظر الثواب من ربها ، لا يراه من خلقه شيء)
وأخرج عنه من طريقه أيضاً عن جرير عن منصور عنه أنه قال: (يرى ولا يراه شيء)
وهذا لا شك فيه التصريح بنفي رؤية الله تعالى ولكنه لا يصح عن مجاهد رحمه الله وذلك أنه من طريق ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي فهو متهم بالكذب
قال ابن خراش : "كان والله يكذب "
وسئل عنه أبو زرعة فقال: "تركه محمد بن إسماعيل .." يعني البخاري.
وقال البيهقي: كان إمام الأئمة يعني ابن خزيمة لا يروي عنه.
وقال النسائي: فيما سأله عنه حمزة الكناني: محمد بن حميد ليس بشيئ قال: فقلت له: البتة؟ قال: نعم.
كما كذبه في موضع آخر وكذبه أيضاً ابن واره
وأثنى عليه أحمد لكن أحسن ما يعتذر به عنه ما قال ابن خزيمة. قال أبو علي النيسابوري قلت لابن خزيمة لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه فقال إنه لم يعرفه ولو عرفة كما عرفناه ما أثنى عليه أصلا.
فمن كان هذا حاله لم يلتفت إلى ما يتفرد به فكيف إذا خالف رواية الثقات الأثبات لا سيما في هذه المسألة العظيمة.
المبحث الثالث
النقل عن مجاهد بإثبات الرؤية
1- قال ابن أبي حاتم في تفسيره : وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، وعكرمة، وعامر بن سعيد، والحسن، ومجاهد، وقتادة، وأبي إسحاق، والضحاك، وأبي سنان و السدي: "إن الزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل".
2- قال ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم: قال الله تعالى: " للذِينَ أحْسَنُوا الْحُسنْى وَزِيَادة " .
وقد روي عن جماعة من الصحابة تفسير هذه الزيادة بالنظر إلى وجه الله عز وجل، منهم أبو بكر الصديق، وأبي بن كعب، وكعب بن عجرة، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وعكرمة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، والحسن، وقتادة، والضحاك، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف، والخلف، رحمهم الله، وأكرم مثواهم أجمعين" اهـ
3- قال عبد الله بن أحمد في كتاب السنة : حدثني أبو الربيع الزهراني نا شريك عن منصور عن مجاهد في قوله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة قال ضاحكة الى ربها ناظرة
4- قال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة :
ذكره عبد الرحمن قال ثنا أبي قال ثنا عبد الرحمن ابن خلف الرقي قال ثنا مؤمل بن اسماعيل قال ثنا حماد بن سلمة عن ليث عن مجاهد للذين أحسنوا الحسنى قال الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى الرب
5- وقال أيضاً: أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري قال ثنا جعفر بن محمد بن الحجاج قال ثنا نصر بن عبد الملك قال ثنا إبراهيم ابن أبي الليث قال ثنا الأشجعي عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال وجو يومئذ ناضرة قال نظرت إلى ربها ناظرة
6- وقال أيضاً: ذكره عبد الرحمن قال ثنا حماد بن محمد بن يزيد بن مسلم الأنصارى قال ثنا مؤمل قال ثنا إبراهيم بن يزيد المكي عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث عن مجاهد في قوله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة قال حسنة إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى ربها تبارك وتعالى
قلت:
هذه الآثار المسندة خيرها أولها وفيه شريك ، وأما ما بعده فلا يخلو إسناد منها من متروك ففي الثاني ليث بن أبي سليم وفي الثالث إبراهيم بن أبي الليث والرابع فيه إبراهيم بن يزيد وانظر الكلام عليهم في الحاشية وإنما أوردتها للتنبيه عليها.
ولا يلزم من ضعف أسانيد هذه الآثار أنها هي التي بنى عليها ابن أبي حاتم وابن كثير نسبة هذا القول إليه فقد يكونوا اطلعوا على غير هذه الأسانيد والعلم عند الله.
المبحث الرابع
إبطال التشبث بما نسب إلى مجاهد في إنكار الرؤية
وذلك من وجوه كثيرة ومنها:
1- ليس في تفسير مجاهد لقوله تعالى (إلى ربها ناظرة) بانتظار ثواب ربها ما يدل على أنه ينفي رؤية المؤمنين لربهم جل وعز. إنما فيه تفسيره لهذه الآية بعينها بهذا الوجه من التفسير. كما لو قال مفسر إن قوله تعالى (اسكن أنت وزوجك الجنة) يعني بها جنة في الأرض لم يلزم منه أنه ينفي وجود الجنة التي وعد الله بها عباده المتقين ولو لم يصرح بذلك.
