إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، وكيف نحقق حفظ الله؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، وكيف نحقق حفظ الله؟

    احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ،
    وكيف نحقق حفظ الله؟




    عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:
    كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال:

    «
    يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك !
    وإذا سألت فاسأل الله !
    وإذا استعنت فاستعن بالله!
    واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك
    وإن اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك جفت الأقلام وطويت الصحف»

    [رواه أحمد والترمذي وقال: حديث صحيح.].
    الحديث في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين وصححه الألباني رحمه الله
    وفي روايةٍ غير الترمذي, عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:((يَا غُلَامُ أَوْ يَا غُلَيِّمُ, أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ؟ فَقُلْتُ: بَلَى, فَقَالَ: احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ, احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ, تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ, يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ, وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ, وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ, قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ, فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا, أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ, لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ, وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ, لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ, لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ, وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا, وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ, وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ, وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا))
    [أخرجه أحمد في سننه]

    ***
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صل الله عليه واله وسلم وبعد:

    بعون الله سنأخذ في هذا الجمع اليسير معان وتوجيهات في معن حفظ العبد لله وحفظ الله للعبد وأنواع ذلك وصوره
    >>قال ابن الجوزي رحمه الله: تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش، فوا أسفى من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه.
    إن في هذا الحديث من معاني التوحيد والتعلق بالله وحده وتسليم الأمور له وحده والطمأنينة بقضائه وقدره،والركون عليه جلا وعلا في جلب النفع ودفع الضر،و ما يشعر المسلم معه بطمأنينة النفس وسكون الروح، وسمو المشاعر وانضباط الجوارح.
    أما قول النبي : ((احفظ الله يحفظك)) في هذا يعني حفظ حدود الله بلا تجاوز، وحفظ حقوقه، وأوامره ونواهيه، وذلك باتباع أوامر الله سبحانه وتعالى واجتناب نواهيه، جاء في الأثر: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حُرُمات فلا تنتهكوها، وحد حدودا فلا تعتدوها.
    وقد أثنى الله على من حفظ حدود الله قال تعالى: والحافظون لحدود الله [التوبة 112] وقال تعالى: هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب [سورة ق 32-33]، ومن أعظم ما يجب حفظه من المأمورات الصلوات الخمس، قال : ((من حافظ عليهن كن له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة)).

    ******

    السؤال :كيف يتحقق حفظنا لله سبحانه وتعالى???
    الجواب:
    يتحقق حفظ الله بالحديث التالي:
    وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استحيوا مِن الله حقَّ الحياء. قال: قلنا: يا رسول الله إنَّا لنستحيي، والحمد للَّه. قال: ليس ذاك، ولكنَّ الاستحياء مِن الله حقَّ الحياء: أن تحفظ الرَّأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى، وتتذكَّر الموت والبِلَى، ومَن أراد الآخرة، ترك زينة الدُّنيا، فمَن فعل ذلك، فقد استحيا مِن الله حقَّ الحياء)) حسنه الألباني في صحيح الترمذي .

    قال ابن رجب: (يدخل فيه حفظ السَّمع والبصر واللِّسان مِن المحرَّمات، وحفظ البطن وما حوى، يتضمَّن حفظ القلب عن الإصرار على ما حرَّم الله، ويتضمَّن أيضًا حفظ البطن مِن إدخال الحرام إليه مِن المآكل والمشارب، ومِن أعظم ما يجب حفظه مِن نواهي الله عزَّ وجلَّ اللِّسان والفرج)
    .
    جامع العلوم والحكم

