يقول شيخ الإسلام ابن تيمية عن شبهة خروج الحسين رضي الله عنه..، فيقول :
إن الله تعالى بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بتحصيل المصالح، وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تولى خليفة من الخلفاء كيزيد وعبد الملك والمنصور وغيرهم، فإما أن يُقال: يجب منعه من الولاية وقتاله حتى يولى غيره كما يفعله من يرى السيف، فهذا رأى فاسد، فإن مفسدة هذا أعظم من مصلحته، وقلَّ من خرج على إمامٍ ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضًا، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وأمثال هؤلاء.
قال: وغاية هؤلاء إما أن يُغلبوا وإما أن يَغلبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة، فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقًا كثيرًا، وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهُزموا وهُزم أصحابهم، فلا أقاموا دينًا ولا أبقوا دنيا.
والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة، فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم، ومع هذا لم يُحمد ما فعلوه من القتال، وهم أعظم قدْرًا عند الله وأحسن نية من غيرهم. وكذلك أهل الحرَّة كان فيهم من أهل العلم والدين خَلْق، وكذلك أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خَلْق من أهل العلم والدين، والله يغفر لهم كلهم.
قال: وكان الحسن البصري يقول: إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكن عليكم بالإستكانة والتضرع، فإن الله تعالى يقول **وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76].
وكان طلق بن حبيب يقول: اتقوا الفتنة بالتقوى، فقيل له: أجمل لنا التقوى، فقال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله.
وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وغيرهم، ينهون عام الحرَّة عن الخروج على يزيد، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث.
ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جَوْر الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خَلْقٌ كثيرٌ من أهل العلم والدين.
وباب قتال أهل البغي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشتبه بالقتال في الفتنة وليس هذا موضع بسطه، ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب واعتبر أيضًا اعتبار أولى الأبصار علم أن الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور، ولهذا لما أراد الحسين رضي الله عنه أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتبًا كثيرة أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن لا يخرج، وغلب على ظنهم أنه يُقتل حتى إن بعضهم قال: أستودعك الله من قتيل، وقال بعضهم: لولا الشفاعة لأمسكتك، والله ورسوله إنما يأمر بالصلاح لا بالفساد، لكن الرأي يصيب تارة ويخطيء أخرى.
فتبين أن الأمر على ما قاله أولئك، ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتلوه مظلومًا شهيدًا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله ونقص الخير بذلك، وصار ذلك سببًا لشرٍ عظيم، وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن كما كان قتل عثمان مما أوجب الفتن.
وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصبر على جَوْر الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وأن من خالف ذلك متعمدًا أو مخطئًا لم يحصِّل بفعله صلاحٌ بل فسادٌ.
ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بقوله: (ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ)، ولم يثن على أحدٍ لا بقتالٍ في فتنة، ولا بخروجٍ على الأئمة، ولا نزع يدٍ من طاعة، ولا مفارقةٍ للجماعة.
إلى أن قال: وكذلك الحسن كان دائمًا يشير على أبيه وأخيه بترك القتال، ولما صار الأمر إليه ترك القتال وأصلح الله به بين الطائفتين المقتتلتين، وعلي رضي الله عنه في آخر الأمر تبين له أن المصلحة في ترك القتال أعظم منها في فعله.
وكذلك الحسين رضي الله عنه لم يُقتل إلا مظلومًا شهيدًا تاركًا لطلب الإمارة، طالبًا للرجوع؛ إما إلى بلده، أو إلى الثغر، أو إلى المتولي على الناس (يزيد).
وإذا قال القائل: إن عليًا والحسين إنما تركا القتال في آخر الأمر للعجز لأنه لم يكن لهما أنصار فكان في المقاتلة قتل النفوس بلا حصول المصلحة المطلوبة.
قيل له: وهذا بعينه هو الحِكْمَة التي راعاها الشارع صلى الله عليه وسلم في النهي عن الخروج على الأمراء، وندب إلى ترك القتال في الفتنة، وإن كان الفاعلون لذلك يرون أن مقصودهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كالذين خرجوا بالحرَّة وبدير الجماجم على يزيد والحجاج وغيرهما.
لكن إذا لم يزل المنكر إلا بما هو أنكر منه صار إزالته على هذا الوجه منكرًا، وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف، كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرًا. انتهى. من (منهاج السنة) (4/527- 536).
ويقول أيضا:(والحسين ما خرج يريد القتال، و لكن ظن أن الناس يطيعونه، فلما رأى انصرافهم عنه طلب الرجوع إلى وطنه أو الذهاب إلى الثغر أو إتيان يزيد. فلم يمكِّنه أولئك الظلمةَ لا من هذا و لا من هذا و لا من هذا، و طلبو أن يأخذوه أسيراً إلى يزيد، فامتنع من ذلك و قاتل حتى قتل مظلوماً شهيداً لم يكن قصده ابتداء أن يُقاتِل)منهاج السنة (4/42).
إن الله تعالى بعث رسوله صلى الله عليه وسلم بتحصيل المصالح، وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، فإذا تولى خليفة من الخلفاء كيزيد وعبد الملك والمنصور وغيرهم، فإما أن يُقال: يجب منعه من الولاية وقتاله حتى يولى غيره كما يفعله من يرى السيف، فهذا رأى فاسد، فإن مفسدة هذا أعظم من مصلحته، وقلَّ من خرج على إمامٍ ذي سلطان إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، كالذين خرجوا على يزيد بالمدينة، وكابن الأشعث الذي خرج على عبد الملك بالعراق، وكابن المهلب الذي خرج على ابنه بخراسان، وكأبي مسلم صاحب الدعوة الذي خرج عليهم بخراسان أيضًا، وكالذين خرجوا على المنصور بالمدينة والبصرة وأمثال هؤلاء.