2- قد نقل عنه القول بإثبات الرؤية في تفسير قوله تعالى (للذي أحسنوا الحسنى والزيادة) وتقدم من نص من الأئمة على ذلك، كما ذكرت ما عثرت عليه من الروايات عنه رحمه الله وما فيها من المقال.
3- على فرض أن هذه الآية لا تدل على إثبات الرؤية فثم أدلة كثيرة من الكتاب والسنة على إثبات الرؤية فلماذا تترك تلك النصوص ويتشبث بهذا المنقول عن مجاهد والذي ليس هو بنص بل ولا بظاهر في النفي.
4- أن الذي يتعلق بما نسب إلى مجاهد رحمه الله مع اطراحه لآيات الكتاب ونصوص السنة المتواترة وإجماع السلف قبل مجاهد وبعده يكشف عن نفسه بأنه لا يتبع الدليل وإنما يتبع هوى في نفسه ولذلك تَعلّقَ بالشاذ المطروح المردود ثم رمى البرهان الساطع والدليل القاطع.
5- أن الله عز وجل إنما تعبدنا باتباع كتابه واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم فهما الحجة، وما خالفهما فلا يلتفت إليه كائنا من كان ذلك المخالف وقد تواترت أدلة الكتاب والسنة على إثبات رؤية المؤمنين لربهم وأجمع السلف الصالح على إثباتها. ورحم الله شيخنا العلامة الجليل عبد الرزاق عفيفي فقد سألته مرة عن قول مجاهد هذا (تنتظر ثواب ربها) فقال خطأ . فقلت ما معناه: إن مجاهد تابعي كبير فقال غاضباً (مجاهد ما هو نبي) وصدق رحمه الله .
فلقنني درساً بأن العالم يؤخذ من قوله ويترك حسب الدليل ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم قوله حجة على الكتاب والسنة بل فيهما الحجة على كل أحد.
والله عز وجل سيسألنا يوم القيامة : ماذا أجبتم المرسلين وليس بسائلنا ماذا أجبتم مجاهدا.
المبحث الخامس
تفسير آية سورة القيامة (وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة).
نقل إمام المفسرين أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 311هـ) تفسيرين لهذه الآية الكريمة (إلى ربها ناظرة) :
الأول:
النظر إلى الله تعالى ورؤيته سبحانه بالأبصار. فأخرج عن عكرمة وإسماعيل بن أبي خالد، وأشياخ من أهل الكوفة قولهم:( تنظر إلى ربها نظرا ) .
وأخرج عن الحسن البصري أنه قال في قوله تعالى:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ) قال: حسنة ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: تنظر إلى الخالق، وحُقَّ لها أن تنضَر وهي تنظر إلى الخالق.
وأخرج عن عطية العوفي، قوله فيها: هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره محيط بهم، فذلك قوله:( لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ).
الثاني:
انتظار الثواب من ربها. وحكاه عن مجاهد في عدد من الروايات ، وحكاه عن أبي صالح.
قلت:
وأبو صالح قد ثبت عنه في السنة لعبد الله أنه فسرها أيضاً بما يوافق تفسير الجمهور قال عبد الله حدثني أبي رحمه الله نا أبو معاوية نا إسماعيل عن أبي صالح في قوله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة قال حسنة إلى ربها ناظرة.
وإنما نبهت على هذا حتى لا يتعلق به متعلق فينسب إليه إنكار الرؤية كما قيل عن مجاهد رحمه الله.
وإذا اختلف العلماء في مسألة فالفيصل هو الدليل فأي القولين أسعد بالدليل؟
إن أولى القولين بالصواب هو قول الجمهور وهو أن النظر على ظاهره بمعنى الرؤية وذلك لما يلي:
1- أن النظر إذا عدي بإلى فلا يكون بمعنى الانتظار وإنما يكون بمعنى الرؤية والإبصار، ولا تعرف العرب في لغتها (وهي اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها) انظر إلى كذا بمعنى انتظره. وذلك أن النظر يأتي على معان وهي:
أ- التفكر: ويعدى الفعل إذا قصد به هذا المعنى بـ(في) كقوله تعالى (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (لأعراف:185) ب- الانتظار والتربص: ويستعمل لازما لا متعدياً ومن شواهده في القرآن قوله تعالى (انظرونا نقتبس من نوركم) ومنه في لغة العرب قول امرئ القيس:
فإنكما إن تنظراني ساعة من الدهر تنفعني لدى أم جندب.