    وقال المباركفوريُّ في شرح الحديث:
    قوله: ((استحيوا مِن الله حقَّ الحَيَاء)). أي: حياءً ثابتًا ولازمًا صادقًا، قاله المناويُّ، وقيل: أي: اتَّقوا الله حقَّ تقاته.
    ((قلنا يا نبيَّ الله إنَّا لنستحيي)). لم يقولوا: حقَّ الحَيَاء؛ اعترافًا بالعجز عنه.
    ((والحمد لله)). أي على توفيقنا به.
    ((قال: ليس ذاك)). أي: ليس حقَّ الحَيَاء ما تحسبونه، بل أن يحفظ جميع جوارحه عمَّا لا يرضى.
    ((ولكن الاستحياء مِن الله حقَّ الحَيَاء: أن تحفظ الرَّأس)). أي: عن استعماله في غير طاعة الله، بأن لا تسجد لغيره، ولا تصلِّي للرِّياء، ولا تخضع به لغير الله، ولا ترفعه تكــبُّرًا.
    ((وما وعى)). أي: جمعه الرَّأس مِن اللِّسان والعين والأذن عمَّا لا يحلُّ استعماله.
    ((وتحفظ البطن)). أي: عن أكل الحرام.
    ((وما حوى)). أي ما اتصل اجتماعه به مِن الفرج والرِّجلين واليدين والقلب، فإنَّ هذه الأعضاء متَّصلة بالجوف، وحفظها بأن لا تستعملها في المعاصي، بل في مرضاة الله تعالى.
    ((وتتذكَّر الموت والبِلَى)). بكسر الباء، مِن بَلَى الشَّيء إذا صار خَلِقًا متفتِّتًا، يعني تتذكَّر صيرورتك في القبر عظامًا بالية.
    ((ومَن أراد الآخرة ترك زينة الدُّنْيا)). فإنَّهما لا يجتمعان على وجه الكمال حتى للأقوياء، قاله القاري.
    وقال المناويُّ: لأنَّهما ضرَّتان، فمتى أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى) .تحفة الأحوذي
    - وعن يَعْلَى أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يغتسل بالبَــرَاز فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: إنَّ الله عزَّ وجلَّ حَلِيمٌ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ، يحبُّ الحَيَاء والسَّتْر، فإذا اغتسل أحدكم فليَسْتَتِر)) صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب

    س - كيفية تحقيق حفظ الله من العبد??:
    بعد توحيده جل وعلا واخلاص العمل له سبحانه وتعالى مع الكفر بالطاغوت
    الأولى: في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(احفظ الله ). الأمر بحفظ حدوده وحقوقه وأوامره ونواهيه وحفظ ذلك يكون بالوقوف عند أوامره بالامتثال وعند نواهيه بالاجتناب وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه إلا ما نهى عنه فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله الذين مدحهم الله في كتابه قال تعالى: (هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ).
    وقد جاءت النصوص بحفظ أمور مهمة والاعتناء بها فمن ذلك:
    1-الطهارة: فإنها مفتاح الصلاة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحافظ على الوضوء الا مؤمن). رواه احمد. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب على الوضوء لكل صلاة كما ثبت في السنة.
    2-الصلاة: فقد أمر الله سبحانه بالمحافظة عليها في قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ). ومدح المحافظين عليها وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حافظ عليهن كن له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة). رواه أحمد.
    3-الأيمان: أمر الله بحفظها كما في قوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُم) وكثيرا من الناس يكثر من الحلف لغير حاجة واذا حلف فلا يلتزم بما يجب فيها ومنهم من يحلف بالله كاذبا وقد ورد الوعيد في التساهل في ذلك.
    4-الرأس والبطن: أمر الله بحفظهما كما في حديث عبدالله بن مسعود: ( الاستحياء حق الحياة أن تحفظ الرأس وماوعى وتحفظ البطن وما حوى). رواه احمد . وحفظ الرأس يتضمن حفظ السمع والبصر واللسان عن المحرمات وحفظ البطن يتضمن حفظ القلب عن المحرمات وحفظ البطن عن أكل الحرام وشهوة الرأس والبطن مهلكة لكثير من الخلق وقد تساهل الناس في أكل الحرام وورد في ذلك وعيد شديد.
    5-اللسان والفرج: وهما من أعظم ما يجب حفظه عن المحرمات لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حفظ ما بين لحييه وما بين رجليه دخل الجنة). وقد أمر الله عزوجل بحفظ الفروج ومدح الحافظين لها فقال: (وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ). وهذان العضوان من أعظم الأسباب التي تدخل النار وقد ورد وعيد شديد لمن فرط فيهما وإذا افتتن المرء فيهما أصيب في مقتل ولا يحافظ عليهما إلا الكمل من أهل الإيمان.
    واستخفاف المؤمن في هذه الخصال يدل على ضعف إيمانه وقلة يقينه وطاعته للشيطان وحرصه عليها وصيانته لها يدل على كمال إيمانه وقوة يقينه وتحصنه من أولياء الشيطان.

