فتنة التَّكفير
لقاء مع قناة المجد
[على إثر تفجيرات الرياض]
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
[مفرّغ]
بسم الله الرحمن الرحيم
راشد الزهراني (مقدِّم): الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وأهلا ومرحبا بكم في لقاء متجدد في ملفات خاصة والتي تستضيف في هذا اللقاء معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ....
معالي الشيخ .... أولاً أول الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن: هل هذه الأحداث وهذا العنف الذي يقع سواء في بلادنا أو في غيرها من البلاد الإسلامية يكون وراءه أفكار أعني معينة أم أنه يهدفون من ورائها إلى إصلاح أو قضايا أخرى؟
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فلا شك أن تاريخ الانحراف في تاريخ المسلمين قديم، هو ابتدأ في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خرج رجل يتَّهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه لم يعدل في قسمته، آل الأمر إلى خروج طائفة تسمى طائفة الخوارج يتعبدون الله جل وعلا بالقتال غير المشروع للمسلمين ولغير المسلمين، وهذه الطائفة –حسب معتقدها وحسب ظنها وحسب ما تريد- ترمي إلى إحقاق الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان من ذلك في ظنهم قتل عثمان بن عفان وقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وهما صاحبا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وممن شهد لهما النبي صَلَّى الله عليه وسلم بالجنة، فقتلوهما يريدون من ذلك الأجر والثواب.
فأحيانا يأتي الشيطان إلى المتلبس بالدين الراغب في نصرة الدين يأتيه من هذه الجهة؛ من جهة غيرته، من جهة ديانته، من جهة حبه للإسلام للمسلمين حبه لكتاب الله، حتى يحرفه من هذه الجهة فيقوده إلى الغلو والانحراف.
فإذن هذه الأحداث الأخيرة ليست جديدة في الواقع على الأمة الإسلامية وإن كانت في تصويرها وهيأتها وشكلها وعُنْفها فيها بشاعة كبيرة ربما قلت أن مرت على الأمة الإسلامية؛ لكن أساساتها وهي الفكر المنحرف الغالي الخارج عن طريقة أهل السنة والجماعة الذي ينحو إلى التكفير؛ تكفير المسلمين أو تكفير أصحاب المعاصي أو تكفير الحكام أو تكفير الدول، وينحو إلى الغيرة غير المنضبطة بضوابط الشرع هذا الانحراف الكبير والجرأة أدى إلى مثل هذه الأعمال الكبيرة، فنحن حينما ننظر إليها ننظر إلى تاريخ لأمثال هؤلاء وليست وليدة اليوم ولا البارحة.
راشد: أحسن إليكم معالي الشيخ يعني أترون أن من الأسباب التي كان بسببها هذه التفجيرات هي قضية أن بعض من فعل هذا يحمل فكر التكفير يا شيخ؟
الشيخ: لاشك أن الأحداث هذه سبقتها أحداث في الرياض من سبع سنوات، وقد قابلوا الذين فجروا في الرياض من سبع سنوات وبيَّنوا أنهم يدينون بالتكفير حتى تكفير العلماء فضلا عن تكفير غيرهم.
فهذا الأمر مستقر وإن لم يظهروه؛ لأن كون الإنسان يقدم على مثل هذه الأعمال الإجرامية البشعة لابد أن يكون عنده دافع يبرر له ما فعل، وهذا التبرير لا يكون إلا بتكفير الناس أو تكفير بعضهم، ذلك يؤول إلى عدم قبول العلماء وعدم الرضا عن المجتمع والرغبة في الجهاد بحسب ظنه الجهاد -غير المكتمل الشروط الشرعية-.
راشد: وهذا ما يفسر معالي الشيخ حينما كنتم نائبا لوزير الشؤون الإسلامية بعقد دورة بعد أحداث الرياض في مدينة الرياض عن التكفير والوسطية؟
الشيخ: هذا صحيح لأن موضوع التكفير دائما متجدد في الأمة هو مرتبط بفكر الخوارج على العموم، والنبي صَلَّى الله عليه وسلم حينما تحدث على الخوارج قال «لا يزالون يخرجون حتى يقاتِل آخرُهم مع الدجال» فظهور الخوارج ليس مقتصرا على الزمن الأول، (لا يزالون يخرجون) لكن في أثواب جديدة، ويجمعها أنّهم يذهبون إلى الغلو، الغلو في مجالات ومنها قضية التكفير، فمسائل التكفير هذه هي السبب الذي يُقنع به الشباب هؤلاء أو من ينحو هذا المنحى يقنع به نفسه أن تصرفه سليم، فهو ينحو إلى شيء يريد تبريرا له، وهذا الذي نحى إليه هو من جهة نفسية يكون إما من واقع المجتمعات الإسلامية، أو تسلُّط غير المسلمين على المسلمين في أنفسهم أو في بلادهم، أو من حيث كثرة المنكرات الموجودة، أو من حيث تَعَطُّل بعض أنواع الجهاد ونحو ذلك.
راشد: أحسن الله إليكم، معالي الشيخ مسائل التكفير يعني واضحة وبينة في كتاب الله وسنة رسوله، ويعني في مناهجنا التعليمية والحديث على هذا الموضوع وخطورته؛ لكن مع هذا كله وقع بعض الانحراف ما هو السبب معالي الشيخ؟
الشيخ: أولا أحب أن أقدم أن التكفير حكم؛ التكفير معناه أن تكفر مسلما، والتكفير أتى في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى الله عليه وسلم، تكفير من كفره الله جل وعلا أو تكفير المسلم الذي ارتد عن دينه هذا حكم موجود في الكتاب والسنة يقول الله جل وعلا ﴿وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾[التوبة:74]، وقال ﴿كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾[آل عمران:86، 90]، وقال ﴿مَن يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾[المائدة:54]، والنبي صَلَّى الله عليه وسلم بين أن من المرتدين «التَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلجَمَاعَةِ».
فإذن حكم التكفير موجود، ومنهج أهل السنة والجماعة أن الردة قد تعرض على المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إما بقول أو فعل أو اعتقاد أو شك، وهذا هو الذي دونه أهل العلم في كتب التفسير وكتب العقائد وكتب الفقه من أتباع الذاهب الإسلامية جميعا؛ لكن هذا الأمر الذي هو موجود في التفاسير وموجود في الأحاديث وموجود في الشروح وموجود في كتب الفقه حتى لا يوجد مذهب إلا وهناك باب خاص في هذا الأمر اسمه باب حكم المرتد.
هذا التكفير مع صعوبته وكونه من أواخر أبواب الفقه خاض فيه من لا يعرف أحكام الصلاة التفصيلية ولا أحكام الزكاة التفصيلية، وهو أصعب الأبواب من جهة الفهم وجهة التطبيق.
باب التكفير على العموم لا يليه أفراد الناس، إذا كان الحكم في مسائل البيوع الموجودة في كتب الفقه يليه أو يتولاه من هو متخصص في البيوع، أحكام الشركات من هو متخصص في الشركات، أحكام الأوقاف والوصايا والمواريث من هو متخصص في الفرائض والوصايا والمواريث، الجنايات من يحكم بأن هذا يقتل وهذا يقتص منه وهذا يعطى الدية وهذا إلى آخره من الأحكام الشرعية؟ من هو مختص في أحكام القضاء أو من أهل الفتوى، فكيف بالحكم على مسلم بالردة، لاشك أن هذا الأمر من أصعب ما يكون من جهة الفتوى ومن جهة الحكم، ولذلك الحكم فيه ليس للأفراد، وليس هو مما يطالب كل مسلم أنه يطبقه، أو أنه يقول أنا أحكم على فلان وفلان بحسب ما أرى، هذا مرتبط بوجود شروط ووجود موانع ووجود أحكام تفصيلية له، فلهذا أهل العلم يجعلون أبواب التكفير مُوكَلَة إلى القضاة فقط وليست إلى عامة الناس، ولا حتى أفراد طلبة العلم أنه يقول فلان ارتد وفلان خرج من دينه هذا كافر ونحو ذلك، هذا حكم مختص بالقاضي، القاضي هو الذي يحكم، أو المفتي الذي اجتمعت فيه شروط القضاء، المفتي الذي يحسن القضاء يعني إثبات الشروط وإثبات انتفاء الموانع.
لهذا نقول: إنّ التسارع الذي حصل في هذه المسائل، أنا لست مع من ينفي هذا الحكم الشرعي، لاشك أن هذا خطورة أنه نقول: إنه لا يوجد باب اسمه باب ردة، ولا يوجد أن المسلم يمكن يرتد، ولا يصح أن نكفر. حتى هناك من قال: لا تكفروا اليهود والنصارى لا تكفروا غير المسلمين، هذا مناقضة لأحكام الله جل وعلا في كتابه وأحكام النبي صَلَّى الله عليه وسلم؛ لكن المسألة الحكم موجود في الكتاب والسنة؛ لكن من يلي هذا الحكم؟ أهل العلم ذكروه، لكن من يلي هذا الأمر؟ هنا يأتي ضبط المسألة، فإذن المسألة من جهة فقهية ومن جهة عقدية موجودة.
المسألة تعرض لها في كتب العقائد -مسائل التكفير- وعرضها في كتب العقائد من جهة الاعتقاد لا من جهة الحكم؛ لأن الأحكام في الواقع هذه مرتبطة بالفقه، العقيدة فيها بعض أنواع التكفير لتعتقدها؛ يعني من هو الذي يكفر؟ ما هي الأعمال المكفرة ما الصفة؟ حتى يحذر منها المسلم ويعتقد ما قاله الله جل وعلا وقاله رسوله صَلَّى الله عليه وسلم.
من هنا بدأ الخلل بعد التفجيرات التي ذكرتها سابقا في الرياض وعلى إثرها عقدها في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عدة محاضرات ودورات تتعلق بإيضاح مسائل الغلو والدعوة إلى الوسطية وإيضاح مسائل التكفير، ومنها الدورة التي ذكرتها في مطلع السؤال.
هذه الدورات تهدف إلى بيان ما يتصل بهذه المسألة وتحذير الشباب من أن يتعاطوا هذه المسألة، وأنا بحكم قربي من طائفة كبيرة من الشباب وطلبة العلم من قديم أجد أنّ كثيرا من الشباب يرومون الخوض في هذه المسائل ويأنسون لها، وهذا خلاف ما يجب عليهم الواجب عليهم أن يدخلوا ويبحثوا على المسائل التي تنفعهم في دينهم أما المسائل التي هي من اختصاص القضاء أو من اختصاص المفتي أو نحو ذلك ما فيه أحكام كبيرة، هذا ليس من الحسن أن يدخل فيه أفراد الناس؛ بل يسبب ضلالا وانحرافا في الطريق، الحظ أيضا أن دخول الناس في هذه المسائل سيؤول إذا لم يُحَدّ منه إلى أن يكفر بالهوى يعني شخص ما أعجبته تصرفات شخص آخر أو قال أن هذا التصرف يلزم منه أنه يكره الدين، هذا التصرف يلزم منه أنه يفعل كذا، فيكفِّر باللازم، وهذا وجد في بعض البلاد الإسلامية بعض الفئات والجماعات تكفر باللازم؛ يعني يقول يلزم من كلامه أنه يكون كذا وكذا وكذا، وكما يقول أهل العلم من الأصوليين وغيرهم لازم المذهب ليس بمذهب وناقل الكفر ليس بكافر، قد يكون بعض الكلام الذي قد يؤاخذ صاحبه عليه لكن لا يبلغ به هذا المبلغ.
من المسائل أيضا التي أدت إلى فكر التكفير بشكل عام الخوض في مسائل الحكم بغير ما أنزل الله، وهذا الحكم بغير ما أنزل الله معروف تفاصيل الأحكام عليه في كتب أهل العلم في العقيدة والحديث والفقه والتفسير أيضا منذ القديم، تكلم فيه ابن عباس رضي الله عنهما وتكلم فيه أئمة الإسلام؛ لكن الآن تجد الشاب بعض الفئات خمسة عشر، سبعة عشرة سنة، عشرين، خمسة وعشرين سنة ما عرفوا أحكام الفقه ولا أحكام العقيدة تجد أنه يجادل في مسائل الحكم بغير ما أنزل الله فجعلت هدفا لإحياء قضايا التكفير عند بعض الجماعات والفئات.
راشد: السبب معالي الشيخ؟ يعني هؤلاء الشباب في هذا السن يتركون العلوم الواضحة البيِّنة ويقدمون على مثل هذه الأشياء؟
الشيخ: أتصور أن نفسية الشاب وحبذا أيضا في هذا المقام أنه لو يستعان بأطباء أطباء النفس طبيب متخصص طبيب نفسي في عرض وجهة النظر؛ لماذا يجنح الشاب إلى أصعب الأمور، إلى التكفير، إلى قتل النفس، إلى هذه المسائل التي فيها انحراف وجرم كبير لماذا يلجأ إليها.
أنا في تصوري من واقع التجربة أن الشاب عنده رغبة في إثبات نفسه، وإثبات غيرته على الدين، وعنده رغبة في أن يقول للصّح صح وللغلط غلط بمنظوره هو، فيندفع في وجهته في هذا صح وهذا غلط يؤديه بأن هذا إيمان وهذا كفر، فالشاب يريد الإثبات يريد التميز، فالآن تصرفات الشباب بشكل عام، حتى الشباب الذي عنده تصرفات شهوانية أو أشباه ذلك في ملابسه مثلا أو في سلوكه أو في أعماله أو في هيئاته أو نحو ذلك، هو يبحث عن التميز، هذا صراع نفسي في داخله، يبحث عن التميز، لفت النظر إلى آخره، هذه قد تلبس أيضا ثوب الدّين، فيذهب إلى هذه المسائل الصعبة التي يَبرز فيها بحسب ظنه ويترك المسائل التي تنفعه في دينه لأنها لا تُبْرِزه؛ تجعله شخص غير صاحب رؤية مثلا، أو كذا؛ لأنه يتكلم، إذا بحث في مسائل العقيدة العامة في الإيمان وأركان الإيمان ونحو ذلك مسائل الصلاة، العبادة، الطهارة، العبادات، أحكام بعض المعاملات؛ العِشْرَة، التعامل، الاجتماعيات؛ البر، طريقة التعامل؛ الصلة، الحقوق؛ حقوق نفسه عليه، حقوق والديه، حقوق أقاربه، حقوق ولاة الأمر، حقوق أهل العلم، حقوق المسلمين، يجد أن هذه مسائل تفرض عليه أشياء ولكن لا تعطيه تميُّزا، فلذلك يجنح إلى شيء يثبت به صحة إيمانه وغيرته على الدين وصحة محبته للإسلام، فيجنح إلى أشياء صعبة مثل قضايا التكفير أو الجهاد الذي لم تكتمل شروطه الشرعية.
راشد: ذكرتم معالي الشيخ في لقائكم بما يتعلق بالتكفير أنه هناك شروط وموانع؛ يعني كون إنسان قد ينتقل من الإسلام للكفر هذا ثابت كما في كتب الفقه؛ لكن ما هي الشروط التي يأخذ بها القاضي أو الفقيه أو العالم حتى يحكم على إنسان بالكفر.
الشيخ: أولا نعرِف أن أحكام الشريعة في تحقيقها منوطة بشروط ومنوطة بموانع، هذا والأصوليون يجعلون من الأحكام الوضعية السبب والشرط والمانع إلى آخره، فهي مرعية في جميع الأحكام، إذا نظرنا للطهارة نقول شروط صحة الوضوء كذا، الصلاة شروط الصلاة كذا، النواقض الوضوء هذا، مبطلات الصلاة فيه عدة أشياء، وهكذا في الحج، في الزكاة، في مسائل كثيرة، حتى البيوع له شروطه النكاح له شروط أركان إلى آخره، كيف هذه المسألة العظيمة مسألة إخراج مسلم من دينه، أو الحكم على إنسان بأنه ليس بمسلم ليس بمؤمن، هذا ما فيه شك أنه سيحتاج إلى قواعد شرعية، الشريعة إذا كانت مسائل العبادات التي لا تؤدي إلى صراع بين الناس جعلت لها قواعد وشروط وموانع، فكيف بهذه المسألة العظيمة.