ج_ الرؤية والإبصار: ويعدى بإلى كما في قوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) وقوله تعالى (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) وقوله تعالى (فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) ومنه في لغة العرب :
نظرت إليها والنجوم كأنها مصابيح رهبان تشب لقفال
وآية سورة القيامة عدي فيها النظر بإلى فدل على أن المقصود نظر العين لا الانتظار والتربص.
2- أن النظر أضيف إلى الوجوه التي هي محل الأعين التي ينظر بها فدل على أن المقصود النظر والرؤية لا التربص والانتظار كما قال تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء) والمقصود تقلب عينيه إذ الوجه محل العينين التي يحصل بها النظر وتقليب البصر.
3- أن الأصل في الكلام عدم الحذف والتقدير فإذا قلت رأيت فلان فالأصل أني رأيته هو ولا يفهم عربي أني أقصد رؤية سيارته أو بيته إلا بقرينة يدل عليها السياق تقتضي حمل الكلام على هذا المعنى والآية ظاهرة المعنى والبيان في أن المؤمنين ينظرون إلى ربهم حقيقة لا أنهم ينتظرون ثوابه.
4- أن المقام مقام بشارة وإكرام وتمام البشارة والإكرام تعجيل الموعود به والمبشر به من المثوبة أما التربص والانتظار فإن فيه تعذيباً وإيلاماً إلى أن يحصل الموعود به فلا يناسب أن يكون هذا معناه.
المبحث السادس
من أدلة الرؤية في الكتاب والسنة.
أ- من أدلة القرآن الكريم:
1- قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) وتقدم بيان معناها.
2- قوله تعالى (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى كما فسرها به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صهيب الآتي.
3- قوله تعالى (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا .. ) الآية
ودلالتها على إثبات الرؤية من وجوه:
أ- لو كانت رؤية المؤمنين لربهم محالاً لما كان لائقاً بموسى أن يسألها ربه، إذ كيف يليق بكليم الله وأحد الخمسة أولي العزم من الرسل أن يجهل ما يليق بربه ومالا يليق به.
ب_ أن الله تعالى علق الرؤية بأمر ممكن في قدرة الله تعالى لو أراده وهو استقرار الجبل فلو اراد الله تعالى لأقره وتعليق الشيء على أمر ممكن دليل على إمكانه.
ج_ إذا كان الله تعالى تجلى للجبل الجماد فكيف يستحيل أن يكشف الحجاب عن وجهه لأهل الإيمان في جنته حتى يروه إكراماً لهم وإحساناً منه إليهم.
د_ وأما قوله تعالى (لن تراني) فذلك في الدنيا لحكم بالغة ومنها ضعف الخلقة البشرية المخلقة في هذه الدنيا للموت والفناء فأما بعد البعث فيخلقون للبقاء الدائم فيخصهم الله تعالى بما يمكنهم به أن يروا ربهم سبحانه وتعالى.
4- قوله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) ووجه دلالتها على إثبات الرؤية أنه نفى الإدراك والإدراك قدر زائد على الرؤية ونفي القدر الزائد دليل على إثبات الأصل فقولي لمن ينظر في السماء إنك لن تدرك السماء ليس معناه إنك لن تراها ولكن المعنى أنك تراها وتبصرها ولكنك لن تراها كلها والله تعالى أكبر وأعظم وقد تقدم عن عطية العوفي أنه قال : هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره محيط بهم، فذلك قوله:( لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ).
5- قوله تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فلما حجب أعداءه إهانة وإذلالاً دل على رؤية أوليائه له إكراماً وإنعاماً وإلا لما كان لبيان حجب أعدائه فائدة ولبطل معنى الكلام.
ب- من أدلة السنة المطهرة:
1- عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة - يعني البدر - فقال ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) . ثم قرأ ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ). متفق عليه.
والمعنى أنكم سترون ربكم فوقكم كما ترون القمر لا يضار بعضكم بعضاً بزحام ونحوه ، وعلى رواية التخفيف فالمعنى لا يراه بعضكم دون بعض من الضيم الذي هو الظلم.
والتشبيه في هذا الحديث تشبيه لرؤية الله برؤية القمر لا تشبيه الله تعالى بالقمر فإن الله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( هل تضارون في القمر ليلة البدر ) . قالوا لا يا رسول الله قال ( فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ) . قالوا لا يا رسول الله قال ( فإنكم ترونه كذلك ...) الحديث أخرجه البخاري.
3- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال ( هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا ) . قلنا لا قال ( فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما ) . متفق عليه
4- عن صهيب الرومي - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دخل أهلُ الجنّةِ الجنة ، يقول تبارك وتعالى : تريدون شيئا أزيدُكم ؟ فيقولون : ألم تُبَيِّضْ وجوهَنا ؟ ألم تُدخلْنا الجنةَ وتنجِّنا من النار ؟ قال: فيكشف الحجابَ ، فما أُعْطوا شيئا أحبَّ إليهم من النظر إلى ربِّهم تبارك وتعالى». زاد في رواية : ثم تلا هذه الآية : {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس:26] أخرجه مسلم والترمذي.
5- ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه دعا ربه أن يرزقه لذة النظر إلى وجهه _ وسيأتي قريباً_ ولو كانت رؤية الله تعالى مستحيلة لكان الدعاء بها عبثاً وجهلاً وقد نزه الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن هذين الوصفين فإنه أعلم الناس بربه تبارك وتعالى.
وختاماً:
فإن رؤية المؤمنين لربهم مما ثبت صراحة في أدلة الكتاب المتكاثرة وأحاديث السنة المتواترة وأجمع عليه السلف الصالح وهو أعظم نعيم تتشوف إليه نفوس المؤمنين، وتقتدي بنبيها في سؤالها ربها إياه كما في قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه:
( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينى ما علمت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي اللهم أسألك خشيتك فى الغيب والشهادة وأسألك كلمة الإخلاص فى الرضا والغضب وأسألك القصد فى الفقر والغنى وأسألك نعيمًا لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضا بالقضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك فى غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين) أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه .
ومن طريف ما يذكر في هذا المقام هذه القصة التي أختم بها، أخرج الخطيب في تاريخ بغداد (7/66) عن عثمان بن سعيد الرازي قال حدثنا الثقة من أصحابنا قال:
لما مات بشر بن غياث المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم والسنة أحد إلا عبيد الشونيزي فلما رجع من الجنازة المريسي أقبل عليه أهل السنة والجماعة قالوا:
يا عدو الله: تنتحل السنة والجماعة وتشهد جنازة المريسي؟!!
قال: أنظروني حتى أخبركم. ما شهدت جنازة رجوت فيها من الأجر ما رجوت في شهود جنازته. لما وضع في موضع الجنائز قمت في الصف فقلت:
- اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن برؤيتك في الآخرة اللهم فاحجبه عن النظر إلى وجهك يوم ينظر إليك المؤمنون
-اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن بعذاب القبر اللهم فعذبه اليوم في قبره عذابا لم تعذبه أحداً من العالمين
- اللهم عبدك هذا كان ينكر الميزان اللهم فخفف ميزانه يوم القيامة
- اللهم عبدك هذا كان ينكر الشفاعة اللهم فلا تشفع فيه أحداً من خلقك يوم القيامة.
قال: فسكتوا عنه وضحكوا) اهـ
اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم
والله أعلم والحمد لله رب العالمين.
علي بن يحيى الحدادي
20/4/1430هـ
www.haddady.com
[email protected]
منقول
--------------------------------------------------------------------------------
رؤية الله تعالى في الجنة ومناقشة أثر مجاهد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد:
فقد سألني أحد الإباضية عن مسألة تفسير مجاهد لآية (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) بأن المعنى تنتظر ثواب ربها ويطلب معرفة الحق في هذه المسألة فكتبت هذه الورقات ملخصا ما فيها من كلام أهل العلم من سلفنا الصالح مقسما لها إلى مباحث متسلسلة تيسيراً للقراء سائلاً الله أن ينفعه بها ومن شاء من عباده إنه سميع الدعاء.
المبحث الأول
الروايات عن مجاهد في تفسير آية سورة القيامة :
أخرج ابن جرير من طريق عمر بن عبيد وسفيان الثوري عن منصور عن مجاهد أنه فسر الآية الكريم بالألفاظ التالية:
(تنتظر منه الثواب) ، (تنظر الثواب من ربها) (تنتظر الثواب)
وهذا إسناد صحيح ثابت عنه.
وليس في هذه الرواية الثابتة ما يزيد على كونها تفسيراً لهذه الآية لا أنه يقرر فيها نفي الرؤية عن الله عز وجل.