    (((((يـحـفـظـــك)))))
    • حفظ الله للعبد
    اعلمو علم اليقين وأيقنوا تمام اليقين أن الله خيراً حافظاً وهو أرحم الراحمين هو الذي يحفظ الأمم والجماعات هو الذي يحفظ الأفراد والشعوب وهو خير حافظاً وهو أرحم الرحمين، فلا يكون شئ في هذه الحياة الدنيا إلا بأمر الله لن يتسلط قوم على قوم إلا إذا سلطهم الله ، ولن يكف أذى قوم عن قوم إلا إذا كفهم الله ، قال تعالى في كتابه ممتنا:"وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم".
    قوله: (يحفظك) مراده من حفظ حدود الله وراعى حدوده حفظه الله فإن الجزاء من جنس العمل كما قال تعالى: (وأوفوا بعهده) وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان:
    الأول:
    حفظه لدينه وهوأهم مطلب للانسان العاقل اللبيب
    الثاني: حفظه في مصالح دنياه
    ****
    النوع الأول من الحفظ حفظ الله للعبد دينه وهو أشرفهما وأفضلهما:
    إن صور حفظ الله لعباده الصالحين صور كثيرة جدا ومتعددة، وتمتد إلى جوانب شتى ولكن أعظم هذه الصور على الإطلاق هي صورة حفظ الله تعالى للعبد في دينه وصلاحه واستقامته ،نعم إن هذا النوع هو أعظم أنواع الحفظ وأفضلها وأهمها وأعلاها على الإطلاق قال تعالى : {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ } (257) سورة البقرة وقال تعالى : { قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } (15-16) سورة المائدة وقال تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} (30) سورة فصلت وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (13) سورة الأحقاف وقال تعالى : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (69) سورة العنكبوت وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (70-71) سورة الأحزاب
    قال الأمام الشوكاني رحمه الله تعالى : (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) أي يجعلها صالحة لا فاسدة بما يهديهم إليه ويوفقهم فيه . فتح القدير 4/352
    وقال تعالى : {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} (27) سورة إبراهيم
    والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً .
    والحفظ حفظان , الأول حفظ الدين من الشبهات المُضلة ومن الشهوات المحرمة وهذا الحفظ مُطلق لكل من حفظ الله بالتزام شرعه:
    أ- أن يحفظه من الشبهات
    حفظ الله لعبده في دينه، فيحفظ عليه دينه وإيمانه؛ في حياته من الشبهات المردية، والبدع المضلة،والحزبيات المفرقة والشهوات المحرمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفاه على الإسلام و
    الإيمان ففي الصحيحين عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمره أن يقول عند منامه: (إن قبضت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين).
    والله يحول بين العبد وبين ما يفسد عليه دينه بأنواع من الحفظ وقد لا يشعر العبد بذلك وقد يكون كارها له كما قال في حق يوسف عليه السلام: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ). ولذلك ورد في المستدرك: (إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الماء).
    فالعبد الصالح يحميه الله من فتنة الدنيا ووسائل الفتن ويغلق عليه أبواب الشر ويفتح عليه أبواب الخير كما قال ابن مسعود: (إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسر له فينظر الله إليه فيقول للملائكة اصرفوه عنه فإنه إن يسرته له أدخلته النار فيصرفه الله عنه فيظل يتطير يقول سبقني فلان دهاني فلان وما هو إلا فضل الله عز جل).

    ب- أن يحفظه من الشهوات:

    ما يصرفه سبحانه وتعالى عن عبده المؤمن من الوقوع في الشهوات المحرمة قال تعالى عن يوسف عليه السلام :{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}(24) سورة يوسف}

    قال الإمام ابن سعدي رحمه الله معلقاً على هذه الآية:
    هذان الأمران من ألطاف حفظ الباري لخواص أنبيائه وأصفيائه صرف أسباب السوء والفحشاء الداخلية، وصرف الأسباب الخارجية، ومن أراد الله به خيراً صرف عنه الأمرين اللّذين هما مجموع الفتن، وذكر الله لهذا الصرف الذي هو من أَجَلِّ نعمه سببين:

    أحدهما: قوة الإخلاص من العبد واستخلاص الله له.
    والثاني: اللهج بالتضرع والدعاء، فمن أخلص لله؛ استخلصه الله ووفقه لفعل الخيرات، وصرف عنه السوء والمكروهات، ومن تضرع له وألح بالدعاء؛ استجاب الله له فصرف عنه شر شياطين الإنس والجن، وكفاه كيد الكائدين ومكر الماكرين.
    فيوسف صلى الله عليه وسلم لما كمل الأمرين: الإخلاص لله، والتضرع له والالتجاء إليه والاعتصام به؛ حفظه الله حفظاً كاملاً من الشرور الباطنة والظاهرة، الداخلية والخارجية، والله تعالى يقص علينا قصص أنبيائه؛ ليكون ذلك عبرة لنا، والعبرة هنا أن كل من له حَظٌّ من الإخلاص والدعاء والتضرع؛ فله حَظٌّ من حفظ الله وصيانته بحسب ما قام به من قوة الأمرين أو ضعفهما، ومن فاته الأمران؛ وُكِّلَ إلى نفسه، ولم يحصل له حفظ ولا صيانة، ووقع في فتن الشهوات والشبهات.
    فنسأل الله العصمة، وأن لا يكلنا إلى حولنا وقوتنا طرفة عين، إنه جواد كريم.
    وقد تضمن هذه المعاني الجليلة الدعاء الذي أرشد النبي صلّى الله عليه وسلّم إليه أمته بفعله وقوله، وهو: «اللهم! فاطر السماوات والأرض! عالم الغيب والشهادة! رب كل شيء ومليكه! أشهد أن لا إله إلا أنت، أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم»([1])؛ فتضمن الاستعاذة من الشر الداخلي وهو شر النفس، والشر الخارجي وهو شر الشيطان وحبائله وأشراكه، ومن غايَتَي الشر: وهما أن يقترف العبد سوءاً يجره إلى نفسه، أو يجره إلى أخيه المسلم، فمن أعاذه الله من هذه الشرور؛ فقد أعاذه الله من أسباب الشرور ومن غاياتها، وألبسه ملابس العافية والسلامة والتوفيق.

    [1] ـ والحديث أخرجه: الإمام أحمد (1/9)، والبخاري في " الأدب المفرد" (1204) و"خلق أفعال العباد" ـ وانظر: " صحيح الأدب المفرد" للألباني (914) ـ، والترمذي (3392) ـ وقال: " حسن صحيح"ـ.
    مجموع الفوائد واقتناص الأوابد للشيخ السعدي رحمه الله

    وكما في قصة فتى المدينة الصالح
    ذكر ابن القيم في روضة المحبين عن حصين بن عبدا لرحمن قال بلغني أن فتاً من أهل المدينة كان يشهد الصلوات كلها مع عمر بن الخطاب وكان يتفقده إذا غاب ، فعشقته امرأة من أهل المدينة ، فذكرت ذلك لبعض نسائها فقالت أنا أحتال لك لإدخاله عليك فقعدت له في الطريق فلما مر بها قالت له إني امرأة كبيرة في السن ولي شاة لا أستطيع أن أحلبها فلو دخلت تحلبها لي ، وكانوا ارغب شي في الخير فدخل فلم يرى شاة ،فقالت : اجلس حتى آتيك بها فإذا المرأة قد طلعت عليه فلما رأى ذلك عمد إلى محراب في البيت فقعد فيه فراودته على نفسها فأبى وقال: اتقى الله أيتها المرأة فجعلت لا تكف عنه ولا تلفت إلى قوله فلما أبى عليها صاحت عليه فجاءوا فقالت :إن هذا دخل علي يريدني عن نفسي ، فوثبوا عليه وجعلوا يضربونه وأوثقوه فلما صلى عمر الغداة وبينما هو على ذلك إذ جيء به في وثاقه فلما رآه عمر قال (( اللهم لا تخلف ظني فيه )) فقال مالكم؟ قالوا: استغاثت امرأة بالليل فجئنا فوجدنا هذا الغلام عندها فضربناه وأوثقناه فقال عمر رضي الله عنه : أصدقني ، قال:يا أمير المؤمنين كان من الأمر كذا وكذا ،قال عمر رضي الله عنه : أتعرف العجوز؟ فقال نعم إن رأيتها عرفتها فأرسل عمر إلى نساء جارته وعجائزهن فجيء بهنّ فلما مرت هذه العجوز قال: هذه هي يا أمير ألمؤمنين فرفع عمر عليها الدرة وقال: اصدقيني ، فقالت له القصة كما قال له الفتى ، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف عليه السلام .
    روضه المحبين ص 459

    ****
    النوع الثاني:
    حفظ الله للعبد مصالح دنياه


    ومن صور حفظ الله للعبد في دنياه:


    حفظه في صحة بدنه:

    أن يحفظه في صحة بدنه وقوته وعقله وماله.
    فيحفظ الله للعبد عقله من الزيغ والجنون
    قال بعض السلف: العالم لا يخرف. وقال بعضهم: من جمع القرآن مُـتِّع بعقله.