لهذا أهل العلم قالوا: إنه لا يجوز إخراج؛ لا يحل إخراج مسلم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله من دينه إلا ببينة في الوضوح بمثل البينة التي دخل بها إلى الإسلام. هو دخل بشيء واضح أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإخراجه من هذه الشهادة لابد أن يكون بشيء واضح في ذلك، ولذلك جعلوا هناك شروط وهناك موانع لابد من الانتباه لها.
من الشروط أن يكون فيما أتى من قول قاصدا للقول، قاصدا للفعل، أن يكون عنده علم بما يقول، ما يكون مثلا جاهل، ما يكون مثلا نشأ في مكان بعيد لا يعرف الأحكام، ما يكون عنده شبهة، أيضا لابد من إزالة الشبه التي عنده في الحكم عليه؛ لأنه احتمال عنده تأويل، احتمال عنده فهم خاطئ، احتمال احتمال، احتمال، فإذا وردت الاحتمالات على قول أو فعل أو سلوك فلابد من أن يكون هناك مرجعية، القاضي يستفسر منه، أن فيها إثبات أو المفتي يستفسر منه ويجاوبه.
كذلك أن التكفير يكون بمجمع عليه التكفير ما يكون بالمسائل الخلافية، فإذا كان هناك مسألة اختلف فيها العلماء من المسائل.
شخص يقول أن هذا الأمر مكفر والآخر يقول لا، ولا دليل واضح من الكتاب والسنة ينصر أحد القولين، فإذن المسألة صارت اجتهادية في الحكم على مسألة بالردة هذا لا تكفير فيها؛ لأن المسألة التكفير إخراج من الدين فلابد أن يكون بشيء واضح مجمع عليه متفق عليه، أما المسائل المختلف فيها فكما هو معلوم أنه لا تكفير على ذلك.
العلماء؛ علماء الدعوة السلفية بشكل عام خاصة فيما تأصل من المدرسة عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والإمام محمد بن عبد الوهاب ومن تبعهم رحمة الله على الجميع لحظوا هذا في توسع الكتب الفقهية في أحكام الردة، إذا نظرت مثلا إلى كتب فقهاء السادة الحنفية تجد أن باب حكم المرتد طويل وفيه تفصيلات حتى إنهم يحكمون بالكفر على من صغر المصحف فقال: مُصَيْحَف، أو صغّر المسجد فقال: مُسَيْجِد، أو قال لفظا أو عمل عملا يوهم أو يُظنه امتهان أو إهانة للإسلام أو عدم تعظيم الواجب، كذلك فقهاء السادة الشافعية، كذلك فقهاء السادة المالكية، وفقهاء الحنابلة رحمة الله على الجميع، توسعوا في أبواب الفقه في هذا الأمر.
جاءت أئمة الدعوة السلفية لحظوا هذا الأمر، وهم الآن يأتون يعني بعض من لا يفهم حقيقة المذاهب وحقيقة أئمة الدعوة السلفية خاصة شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن تبعهم يظنون أنهم هم الذين وسعوا التكفير، وفي الحقيقة هم الذين ضيقوه؛ لأنك إذا وجدت الشروط تجد الذي يفصل في الشروط والموانع تجد فيها شيخ الإسلام ابن تيمية، حتى أنه نفى أن يكون هناك تكفير لمتأول أو أن يكون هناك تكفير بما ليس بمجمع عليه.
هنا لما جاء الفقهاء وجعلوا من نواقض الإسلام من شك في كفر الكافر، جاء بعض الناس وقالوا كفر الكافر هذا يعني إذا حكمت على واحد بالكفر وشكّ في كفره أحد فالذي شك هو كافر، بيَّن شيخ الإسلام ابن نيمية وابن القيم وأئمة الدعوة أيضا بينوا على أن الكافر الذي أراده العلماء بهذه اللفظة من هو؟ هو الكافر الذي كفّره الله وكفّره رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنص أو كان تكفيره مما هو مجمع عليه مما هو معروف معلوم من الدين بالضرورة أن يكون خارجا من الملة، فأما من كان اجتهاديا الحكم عليه أو حكم عليه البعض وترك البعض فهذا ما يدخل في مثل هذه القواعد.
إذن علماء الدعوة ضيقوا الدائرة، إذا نظرت مثلا إلى كتاب ابن حجر العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي، الفقيه الشافعي المعروف له كتب مشهورة وكان مفتيا في مكة، له كتاب خاص بالمكفرات كبير جدا عنوانه (الإعلام بقواطع الإسلام)، تكلّم فيها على المكفرات وعن أنواع النواقض؛ لكن لما أتى علماء الدعوة ضيَّقوا ذلك في المشهور وبعد وجود الشروط وانتفاء الموانع، وذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، طبعا ابن حجر الهيتمي في القرن التاسع والعاشر الهجري.
بعد ذلك بينوا أن المسألة لابد أن تضيق ليست لكل أحد.
فإذن موجود في تراث الفقه الإسلامي وفيما نص عليه الفقهاء موجود سَعَة فيما يكون به المسلم مرتدا، جعلوا التكفير بالقول بالفعل بالاعتقاد بالشك، فيه أشياء كثيرة.
لما أتت الدعوة السلفية ولاحظت هذا الأمر وكان مقصدها الأصل هو في توحيد العبادة، توحيد العبادة عبادة الله جل وعلا وحده وعدم صرف الدعاء لغير الله جل وعلا والاستغاثة بغير الله أو الذبح لغير الله ونحو ذلك، أتوا إلى مسائل مشابهة فوجدوا أنه يُخشى من التوسع في هذا الأمر فضيقوا الخناق، بعض الأتباع نجده في بعض البلاد الإسلامية أو حتى في هنا ما مضى ربما نحوا إلى هذا المنحى فيردهم أهل العلم، فلذلك أهل العلم الراسخون المتحققون بفهم الكتاب والسنة وبفهم ما كان عليه سلف الأمة لا يوسعون دائرة التكفير بل يضيقونها من أجل أن إثباتها ليس بالأمر السهل.
راشد: ترتب عليها أحكام؟
الشيخ: ترتَّب عليها أحكام شرعية، وفي إقامة الحكم عليه، وفي أحكام أهله إلى آخره، حتى وجد أن من يجعل بعض المسائل الخلافية تترتب عليه الأحكام.
مثلا مسألة ترك الصلاة، ترك الصلاة كما هو معروف عندا الراجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة تهاونا أو كسلا أنه يكفر لأجل الحديث «من تركها فقد كفر»، المسألة خلافية تعرف الشافعية لا يكفرونه وهناك مناظرة، وكذلك الحنفية وغيرهم، وهنا أتى من طرد هذا الأمر إلى أن قال: من ترك الصلاة فإنه ينفسخ نكاحه تلقائيا، رتّب عليه أحكام، وهذا ليس بجيد؛ لأن:
الأحكام تترتّب:
• إما بمُجْمَع عليه.
• أو بحكم حاكم شرعي أو بحكم قاض هو الذي يرتب؛ لأنه ينبني على الحكم أنه لابد يزيل عليه الشبهة.
لذلك الفقهاء حتى فقهاء الحنابلة رحمهم الله حينما تكلموا عن مسألة تارك الصلاة متى يكفر ومتى يحكم عليه، جعلوها قالوا: يستتاب ويدعى إلى الصلاة فإن أصر حتى ضاق وقت الثانية عنها، ثم قالوا: إنه يدعوه إمام أو نائبه ويستتيبه ثلاثا فإن تاب وإلا قتل.
إذن المسألة هنا واحد يجيء ثلاثة أيام ويقال له: صلّ وإلا-جُليت عنه الشبهة- هذا ليس عنده تأويل ثم بعد ذلك صل ثلاثة أيام وإلا ترى السيف، ثم يختار هذا الأمر الصعب على الصلاة، فهنا رجع إلى شيء في نفسه بين أنه يكره هذا الأمر أصلا أو يجحده، أو أنه لا شبهة عنده وإنما هو استكبار وعدم التزام بالحكم الشرعي.
أنا أقصد من هذا المنحى أن مسائل الشروط والموانع هذه هي التي فصل فيها علماء الدعوة السلفية بشكل خاص، وهم الذين بيَّنوا الكثير من الضوابط على أحكام الفقهاء.
ولهذا لابد من الانتباه إلى أن ما ينسب إلى دعوة الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى والتي يسميها أعداؤها بالدعوة الوهابية هذه الدعوة هي التي ضيقت ما هو موجود في كتب الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة ولم توسعه في مسائل التكفير، وإنما نظرت إلى ما هو متفق عليه بين أئمة المذاهب دون ما هو مختلف فيه، والشيخ محمد بن عبد الوهاب له رسالة في هذا الأمر، وكذلك الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب له رسالة، وعلماء الدعوة بشكل عام، شيخ الإسلام وابن القيم رحمهم الله تعالى ورحم علماء المسلمين جميعا أيضا لهم تفاصيل في هذا الأمر.
فإذن هناك شرط وهناك موانع لابد من استيفائها، لا تكفير إلا بمجمع عليه، المتأول الذي له تأويل سائغ المقابل له يرى أن فعله أو قوله أو تصرفه أنه كفر، الآن الخوارج على شدة ما قاموا به قتلوا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحاربوا المسلمين وأحدثوا فتنة إلى اليوم، العلماء اختلفوا في تكفيرهم للعلماء في تكفيرهم قولان، ولما سئل عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أكفار هم قال من الكفر فروا؛ يعني رأى التأويل الذي لديهم في هذه المسألة.
فتلخيص الكلام أن هذه الشروط والموانع لابد من وجودها لابد من استيفاء الشروط للحكم التكفير وانتفاء الموانع، وهذه ليست لآحاد الناس وإنما يقوم بها القاضي أو المفتي الذي ولي القضاء أو يصلح أن يلي القضاء.
راشد: بما يتعلق دعوة محمد بت عبد الوهاب ذكرت أنها ضيقوا قضية التكفير مع اعتنائهم الشديد بالتوحيد، ما هو السبب؟
الشيخ: السبب التوحيد تخليص للنفس من عبادة غير الله جل وعلا، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى له في موضع كلام يقول حينما سئل هل تكفرون من يعبد البدوي أو يعبد من هو عند قبة الكواز أو أو يعني ممن يعبدون غير الله قال: لا، لا نكفرهم لأجل عدم وجود من ينبههم. ونفى أن يكون حكم عليهم، ولما سئل أنك أنت تحكم على الناس بأنهم كفار قال: سبحانك هذا بهتان عظيم. فهم من أهل العلم الذين جعلوا هذه الدائرة فيما نُصّ عليه في الشرع حكم الله جل وعلا حكم رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما أجمع عليه أهل العلم، أما ما اختلفوا فيه فإنهم لا يكفرون؛ بل هناك مسائل هي أقل ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مثلا في موضع -وأنا أطلت هنا على الدعوة لأجل كثرة ما يقال عنها في هذا الزمن مما هو متصل بها الموضوع-، لما أتى إلى بعض المسائل مثل بعض مسائل التوسل بالأحياء أو التوسل بالجاه أو بالحرمة أو نحو ذلك، قال: أنا ما تكلمت في هذه المسائل. في أول دعوته رحمه الله، قال: أنا ما تكلمت في هذه المسائل أنا ما تكلمت إلا فيما أجمع علماء المسلمين على حرمته، أما المسائل المختلف فيها فأنا ما تكلمت فيها. وهذا من فقهه رحمه الله في أول دعوته حتى يبين للناس أنه ليس كل ما نرومه في الدعوة أننا نقوله في كل مكان وفي كل زمان، الدعوة لابد أن تترتب على حسب فقه الأولويات وحسب المكان والزمان إلى آخره، فليس كل مسألة هي حق في نفسها أن تقال في كل زمان وفي كل مكان، لابد من ترتيب الأمور مسائل التكفير لاشك أن الدعوة بحكم دراستي لها ومعرفتي -للدعوة السلفية بالعموم- أنها ضيقت ما في كتب المذاهب، والمجال مفتوح للباحثين والدارسين أن ينظروا، بس كتاب واحد الإعلام بقواطع الإسلام أو باب حكم المرتد في كتب الحنفية رحم الله الجميع، وينظروا هل الدعوة وسعت أو ضيقت.
راشد: شيخ بعض الشباب يقولون: أنتم الآن تقولون لا تشتغلوا بالتكفير وما يتعلق به، مع أن من الأشياء المقررة عندنا قضية أنه لا يتم تحقيق التوحيد إلا بالكفر الطاغوت، فأنا حتى يتحقق توحيدي لابد أن أكفر بالطاغوت وأن أبيِّن كفره للناس، فكيف الجواب عن هذا؟
الشيخ: هنا ما هو الطاغوت؟
الطاغوت هناك شيء معنوي -يعني نعبر عنها بما يناسب المقام-، معنوي وهناك ذاتي، الطاغوت هو عبادة غير الله جل وعلا﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾[البقرة:256] (مَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) هذا معنى لا إله، (وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ) هذا فيها الإثبات إلا الله.
فمن يكفر بالطاغوت يكفر بعبادة غير الله؛ يعني لما تأتي لهذه القضية تقول: ما تقول في عبادة الأوثان؟ ما تقولا في عبادة الأصنام؟ ما تقول في التوجه إلى بشر أو حجر أو جني بالعبادة من دون الله جل وعلا؟ لابد نقول: نكفر بعبادة غير الله جل وعلا، هذا هو الكفر بالطاغوت، الطاغوت هذا لابد الكفر به، هذا ما يكفر به معنى.
ما يكفر به ذاتا –مثل ما ذكر الأئمة – قالوا الطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة:
هنا من دعا إلى عبادة نفسه، واحد يقول للناس تعالوا اعبدوني، هناك من دعا إلى عبادة نفسه.
أو دعا إلى عبادة غير الله جل وعلا قال أعبدوا الصنم هذا، اعبدوا الوثن، أعبدوا فلانا من الناس، أعبدوا الجني الفلاني إلى آخره.
أو من الطواغيت مثل ما يذكر الأئمة في هذا الحاكم الجائر المغير لأحكام الله جل وعلا، أتى حاكم في بلد ما وقال: لابد أن أمسح آيات الربا من القرآن. يغير حكم الله، أحاديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي تتكلم عن حرمة الزنا أنا أريد أن أشطبها، ما فيه كلام في القرآن على اليهود أنا أريد أن أحذفه، كيف يخرج لنا قرآن مختصر، هذا مغير لأحكام الله جل وعلا، مغير لأحكام الله من جهة –لاحظ كلمة مغيّر- مغير لحكم الله يريد أن يلغي حكما من أحكام الله جل وعلا الذي هو في القرآن.
أما من يأتي يقول: أنا والله أعرف أن هذا حكم؛ لكن أنا أعمل غيره، هذا ما صار مغير، هو ما قال ألغي هذا الحكم هو يقول أنا لن أغيره هو حكم موجود؛ لكن يأتي ويتأول ويقول الزمن فيه كذا وأنا أعمل كذا، والظروف تقتضي أني لا أعمل بهذا وأن أجله وصعب علي تطبيقه ونحو ذلك، فهذا يدخل في منحى آخر قد يكون فيه معذورا وقد لا يكون معذورا بحسب الحال.