وكأنه جعل (إلى) اسماً لا حرف جر بمعنى واحدة الآلاء أي النعم ويكون في محل نصب مفعولاً به مقدماً.
المبحث الثاني
النقل عن مجاهد بإنكار الرؤية
أخرج ابن جرير من طريق ابن حميد عن مهران عن سفيان عن منصور عن مجاهد أنه قال (تنتظر الثواب من ربها ، لا يراه من خلقه شيء)
وأخرج عنه من طريقه أيضاً عن جرير عن منصور عنه أنه قال: (يرى ولا يراه شيء)
وهذا لا شك فيه التصريح بنفي رؤية الله تعالى ولكنه لا يصح عن مجاهد رحمه الله وذلك أنه من طريق ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي فهو متهم بالكذب
قال ابن خراش : "كان والله يكذب "
وسئل عنه أبو زرعة فقال: "تركه محمد بن إسماعيل .." يعني البخاري.
وقال البيهقي: كان إمام الأئمة يعني ابن خزيمة لا يروي عنه.
وقال النسائي: فيما سأله عنه حمزة الكناني: محمد بن حميد ليس بشيئ قال: فقلت له: البتة؟ قال: نعم.
كما كذبه في موضع آخر وكذبه أيضاً ابن واره
وأثنى عليه أحمد لكن أحسن ما يعتذر به عنه ما قال ابن خزيمة. قال أبو علي النيسابوري قلت لابن خزيمة لو حدث الأستاذ عن محمد بن حميد فإن أحمد قد أحسن الثناء عليه فقال إنه لم يعرفه ولو عرفة كما عرفناه ما أثنى عليه أصلا.
فمن كان هذا حاله لم يلتفت إلى ما يتفرد به فكيف إذا خالف رواية الثقات الأثبات لا سيما في هذه المسألة العظيمة.
المبحث الثالث
النقل عن مجاهد بإثبات الرؤية
1- قال ابن أبي حاتم في تفسيره : وروي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، وعكرمة، وعامر بن سعيد، والحسن، ومجاهد، وقتادة، وأبي إسحاق، والضحاك، وأبي سنان و السدي: "إن الزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل".
2- قال ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم: قال الله تعالى: " للذِينَ أحْسَنُوا الْحُسنْى وَزِيَادة " .
وقد روي عن جماعة من الصحابة تفسير هذه الزيادة بالنظر إلى وجه الله عز وجل، منهم أبو بكر الصديق، وأبي بن كعب، وكعب بن عجرة، وحذيفة بن اليمان، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وعكرمة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعبد الرحمن بن سابط، والحسن، وقتادة، والضحاك، والسدي، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم من السلف، والخلف، رحمهم الله، وأكرم مثواهم أجمعين" اهـ
3- قال عبد الله بن أحمد في كتاب السنة : حدثني أبو الربيع الزهراني نا شريك عن منصور عن مجاهد في قوله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة قال ضاحكة الى ربها ناظرة
4- قال اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة :
ذكره عبد الرحمن قال ثنا أبي قال ثنا عبد الرحمن ابن خلف الرقي قال ثنا مؤمل بن اسماعيل قال ثنا حماد بن سلمة عن ليث عن مجاهد للذين أحسنوا الحسنى قال الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى الرب
5- وقال أيضاً: أخبرنا علي بن أحمد بن عمر المقري قال ثنا جعفر بن محمد بن الحجاج قال ثنا نصر بن عبد الملك قال ثنا إبراهيم ابن أبي الليث قال ثنا الأشجعي عن سفيان عن منصور عن مجاهد قال وجو يومئذ ناضرة قال نظرت إلى ربها ناظرة
6- وقال أيضاً: ذكره عبد الرحمن قال ثنا حماد بن محمد بن يزيد بن مسلم الأنصارى قال ثنا مؤمل قال ثنا إبراهيم بن يزيد المكي عن الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث عن مجاهد في قوله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة قال حسنة إلى ربها ناظرة قال تنظر إلى ربها تبارك وتعالى
قلت:
هذه الآثار المسندة خيرها أولها وفيه شريك ، وأما ما بعده فلا يخلو إسناد منها من متروك ففي الثاني ليث بن أبي سليم وفي الثالث إبراهيم بن أبي الليث والرابع فيه إبراهيم بن يزيد وانظر الكلام عليهم في الحاشية وإنما أوردتها للتنبيه عليها.