    وتأوّل بعضهم على ذلك قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ (سورة التين، الآيتان 5-6).
    وكان أبو الطيب الطبري قد جاوز المائة سنة وهو ممتَّع بعقله وقوته، فوثب يومًا من سفينة كان فيها إلى الأرض وثبة شديدة، فعوتب على ذلك فقال: هذه جوارح حفظناها عن المعاصي في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر.
    وعكس هذا: أن الجنيد رأى شيخًا يسأل الناس فقال: إن هذا ضيَّع الله في صغره، فضيّعه الله في كبره!!
    حفظه في أولاده:
    وقد يحفظ الله العبد بصلاحه في ولده، وولد ولده. كما قيل في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ (سورة الكهف، آية 82)، أنهما حُفِظا بصلاح أبيهما.
    وقال محمد بن المنكدر: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وقريته التي هو فيها، فما يزالون في حفظٍ من الله وستر.
    وقال ابن المسيب لابنه: يا بنيّ لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أُحفظ فيك، وتلا هذه الآية: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ (سورة الكهف، آية 82).
    حفظه في أمواله:
    ومتى كان العبد مشتغلًا بطاعة الله عز وجل، فإن الله تعالى يحفظه في تلك الحال.
    - كان شيبان الراعي يرعى غنمًا في البرية، فإذا جاءت الجمعة خطَّ عليها خطًّا، وذهب إلى الجمعة، ثم يرجع وهي كما تركها!!
    - وكان بعض السلف في يده الميزان يزن بها دراهم، فسمع الأذان، فنهض ونفضها على الأرض، وذهب إلى الصلاة، فلما عاد جمعها فلم يذهب منها شيء.
    وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: متى كان العبد مشتغلا بطاعة الله، فإن الله يحفظه في تلك الحال، وفي مسند الإمام أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كانت امرأة في بيت، فخرجت في سرية من المسلمين وتركت ثنتي عشرة عنزة وصيصيتها ـ وهي الصنارة التي يغزل بها وينسج ـ كانت تنسج بها، قال: ففقدت عنزا لها وصيصيتها، فقالت: يا رب إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه، وإني قد فقدت عنزا من غنمي وصيصيتي، وإني أنشدك عنزي وصيصيتي، قال: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شدة مناشدتها ربها تبارك وتعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأصبحت عنزها ومثلها، وصيصيتها ومثلها ... وفي الجملة فإن الله عز وجل يحفظ على المؤمن الحافظ لحدود دينه، ويحول بينه وبين ما يفسد عليه دينه بأنواع من الحفظ وقد لا يشعر العبد ببعضها، وقد يكون كارها له، كما قال في حق يوسف عليه السلام: كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين {يوسف: 24}. اهـ.
    والله أعلم.


    حفظه من الجن والإنس:
    أن يحفظه من شرِّ كل من يريده بأذى من الجن والإنس، كما قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ﴾ (سورة الطلاق، آية 2).
    قالت عائشة - رضي الله عنها -: يكفيه غمَّ الدنيا وهمها.
    وقال الربيع بن خثيم: يجعل له مخرجًا من كل ما ضاق على الناس.
    وكتب بعض السلف إلى أخيه: أما بعد فإن من اتقى الله فقد حفظ نفسه، ومن ضيّع تقواه، فقد ضيَّع نفسه، والله الغني عنه.
    حفظه من الحيوانات المؤذية:
    ومن عجيب حفظ الله تعالى لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطبع حافظة له من الأذى وساعية في مصالحه، كما جرى لسفينة مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- حين كُسر به المركب، وخرج إلى جزيرة فرأى السبع فقال له: يا أبا الحارث! أنا سفينة مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجعل يمشي حوله ويدلّه على الطريق حتى أوقفه عليها، ثم جعل يهمهم كأنه يؤدِّعه وانصرف عنه.
    ومن ضيع الله ضيعه الله بين خلقه، حتى يدخل عليه الضرر ممن كان يرجو أن ينفعه، ويؤذيه أخص أهله به وأرفقهم به.
    كما قال بعضهم: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي وحماري.
    فالخير كله مجموع في طاعة الله والإقبال عليه. والشر كله مجموع في معصيته والإعراض عنه.