أقصد من هذا الكلام أن العقيدة الإيمان بالله والكفر بالطاغوت هذه عقيدة نفسية قلبية، فأنت تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره أليست هذه هي أركان الإيمان؟ فإذن الإيمان بهذه الأركان الستة يتحقق به الإيمان، فنأتي إلى الكفر بالطاغوت أيضا هو كفر بما يعبد بعبادة غير الله لا إله يعني لا إله لا معبود مستحق للعبادة إلا الله جل وعلا، المعبودات كثيرة فيهم من عبد الشمس والقمر ومن عبد الإله الفلاني والإله الفلاني أو الشيخ فلان أو حتى الأنبياء أو بعض الملائكة أو نحو ذلك كما هو معروف في التاريخ وفي الواقع، لابد أنه يكفر بكل معبود سوى الله جل وعلا بعبادة غير الله جل وعلا؛ يعني من أتى يقال له أنت تؤمن أو تسهّل في عبادة غير الله إذا قال لك والله ما فيه مانع الناس يعبدون كل واحد زَيْ ما يبغى، فهنا لم يؤمن حقيقة بالله ولم يكفر بالطاغوت، والله جل وعلا بيّن في كتابه هذه المسألة أتم بيان وسيما في سيرة إبراهيم الخليل كما قال جل وعلا في سورة الزخرف ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ(27)وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الزخرف:26-28] هذا الأمر هو المنوط بكلمة التوحيد لا إله إلا الله.
راشد: معالي الشيخ ذكرتم في أكثر من مناسبة أنه عند الاختلاف في قضية من القضايا يُرجع إلى الأمر العتيق وإلى كلام السلف قبل أن تقع الفتنة، الشباب يذكرون في قضية الولاء والبراء وهي جانب من الجوانب التي أيضا أنشأت قضية التكفير كالتعامل مع الآخر، مع اليهود والنصارى ونحو ذلك يعني حينما نرجع إلى كلام العلماء، كلام بين وواضح في قضية من والى المشركون ومن والى اليهودي والنصراني، هل فعلا يا شيخ الكلام واضح وبين في مسألة الولاء والبراء؟
الشيخ: الولاء والبراء هذه قضية تحتاج إلى جلسة طويلة أو إلى حلقة مستقلة لأن أهل العلم يفهمون هذه المسألة بلا شك، وهي مفصلة في الكتاب والسنة وفي كلام أهل العلم؛ لكن الناس خاضوا فيها من قبيل الغيرة، فرعوا الواقع فأثر الواقع عليهم فضخموا أو اعتقدوا أشياء أكثر مما أذِن بها الشرع.
فمثلا مسألة الولاء والبراء هذه الولاء، ما هو؟ والبراء ما هو؟
أولا لفظ الولاء والبراء موجود في الكتاب والسنة؛ يعني بعض الناس يقول هذا محدث جاء من الخوارج وبعدين جاء في الدعوة الإصلاحية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هذا موجود في الكتاب والسنة ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ آمَنُوا﴾[المائدة:55]، ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾[الزخرف:26-27]، الولاء والبراء موجود؛ لكن الولاء ما معناه؟
الولاء للدّين يعني أن تعطي محبتك ونصرتك وولاءك -الولاء الداخلي- لدين الله جل وعلا لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا أصل الدين أن تعطي ولاءك لله محبتك ونصرتك، ما معنى أن أسلمت وأمنت؟ ولاءك وحبتك وانتماءك لهذا الدين.
البراء هو كرهك وبغضك لما ينافي هذا الدين من الاعتقادات الكفرية والمذاهب الكفرية والمذاهب الضالة، فهنا تتبرأ من عبادة غير الله جل وعلا، وتعطي الولاء لعبادة الله جل وعلا.
فإذن الولاء والبراء أو الحب والبغض أو الموالاة والمعاداة هذه ألفاظ يستعملها العلماء في هذا المقام وهي متساوية، والولاء والبراء والحب والبغض؛ الحب في الله والبغض في الله، الموالاة في الله والمعاداة في الله، هناك رسائل وكتب كثيرة في هذا الموضوع.
راجعة في الأساس إلى حب الدين وبغض الكفر لأنها عقيدة، الولاء معناه مولاة الدين في الله جل وعلا حب الله جل وعلا حب رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبغض الكفر، يتضمن ذلك أنه يحب من أحب الله جل وعلا ويبغض من أحب الكفر ومن أبغض الله جل وعلا، يتضمنه، يتضمن عقيدة أنك تحب الله وتكره الكفر تكره عبادة غير الله تحب من يحب الله جل وعلا وتكره من يكره الله جل وعلا أو يحب الطواغيت أو عبادة غير الله جل وعلا أو ما أشبه ذلك.
فإذن هذه متضمنة أما مسألة موالاة غير المسلم فهذه لها تفصيلات كثيرة، ليست كل علاقة ومعاملة مع غير المسلم أو مع اليهودي أو مع النصراني أنها تعتبر مولاة، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه النصارى واستضافهم؛ استضافهم في المسجد، أتى اليهودي وزاره وقَبِل دعوة اليهودي في بيته، ولما مرض غلام يهودي كان يرجو عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ إسلامه زاره في بيته.
فإذن المسألة؛ مسألة التعامل لها أحكامها التفصيلية، كذلك مسألة الإجارة، مسألة أنه يعمل وتستأجر غير المسلم هذه لا علاقة لها بالموالاة، من تزوج امرأة غير مسلمة -يعني كتابية- فأحبها هل يمنع منه، الشريعة أباحت أن يتزوج المسلم غير المسلمة بشروطها المعروفة في كتب أهل العلم، والآية في سورة المائدة كما هو معروف، هل من أحب امرأته النصرانية يعتبر مواليا للنصرانية، مواليا لدين النصرانية، أو والى النصارى أو نحو ذلك؟ لا، لأن هذه مسائل محبة طبيعية، عامَل تاجر من التجار ونفعه في بلاد أي ملة كانت ونفعه وصار في قلبه له شيء من المودة الدنيوية في قلبه لأنه نفعه، طبيب بفضل الله جل وعلا أنقذ مسلما فتعلق به، هذه مسائل التعامل ليست قادحة في الولاء والبراء؛ بل هذه من المقتضيات الطبيعية، لكن إذا كانت المودة راجعة للدين فهذه هي القادحة؛ يعني يود يهودي ليهوديته، يحب امرأته النصرانية ما لأنها معه أو لأنها جميلة أو لأنه ارتاح معها لا، لأنها نصرانية لنصرانيتها، فإذن رجع هذا من محبة لشيء وصار محبة للدين، فهنا إذا دخلنا في الأمور الدينية العقدية انتقلنا إلى الموالاة والمعاداة الشرعية أو الدينية.
راشد: وهذا أي يفسر كلام محمد بن عبد الوهاب في النواقض، حينما ذكر أن من نواقض الإسلام المعاونة للمشركين ونحو ذلك؟
الشيخ: هذه لها تفصيل معاونة المشركين في الناقض الثامن من نواقض الإسلام لها تفصيل آخر، أنا قصدي هنا التعامل نوعية التعامل كيف تكون هذه لا علاقة لها بالموالاة.
انظر مثلا إلى قصة حاطب رضي الله عنه حاطب لما سمع بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيذهب إلى مكة غازيا كتب بسر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أهل مكة، كتب بالسر أن محمدا بن عبد الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ سيأتيكم فخذوا حذركم الآن أعد العدة سيأتيكم، هذا نوع موالاة ما فيه شك موالاة لهم؛ لكن هل هذه صارت مكفرة له؟ أو يعتبر أعان المشركين على المسلمين إعانة كفرية؟ هنا نأتي إلى الحديث لما أكتشف أمره أتى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا فإنه قد نافق، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يا حاطب ما حَمَلَكَ على هذا؟» المسألة فيها اشتباه أن يكون لقصد الدنيا أو لقصد الدين:
إذا كان هو أفشى بالسر رغبة في الدين أو لحماية دين المشركين أو لحماية ملتهم أو لحماية بلدهم أو نحو ذلك هذا له شأن.
وإذا كان قصده نفسه أنه ينقذ نفسه أو دنياه أو ماله أو نحو فهذا له شأن.
فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استفصل منه فدل على أن مثل هذه المسائل حتى في الموالاة موالاة المشركين تحتاج إلى استفصال وليست كفرا كما يزعم بعض الناس أن كل أنواعها كفر، لا، تحتاج إلى استفصال.
فقال هنا «يا حاطب ما حَمَلَكَ على هذا؟» فقال: يا رسول الله والله ما حملني على هذا محبة للكفر بعد الإسلام؛ لكن وما من أصحابك أحد إلا وله يد يدفع بها في مكة عن أهله وماله وليس لي يد فأردت أن يكون لي بها يد أدفع بها عن مالي في مكة. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صدقكم» ثم قال «إن الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، نزلت فيها أول سورة الممتحنة كما هو معروف في قوله جل وعلا ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ﴾[الممتحنة:1] في حاطب فهنا الحظ في الآية أنه قال (لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) فأثبت فعله نوع موالاة ثم قال (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ)، (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ)، فهذا الفعل الذي فعله حاطب إلقاء بالمودة؛ لكن مع ذلك قال أهل العلم من المفسرين وعلماء التوحيد قال ناده باسم الإيمان قال (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا) قال ﴿ لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ﴾[الممتحنة:1] الآيات، فإذن لم يمنع هذا الفعل من بقائه على اسم الإيمان فهو لازال مؤمنا في ذلك؛ لأجل الاستفصال الذي استفصل منه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فإذن مسائل التعامل الولاء البراء ما يصلح الخوض في التكفير بها؛ لأنها مسائل تفصيلية، وتنبني على مقاصد، ولابد من القصد كما ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قصة حاطب استفصل منه، الاستفصال ما فائدته؟ الظاهر معروف، الاستفصال لأجل القصد، ما الذي حملك على هذا؟ هذا سؤال عن النية وعن القصد في ذلك، إذا كان ينوي دفع ماله، ينوي حماية نفسه، ينوي كذا وكذا، فضعف من هذا الباب هذا له حكم من أحكام الموالاة والمودة لا تخرجه من الدين.
راشد: البعض يا شيخ يقول أنا رأيت فلان، والعلماء لا يكون في أن هذا العمل كفر، ومع ذلك يقول العلماء أن فاعل الكفر قد لا يكون كافرا، هل هذه القاعدة مع إطلاقها معالي الشيخ؟
الشيخ: هناك ثنائية معروفة عند أهل العلم في الأصول وفي العقائد وفي الفقه في أصول الفقه والفقه والعقائد، وهي ثنائية الكفر والكافر، الكفر والتكفير، الفسق والفاسق، البدعة والمبتدع، فليس كل من قام به الكفر كافر، ولبس كل من قامت به البدعة مبتدعا، وليس كل من قام به الفسق فاسقا؛ لأن إثبات هذه الأحكام هذه قضية ثانية، فهناك الآن قول أو فعل أو شك أو إلى آخره مما يعمله الإنسان فيقع في البدعة أو يقع في الفسق أو يقع في الكفر، يعني فيكون فعله بدعة أو يكون فعله فسقا أو يكون فعله كفرا، هنا من يرتب الحكم هذا يحتاج مثل ما قلنا إلى اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، فيأتي واحد يعمل ببدعة هو يعرف أنها بدعة، أو عنده تأويل فيها ليس مطّرحا، تأويلا قد يكون مقبولا، مثل -لأن التأويلات مثلا في البدع منها ما هو مقبول ومنها ما هو مطرح- مثل مثلا التعريف في الأمصار يوم عرفة التحريف في الأبصار قال به بعض الصحابة قال به بعض التابعين يعني أوش معنى التعريف أننا نجلس في المساجد يوم عرفة و الناس في عرفة نحرم ونجلس في المساجد مشتركة لهم؛ مشاركة للحجاج، هذا عامة أهل العلم على أنه بدعة؛ لكن قال به البعض مشاركة في ذلك متأولا في هذا؛ لكن في حقيقته أنه بدعة، لكن ما نحكم على من قال به من الصحابة ومن التابعين على أنه [مبتدع]؛ لأجل وجود بعض الاشتباه في هذا، مثل قيام ليلة النصف من شعبان عندنا مثلا الصحيح أنه لا يسوغ لأنه محدث ولم يثبت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا الخلفاء الراشدين ولكن فعلها بعض التابعين وهنا نقول الصحيح أنها بدعة؛ ولكن هل كل من فعلها هو مبتدع ؟ لا.
فإذن هناك مسائل غير متفق عليها التأويل فيها سائغ، فهنا يختلف الأمر.
فمثلا بعض المسائل الفسق ممكن ترك النوافل شخص مستديم على ترك النوافل، طائفة من أهل العلم يقول: من استدام على ترك النوافل فهو فاسق، كيف يستديم دائما على ترك نوافل العبادات؛ لا يصلي الصلوات الراتبة، لا يصلي الوتر، لا يصوم صيام التطوع، دائما لا يفعل أي شيء تطوع، بعض العلماء قال من استدام على ترك النوافل فهذا من الفسق؛ لكن هذا فيه نظر أيضا طائفة من أهل العلم يأخذون بحديث الأعرابي الذي أتى للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لما علّمه الفرائض الخمس قال: والله لا أزيد على هذا وأنقص فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أفلح إن صدق» فدل على عدم اعتبار مثل هذا الكلام، طبعا العلماء الذين قالوا بهذا الأمر يريدون التحذير من ترك النوافل؛ لكن هنا أيضا ثنائية بين الفسق والتفسيق.
فهناك مسائل لو نطرد فيها –بمعنى نجري فيها – كل ما قال فيه أهل العلم أنه كفر فمن قال به فهو كافر أو أنه فسق فمن قال به فهو فاسق أو أنه بدعة فمن قال به فه مبتدع، هنا لم يستقم لنا شيء لأجل كثرة خلاف العلماء في هذه المسائل؛ ولكن هنا نركز على أشياء:
أولا أن يكون الكفر مجمعا عليه، أو الخلاف فيه مطرح لا اعتبار له عند عامة أهل العلم.
الثاني أن يكون الفسق مجمعا عليه أو أن يكون الخلاف فيه مطرحا لا اعتبار له أو في مناقضة الدليل.
أن تكون البدعة متفق عليها أو أن يكون الخلاف فيها مطرحا لأجل عدم وجود ما يدل عليه من فعل السلف الصالح.
طبعا ما نرى هنا ما انتشر في القرون الأخيرة هذه المسائل، نرى في الخلاف والفواق في ما كان في القرون المفضلة.
راشد: معالي الشيخ للتعاطي مع الأزمة، أنا معي فتوى هيئة كبار العلماء حول حادث التفجير الذي وقع في الرياض( ) ووقّع عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في حينه يقول:
ولذا فإن الهيئة تقرر أن هذا الاعتداء آثم وإجرام شنيع، وهو خيانة وغدر، وهتك لحرمات الدين في الأنفس، والأموال، والأمن، والاستقرار، ولا يفعله إلا نفس فاجرة مشبعة بالحقد والخيانة والحسد والبغي والعدوان، وكراهية الحياة والخير، ولا يختلف المسلمون في تحريمه.
يعني التعاطي يا شيخ مع هذه الأحداث يمثل هذه الكلمات يعني البعض يقول أين نحن من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه إخواننا بغوا علينا، فماذا عن هذا يا شيخ؟
الشيخ: أولا إذا وقعت مثل هذه الأحداث ومثل هذه الجرائم فلا يجوز أن يكون الدفع؛ دفعها بأمر سهل لا يوازي شناعة الفعل؛ لأنه إذا صارت الكلمات التي تنكر بها على هذا الفعل أو على الفاعلين إذا كانت خفيفة فإن هذا يغري الآخرين بالتساهل في الأمر أو يوقعهم في شبهة بأن هذا الفعل فيه تأويل ممكن أنه يكون من جهة أخرى.
فواجب أهل العلم أن يبينوا هذا العمل ومن قام به هل هو عمل إصلاحي أو إجرامي، كونه يكون إصلاحي هذا له شأن، وكونه يكون إجرامي هذا له شأن.
لذلك أهل العلم فيما وقع من أحداث من قديم تجد أن عباراتهم شديدة مثل هذا، مثل كلام مجموعة من أهل العلم في هيئة كبار العلماء، وكان برئاستها في ذلك الوقت سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، لابد أن يكون الرد قويا، أما الذي يأتي ويقول والله نحن تكلم على الفعل ولا نتكلم على الفاعل، أو نقول هذه أفعال صحيح سيئة وأن فيها اعتداء ولكن من فعله يريدون الخير ويريدون كذا، هذا ليست طريقة أهل العلم وليس فقيها ولا عالما من يستعمل هذا الأسلوب، وإنما هذا عنده شبهة في نفسه فيجب عليه أن يزيل الشبهة عن نفسه أولا، ثم يجب عليه أن لا يغش المسلمين بألفاظه الهينة السهلة.