ولا يلزم من ضعف أسانيد هذه الآثار أنها هي التي بنى عليها ابن أبي حاتم وابن كثير نسبة هذا القول إليه فقد يكونوا اطلعوا على غير هذه الأسانيد والعلم عند الله.
المبحث الرابع
إبطال التشبث بما نسب إلى مجاهد في إنكار الرؤية
وذلك من وجوه كثيرة ومنها:
1- ليس في تفسير مجاهد لقوله تعالى (إلى ربها ناظرة) بانتظار ثواب ربها ما يدل على أنه ينفي رؤية المؤمنين لربهم جل وعز. إنما فيه تفسيره لهذه الآية بعينها بهذا الوجه من التفسير. كما لو قال مفسر إن قوله تعالى (اسكن أنت وزوجك الجنة) يعني بها جنة في الأرض لم يلزم منه أنه ينفي وجود الجنة التي وعد الله بها عباده المتقين ولو لم يصرح بذلك.
2- قد نقل عنه القول بإثبات الرؤية في تفسير قوله تعالى (للذي أحسنوا الحسنى والزيادة) وتقدم من نص من الأئمة على ذلك، كما ذكرت ما عثرت عليه من الروايات عنه رحمه الله وما فيها من المقال.
3- على فرض أن هذه الآية لا تدل على إثبات الرؤية فثم أدلة كثيرة من الكتاب والسنة على إثبات الرؤية فلماذا تترك تلك النصوص ويتشبث بهذا المنقول عن مجاهد والذي ليس هو بنص بل ولا بظاهر في النفي.
4- أن الذي يتعلق بما نسب إلى مجاهد رحمه الله مع اطراحه لآيات الكتاب ونصوص السنة المتواترة وإجماع السلف قبل مجاهد وبعده يكشف عن نفسه بأنه لا يتبع الدليل وإنما يتبع هوى في نفسه ولذلك تَعلّقَ بالشاذ المطروح المردود ثم رمى البرهان الساطع والدليل القاطع.
5- أن الله عز وجل إنما تعبدنا باتباع كتابه واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم فهما الحجة، وما خالفهما فلا يلتفت إليه كائنا من كان ذلك المخالف وقد تواترت أدلة الكتاب والسنة على إثبات رؤية المؤمنين لربهم وأجمع السلف الصالح على إثباتها. ورحم الله شيخنا العلامة الجليل عبد الرزاق عفيفي فقد سألته مرة عن قول مجاهد هذا (تنتظر ثواب ربها) فقال خطأ . فقلت ما معناه: إن مجاهد تابعي كبير فقال غاضباً (مجاهد ما هو نبي) وصدق رحمه الله .
فلقنني درساً بأن العالم يؤخذ من قوله ويترك حسب الدليل ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم قوله حجة على الكتاب والسنة بل فيهما الحجة على كل أحد.
والله عز وجل سيسألنا يوم القيامة : ماذا أجبتم المرسلين وليس بسائلنا ماذا أجبتم مجاهدا.
المبحث الخامس
تفسير آية سورة القيامة (وجوه يومئذ ناضرة ـ إلى ربها ناظرة).
نقل إمام المفسرين أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 311هـ) تفسيرين لهذه الآية الكريمة (إلى ربها ناظرة) :
الأول:
النظر إلى الله تعالى ورؤيته سبحانه بالأبصار. فأخرج عن عكرمة وإسماعيل بن أبي خالد، وأشياخ من أهل الكوفة قولهم:( تنظر إلى ربها نظرا ) .
وأخرج عن الحسن البصري أنه قال في قوله تعالى:( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ) قال: حسنة ( إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) قال: تنظر إلى الخالق، وحُقَّ لها أن تنضَر وهي تنظر إلى الخالق.
وأخرج عن عطية العوفي، قوله فيها: هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره محيط بهم، فذلك قوله:( لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ).
الثاني:
انتظار الثواب من ربها. وحكاه عن مجاهد في عدد من الروايات ، وحكاه عن أبي صالح.
قلت:
وأبو صالح قد ثبت عنه في السنة لعبد الله أنه فسرها أيضاً بما يوافق تفسير الجمهور قال عبد الله حدثني أبي رحمه الله نا أبو معاوية نا إسماعيل عن أبي صالح في قوله عز و جل وجوه يومئذ ناضرة قال حسنة إلى ربها ناظرة.
وإنما نبهت على هذا حتى لا يتعلق به متعلق فينسب إليه إنكار الرؤية كما قيل عن مجاهد رحمه الله.