    (احفظ الله تجده تجاهك) : دليل على إثبات معية الله لعبده فمن حفظ حدود الله وجد الله معه في كل أحواله حيث توجه يحوطه وينصره ويوفقه ويسدده كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُون).

    أسباب لانشعر بها

    قد يكون هناك أمور يحفظ الله بها العبد ولا يشعر ، وقد سمعتم عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم، لخاله سعد بن وقاص لما رأى بنفسه فضل على من سواه، يا سعد ، سعد جاء في وقت ظن أن له فضل على الضعفاء الفقراء لكونه يعطي هذا وهذا ، قال يا سعد وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم! ممكن أن ترزق بسبب ضعيف تنفق عليه إذا منعت النفقه منع عنه الرزق،قد تنصر وترزق بسبب أبا شيخا كبيرا أنت تقوم عليه،بسبب أم عجوز أنت تقوم عليها،بسبب يتيم أنت تكفله أو امرأة ترعاها ، فلا تنس أبدا أن النصر من عند الله وسيقت لذلك أسباب .

    الخلاصة:
    الجزاء من جنس العمل
    فالجزاء من جنس العمل، قوله: يحفظك ( يعني أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه حفظه الله، فإن الجزاء من جنس العمل، كما قال تعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ (سورة البقرة، آية 40)، وقال: ﴿ َاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (سورة البقرة، آية 152)، وقال: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (سورة محمد، آية 7).
    فمن أراد أن يتولى الله حفظه ورعايته في أموره كلها فليراع حقوق الله عليه، ومن أراد جلب النفع له ولذريته ودفع الضر عنه وعن ذريته فليحقق حفظ الله ومن أراد أن لا يصيبه شيء مما يكره، فلا يأت شيئًا مما يكرهه الله منه.
    فتأمل في حفظ الله لعباده الصالحين، قد حفظهم في أنفسهم وأموالهم وأهليهم، ثم هو يحفظهم في أعظم ما يحملون في دينهم، بل ويحفظهم من كل سوء لم يقدره عليهم، فهنيئا لأولئك الذين صبروا على طاعة ربهم، وهنيئا لمن راقب الله في جوارحه ولسانه وأعمال قلبه، قد نالوا حفظ الله لهم، ومن يحفظه الله فلا يمكن لأي قوة في الأرض أن تخترق هذا الحجاب المنيع.
    أما الذين ضيعوا أمر الله فوا أسفى على حياة ما تلذذوا بها، وعلى أيام حيل فيها بينهم وبين ما يشتهون، فانقلبت لذتهم حزنا وصفوهم كدرا.

    وكان بعض السلف يدور على المجالس
    ويقول: من أحب أن تدوم له العافية فليتق الله.
    وقال العمري الزاهد: كما تحب أن يكون الله لك، فهكذا كن لله عز وجل.
    فما يؤتى الإنسان إلا من قبل نفسه، ولا يصيبه المكروه إلا من تفريطه في حق ربه عز وجل.
    كما قال بعض السلف: من صَفَّى صُفِّي له، ومن خلّط خُلِّط عليه.

    كتب بعض السَّلَف إلى أخيه: أما بعد فإنه من اتقي الله فقَدْ حفظ نَفْسه ومن ضيع تقواه فقَدْ ضيع نَفْسهُ والله الغني عنه.


    نسأل الله تعالى أن يحفظنا بحفظه ويكلأنا برعايته ويرزقنا مراقبته وخشيته في السر والعلن والحمد لله رب العالمين

    والحمد لله رب العالمين

    كتبه: أبو الخطاب
    فؤاد بن علي السنحاني
    اليمن....المحويت
    الجمعة 20صفر1436
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو الخطاب فؤاد السنحاني; الساعة 13-12-2014, 02:07 PM.
يعمل...
X