هذه جريمة ما حصل جريمة وكما قال هنا لا تفعلها إلا نفس مشبعة بأمور من الكبائر والمنكرات.
الذي حصل جمع أنواعا من الموبقات:
أولا فيه قتل للنفس، والنفس، قتل لنفس الإنسان فجر نفسه ليقتل مسلمين ومعهم غير مسلمين قتل نفسه لأجل ذلك، والله جل وعلا حرم قتل النفس قال ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾[النساء:29]، ﴿وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾[البقرة:195]، إذا كان هذا في الإنفاق فكيف بقتل النفس صراحة، وقتل النفس من قتل نفسه بحديدة عذِّب بها يوم القيامة.
الأمر الثاني أن في هذا الفعل قتلا للمسلمين، وقتل المسلم كبيرة من الكبائر العظيمة، يعني بعد الشرك بالله قتل النفس قتل المسلم، والله جل وعلا يقول ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾[النساء:93]، هو يقتل مؤمنا وهو يعرف أنه سيقتل مؤمنا متعمدا فهذا ذكر الله جل وعلا قال(فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا)، هذا النوع الثاني قتل المسلمين.
الثالث قتل لمن لا يستحق القتل شرعا من المعاهدين، أو المستأمنين، أو أهل الذمة، أو من لهم أمان بتأمين ولي الأمر، أو بتأمين المسلمين لهم، أو قدموا لغرض من الأغراض، والمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، فضلا عمن أمّنته الأمة وأمّنته الدولة وأمنه ولي الأمر أو جاء بكفالة أو ذلك هذا لا يسوغ الاعتداء عليه، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة»، كذلك حكم المستأمن والذمي والمعاهد، فمن بيننا وبينه عهد يجب أن نوفي بالعهد ﴿ يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ﴾[المائدة:1]، وقال جل وعلا ﴿وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاَ﴾[الإسراء:34]، حينما قدِم هل هو قدم على أنه سيُقتل؟ لو علم هذا ما أعطانا هذا الأمر لكن أعطيناه عهدا أنه سيأتي لعمل أو يأتي لشيء وهو سالم، فلا يجوز لمسلم ولا يحل له أن يخفر العهد، وخيانة العهد من خصال المنافقين ليست من خصال المسلمين، فآية المنافق ثلاث ومنها وإذا عاهد غدر، فالغدر في العهد فهذا ليس من سمة المسلم بل من سمة المنافقين.
كذلك فيها الاعتداء على أموال المسلمين، الآن هذه الأرواح التي أزهقت والموال التي أتلفت ونحو ذلك، أموال من؟ أموال المسلمين هي في دور مستأجرة لمسلمين إلى آخره فأصابها ما أصابها من الدمار وحرمة المسلم في دمه وماله وعرضه معروفة، وأكدها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبته يوم عرفة، إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا كما في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
كذلك فيها سلب للأمن ورفع للأمن الذي جعله الله جل وعلا من مقاصد الشريعة، من مقاصد الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة تحقيق الأمن في حياة الناس، وهذه منَّ الله جل وعلا بها على عباده في قوله تعالى في سورة النور ﴿وَعَدَ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمْلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ ثم جاء بالنتيجة ﴿يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾[النور:55] إذن تحقيق الأمن مقصد من مقاصد الشريعة، الشريعة جاءت لتحقيق الأمن، الذي ينتج عنه عبادة الله جل وعلا وحده لا شريك له، وينتج عنته الخيرات وإزالة المنكرات وانتشار الدعوة وانتشار الخير والإصلاح ونماء الأمة وقوة الأمة وما أشبه ذلك، لهذا الحظ في قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «والله ليتمن الله هذا الأمر حتى تسير الضعينة من العراق إلى مكة لا تخشى إلا الله» لاحظ أنه علّق الأمن بإتمام الأمر (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى) النتيجة إيش هي؟ الأمن، لهذا جاء حد الحِرَابة في الشريعة، نقول حد الحِرَابة، كثير من الناس ما يفهم ليش سمي حد الحرابة ؟ الله جل وعلا يقول ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِيَن يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا﴾[المائدة:33] الآية، لماذا جعل الإفساد في الأرض إخافة السبيل تنظيم جماعة من الناس على فعل ما جعل حرابة؟ ليش كان بنص القرآن حرب لله جل وعلا ولرسوله؟ لأنه حرب للأمن الذي هو هدف ومقصد من مقاصد الله ورسوله في إنزال الشريعة، فهو حرب للأمن، ومحاربة الأمن حرابة لمن جعل الأمن مقصدا وهو الله جل وعلا ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فإذن حد الحرابة سمي حد الحرابة، يجيء واحد مثلا في طريق يقول: والله أنا مجرد وقفت سيارة بالقوة ونزّلت صاحبها وضربته وأخذت منه بعض المال كيف أصير أنا محارب لله ولرسوله نقول نعم هو محاربة لله ورسوله؛ لأن مقصد الشريعة هو الأمن الأمن في إيش؟ الأمن على الناس في دماؤهم في أعراضهم في أموالهم ونحو ذلك فإذن هذه الأفعال الإجرامية يجب أن تصد بقوة كبيرة جدا في اللفظ وفي المعنى وإيضاح أحكام الشريعة دون مضاربة.
فأنا الحقيقة أنتقد بعض تعرض لهذا الموضوع انتقاد شرعي من تعرض لهذا الموضوع بعبارة خافتة باهتة، مثلا يقول هذا الفعل سيئ بس الفاعلين متأولين ويقول مثل هذا العبارات التي لا تدل على علم بكتاب الله جل وعلا وبكتاب رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبقواعد الشريعة وأحكام الفقه، أو يقول لا يصلح لنا أن نستجرّ هذه المعركة إلى بلاد المسلمين أو نحو ذلك من الألفاظ التي ليست ألفاظا شرعية.
هذه مسائل فيها إجرام كبير وخيانة عظيمة، مثل هذه التفجيرات وأشباهها، فكون عبارات بعض طلبة العلم وبعض الدعاة باهتة خافتة في الإنكار هذا لاشك يغري ولا يحقق مقصود الشارع في إنكار هذه المنكرات والموبقات العظيمة.
راشد: معالي الشيخ أخيرا في ما يتعلق الآن بكلمة توجيهية للشباب، البعض يقول هو محب لعلمائه؛ لكن يقول حينما أقرأ بعض الأشياء في الإنترنت وكتب وأشرطة ونحو ذلك يقول سبحان الله يعني أحد الإخوة من طلبة العلم يقول قرأت موقع في أحد الإنترنت فأحسست بشيء في قلبي تجاه العلماء ثم استغفر الله سبحانه وتعالى. كيف يحصن الشاب نفسه وهو يرى هذه الفتنة مثل هذه الأحداث العظيمة؟
الشيخ: أولا الإنترنت وسيلة من الوسائل التي حدثت كغيرها من الوسائل، فيجب أن تستثمر في الخير، ويجب أن لا نجعلها حجة علينا هذه منة من الله جل وعلا، من استخدمها في شيء فعليه وزرها، ومن استخدمها في حسن فله أجرها مثل أي وسيلة من الوسائل.
ما ينشر في الإنترنت يفتقد الكثير من الآداب الشرعية، إذا نظرت أنا للحوار الذي يجري في الإنترنت الواحد يبدي ما في نفسه طيب ما فيه شيء، تبدي ما في نفسك أو تنتقد بعض الأشياء أو تستفسر ولو كان الاستفسار فيه غلظة هذا ليس فيه إشكال من هذه الجهة لكن يتأدب بآداب الشريعة يأتي واحد ينتقد وضع لكنه يهاجم عالم من العلماء المسلمين، أو يستعدي الناس على واقعهم أو على علمائهم أو على دولتهم أو يسمه بأوصاف الكفر أو نحو ذلك، فهذا كله خوض في أمور بلا علم، والله جل وعلا يقول ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾[الإسراء:36]، إذا كان الذي يكتب يَكتب بدون ظن منه أنه سيلقى الله جل وعلا ويحاسبه على ما كتب هذه مصيبة عظيمة، وإذا كان يكتب أو يشارك في الإنترنت وهو يعلم أنه محاسب وهو ليس كحديثه مع زميل له، أنت الآن تنشر ليقرأها آلاف من الناس أو مئات الآلاف أو ربما أكثر، فكيف إذا كان بسبب كلمة قلت أنه حصل وهو ما حصل، أو قلت فلان فيه كذا من الأفعال وهو ليس فيه، أو سمعت كلاما ونشرته على أنه حقيقة وأنت ما تثبت منه، وانتقل بين الناس على أنه حقيقة ثابتة.
مثل عُزِي إلي في الإنترنت مقال أن فلان صالح آل الشيخ أنه يقول لا يجوز الدعاء على اليهود والنصارى، وطنطنوا عليها وكثّروا هل يقول أحد من أهل العلم أو ممن عرف بعض أحكام الشريعة فضْلا على أن يكون عرف كثيرا منها وعلم كثيرا منها أنه يقول لا يجوز الدعاء -بهذا الإطلاق- لا يجوز الدعاء على اليهود والنصارى، ما فيه أحد، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بآخر حياته قال «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» واللعن الطرد والإبعاد من رحمة الله جل وعلا وهو الدعاء عليهم، فنسب هذا الأمر مع أن كلامي أنا في هذا الموضوع كان قبل سبع سنوات، نقله أحد من لا يفهم نقله من احد الدروس ثم أُوِّل أو صنف على ذلك وهو الكلام إنما كان في قضية -أنا أستطرد فيها بس لأجل المناسبة-، كان في قضية محددة وهي أن لا نعارض حكمة الله جل وعلا في وجود الكفار وجود اليهود وجود النصارى، ندعو عليهم مثلا بالهلاك العام بالاستئصال، نحن نعلم أن اليهود والنصارى سيبقون إلى آخر الزمان، يأتي واحد ويقول اللهم أبدهم الآن أجمعين، أنت تعارض حكمة الله جل وعلا، تعارض ما أخبر الله جل وعلا في كتابه، فمن دعا بدعاء نعلم أنه مستحيل أو أن الشرع أخيرنا بخلافه أو نعلم أنه لن يكون هذا اعتداء في الدعاء من أسباب رد الدعاء.
وشيخ الإسلام ابن تيمية ذكر في الفتاوى كما ذكره غيره أن من أسباب الاعتداء في الدعاء ورد الدعاء أن يدعو بدعاء نعلم من الشريعة أنه ليس متحققا.
فنعلم أن اليهود والنصارى سيبقون إلى زمن عيسى ابن مريم، ويأتي واحد ويدعو عليهم بالهلاك جميعا الآن وأن يدعو على جميع الكفار الآن أو يدعو على أطفالهم وعلى نسائهم هذا الدعاء العام بالاستئصال والهلاك العام هذا ليس من الشرع لاشك وهو اعتداء في الدعاء لهذا الأمر لمناقضته لحكمة الله جل وعلا ولما أخبر الله جل وعلا في كتابه قال سبحانه ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ﴾[الزخرف:61]، فأولوا الأمر وصار ت المسألة على أن فلان لا يجيز الدعاء على اليهود والنصارى بهذا الإطلاق، وجاء أناس آخرين وعلَّقوا، سبّوا وشتموا.
هو ليس عليَّ وحدي فقط بل على كثير من أهل العلم وعلى كثير من الولاة نسبت أقوال أحيانا وأفعال لم يفعلها الإنسان البتة، ويستغرب كيف جاء الافتراء ثم جاء الانتشار بعد ذلك.
أيضا هناك مسألة تتعلق بالإنترنت في آداب الحوار.
راشد: لو سمحت لي معالي الشيخ بما يتعلق بالدعاء بالهلاك يبدو أن هذا هو أيضا هو هدي السلف؟
الشيخ: هذا يعني يكاد يكون ما أعلم أن أحدا نص على الإجماع لكن ما أظن يكون فيه خلاف أصلا، «الذِينَ يُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاَءَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ» يعني الدعاء المقيد أنت قصدك.
آداب على الإنترنت، النشر على الإنترنت لها آداب وأخلاق؛ لأنها حوار والسلف وضعوا آداب البحث والمناظرة، كيف تبحث مع إنسان وترد عليه، هذا يسب هذا وهذا يشتم هذا؛ بل أتوا إلى أشياء هداهم الله إلى أشياء شخصية، يتكلم عن الإنسان على عائلته، يتكلم عنه في بيته طيب من تلقى كيف يثبت له أن هذا صحيح أو غير صحيح، والناس عندنا مولعون بشيء، هو من تركيبة المجتمع العربي بعامة مولعون بالشك، الأصل عندهم دائما عندهم الشك، بداية يقولون واحد والله فعل هذا الفعل يصدقون؛ لأن الأصل عندهم الشك هذا ربما مرتبط بالبيئة القبلية أو البيئة البدوية أو الظروف القديمة نمت عند الناس الحذر والشك في أي تصرف؛ لكن هذا ليس شرعيا الأصل في المسلم السلامة واحد يأتسي ويقول قول في الإنترنت يتهم فيه فلان ويذكون أشياء في الأسر أو يتعلق، هذه أمور سيئة، أو يستخدمون الإنترنت بحوارات هابطة وسباب وشِتَام، هذا يترفع العاقل عنها فضل عن مسلم يخشى الله جل وعلا ويعلم أنه غدا سيحاسبه الله جل وعلا ﴿مَا يَلْفِظْ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق:18].
وأنا أرجو أن تخصص حلقة في قناة المجد لآداب الحوار في الإنترنت؛ يعني يشارك فيها بعض المعروفين بالاهتمام بهذا المجال من طلبة العلم الشرعي أو الدعاة، كيف نحاور على الإنترنت كيف نستثمر هذه الوسيلة، ما الأشياء التي تنشر، ما الأشياء التي لا تنشر التحذير من اتهام الناس الدعوة إلى الإنصاف والعدل في هذا الأمر.
راشد: معالي الشيخ جزاكم الله خيرا على استجابة هذه الدعوة مع كثرة أعمالكم ومشاغلكم، ونسأل الله عز وجل أن يجعل هذا في ميزان حسناتكم.
الشيخ: أنا أشكر لقناة المجد إتاحة هذه الفرصة، ونرجو لها إن شاء الله التقدم المطرد، فهي تقوم برسالة اليوم مهمة، وأشكر لكم أيضا الأخ راشد لهذه النقاط المهمة التي تعرضتم لها، وأرجو الله تعالى أن يكون فيما تحدثت به فتح لبعض الأبواب وإلا فالموضوعات كما ترى موضوعات كبيرة وحية ومتوسعة، وأنا رميت في الحديث أن يكون الحديث حديث مجالس يعني ما نحينا فيه إلى ناحية التأصيل الشرعي المفصل بدقة لأجل أن يناسب ما ينشر في مثل هذه القنوات، داعيا للجميع بالتوفيق وأن يوفق الله جل وعلا ولاة أمورنا إلى ما فيه الرشد والسداد وأن يجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى، وأن يوفق علماء المسلمين لنشر كلمة الله جل وعلا لبيان الحق وإرشاد الناس وتبصير الجاهل.
كما أسأله سبحانه لهذه الأمة أمر رشد يعز فيها أهل الطاعة، ويعافى ويهدى فيها أهل المعصية إنه سبحانه جواد كريم.
أعدَّ هذه المادة: سالم الجزائري
فتنة التَّكفير
لقاء مع قناة المجد
[على إثر تفجيرات الرياض]
للشيخ
صالح بن عبد العزيز آل الشيخ
[مفرّغ]
بسم الله الرحمن الرحيم
راشد الزهراني (مقدِّم): الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وأهلا ومرحبا بكم في لقاء متجدد في ملفات خاصة والتي تستضيف في هذا اللقاء معالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ....