وإذا اختلف العلماء في مسألة فالفيصل هو الدليل فأي القولين أسعد بالدليل؟
إن أولى القولين بالصواب هو قول الجمهور وهو أن النظر على ظاهره بمعنى الرؤية وذلك لما يلي:
1- أن النظر إذا عدي بإلى فلا يكون بمعنى الانتظار وإنما يكون بمعنى الرؤية والإبصار، ولا تعرف العرب في لغتها (وهي اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها) انظر إلى كذا بمعنى انتظره. وذلك أن النظر يأتي على معان وهي:
أ- التفكر: ويعدى الفعل إذا قصد به هذا المعنى بـ(في) كقوله تعالى (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (لأعراف:185) ب- الانتظار والتربص: ويستعمل لازما لا متعدياً ومن شواهده في القرآن قوله تعالى (انظرونا نقتبس من نوركم) ومنه في لغة العرب قول امرئ القيس:
فإنكما إن تنظراني ساعة من الدهر تنفعني لدى أم جندب.
ج_ الرؤية والإبصار: ويعدى بإلى كما في قوله تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) وقوله تعالى (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) وقوله تعالى (فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت) ومنه في لغة العرب :
نظرت إليها والنجوم كأنها مصابيح رهبان تشب لقفال
وآية سورة القيامة عدي فيها النظر بإلى فدل على أن المقصود نظر العين لا الانتظار والتربص.
2- أن النظر أضيف إلى الوجوه التي هي محل الأعين التي ينظر بها فدل على أن المقصود النظر والرؤية لا التربص والانتظار كما قال تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء) والمقصود تقلب عينيه إذ الوجه محل العينين التي يحصل بها النظر وتقليب البصر.
3- أن الأصل في الكلام عدم الحذف والتقدير فإذا قلت رأيت فلان فالأصل أني رأيته هو ولا يفهم عربي أني أقصد رؤية سيارته أو بيته إلا بقرينة يدل عليها السياق تقتضي حمل الكلام على هذا المعنى والآية ظاهرة المعنى والبيان في أن المؤمنين ينظرون إلى ربهم حقيقة لا أنهم ينتظرون ثوابه.
4- أن المقام مقام بشارة وإكرام وتمام البشارة والإكرام تعجيل الموعود به والمبشر به من المثوبة أما التربص والانتظار فإن فيه تعذيباً وإيلاماً إلى أن يحصل الموعود به فلا يناسب أن يكون هذا معناه.
المبحث السادس
من أدلة الرؤية في الكتاب والسنة.
أ- من أدلة القرآن الكريم:
1- قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) وتقدم بيان معناها.
2- قوله تعالى (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) الحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله تعالى كما فسرها به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صهيب الآتي.
3- قوله تعالى (ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا .. ) الآية
ودلالتها على إثبات الرؤية من وجوه:
أ- لو كانت رؤية المؤمنين لربهم محالاً لما كان لائقاً بموسى أن يسألها ربه، إذ كيف يليق بكليم الله وأحد الخمسة أولي العزم من الرسل أن يجهل ما يليق بربه ومالا يليق به.
ب_ أن الله تعالى علق الرؤية بأمر ممكن في قدرة الله تعالى لو أراده وهو استقرار الجبل فلو اراد الله تعالى لأقره وتعليق الشيء على أمر ممكن دليل على إمكانه.
ج_ إذا كان الله تعالى تجلى للجبل الجماد فكيف يستحيل أن يكشف الحجاب عن وجهه لأهل الإيمان في جنته حتى يروه إكراماً لهم وإحساناً منه إليهم.
د_ وأما قوله تعالى (لن تراني) فذلك في الدنيا لحكم بالغة ومنها ضعف الخلقة البشرية المخلقة في هذه الدنيا للموت والفناء فأما بعد البعث فيخلقون للبقاء الدائم فيخصهم الله تعالى بما يمكنهم به أن يروا ربهم سبحانه وتعالى.
4- قوله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) ووجه دلالتها على إثبات الرؤية أنه نفى الإدراك والإدراك قدر زائد على الرؤية ونفي القدر الزائد دليل على إثبات الأصل فقولي لمن ينظر في السماء إنك لن تدرك السماء ليس معناه إنك لن تراها ولكن المعنى أنك تراها وتبصرها ولكنك لن تراها كلها والله تعالى أكبر وأعظم وقد تقدم عن عطية العوفي أنه قال : هم ينظرون إلى الله لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره محيط بهم، فذلك قوله:( لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ).
