بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد فهذه نصيحة مختصرة من عالم من علماءالإسلام , هو شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي الشهير بابنالقيم رحمه الله وغفر لهبل هي حلة ذهبية وياقوتة للخطيب والواعظ ، منكتابه : [ زاد المعاد فيهدي خير العباد (1/ 409)] وهاكم الدرة من غير مزيد تقدمة أو تعليق ، قال رحمه الله :
(( وَكَذَلِكَ كَانَتْ خُطْبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا هِيَ تَقْرِيرٌ لِأُصُولِ الْإِيمَانِ مِن الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَلِقَائِهِ،وَذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَوْلِيَائِهِ وَأَهْل طَاعَتِهِ، وَمَا أَعَدَّ لِأَعْدَائِهِ وَأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ، فَيَمْلَأُ الْقُلُوبَ مِنْ خُطْبَتِهِ إِيمَانًا وَتَوْحِيدًا، وَمَعْرِفَةً بِاللَّهِ وَأَيَّامِهِ،
لَا كَخُطَبِ غَيْرِهِ الَّتِي إِنَّمَا تُفِيدُ أُمُورًامُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْخَلَائِقِ، وَهِيَ النَّوْحُ عَلَى الْحَيَاةِ،وَالتَّخْوِيفُ بِالْمَوْتِ، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ لَا يَحْصُلُ فِي الْقَلْبِ إِيمَانًا بِاللَّهِ، وَلَا تَوْحِيدًا لَهُ، وَلَا مَعْرِفَةً خَاصَّةً بِهِ، وَلَاتَذْكِيرًا بِأَيَّامِهِ، وَلَا بَعْثًا لِلنُّفُوسِ عَلَى مَحَبَّتِهِ وَالشَّوْقِ إِلَى لِقَائِهِ، فَيَخْرُجُ السَّامِعُونَ وَلَمْ يَسْتَفِيدُوا فَائِدَةً غَيْرَ أَنَّهُمْ يَمُوتُونَ، وَتُقَسَّمُ أَمْوَالُهُمْ، وَيُبْلِي التُّرَابُ أَجْسَامَهُمْ، فَيَا لَيْتَ شِعْرِي أَيُّ إِيمَانٍ حَصَلَ بِهَذَا؟ !وَأَيُّ تَوْحِيدٍ وَمَعْرِفَةٍ وَعِلْمٍ نَافِعٍ حَصَلَ بِهِ؟ .وَمَنْ تَأَمَّلَ خُطَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُطَبَ أَصْحَابِهِ، وَجَدَهَا كَفِيلَةً بِبَيَانِ الْهُدَى وَالتَّوْحِيدِ، وَذِكْرِ صِفَاتِ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَأُصُولِ الْإِيمَانِ الْكُلَّيَّةِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ،وَذِكْرِ آلَائِهِ تَعَالَى الَّتِي تُحَبِّبُهُ إِلَى خَلْقِهِ، وَأَيَّامِهِالَّتِي تُخَوِّفُهُمْ مِنْ بَأْسِهِ، وَالْأَمْرِ بِذِكْرِهِ وَشُكْرِهِ الَّذِي يُحَبِّبُهُمْ إِلَيْهِ، فَيَذْكُرُونَ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ مَا يُحَبِّبُهُ إِلَى خَلْقِهِ، وَيَأْمُرُونَ مِنْ طَاعَتِه وَشُكْرِهِ، وَذِكْرِهِ مَا يُحَبِّبُهُمْ إِلَيْهِ، فَيَنْصَرِفُ السَّامِعون وَقَدْ أَحَبُّوهُ وَأَحَبَّهُمْ،
ثُمَّ طَالَ الْعَهْدُ وَخَفِيَنُورُ النُّبُوَّةِ، وَصَارَتِ الشَّرَائِعُ وَالْأَوَامِرُ رُسُومًا تُقَامُ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ حَقَائِقِهَا وَمَقَاصِدِهَا،فَأَعْطَوْهَا صُوَرَهَا وَزَيَّنُوهَا بِمَا زَيَّنُوهَا بِهِ، فَجَعَلُواالرُّسُومَ وَالْأَوْضَاعَ سُنَنًا لَا يَنْبَغِي الْإِخْلَالُ بِهَا وَأَخَلُّوابِالْمَقَاصِدِ الَّتِي لَا يَنْبَغِي الْإِخْلَالُ بِهَا، فَرَصَّعُوا الْخُطَبَ بِالتَّسْجِيعِ وَالْفِقَرِ، وَعِلْمِ الْبَدِيعِ، فَنَقَصَ بَلْ عَدِمَ حَظُّالْقُلُوبِ مِنْهَا، وَفَاتَ الْمَقْصُودُ بِهَا ))اهـ ووفق الله الجميع .