معالي الشيخ .... أولاً أول الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن: هل هذه الأحداث وهذا العنف الذي يقع سواء في بلادنا أو في غيرها من البلاد الإسلامية يكون وراءه أفكار أعني معينة أم أنه يهدفون من ورائها إلى إصلاح أو قضايا أخرى؟
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فلا شك أن تاريخ الانحراف في تاريخ المسلمين قديم، هو ابتدأ في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين خرج رجل يتَّهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه لم يعدل في قسمته، آل الأمر إلى خروج طائفة تسمى طائفة الخوارج يتعبدون الله جل وعلا بالقتال غير المشروع للمسلمين ولغير المسلمين، وهذه الطائفة –حسب معتقدها وحسب ظنها وحسب ما تريد- ترمي إلى إحقاق الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان من ذلك في ظنهم قتل عثمان بن عفان وقتل علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وهما صاحبا رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وممن شهد لهما النبي صَلَّى الله عليه وسلم بالجنة، فقتلوهما يريدون من ذلك الأجر والثواب.
فأحيانا يأتي الشيطان إلى المتلبس بالدين الراغب في نصرة الدين يأتيه من هذه الجهة؛ من جهة غيرته، من جهة ديانته، من جهة حبه للإسلام للمسلمين حبه لكتاب الله، حتى يحرفه من هذه الجهة فيقوده إلى الغلو والانحراف.
فإذن هذه الأحداث الأخيرة ليست جديدة في الواقع على الأمة الإسلامية وإن كانت في تصويرها وهيأتها وشكلها وعُنْفها فيها بشاعة كبيرة ربما قلت أن مرت على الأمة الإسلامية؛ لكن أساساتها وهي الفكر المنحرف الغالي الخارج عن طريقة أهل السنة والجماعة الذي ينحو إلى التكفير؛ تكفير المسلمين أو تكفير أصحاب المعاصي أو تكفير الحكام أو تكفير الدول، وينحو إلى الغيرة غير المنضبطة بضوابط الشرع هذا الانحراف الكبير والجرأة أدى إلى مثل هذه الأعمال الكبيرة، فنحن حينما ننظر إليها ننظر إلى تاريخ لأمثال هؤلاء وليست وليدة اليوم ولا البارحة.
راشد: أحسن إليكم معالي الشيخ يعني أترون أن من الأسباب التي كان بسببها هذه التفجيرات هي قضية أن بعض من فعل هذا يحمل فكر التكفير يا شيخ؟
الشيخ: لاشك أن الأحداث هذه سبقتها أحداث في الرياض من سبع سنوات، وقد قابلوا الذين فجروا في الرياض من سبع سنوات وبيَّنوا أنهم يدينون بالتكفير حتى تكفير العلماء فضلا عن تكفير غيرهم.
فهذا الأمر مستقر وإن لم يظهروه؛ لأن كون الإنسان يقدم على مثل هذه الأعمال الإجرامية البشعة لابد أن يكون عنده دافع يبرر له ما فعل، وهذا التبرير لا يكون إلا بتكفير الناس أو تكفير بعضهم، ذلك يؤول إلى عدم قبول العلماء وعدم الرضا عن المجتمع والرغبة في الجهاد بحسب ظنه الجهاد -غير المكتمل الشروط الشرعية-.
راشد: وهذا ما يفسر معالي الشيخ حينما كنتم نائبا لوزير الشؤون الإسلامية بعقد دورة بعد أحداث الرياض في مدينة الرياض عن التكفير والوسطية؟
الشيخ: هذا صحيح لأن موضوع التكفير دائما متجدد في الأمة هو مرتبط بفكر الخوارج على العموم، والنبي صَلَّى الله عليه وسلم حينما تحدث على الخوارج قال «لا يزالون يخرجون حتى يقاتِل آخرُهم مع الدجال» فظهور الخوارج ليس مقتصرا على الزمن الأول، (لا يزالون يخرجون) لكن في أثواب جديدة، ويجمعها أنّهم يذهبون إلى الغلو، الغلو في مجالات ومنها قضية التكفير، فمسائل التكفير هذه هي السبب الذي يُقنع به الشباب هؤلاء أو من ينحو هذا المنحى يقنع به نفسه أن تصرفه سليم، فهو ينحو إلى شيء يريد تبريرا له، وهذا الذي نحى إليه هو من جهة نفسية يكون إما من واقع المجتمعات الإسلامية، أو تسلُّط غير المسلمين على المسلمين في أنفسهم أو في بلادهم، أو من حيث كثرة المنكرات الموجودة، أو من حيث تَعَطُّل بعض أنواع الجهاد ونحو ذلك.
راشد: أحسن الله إليكم، معالي الشيخ مسائل التكفير يعني واضحة وبينة في كتاب الله وسنة رسوله، ويعني في مناهجنا التعليمية والحديث على هذا الموضوع وخطورته؛ لكن مع هذا كله وقع بعض الانحراف ما هو السبب معالي الشيخ؟
الشيخ: أولا أحب أن أقدم أن التكفير حكم؛ التكفير معناه أن تكفر مسلما، والتكفير أتى في كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى الله عليه وسلم، تكفير من كفره الله جل وعلا أو تكفير المسلم الذي ارتد عن دينه هذا حكم موجود في الكتاب والسنة يقول الله جل وعلا ﴿وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ﴾[التوبة:74]، وقال ﴿كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ﴾[آل عمران:86، 90]، وقال ﴿مَن يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾[المائدة:54]، والنبي صَلَّى الله عليه وسلم بين أن من المرتدين «التَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلجَمَاعَةِ».
فإذن حكم التكفير موجود، ومنهج أهل السنة والجماعة أن الردة قد تعرض على المسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إما بقول أو فعل أو اعتقاد أو شك، وهذا هو الذي دونه أهل العلم في كتب التفسير وكتب العقائد وكتب الفقه من أتباع الذاهب الإسلامية جميعا؛ لكن هذا الأمر الذي هو موجود في التفاسير وموجود في الأحاديث وموجود في الشروح وموجود في كتب الفقه حتى لا يوجد مذهب إلا وهناك باب خاص في هذا الأمر اسمه باب حكم المرتد.
هذا التكفير مع صعوبته وكونه من أواخر أبواب الفقه خاض فيه من لا يعرف أحكام الصلاة التفصيلية ولا أحكام الزكاة التفصيلية، وهو أصعب الأبواب من جهة الفهم وجهة التطبيق.
باب التكفير على العموم لا يليه أفراد الناس، إذا كان الحكم في مسائل البيوع الموجودة في كتب الفقه يليه أو يتولاه من هو متخصص في البيوع، أحكام الشركات من هو متخصص في الشركات، أحكام الأوقاف والوصايا والمواريث من هو متخصص في الفرائض والوصايا والمواريث، الجنايات من يحكم بأن هذا يقتل وهذا يقتص منه وهذا يعطى الدية وهذا إلى آخره من الأحكام الشرعية؟ من هو مختص في أحكام القضاء أو من أهل الفتوى، فكيف بالحكم على مسلم بالردة، لاشك أن هذا الأمر من أصعب ما يكون من جهة الفتوى ومن جهة الحكم، ولذلك الحكم فيه ليس للأفراد، وليس هو مما يطالب كل مسلم أنه يطبقه، أو أنه يقول أنا أحكم على فلان وفلان بحسب ما أرى، هذا مرتبط بوجود شروط ووجود موانع ووجود أحكام تفصيلية له، فلهذا أهل العلم يجعلون أبواب التكفير مُوكَلَة إلى القضاة فقط وليست إلى عامة الناس، ولا حتى أفراد طلبة العلم أنه يقول فلان ارتد وفلان خرج من دينه هذا كافر ونحو ذلك، هذا حكم مختص بالقاضي، القاضي هو الذي يحكم، أو المفتي الذي اجتمعت فيه شروط القضاء، المفتي الذي يحسن القضاء يعني إثبات الشروط وإثبات انتفاء الموانع.
لهذا نقول: إنّ التسارع الذي حصل في هذه المسائل، أنا لست مع من ينفي هذا الحكم الشرعي، لاشك أن هذا خطورة أنه نقول: إنه لا يوجد باب اسمه باب ردة، ولا يوجد أن المسلم يمكن يرتد، ولا يصح أن نكفر. حتى هناك من قال: لا تكفروا اليهود والنصارى لا تكفروا غير المسلمين، هذا مناقضة لأحكام الله جل وعلا في كتابه وأحكام النبي صَلَّى الله عليه وسلم؛ لكن المسألة الحكم موجود في الكتاب والسنة؛ لكن من يلي هذا الحكم؟ أهل العلم ذكروه، لكن من يلي هذا الأمر؟ هنا يأتي ضبط المسألة، فإذن المسألة من جهة فقهية ومن جهة عقدية موجودة.
المسألة تعرض لها في كتب العقائد -مسائل التكفير- وعرضها في كتب العقائد من جهة الاعتقاد لا من جهة الحكم؛ لأن الأحكام في الواقع هذه مرتبطة بالفقه، العقيدة فيها بعض أنواع التكفير لتعتقدها؛ يعني من هو الذي يكفر؟ ما هي الأعمال المكفرة ما الصفة؟ حتى يحذر منها المسلم ويعتقد ما قاله الله جل وعلا وقاله رسوله صَلَّى الله عليه وسلم.
من هنا بدأ الخلل بعد التفجيرات التي ذكرتها سابقا في الرياض وعلى إثرها عقدها في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد عدة محاضرات ودورات تتعلق بإيضاح مسائل الغلو والدعوة إلى الوسطية وإيضاح مسائل التكفير، ومنها الدورة التي ذكرتها في مطلع السؤال.
هذه الدورات تهدف إلى بيان ما يتصل بهذه المسألة وتحذير الشباب من أن يتعاطوا هذه المسألة، وأنا بحكم قربي من طائفة كبيرة من الشباب وطلبة العلم من قديم أجد أنّ كثيرا من الشباب يرومون الخوض في هذه المسائل ويأنسون لها، وهذا خلاف ما يجب عليهم الواجب عليهم أن يدخلوا ويبحثوا على المسائل التي تنفعهم في دينهم أما المسائل التي هي من اختصاص القضاء أو من اختصاص المفتي أو نحو ذلك ما فيه أحكام كبيرة، هذا ليس من الحسن أن يدخل فيه أفراد الناس؛ بل يسبب ضلالا وانحرافا في الطريق، الحظ أيضا أن دخول الناس في هذه المسائل سيؤول إذا لم يُحَدّ منه إلى أن يكفر بالهوى يعني شخص ما أعجبته تصرفات شخص آخر أو قال أن هذا التصرف يلزم منه أنه يكره الدين، هذا التصرف يلزم منه أنه يفعل كذا، فيكفِّر باللازم، وهذا وجد في بعض البلاد الإسلامية بعض الفئات والجماعات تكفر باللازم؛ يعني يقول يلزم من كلامه أنه يكون كذا وكذا وكذا، وكما يقول أهل العلم من الأصوليين وغيرهم لازم المذهب ليس بمذهب وناقل الكفر ليس بكافر، قد يكون بعض الكلام الذي قد يؤاخذ صاحبه عليه لكن لا يبلغ به هذا المبلغ.
من المسائل أيضا التي أدت إلى فكر التكفير بشكل عام الخوض في مسائل الحكم بغير ما أنزل الله، وهذا الحكم بغير ما أنزل الله معروف تفاصيل الأحكام عليه في كتب أهل العلم في العقيدة والحديث والفقه والتفسير أيضا منذ القديم، تكلم فيه ابن عباس رضي الله عنهما وتكلم فيه أئمة الإسلام؛ لكن الآن تجد الشاب بعض الفئات خمسة عشر، سبعة عشرة سنة، عشرين، خمسة وعشرين سنة ما عرفوا أحكام الفقه ولا أحكام العقيدة تجد أنه يجادل في مسائل الحكم بغير ما أنزل الله فجعلت هدفا لإحياء قضايا التكفير عند بعض الجماعات والفئات.
راشد: السبب معالي الشيخ؟ يعني هؤلاء الشباب في هذا السن يتركون العلوم الواضحة البيِّنة ويقدمون على مثل هذه الأشياء؟
الشيخ: أتصور أن نفسية الشاب وحبذا أيضا في هذا المقام أنه لو يستعان بأطباء أطباء النفس طبيب متخصص طبيب نفسي في عرض وجهة النظر؛ لماذا يجنح الشاب إلى أصعب الأمور، إلى التكفير، إلى قتل النفس، إلى هذه المسائل التي فيها انحراف وجرم كبير لماذا يلجأ إليها.
أنا في تصوري من واقع التجربة أن الشاب عنده رغبة في إثبات نفسه، وإثبات غيرته على الدين، وعنده رغبة في أن يقول للصّح صح وللغلط غلط بمنظوره هو، فيندفع في وجهته في هذا صح وهذا غلط يؤديه بأن هذا إيمان وهذا كفر، فالشاب يريد الإثبات يريد التميز، فالآن تصرفات الشباب بشكل عام، حتى الشباب الذي عنده تصرفات شهوانية أو أشباه ذلك في ملابسه مثلا أو في سلوكه أو في أعماله أو في هيئاته أو نحو ذلك، هو يبحث عن التميز، هذا صراع نفسي في داخله، يبحث عن التميز، لفت النظر إلى آخره، هذه قد تلبس أيضا ثوب الدّين، فيذهب إلى هذه المسائل الصعبة التي يَبرز فيها بحسب ظنه ويترك المسائل التي تنفعه في دينه لأنها لا تُبْرِزه؛ تجعله شخص غير صاحب رؤية مثلا، أو كذا؛ لأنه يتكلم، إذا بحث في مسائل العقيدة العامة في الإيمان وأركان الإيمان ونحو ذلك مسائل الصلاة، العبادة، الطهارة، العبادات، أحكام بعض المعاملات؛ العِشْرَة، التعامل، الاجتماعيات؛ البر، طريقة التعامل؛ الصلة، الحقوق؛ حقوق نفسه عليه، حقوق والديه، حقوق أقاربه، حقوق ولاة الأمر، حقوق أهل العلم، حقوق المسلمين، يجد أن هذه مسائل تفرض عليه أشياء ولكن لا تعطيه تميُّزا، فلذلك يجنح إلى شيء يثبت به صحة إيمانه وغيرته على الدين وصحة محبته للإسلام، فيجنح إلى أشياء صعبة مثل قضايا التكفير أو الجهاد الذي لم تكتمل شروطه الشرعية.
راشد: ذكرتم معالي الشيخ في لقائكم بما يتعلق بالتكفير أنه هناك شروط وموانع؛ يعني كون إنسان قد ينتقل من الإسلام للكفر هذا ثابت كما في كتب الفقه؛ لكن ما هي الشروط التي يأخذ بها القاضي أو الفقيه أو العالم حتى يحكم على إنسان بالكفر.
الشيخ: أولا نعرِف أن أحكام الشريعة في تحقيقها منوطة بشروط ومنوطة بموانع، هذا والأصوليون يجعلون من الأحكام الوضعية السبب والشرط والمانع إلى آخره، فهي مرعية في جميع الأحكام، إذا نظرنا للطهارة نقول شروط صحة الوضوء كذا، الصلاة شروط الصلاة كذا، النواقض الوضوء هذا، مبطلات الصلاة فيه عدة أشياء، وهكذا في الحج، في الزكاة، في مسائل كثيرة، حتى البيوع له شروطه النكاح له شروط أركان إلى آخره، كيف هذه المسألة العظيمة مسألة إخراج مسلم من دينه، أو الحكم على إنسان بأنه ليس بمسلم ليس بمؤمن، هذا ما فيه شك أنه سيحتاج إلى قواعد شرعية، الشريعة إذا كانت مسائل العبادات التي لا تؤدي إلى صراع بين الناس جعلت لها قواعد وشروط وموانع، فكيف بهذه المسألة العظيمة.