قال: وغاية هؤلاء إما أن يُغلبوا وإما أن يَغلبوا ثم يزول ملكهم فلا يكون لهم عاقبة، فإن عبد الله بن علي وأبا مسلم هما اللذان قتلا خلقًا كثيرًا، وكلاهما قتله أبو جعفر المنصور، وأما أهل الحرة وابن الأشعث وابن المهلب وغيرهم فهُزموا وهُزم أصحابهم، فلا أقاموا دينًا ولا أبقوا دنيا.
والله تعالى لا يأمر بأمر لا يحصل به صلاح الدين ولا صلاح الدنيا، وإن كان فاعل ذلك من أولياء الله المتقين ومن أهل الجنة، فليسوا أفضل من علي وعائشة وطلحة والزبير وغيرهم، ومع هذا لم يُحمد ما فعلوه من القتال، وهم أعظم قدْرًا عند الله وأحسن نية من غيرهم. وكذلك أهل الحرَّة كان فيهم من أهل العلم والدين خَلْق، وكذلك أصحاب ابن الأشعث كان فيهم خَلْق من أهل العلم والدين، والله يغفر لهم كلهم.
قال: وكان الحسن البصري يقول: إن الحجاج عذاب الله، فلا تدفعوا عذاب الله بأيديكم، ولكن عليكم بالإستكانة والتضرع، فإن الله تعالى يقول **وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76].
وكان طلق بن حبيب يقول: اتقوا الفتنة بالتقوى، فقيل له: أجمل لنا التقوى، فقال: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو رحمة الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عذاب الله.
وكان أفاضل المسلمين ينهون عن الخروج والقتال في الفتنة، كما كان عبد الله بن عمر، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وغيرهم، ينهون عام الحرَّة عن الخروج على يزيد، وكما كان الحسن البصري ومجاهد وغيرهما ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث.
ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم ويأمرون بالصبر على جَوْر الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خَلْقٌ كثيرٌ من أهل العلم والدين.
وباب قتال أهل البغي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشتبه بالقتال في الفتنة وليس هذا موضع بسطه، ومن تأمل الأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب واعتبر أيضًا اعتبار أولى الأبصار علم أن الذي جاءت به النصوص النبوية خير الأمور، ولهذا لما أراد الحسين رضي الله عنه أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتبًا كثيرة أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن لا يخرج، وغلب على ظنهم أنه يُقتل حتى إن بعضهم قال: أستودعك الله من قتيل، وقال بعضهم: لولا الشفاعة لأمسكتك، والله ورسوله إنما يأمر بالصلاح لا بالفساد، لكن الرأي يصيب تارة ويخطيء أخرى.
فتبين أن الأمر على ما قاله أولئك، ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتلوه مظلومًا شهيدًا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله ونقص الخير بذلك، وصار ذلك سببًا لشرٍ عظيم، وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن كما كان قتل عثمان مما أوجب الفتن.
وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم من الصبر على جَوْر الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وأن من خالف ذلك متعمدًا أو مخطئًا لم يحصِّل بفعله صلاحٌ بل فسادٌ.
ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الحسن بقوله: (ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ)، ولم يثن على أحدٍ لا بقتالٍ في فتنة، ولا بخروجٍ على الأئمة، ولا نزع يدٍ من طاعة، ولا مفارقةٍ للجماعة.
إلى أن قال: وكذلك الحسن كان دائمًا يشير على أبيه وأخيه بترك القتال، ولما صار الأمر إليه ترك القتال وأصلح الله به بين الطائفتين المقتتلتين، وعلي رضي الله عنه في آخر الأمر تبين له أن المصلحة في ترك القتال أعظم منها في فعله.
وكذلك الحسين رضي الله عنه لم يُقتل إلا مظلومًا شهيدًا تاركًا لطلب الإمارة، طالبًا للرجوع؛ إما إلى بلده، أو إلى الثغر، أو إلى المتولي على الناس (يزيد).
وإذا قال القائل: إن عليًا والحسين إنما تركا القتال في آخر الأمر للعجز لأنه لم يكن لهما أنصار فكان في المقاتلة قتل النفوس بلا حصول المصلحة المطلوبة.
قيل له: وهذا بعينه هو الحِكْمَة التي راعاها الشارع صلى الله عليه وسلم في النهي عن الخروج على الأمراء، وندب إلى ترك القتال في الفتنة، وإن كان الفاعلون لذلك يرون أن مقصودهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كالذين خرجوا بالحرَّة وبدير الجماجم على يزيد والحجاج وغيرهما.
لكن إذا لم يزل المنكر إلا بما هو أنكر منه صار إزالته على هذا الوجه منكرًا، وإذا لم يحصل المعروف إلا بمنكر مفسدته أعظم من مصلحة ذلك المعروف، كان تحصيل ذلك المعروف على هذا الوجه منكرًا. انتهى. من (منهاج السنة) (4/527- 536).
ويقول أيضا:(والحسين ما خرج يريد القتال، و لكن ظن أن الناس يطيعونه، فلما رأى انصرافهم عنه طلب الرجوع إلى وطنه أو الذهاب إلى الثغر أو إتيان يزيد. فلم يمكِّنه أولئك الظلمةَ لا من هذا و لا من هذا و لا من هذا، و طلبو أن يأخذوه أسيراً إلى يزيد، فامتنع من ذلك و قاتل حتى قتل مظلوماً شهيداً لم يكن قصده ابتداء أن يُقاتِل)منهاج السنة (4/42).