الأخلاق الجميلة داخلة في علم التوحيد
قال العلاَّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
قال العلاَّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله:
حُسْنُ الخُلُق
هذا هو مادة الأخلاق الجميلة كلِّها،
وقد اتفق الشرع والعقل على حسنه، ورفعة قدره، وعلو مرتبته، ومداره على قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف] ، أي خذ ما تيسر وعفى وتسهل من أخلاق الناس، ولا تطالبهم بما لا تقتضيه طباعهم، ولا تسمح به أخلاقهم. هذا فيما يأتيك منهم.
وأما ما تأتي إليهم فالأمر بالعرف، وهو نصحهم وأمرهم بكلِّ مستحسن شرعاً، وعقلاً وفطرة،
وأعرض عمن جهل عليك بقوله أو فعله، فللَّه ما أحلى هذه الأخلاق وما أجمعها لكلِّ خير. وقال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فصلت] .
ويُمِدّه الصبرَ والحلمَ وسعةَ العقل. وفضل هذا الخلق ومرتبته فوق ما يصفه الواصف.
ومن فوائد هذا المقام الجليل:
أنَّ صاحبه مستريح القلب، مطمئن النفس
قد وطّن نفسه على ما يصيبه من الناس من الأذى،
وقد وطّن نفسه أيضاً على إيصال النفع إليهم بكلِّ مقدوره،
وقد تمكّن من إرضاء الكبير والصغير والنظير،
وقد تحمَّل مَنْ لا تَحْمِلُهُ مِن ثقله الجبال،
وقد خفت عنه الأثقال،
وقد انقلب عدوه صديقاً حميماً،
وقد أمن من فلتات الجاهلين ومضرة الأعداء أجمعين،
وقد سهل عليه مطلوبه من الناس، وتيسر له نصحهم وإرشادهم والاقتداء بنبيه في قوله تعالى في وصفه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } [آل عمران: 159] الآية.
ويتولد عنه خلق:
الـرحمـة
وهي رقة القلب وصفوه ورحمته للخلق وزوال قسوته وغلظته، وهو من أخلاق صفوة الخلق.
قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) } [التوبة] .
فرأفته صلى الله عليه وسلم ورحمته لا يقاربه فيها أحد من الخلق، وهذه الرأفة والرحمة ظهرت آثارها في معاملته للخلق، ولا تنافي قوة القلب وصبره.
فقد كان صلى الله عليه وسلم أصبر الخلق وأشجعهم وأقواهم قلباً مع كمال رحمته.
فقوة القلب من آثارها: الصبر والحلم والشجاعة القولية والفعلية، والقيام التام بأمر الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ورحمة القلب من آثارها: الشفقة والحنو والنصيحة، وبذل الإحسان المتنوع، فأيُّ أخلاق تقارب هذه الأخلاق السامية الجليلة. فقوة القلب وشجاعته تنفي الضعف والخور، ورحمته تنفي القسوة والغلظة والشراسة.
وهذه الأخلاق الجميلة وإن كانت من علم الأخلاق والتربية على أحسنها،فإنَّها أيضاً داخلة في علم التوحيد، كما دخل فيه الخوف والرجاء والدعاء وغيرها.
فهي من جهة: التعبد لله تعالى بها والتقرب إليه داخلةٌ في علم التوحيد.
ومن جهة: تكميلها للعبد وترقيتها لأخلاقه وتهذيب النفوس وتزكيتها داخلةٌ في علم الأخلاق.
وهذا أعظم البراهين على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى أنَّ ما جاء به من القرآن والدين هو الحق الذي لا رقي ولا علو ولا كمال ولا سعادة إلا به، وأنَّه هو الهدى العلمي الإرشادي، والهدى العملي، والتربية النافعة.
والحمد لله رب العالمين. اهـ
المصدر: "فتح الرحيم الملك العلام في علم العقائد والتوحيد والأخلاق والأحكام المستنبطة من القرآن" للعلامة السعدي رحمه الله / تحقيق عبدالرزاق البدر وفقه الله
__________________