لهذا أهل العلم قالوا: إنه لا يجوز إخراج؛ لا يحل إخراج مسلم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله من دينه إلا ببينة في الوضوح بمثل البينة التي دخل بها إلى الإسلام. هو دخل بشيء واضح أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإخراجه من هذه الشهادة لابد أن يكون بشيء واضح في ذلك، ولذلك جعلوا هناك شروط وهناك موانع لابد من الانتباه لها.
من الشروط أن يكون فيما أتى من قول قاصدا للقول، قاصدا للفعل، أن يكون عنده علم بما يقول، ما يكون مثلا جاهل، ما يكون مثلا نشأ في مكان بعيد لا يعرف الأحكام، ما يكون عنده شبهة، أيضا لابد من إزالة الشبه التي عنده في الحكم عليه؛ لأنه احتمال عنده تأويل، احتمال عنده فهم خاطئ، احتمال احتمال، احتمال، فإذا وردت الاحتمالات على قول أو فعل أو سلوك فلابد من أن يكون هناك مرجعية، القاضي يستفسر منه، أن فيها إثبات أو المفتي يستفسر منه ويجاوبه.
كذلك أن التكفير يكون بمجمع عليه التكفير ما يكون بالمسائل الخلافية، فإذا كان هناك مسألة اختلف فيها العلماء من المسائل.
شخص يقول أن هذا الأمر مكفر والآخر يقول لا، ولا دليل واضح من الكتاب والسنة ينصر أحد القولين، فإذن المسألة صارت اجتهادية في الحكم على مسألة بالردة هذا لا تكفير فيها؛ لأن المسألة التكفير إخراج من الدين فلابد أن يكون بشيء واضح مجمع عليه متفق عليه، أما المسائل المختلف فيها فكما هو معلوم أنه لا تكفير على ذلك.
العلماء؛ علماء الدعوة السلفية بشكل عام خاصة فيما تأصل من المدرسة عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والإمام محمد بن عبد الوهاب ومن تبعهم رحمة الله على الجميع لحظوا هذا في توسع الكتب الفقهية في أحكام الردة، إذا نظرت مثلا إلى كتب فقهاء السادة الحنفية تجد أن باب حكم المرتد طويل وفيه تفصيلات حتى إنهم يحكمون بالكفر على من صغر المصحف فقال: مُصَيْحَف، أو صغّر المسجد فقال: مُسَيْجِد، أو قال لفظا أو عمل عملا يوهم أو يُظنه امتهان أو إهانة للإسلام أو عدم تعظيم الواجب، كذلك فقهاء السادة الشافعية، كذلك فقهاء السادة المالكية، وفقهاء الحنابلة رحمة الله على الجميع، توسعوا في أبواب الفقه في هذا الأمر.
جاءت أئمة الدعوة السلفية لحظوا هذا الأمر، وهم الآن يأتون يعني بعض من لا يفهم حقيقة المذاهب وحقيقة أئمة الدعوة السلفية خاصة شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ محمد بن عبد الوهاب ومن تبعهم يظنون أنهم هم الذين وسعوا التكفير، وفي الحقيقة هم الذين ضيقوه؛ لأنك إذا وجدت الشروط تجد الذي يفصل في الشروط والموانع تجد فيها شيخ الإسلام ابن تيمية، حتى أنه نفى أن يكون هناك تكفير لمتأول أو أن يكون هناك تكفير بما ليس بمجمع عليه.
هنا لما جاء الفقهاء وجعلوا من نواقض الإسلام من شك في كفر الكافر، جاء بعض الناس وقالوا كفر الكافر هذا يعني إذا حكمت على واحد بالكفر وشكّ في كفره أحد فالذي شك هو كافر، بيَّن شيخ الإسلام ابن نيمية وابن القيم وأئمة الدعوة أيضا بينوا على أن الكافر الذي أراده العلماء بهذه اللفظة من هو؟ هو الكافر الذي كفّره الله وكفّره رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالنص أو كان تكفيره مما هو مجمع عليه مما هو معروف معلوم من الدين بالضرورة أن يكون خارجا من الملة، فأما من كان اجتهاديا الحكم عليه أو حكم عليه البعض وترك البعض فهذا ما يدخل في مثل هذه القواعد.
إذن علماء الدعوة ضيقوا الدائرة، إذا نظرت مثلا إلى كتاب ابن حجر العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي، الفقيه الشافعي المعروف له كتب مشهورة وكان مفتيا في مكة، له كتاب خاص بالمكفرات كبير جدا عنوانه (الإعلام بقواطع الإسلام)، تكلّم فيها على المكفرات وعن أنواع النواقض؛ لكن لما أتى علماء الدعوة ضيَّقوا ذلك في المشهور وبعد وجود الشروط وانتفاء الموانع، وذكر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، طبعا ابن حجر الهيتمي في القرن التاسع والعاشر الهجري.
بعد ذلك بينوا أن المسألة لابد أن تضيق ليست لكل أحد.
فإذن موجود في تراث الفقه الإسلامي وفيما نص عليه الفقهاء موجود سَعَة فيما يكون به المسلم مرتدا، جعلوا التكفير بالقول بالفعل بالاعتقاد بالشك، فيه أشياء كثيرة.
لما أتت الدعوة السلفية ولاحظت هذا الأمر وكان مقصدها الأصل هو في توحيد العبادة، توحيد العبادة عبادة الله جل وعلا وحده وعدم صرف الدعاء لغير الله جل وعلا والاستغاثة بغير الله أو الذبح لغير الله ونحو ذلك، أتوا إلى مسائل مشابهة فوجدوا أنه يُخشى من التوسع في هذا الأمر فضيقوا الخناق، بعض الأتباع نجده في بعض البلاد الإسلامية أو حتى في هنا ما مضى ربما نحوا إلى هذا المنحى فيردهم أهل العلم، فلذلك أهل العلم الراسخون المتحققون بفهم الكتاب والسنة وبفهم ما كان عليه سلف الأمة لا يوسعون دائرة التكفير بل يضيقونها من أجل أن إثباتها ليس بالأمر السهل.
راشد: ترتب عليها أحكام؟
الشيخ: ترتَّب عليها أحكام شرعية، وفي إقامة الحكم عليه، وفي أحكام أهله إلى آخره، حتى وجد أن من يجعل بعض المسائل الخلافية تترتب عليه الأحكام.
مثلا مسألة ترك الصلاة، ترك الصلاة كما هو معروف عندا الراجح من أقوال أهل العلم أن تارك الصلاة تهاونا أو كسلا أنه يكفر لأجل الحديث «من تركها فقد كفر»، المسألة خلافية تعرف الشافعية لا يكفرونه وهناك مناظرة، وكذلك الحنفية وغيرهم، وهنا أتى من طرد هذا الأمر إلى أن قال: من ترك الصلاة فإنه ينفسخ نكاحه تلقائيا، رتّب عليه أحكام، وهذا ليس بجيد؛ لأن:
الأحكام تترتّب:
• إما بمُجْمَع عليه.
• أو بحكم حاكم شرعي أو بحكم قاض هو الذي يرتب؛ لأنه ينبني على الحكم أنه لابد يزيل عليه الشبهة.
لذلك الفقهاء حتى فقهاء الحنابلة رحمهم الله حينما تكلموا عن مسألة تارك الصلاة متى يكفر ومتى يحكم عليه، جعلوها قالوا: يستتاب ويدعى إلى الصلاة فإن أصر حتى ضاق وقت الثانية عنها، ثم قالوا: إنه يدعوه إمام أو نائبه ويستتيبه ثلاثا فإن تاب وإلا قتل.
إذن المسألة هنا واحد يجيء ثلاثة أيام ويقال له: صلّ وإلا-جُليت عنه الشبهة- هذا ليس عنده تأويل ثم بعد ذلك صل ثلاثة أيام وإلا ترى السيف، ثم يختار هذا الأمر الصعب على الصلاة، فهنا رجع إلى شيء في نفسه بين أنه يكره هذا الأمر أصلا أو يجحده، أو أنه لا شبهة عنده وإنما هو استكبار وعدم التزام بالحكم الشرعي.
أنا أقصد من هذا المنحى أن مسائل الشروط والموانع هذه هي التي فصل فيها علماء الدعوة السلفية بشكل خاص، وهم الذين بيَّنوا الكثير من الضوابط على أحكام الفقهاء.
ولهذا لابد من الانتباه إلى أن ما ينسب إلى دعوة الإمام المصلح الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى والتي يسميها أعداؤها بالدعوة الوهابية هذه الدعوة هي التي ضيقت ما هو موجود في كتب الفقهاء من أتباع المذاهب الأربعة ولم توسعه في مسائل التكفير، وإنما نظرت إلى ما هو متفق عليه بين أئمة المذاهب دون ما هو مختلف فيه، والشيخ محمد بن عبد الوهاب له رسالة في هذا الأمر، وكذلك الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب له رسالة، وعلماء الدعوة بشكل عام، شيخ الإسلام وابن القيم رحمهم الله تعالى ورحم علماء المسلمين جميعا أيضا لهم تفاصيل في هذا الأمر.
فإذن هناك شرط وهناك موانع لابد من استيفائها، لا تكفير إلا بمجمع عليه، المتأول الذي له تأويل سائغ المقابل له يرى أن فعله أو قوله أو تصرفه أنه كفر، الآن الخوارج على شدة ما قاموا به قتلوا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وحاربوا المسلمين وأحدثوا فتنة إلى اليوم، العلماء اختلفوا في تكفيرهم للعلماء في تكفيرهم قولان، ولما سئل عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه أكفار هم قال من الكفر فروا؛ يعني رأى التأويل الذي لديهم في هذه المسألة.
فتلخيص الكلام أن هذه الشروط والموانع لابد من وجودها لابد من استيفاء الشروط للحكم التكفير وانتفاء الموانع، وهذه ليست لآحاد الناس وإنما يقوم بها القاضي أو المفتي الذي ولي القضاء أو يصلح أن يلي القضاء.
راشد: بما يتعلق دعوة محمد بت عبد الوهاب ذكرت أنها ضيقوا قضية التكفير مع اعتنائهم الشديد بالتوحيد، ما هو السبب؟
الشيخ: السبب التوحيد تخليص للنفس من عبادة غير الله جل وعلا، والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى له في موضع كلام يقول حينما سئل هل تكفرون من يعبد البدوي أو يعبد من هو عند قبة الكواز أو أو يعني ممن يعبدون غير الله قال: لا، لا نكفرهم لأجل عدم وجود من ينبههم. ونفى أن يكون حكم عليهم، ولما سئل أنك أنت تحكم على الناس بأنهم كفار قال: سبحانك هذا بهتان عظيم. فهم من أهل العلم الذين جعلوا هذه الدائرة فيما نُصّ عليه في الشرع حكم الله جل وعلا حكم رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما أجمع عليه أهل العلم، أما ما اختلفوا فيه فإنهم لا يكفرون؛ بل هناك مسائل هي أقل ذكرها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله مثلا في موضع -وأنا أطلت هنا على الدعوة لأجل كثرة ما يقال عنها في هذا الزمن مما هو متصل بها الموضوع-، لما أتى إلى بعض المسائل مثل بعض مسائل التوسل بالأحياء أو التوسل بالجاه أو بالحرمة أو نحو ذلك، قال: أنا ما تكلمت في هذه المسائل. في أول دعوته رحمه الله، قال: أنا ما تكلمت في هذه المسائل أنا ما تكلمت إلا فيما أجمع علماء المسلمين على حرمته، أما المسائل المختلف فيها فأنا ما تكلمت فيها. وهذا من فقهه رحمه الله في أول دعوته حتى يبين للناس أنه ليس كل ما نرومه في الدعوة أننا نقوله في كل مكان وفي كل زمان، الدعوة لابد أن تترتب على حسب فقه الأولويات وحسب المكان والزمان إلى آخره، فليس كل مسألة هي حق في نفسها أن تقال في كل زمان وفي كل مكان، لابد من ترتيب الأمور مسائل التكفير لاشك أن الدعوة بحكم دراستي لها ومعرفتي -للدعوة السلفية بالعموم- أنها ضيقت ما في كتب المذاهب، والمجال مفتوح للباحثين والدارسين أن ينظروا، بس كتاب واحد الإعلام بقواطع الإسلام أو باب حكم المرتد في كتب الحنفية رحم الله الجميع، وينظروا هل الدعوة وسعت أو ضيقت.
راشد: شيخ بعض الشباب يقولون: أنتم الآن تقولون لا تشتغلوا بالتكفير وما يتعلق به، مع أن من الأشياء المقررة عندنا قضية أنه لا يتم تحقيق التوحيد إلا بالكفر الطاغوت، فأنا حتى يتحقق توحيدي لابد أن أكفر بالطاغوت وأن أبيِّن كفره للناس، فكيف الجواب عن هذا؟
الشيخ: هنا ما هو الطاغوت؟
الطاغوت هناك شيء معنوي -يعني نعبر عنها بما يناسب المقام-، معنوي وهناك ذاتي، الطاغوت هو عبادة غير الله جل وعلا﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾[البقرة:256] (مَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ) هذا معنى لا إله، (وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ) هذا فيها الإثبات إلا الله.
فمن يكفر بالطاغوت يكفر بعبادة غير الله؛ يعني لما تأتي لهذه القضية تقول: ما تقول في عبادة الأوثان؟ ما تقولا في عبادة الأصنام؟ ما تقول في التوجه إلى بشر أو حجر أو جني بالعبادة من دون الله جل وعلا؟ لابد نقول: نكفر بعبادة غير الله جل وعلا، هذا هو الكفر بالطاغوت، الطاغوت هذا لابد الكفر به، هذا ما يكفر به معنى.
ما يكفر به ذاتا –مثل ما ذكر الأئمة – قالوا الطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة:
هنا من دعا إلى عبادة نفسه، واحد يقول للناس تعالوا اعبدوني، هناك من دعا إلى عبادة نفسه.
أو دعا إلى عبادة غير الله جل وعلا قال أعبدوا الصنم هذا، اعبدوا الوثن، أعبدوا فلانا من الناس، أعبدوا الجني الفلاني إلى آخره.
أو من الطواغيت مثل ما يذكر الأئمة في هذا الحاكم الجائر المغير لأحكام الله جل وعلا، أتى حاكم في بلد ما وقال: لابد أن أمسح آيات الربا من القرآن. يغير حكم الله، أحاديث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التي تتكلم عن حرمة الزنا أنا أريد أن أشطبها، ما فيه كلام في القرآن على اليهود أنا أريد أن أحذفه، كيف يخرج لنا قرآن مختصر، هذا مغير لأحكام الله جل وعلا، مغير لأحكام الله من جهة –لاحظ كلمة مغيّر- مغير لحكم الله يريد أن يلغي حكما من أحكام الله جل وعلا الذي هو في القرآن.
أما من يأتي يقول: أنا والله أعرف أن هذا حكم؛ لكن أنا أعمل غيره، هذا ما صار مغير، هو ما قال ألغي هذا الحكم هو يقول أنا لن أغيره هو حكم موجود؛ لكن يأتي ويتأول ويقول الزمن فيه كذا وأنا أعمل كذا، والظروف تقتضي أني لا أعمل بهذا وأن أجله وصعب علي تطبيقه ونحو ذلك، فهذا يدخل في منحى آخر قد يكون فيه معذورا وقد لا يكون معذورا بحسب الحال.