5- قوله تعالى (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) فلما حجب أعداءه إهانة وإذلالاً دل على رؤية أوليائه له إكراماً وإنعاماً وإلا لما كان لبيان حجب أعدائه فائدة ولبطل معنى الكلام.
ب- من أدلة السنة المطهرة:
1- عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة - يعني البدر - فقال ( إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ) . ثم قرأ ( وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ). متفق عليه.
والمعنى أنكم سترون ربكم فوقكم كما ترون القمر لا يضار بعضكم بعضاً بزحام ونحوه ، وعلى رواية التخفيف فالمعنى لا يراه بعضكم دون بعض من الضيم الذي هو الظلم.
والتشبيه في هذا الحديث تشبيه لرؤية الله برؤية القمر لا تشبيه الله تعالى بالقمر فإن الله تعالى (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).
2- عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن الناس قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( هل تضارون في القمر ليلة البدر ) . قالوا لا يا رسول الله قال ( فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب ) . قالوا لا يا رسول الله قال ( فإنكم ترونه كذلك ...) الحديث أخرجه البخاري.
3- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال ( هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا ) . قلنا لا قال ( فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما ) . متفق عليه
4- عن صهيب الرومي - رضي الله عنه - : أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا دخل أهلُ الجنّةِ الجنة ، يقول تبارك وتعالى : تريدون شيئا أزيدُكم ؟ فيقولون : ألم تُبَيِّضْ وجوهَنا ؟ ألم تُدخلْنا الجنةَ وتنجِّنا من النار ؟ قال: فيكشف الحجابَ ، فما أُعْطوا شيئا أحبَّ إليهم من النظر إلى ربِّهم تبارك وتعالى». زاد في رواية : ثم تلا هذه الآية : {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} [يونس:26] أخرجه مسلم والترمذي.
5- ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه دعا ربه أن يرزقه لذة النظر إلى وجهه _ وسيأتي قريباً_ ولو كانت رؤية الله تعالى مستحيلة لكان الدعاء بها عبثاً وجهلاً وقد نزه الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن هذين الوصفين فإنه أعلم الناس بربه تبارك وتعالى.
وختاماً:
فإن رؤية المؤمنين لربهم مما ثبت صراحة في أدلة الكتاب المتكاثرة وأحاديث السنة المتواترة وأجمع عليه السلف الصالح وهو أعظم نعيم تتشوف إليه نفوس المؤمنين، وتقتدي بنبيها في سؤالها ربها إياه كما في قوله صلى الله عليه وسلم في دعائه:
( اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينى ما علمت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي اللهم أسألك خشيتك فى الغيب والشهادة وأسألك كلمة الإخلاص فى الرضا والغضب وأسألك القصد فى الفقر والغنى وأسألك نعيمًا لا ينفد وأسألك قرة عين لا تنقطع وأسألك الرضا بالقضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك فى غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين) أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه .
ومن طريف ما يذكر في هذا المقام هذه القصة التي أختم بها، أخرج الخطيب في تاريخ بغداد (7/66) عن عثمان بن سعيد الرازي قال حدثنا الثقة من أصحابنا قال:
لما مات بشر بن غياث المريسي لم يشهد جنازته من أهل العلم والسنة أحد إلا عبيد الشونيزي فلما رجع من الجنازة المريسي أقبل عليه أهل السنة والجماعة قالوا:
يا عدو الله: تنتحل السنة والجماعة وتشهد جنازة المريسي؟!!
قال: أنظروني حتى أخبركم. ما شهدت جنازة رجوت فيها من الأجر ما رجوت في شهود جنازته. لما وضع في موضع الجنائز قمت في الصف فقلت:
- اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن برؤيتك في الآخرة اللهم فاحجبه عن النظر إلى وجهك يوم ينظر إليك المؤمنون
-اللهم عبدك هذا كان لا يؤمن بعذاب القبر اللهم فعذبه اليوم في قبره عذابا لم تعذبه أحداً من العالمين
- اللهم عبدك هذا كان ينكر الميزان اللهم فخفف ميزانه يوم القيامة
- اللهم عبدك هذا كان ينكر الشفاعة اللهم فلا تشفع فيه أحداً من خلقك يوم القيامة.
قال: فسكتوا عنه وضحكوا) اهـ
اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم
والله أعلم والحمد لله رب العالمين.
علي بن يحيى الحدادي
20/4/1430هـ
www.haddady.com
[email protected]
منقول