أقصد من هذا الكلام أن العقيدة الإيمان بالله والكفر بالطاغوت هذه عقيدة نفسية قلبية، فأنت تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره أليست هذه هي أركان الإيمان؟ فإذن الإيمان بهذه الأركان الستة يتحقق به الإيمان، فنأتي إلى الكفر بالطاغوت أيضا هو كفر بما يعبد بعبادة غير الله لا إله يعني لا إله لا معبود مستحق للعبادة إلا الله جل وعلا، المعبودات كثيرة فيهم من عبد الشمس والقمر ومن عبد الإله الفلاني والإله الفلاني أو الشيخ فلان أو حتى الأنبياء أو بعض الملائكة أو نحو ذلك كما هو معروف في التاريخ وفي الواقع، لابد أنه يكفر بكل معبود سوى الله جل وعلا بعبادة غير الله جل وعلا؛ يعني من أتى يقال له أنت تؤمن أو تسهّل في عبادة غير الله إذا قال لك والله ما فيه مانع الناس يعبدون كل واحد زَيْ ما يبغى، فهنا لم يؤمن حقيقة بالله ولم يكفر بالطاغوت، والله جل وعلا بيّن في كتابه هذه المسألة أتم بيان وسيما في سيرة إبراهيم الخليل كما قال جل وعلا في سورة الزخرف ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ(27)وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[الزخرف:26-28] هذا الأمر هو المنوط بكلمة التوحيد لا إله إلا الله.
راشد: معالي الشيخ ذكرتم في أكثر من مناسبة أنه عند الاختلاف في قضية من القضايا يُرجع إلى الأمر العتيق وإلى كلام السلف قبل أن تقع الفتنة، الشباب يذكرون في قضية الولاء والبراء وهي جانب من الجوانب التي أيضا أنشأت قضية التكفير كالتعامل مع الآخر، مع اليهود والنصارى ونحو ذلك يعني حينما نرجع إلى كلام العلماء، كلام بين وواضح في قضية من والى المشركون ومن والى اليهودي والنصراني، هل فعلا يا شيخ الكلام واضح وبين في مسألة الولاء والبراء؟
الشيخ: الولاء والبراء هذه قضية تحتاج إلى جلسة طويلة أو إلى حلقة مستقلة لأن أهل العلم يفهمون هذه المسألة بلا شك، وهي مفصلة في الكتاب والسنة وفي كلام أهل العلم؛ لكن الناس خاضوا فيها من قبيل الغيرة، فرعوا الواقع فأثر الواقع عليهم فضخموا أو اعتقدوا أشياء أكثر مما أذِن بها الشرع.
فمثلا مسألة الولاء والبراء هذه الولاء، ما هو؟ والبراء ما هو؟
أولا لفظ الولاء والبراء موجود في الكتاب والسنة؛ يعني بعض الناس يقول هذا محدث جاء من الخوارج وبعدين جاء في الدعوة الإصلاحية دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، هذا موجود في الكتاب والسنة ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ آمَنُوا﴾[المائدة:55]، ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ(26)إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾[الزخرف:26-27]، الولاء والبراء موجود؛ لكن الولاء ما معناه؟
الولاء للدّين يعني أن تعطي محبتك ونصرتك وولاءك -الولاء الداخلي- لدين الله جل وعلا لله ولرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هذا أصل الدين أن تعطي ولاءك لله محبتك ونصرتك، ما معنى أن أسلمت وأمنت؟ ولاءك وحبتك وانتماءك لهذا الدين.
البراء هو كرهك وبغضك لما ينافي هذا الدين من الاعتقادات الكفرية والمذاهب الكفرية والمذاهب الضالة، فهنا تتبرأ من عبادة غير الله جل وعلا، وتعطي الولاء لعبادة الله جل وعلا.
فإذن الولاء والبراء أو الحب والبغض أو الموالاة والمعاداة هذه ألفاظ يستعملها العلماء في هذا المقام وهي متساوية، والولاء والبراء والحب والبغض؛ الحب في الله والبغض في الله، الموالاة في الله والمعاداة في الله، هناك رسائل وكتب كثيرة في هذا الموضوع.
راجعة في الأساس إلى حب الدين وبغض الكفر لأنها عقيدة، الولاء معناه مولاة الدين في الله جل وعلا حب الله جل وعلا حب رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبغض الكفر، يتضمن ذلك أنه يحب من أحب الله جل وعلا ويبغض من أحب الكفر ومن أبغض الله جل وعلا، يتضمنه، يتضمن عقيدة أنك تحب الله وتكره الكفر تكره عبادة غير الله تحب من يحب الله جل وعلا وتكره من يكره الله جل وعلا أو يحب الطواغيت أو عبادة غير الله جل وعلا أو ما أشبه ذلك.
فإذن هذه متضمنة أما مسألة موالاة غير المسلم فهذه لها تفصيلات كثيرة، ليست كل علاقة ومعاملة مع غير المسلم أو مع اليهودي أو مع النصراني أنها تعتبر مولاة، النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه النصارى واستضافهم؛ استضافهم في المسجد، أتى اليهودي وزاره وقَبِل دعوة اليهودي في بيته، ولما مرض غلام يهودي كان يرجو عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ إسلامه زاره في بيته.
فإذن المسألة؛ مسألة التعامل لها أحكامها التفصيلية، كذلك مسألة الإجارة، مسألة أنه يعمل وتستأجر غير المسلم هذه لا علاقة لها بالموالاة، من تزوج امرأة غير مسلمة -يعني كتابية- فأحبها هل يمنع منه، الشريعة أباحت أن يتزوج المسلم غير المسلمة بشروطها المعروفة في كتب أهل العلم، والآية في سورة المائدة كما هو معروف، هل من أحب امرأته النصرانية يعتبر مواليا للنصرانية، مواليا لدين النصرانية، أو والى النصارى أو نحو ذلك؟ لا، لأن هذه مسائل محبة طبيعية، عامَل تاجر من التجار ونفعه في بلاد أي ملة كانت ونفعه وصار في قلبه له شيء من المودة الدنيوية في قلبه لأنه نفعه، طبيب بفضل الله جل وعلا أنقذ مسلما فتعلق به، هذه مسائل التعامل ليست قادحة في الولاء والبراء؛ بل هذه من المقتضيات الطبيعية، لكن إذا كانت المودة راجعة للدين فهذه هي القادحة؛ يعني يود يهودي ليهوديته، يحب امرأته النصرانية ما لأنها معه أو لأنها جميلة أو لأنه ارتاح معها لا، لأنها نصرانية لنصرانيتها، فإذن رجع هذا من محبة لشيء وصار محبة للدين، فهنا إذا دخلنا في الأمور الدينية العقدية انتقلنا إلى الموالاة والمعاداة الشرعية أو الدينية.
راشد: وهذا أي يفسر كلام محمد بن عبد الوهاب في النواقض، حينما ذكر أن من نواقض الإسلام المعاونة للمشركين ونحو ذلك؟
الشيخ: هذه لها تفصيل معاونة المشركين في الناقض الثامن من نواقض الإسلام لها تفصيل آخر، أنا قصدي هنا التعامل نوعية التعامل كيف تكون هذه لا علاقة لها بالموالاة.
انظر مثلا إلى قصة حاطب رضي الله عنه حاطب لما سمع بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيذهب إلى مكة غازيا كتب بسر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أهل مكة، كتب بالسر أن محمدا بن عبد الله عَلَيْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ سيأتيكم فخذوا حذركم الآن أعد العدة سيأتيكم، هذا نوع موالاة ما فيه شك موالاة لهم؛ لكن هل هذه صارت مكفرة له؟ أو يعتبر أعان المشركين على المسلمين إعانة كفرية؟ هنا نأتي إلى الحديث لما أكتشف أمره أتى به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال عمر: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا فإنه قد نافق، فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يا حاطب ما حَمَلَكَ على هذا؟» المسألة فيها اشتباه أن يكون لقصد الدنيا أو لقصد الدين:
إذا كان هو أفشى بالسر رغبة في الدين أو لحماية دين المشركين أو لحماية ملتهم أو لحماية بلدهم أو نحو ذلك هذا له شأن.
وإذا كان قصده نفسه أنه ينقذ نفسه أو دنياه أو ماله أو نحو فهذا له شأن.
فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ استفصل منه فدل على أن مثل هذه المسائل حتى في الموالاة موالاة المشركين تحتاج إلى استفصال وليست كفرا كما يزعم بعض الناس أن كل أنواعها كفر، لا، تحتاج إلى استفصال.
فقال هنا «يا حاطب ما حَمَلَكَ على هذا؟» فقال: يا رسول الله والله ما حملني على هذا محبة للكفر بعد الإسلام؛ لكن وما من أصحابك أحد إلا وله يد يدفع بها في مكة عن أهله وماله وليس لي يد فأردت أن يكون لي بها يد أدفع بها عن مالي في مكة. فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «صدقكم» ثم قال «إن الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، نزلت فيها أول سورة الممتحنة كما هو معروف في قوله جل وعلا ﴿يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ﴾[الممتحنة:1] في حاطب فهنا الحظ في الآية أنه قال (لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) فأثبت فعله نوع موالاة ثم قال (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ)، (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ)، فهذا الفعل الذي فعله حاطب إلقاء بالمودة؛ لكن مع ذلك قال أهل العلم من المفسرين وعلماء التوحيد قال ناده باسم الإيمان قال (يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا) قال ﴿ لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الحَقِّ﴾[الممتحنة:1] الآيات، فإذن لم يمنع هذا الفعل من بقائه على اسم الإيمان فهو لازال مؤمنا في ذلك؛ لأجل الاستفصال الذي استفصل منه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فإذن مسائل التعامل الولاء البراء ما يصلح الخوض في التكفير بها؛ لأنها مسائل تفصيلية، وتنبني على مقاصد، ولابد من القصد كما ذكر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قصة حاطب استفصل منه، الاستفصال ما فائدته؟ الظاهر معروف، الاستفصال لأجل القصد، ما الذي حملك على هذا؟ هذا سؤال عن النية وعن القصد في ذلك، إذا كان ينوي دفع ماله، ينوي حماية نفسه، ينوي كذا وكذا، فضعف من هذا الباب هذا له حكم من أحكام الموالاة والمودة لا تخرجه من الدين.
راشد: البعض يا شيخ يقول أنا رأيت فلان، والعلماء لا يكون في أن هذا العمل كفر، ومع ذلك يقول العلماء أن فاعل الكفر قد لا يكون كافرا، هل هذه القاعدة مع إطلاقها معالي الشيخ؟
الشيخ: هناك ثنائية معروفة عند أهل العلم في الأصول وفي العقائد وفي الفقه في أصول الفقه والفقه والعقائد، وهي ثنائية الكفر والكافر، الكفر والتكفير، الفسق والفاسق، البدعة والمبتدع، فليس كل من قام به الكفر كافر، ولبس كل من قامت به البدعة مبتدعا، وليس كل من قام به الفسق فاسقا؛ لأن إثبات هذه الأحكام هذه قضية ثانية، فهناك الآن قول أو فعل أو شك أو إلى آخره مما يعمله الإنسان فيقع في البدعة أو يقع في الفسق أو يقع في الكفر، يعني فيكون فعله بدعة أو يكون فعله فسقا أو يكون فعله كفرا، هنا من يرتب الحكم هذا يحتاج مثل ما قلنا إلى اجتماع الشروط وانتفاء الموانع، فيأتي واحد يعمل ببدعة هو يعرف أنها بدعة، أو عنده تأويل فيها ليس مطّرحا، تأويلا قد يكون مقبولا، مثل -لأن التأويلات مثلا في البدع منها ما هو مقبول ومنها ما هو مطرح- مثل مثلا التعريف في الأمصار يوم عرفة التحريف في الأبصار قال به بعض الصحابة قال به بعض التابعين يعني أوش معنى التعريف أننا نجلس في المساجد يوم عرفة و الناس في عرفة نحرم ونجلس في المساجد مشتركة لهم؛ مشاركة للحجاج، هذا عامة أهل العلم على أنه بدعة؛ لكن قال به البعض مشاركة في ذلك متأولا في هذا؛ لكن في حقيقته أنه بدعة، لكن ما نحكم على من قال به من الصحابة ومن التابعين على أنه [مبتدع]؛ لأجل وجود بعض الاشتباه في هذا، مثل قيام ليلة النصف من شعبان عندنا مثلا الصحيح أنه لا يسوغ لأنه محدث ولم يثبت على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا الخلفاء الراشدين ولكن فعلها بعض التابعين وهنا نقول الصحيح أنها بدعة؛ ولكن هل كل من فعلها هو مبتدع ؟ لا.
فإذن هناك مسائل غير متفق عليها التأويل فيها سائغ، فهنا يختلف الأمر.
فمثلا بعض المسائل الفسق ممكن ترك النوافل شخص مستديم على ترك النوافل، طائفة من أهل العلم يقول: من استدام على ترك النوافل فهو فاسق، كيف يستديم دائما على ترك نوافل العبادات؛ لا يصلي الصلوات الراتبة، لا يصلي الوتر، لا يصوم صيام التطوع، دائما لا يفعل أي شيء تطوع، بعض العلماء قال من استدام على ترك النوافل فهذا من الفسق؛ لكن هذا فيه نظر أيضا طائفة من أهل العلم يأخذون بحديث الأعرابي الذي أتى للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لما علّمه الفرائض الخمس قال: والله لا أزيد على هذا وأنقص فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أفلح إن صدق» فدل على عدم اعتبار مثل هذا الكلام، طبعا العلماء الذين قالوا بهذا الأمر يريدون التحذير من ترك النوافل؛ لكن هنا أيضا ثنائية بين الفسق والتفسيق.
فهناك مسائل لو نطرد فيها –بمعنى نجري فيها – كل ما قال فيه أهل العلم أنه كفر فمن قال به فهو كافر أو أنه فسق فمن قال به فهو فاسق أو أنه بدعة فمن قال به فه مبتدع، هنا لم يستقم لنا شيء لأجل كثرة خلاف العلماء في هذه المسائل؛ ولكن هنا نركز على أشياء:
أولا أن يكون الكفر مجمعا عليه، أو الخلاف فيه مطرح لا اعتبار له عند عامة أهل العلم.
الثاني أن يكون الفسق مجمعا عليه أو أن يكون الخلاف فيه مطرحا لا اعتبار له أو في مناقضة الدليل.
أن تكون البدعة متفق عليها أو أن يكون الخلاف فيها مطرحا لأجل عدم وجود ما يدل عليه من فعل السلف الصالح.
طبعا ما نرى هنا ما انتشر في القرون الأخيرة هذه المسائل، نرى في الخلاف والفواق في ما كان في القرون المفضلة.
راشد: معالي الشيخ للتعاطي مع الأزمة، أنا معي فتوى هيئة كبار العلماء حول حادث التفجير الذي وقع في الرياض( ) ووقّع عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في حينه يقول:
ولذا فإن الهيئة تقرر أن هذا الاعتداء آثم وإجرام شنيع، وهو خيانة وغدر، وهتك لحرمات الدين في الأنفس، والأموال، والأمن، والاستقرار، ولا يفعله إلا نفس فاجرة مشبعة بالحقد والخيانة والحسد والبغي والعدوان، وكراهية الحياة والخير، ولا يختلف المسلمون في تحريمه.
يعني التعاطي يا شيخ مع هذه الأحداث يمثل هذه الكلمات يعني البعض يقول أين نحن من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه إخواننا بغوا علينا، فماذا عن هذا يا شيخ؟
الشيخ: أولا إذا وقعت مثل هذه الأحداث ومثل هذه الجرائم فلا يجوز أن يكون الدفع؛ دفعها بأمر سهل لا يوازي شناعة الفعل؛ لأنه إذا صارت الكلمات التي تنكر بها على هذا الفعل أو على الفاعلين إذا كانت خفيفة فإن هذا يغري الآخرين بالتساهل في الأمر أو يوقعهم في شبهة بأن هذا الفعل فيه تأويل ممكن أنه يكون من جهة أخرى.
فواجب أهل العلم أن يبينوا هذا العمل ومن قام به هل هو عمل إصلاحي أو إجرامي، كونه يكون إصلاحي هذا له شأن، وكونه يكون إجرامي هذا له شأن.
لذلك أهل العلم فيما وقع من أحداث من قديم تجد أن عباراتهم شديدة مثل هذا، مثل كلام مجموعة من أهل العلم في هيئة كبار العلماء، وكان برئاستها في ذلك الوقت سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، لابد أن يكون الرد قويا، أما الذي يأتي ويقول والله نحن تكلم على الفعل ولا نتكلم على الفاعل، أو نقول هذه أفعال صحيح سيئة وأن فيها اعتداء ولكن من فعله يريدون الخير ويريدون كذا، هذا ليست طريقة أهل العلم وليس فقيها ولا عالما من يستعمل هذا الأسلوب، وإنما هذا عنده شبهة في نفسه فيجب عليه أن يزيل الشبهة عن نفسه أولا، ثم يجب عليه أن لا يغش المسلمين بألفاظه الهينة السهلة.
هذه جريمة ما حصل جريمة وكما قال هنا لا تفعلها إلا نفس مشبعة بأمور من الكبائر والمنكرات.
الذي حصل جمع أنواعا من الموبقات:
أولا فيه قتل للنفس، والنفس، قتل لنفس الإنسان فجر نفسه ليقتل مسلمين ومعهم غير مسلمين قتل نفسه لأجل ذلك، والله جل وعلا حرم قتل النفس قال ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾[النساء:29]، ﴿وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾[البقرة:195]، إذا كان هذا في الإنفاق فكيف بقتل النفس صراحة، وقتل النفس من قتل نفسه بحديدة عذِّب بها يوم القيامة.
الأمر الثاني أن في هذا الفعل قتلا للمسلمين، وقتل المسلم كبيرة من الكبائر العظيمة، يعني بعد الشرك بالله قتل النفس قتل المسلم، والله جل وعلا يقول ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا﴾[النساء:93]، هو يقتل مؤمنا وهو يعرف أنه سيقتل مؤمنا متعمدا فهذا ذكر الله جل وعلا قال(فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا)، هذا النوع الثاني قتل المسلمين.
الثالث قتل لمن لا يستحق القتل شرعا من المعاهدين، أو المستأمنين، أو أهل الذمة، أو من لهم أمان بتأمين ولي الأمر، أو بتأمين المسلمين لهم، أو قدموا لغرض من الأغراض، والمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، فضلا عمن أمّنته الأمة وأمّنته الدولة وأمنه ولي الأمر أو جاء بكفالة أو ذلك هذا لا يسوغ الاعتداء عليه، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة»، كذلك حكم المستأمن والذمي والمعاهد، فمن بيننا وبينه عهد يجب أن نوفي بالعهد ﴿ يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالعُقُودِ﴾[المائدة:1]، وقال جل وعلا ﴿وَأَوْفُوا بِالعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاَ﴾[الإسراء:34]، حينما قدِم هل هو قدم على أنه سيُقتل؟ لو علم هذا ما أعطانا هذا الأمر لكن أعطيناه عهدا أنه سيأتي لعمل أو يأتي لشيء وهو سالم، فلا يجوز لمسلم ولا يحل له أن يخفر العهد، وخيانة العهد من خصال المنافقين ليست من خصال المسلمين، فآية المنافق ثلاث ومنها وإذا عاهد غدر، فالغدر في العهد فهذا ليس من سمة المسلم بل من سمة المنافقين.
كذلك فيها الاعتداء على أموال المسلمين، الآن هذه الأرواح التي أزهقت والموال التي أتلفت ونحو ذلك، أموال من؟ أموال المسلمين هي في دور مستأجرة لمسلمين إلى آخره فأصابها ما أصابها من الدمار وحرمة المسلم في دمه وماله وعرضه معروفة، وأكدها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في خطبته يوم عرفة، إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا كما في الصحيحين من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
كذلك فيها سلب للأمن ورفع للأمن الذي جعله الله جل وعلا من مقاصد الشريعة، من مقاصد الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة تحقيق الأمن في حياة الناس، وهذه منَّ الله جل وعلا بها على عباده في قوله تعالى في سورة النور ﴿وَعَدَ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمْلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾ ثم جاء بالنتيجة ﴿يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾[النور:55] إذن تحقيق الأمن مقصد من مقاصد الشريعة، الشريعة جاءت لتحقيق الأمن، الذي ينتج عنه عبادة الله جل وعلا وحده لا شريك له، وينتج عنته الخيرات وإزالة المنكرات وانتشار الدعوة وانتشار الخير والإصلاح ونماء الأمة وقوة الأمة وما أشبه ذلك، لهذا الحظ في قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «والله ليتمن الله هذا الأمر حتى تسير الضعينة من العراق إلى مكة لا تخشى إلا الله» لاحظ أنه علّق الأمن بإتمام الأمر (والله ليتمن الله هذا الأمر حتى) النتيجة إيش هي؟ الأمن، لهذا جاء حد الحِرَابة في الشريعة، نقول حد الحِرَابة، كثير من الناس ما يفهم ليش سمي حد الحرابة ؟ الله جل وعلا يقول ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِيَن يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا﴾[المائدة:33] الآية، لماذا جعل الإفساد في الأرض إخافة السبيل تنظيم جماعة من الناس على فعل ما جعل حرابة؟ ليش كان بنص القرآن حرب لله جل وعلا ولرسوله؟ لأنه حرب للأمن الذي هو هدف ومقصد من مقاصد الله ورسوله في إنزال الشريعة، فهو حرب للأمن، ومحاربة الأمن حرابة لمن جعل الأمن مقصدا وهو الله جل وعلا ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فإذن حد الحرابة سمي حد الحرابة، يجيء واحد مثلا في طريق يقول: والله أنا مجرد وقفت سيارة بالقوة ونزّلت صاحبها وضربته وأخذت منه بعض المال كيف أصير أنا محارب لله ولرسوله نقول نعم هو محاربة لله ورسوله؛ لأن مقصد الشريعة هو الأمن الأمن في إيش؟ الأمن على الناس في دماؤهم في أعراضهم في أموالهم ونحو ذلك فإذن هذه الأفعال الإجرامية يجب أن تصد بقوة كبيرة جدا في اللفظ وفي المعنى وإيضاح أحكام الشريعة دون مضاربة.
فأنا الحقيقة أنتقد بعض تعرض لهذا الموضوع انتقاد شرعي من تعرض لهذا الموضوع بعبارة خافتة باهتة، مثلا يقول هذا الفعل سيئ بس الفاعلين متأولين ويقول مثل هذا العبارات التي لا تدل على علم بكتاب الله جل وعلا وبكتاب رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبقواعد الشريعة وأحكام الفقه، أو يقول لا يصلح لنا أن نستجرّ هذه المعركة إلى بلاد المسلمين أو نحو ذلك من الألفاظ التي ليست ألفاظا شرعية.
هذه مسائل فيها إجرام كبير وخيانة عظيمة، مثل هذه التفجيرات وأشباهها، فكون عبارات بعض طلبة العلم وبعض الدعاة باهتة خافتة في الإنكار هذا لاشك يغري ولا يحقق مقصود الشارع في إنكار هذه المنكرات والموبقات العظيمة.
راشد: معالي الشيخ أخيرا في ما يتعلق الآن بكلمة توجيهية للشباب، البعض يقول هو محب لعلمائه؛ لكن يقول حينما أقرأ بعض الأشياء في الإنترنت وكتب وأشرطة ونحو ذلك يقول سبحان الله يعني أحد الإخوة من طلبة العلم يقول قرأت موقع في أحد الإنترنت فأحسست بشيء في قلبي تجاه العلماء ثم استغفر الله سبحانه وتعالى. كيف يحصن الشاب نفسه وهو يرى هذه الفتنة مثل هذه الأحداث العظيمة؟
الشيخ: أولا الإنترنت وسيلة من الوسائل التي حدثت كغيرها من الوسائل، فيجب أن تستثمر في الخير، ويجب أن لا نجعلها حجة علينا هذه منة من الله جل وعلا، من استخدمها في شيء فعليه وزرها، ومن استخدمها في حسن فله أجرها مثل أي وسيلة من الوسائل.
ما ينشر في الإنترنت يفتقد الكثير من الآداب الشرعية، إذا نظرت أنا للحوار الذي يجري في الإنترنت الواحد يبدي ما في نفسه طيب ما فيه شيء، تبدي ما في نفسك أو تنتقد بعض الأشياء أو تستفسر ولو كان الاستفسار فيه غلظة هذا ليس فيه إشكال من هذه الجهة لكن يتأدب بآداب الشريعة يأتي واحد ينتقد وضع لكنه يهاجم عالم من العلماء المسلمين، أو يستعدي الناس على واقعهم أو على علمائهم أو على دولتهم أو يسمه بأوصاف الكفر أو نحو ذلك، فهذا كله خوض في أمور بلا علم، والله جل وعلا يقول ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾[الإسراء:36]، إذا كان الذي يكتب يَكتب بدون ظن منه أنه سيلقى الله جل وعلا ويحاسبه على ما كتب هذه مصيبة عظيمة، وإذا كان يكتب أو يشارك في الإنترنت وهو يعلم أنه محاسب وهو ليس كحديثه مع زميل له، أنت الآن تنشر ليقرأها آلاف من الناس أو مئات الآلاف أو ربما أكثر، فكيف إذا كان بسبب كلمة قلت أنه حصل وهو ما حصل، أو قلت فلان فيه كذا من الأفعال وهو ليس فيه، أو سمعت كلاما ونشرته على أنه حقيقة وأنت ما تثبت منه، وانتقل بين الناس على أنه حقيقة ثابتة.
مثل عُزِي إلي في الإنترنت مقال أن فلان صالح آل الشيخ أنه يقول لا يجوز الدعاء على اليهود والنصارى، وطنطنوا عليها وكثّروا هل يقول أحد من أهل العلم أو ممن عرف بعض أحكام الشريعة فضْلا على أن يكون عرف كثيرا منها وعلم كثيرا منها أنه يقول لا يجوز الدعاء -بهذا الإطلاق- لا يجوز الدعاء على اليهود والنصارى، ما فيه أحد، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان بآخر حياته قال «لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» واللعن الطرد والإبعاد من رحمة الله جل وعلا وهو الدعاء عليهم، فنسب هذا الأمر مع أن كلامي أنا في هذا الموضوع كان قبل سبع سنوات، نقله أحد من لا يفهم نقله من احد الدروس ثم أُوِّل أو صنف على ذلك وهو الكلام إنما كان في قضية -أنا أستطرد فيها بس لأجل المناسبة-، كان في قضية محددة وهي أن لا نعارض حكمة الله جل وعلا في وجود الكفار وجود اليهود وجود النصارى، ندعو عليهم مثلا بالهلاك العام بالاستئصال، نحن نعلم أن اليهود والنصارى سيبقون إلى آخر الزمان، يأتي واحد ويقول اللهم أبدهم الآن أجمعين، أنت تعارض حكمة الله جل وعلا، تعارض ما أخبر الله جل وعلا في كتابه، فمن دعا بدعاء نعلم أنه مستحيل أو أن الشرع أخيرنا بخلافه أو نعلم أنه لن يكون هذا اعتداء في الدعاء من أسباب رد الدعاء.
وشيخ الإسلام ابن تيمية ذكر في الفتاوى كما ذكره غيره أن من أسباب الاعتداء في الدعاء ورد الدعاء أن يدعو بدعاء نعلم من الشريعة أنه ليس متحققا.
فنعلم أن اليهود والنصارى سيبقون إلى زمن عيسى ابن مريم، ويأتي واحد ويدعو عليهم بالهلاك جميعا الآن وأن يدعو على جميع الكفار الآن أو يدعو على أطفالهم وعلى نسائهم هذا الدعاء العام بالاستئصال والهلاك العام هذا ليس من الشرع لاشك وهو اعتداء في الدعاء لهذا الأمر لمناقضته لحكمة الله جل وعلا ولما أخبر الله جل وعلا في كتابه قال سبحانه ﴿وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ﴾[الزخرف:61]، فأولوا الأمر وصار ت المسألة على أن فلان لا يجيز الدعاء على اليهود والنصارى بهذا الإطلاق، وجاء أناس آخرين وعلَّقوا، سبّوا وشتموا.
هو ليس عليَّ وحدي فقط بل على كثير من أهل العلم وعلى كثير من الولاة نسبت أقوال أحيانا وأفعال لم يفعلها الإنسان البتة، ويستغرب كيف جاء الافتراء ثم جاء الانتشار بعد ذلك.
أيضا هناك مسألة تتعلق بالإنترنت في آداب الحوار.
راشد: لو سمحت لي معالي الشيخ بما يتعلق بالدعاء بالهلاك يبدو أن هذا هو أيضا هو هدي السلف؟
الشيخ: هذا يعني يكاد يكون ما أعلم أن أحدا نص على الإجماع لكن ما أظن يكون فيه خلاف أصلا، «الذِينَ يُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاَءَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ» يعني الدعاء المقيد أنت قصدك.
آداب على الإنترنت، النشر على الإنترنت لها آداب وأخلاق؛ لأنها حوار والسلف وضعوا آداب البحث والمناظرة، كيف تبحث مع إنسان وترد عليه، هذا يسب هذا وهذا يشتم هذا؛ بل أتوا إلى أشياء هداهم الله إلى أشياء شخصية، يتكلم عن الإنسان على عائلته، يتكلم عنه في بيته طيب من تلقى كيف يثبت له أن هذا صحيح أو غير صحيح، والناس عندنا مولعون بشيء، هو من تركيبة المجتمع العربي بعامة مولعون بالشك، الأصل عندهم دائما عندهم الشك، بداية يقولون واحد والله فعل هذا الفعل يصدقون؛ لأن الأصل عندهم الشك هذا ربما مرتبط بالبيئة القبلية أو البيئة البدوية أو الظروف القديمة نمت عند الناس الحذر والشك في أي تصرف؛ لكن هذا ليس شرعيا الأصل في المسلم السلامة واحد يأتسي ويقول قول في الإنترنت يتهم فيه فلان ويذكون أشياء في الأسر أو يتعلق، هذه أمور سيئة، أو يستخدمون الإنترنت بحوارات هابطة وسباب وشِتَام، هذا يترفع العاقل عنها فضل عن مسلم يخشى الله جل وعلا ويعلم أنه غدا سيحاسبه الله جل وعلا ﴿مَا يَلْفِظْ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾[ق:18].
وأنا أرجو أن تخصص حلقة في قناة المجد لآداب الحوار في الإنترنت؛ يعني يشارك فيها بعض المعروفين بالاهتمام بهذا المجال من طلبة العلم الشرعي أو الدعاة، كيف نحاور على الإنترنت كيف نستثمر هذه الوسيلة، ما الأشياء التي تنشر، ما الأشياء التي لا تنشر التحذير من اتهام الناس الدعوة إلى الإنصاف والعدل في هذا الأمر.
راشد: معالي الشيخ جزاكم الله خيرا على استجابة هذه الدعوة مع كثرة أعمالكم ومشاغلكم، ونسأل الله عز وجل أن يجعل هذا في ميزان حسناتكم.
الشيخ: أنا أشكر لقناة المجد إتاحة هذه الفرصة، ونرجو لها إن شاء الله التقدم المطرد، فهي تقوم برسالة اليوم مهمة، وأشكر لكم أيضا الأخ راشد لهذه النقاط المهمة التي تعرضتم لها، وأرجو الله تعالى أن يكون فيما تحدثت به فتح لبعض الأبواب وإلا فالموضوعات كما ترى موضوعات كبيرة وحية ومتوسعة، وأنا رميت في الحديث أن يكون الحديث حديث مجالس يعني ما نحينا فيه إلى ناحية التأصيل الشرعي المفصل بدقة لأجل أن يناسب ما ينشر في مثل هذه القنوات، داعيا للجميع بالتوفيق وأن يوفق الله جل وعلا ولاة أمورنا إلى ما فيه الرشد والسداد وأن يجعلنا وإياهم من المتعاونين على البر والتقوى، وأن يوفق علماء المسلمين لنشر كلمة الله جل وعلا لبيان الحق وإرشاد الناس وتبصير الجاهل.
كما أسأله سبحانه لهذه الأمة أمر رشد يعز فيها أهل الطاعة، ويعافى ويهدى فيها أهل المعصية إنه سبحانه جواد كريم.
أعدَّ هذه المادة: سالم الجزائري