إيــــــثـار
الســنة على البدعـــة
تأليف :
أبي حمزة محمد بن حسين بن عمر العمودي
الســنة على البدعـــة
تأليف :
أبي حمزة محمد بن حسين بن عمر العمودي
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه وأنصاره الصادقين في الإتباع و المتابعة ظاهراً وباطناً صدقاً وعدلاً حرباً وسلماً إلى يوم الدين .
أمــــا بــــعــــد,,,
فإن الله سبحانه وتعالى معشر أهل السنة قد أكرمكم بالسنة وهذه أعظم منّة من الله تعالى ذلك لان السنة فيها زكاة النفوس وطهارتها من أدران الشرك والبدع ومن أوحال الشبهات والشهوات يقول الله تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) وهذه المكرمة العظيمة لا ينالها ولا يتشرف بها إلا من صدق مع الله تعالى و استقام على السنة ظاهراً وباطناً صدقاً وعدلاً حرباً وسلماً فإن طريق الحق والاستقامة عليه و الهداية إلى الصراط المستقيم كل ذلك منوطُ بطاعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإتباع سنته يقول سبحانه وتعالى (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) ويقول تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فمن استقام على السنة وصدق مع ربه فقد رحم نفسه في الدنيا و الآخرة يقول تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ويقول تعالى (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) والاستقامة على السنة أمان بأذن الله تعالى من الشقاء والضلال يقول تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى) بل إن من استقام على السنة لا يخزيه الله يوم القيامة , لا يحزن إن حزن الناس , ولا يخاف أن خاف الناس يقول تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) ويقول تعالى (يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)فالسنة نور وضياء كما في هذه الآية نور لك في الدنيا , نور لك في القبر , نور لك يوم تلقى ربك العلي القدير وتكون في رفقة الرفيق الأعلىقال تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) فالسني الصادق هو الذي يجعل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسوته في جميع شؤون حياته ويزن أقواله وأفعاله وعباداته ومعاملاته بالسنة إذ هي الميزان الراجح الذي توزن به جميع الأعمال والأقوال الظاهرة و الباطنة قال تعالى (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) فليس لنا أسوة الإ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) وهو إمامنا صلوات ربي وسلامه عليه في الدنيا و الآخره يقول تعالى (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره (3/ ص٥١ ): وقال بعض السلف: هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث , لأن إمامهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.ونحن مأمورون معاشر أهل السنة بالإقتداء به صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ولا طريق إلى مرضاة الله تعالى إلا بطاعة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ أن طاعته من طاعة الله يقول سبحانه (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) و الإستقامة على السنة أعظم طريق وسبيل للوصول إلى الجنة روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل ومن يأبى قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى . فالإسلام كله مبني على أصلين عظيمين لا ينفك أحدهما عن الأخر الإخلاص لله تعالى والمتابعة الصادقة للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهذا مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَالَ الْفُضَيْل بْنُ عِيَاضٍرحمه الله فِي قَوْله تَعَالَى { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } قَالَ : أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ قِيلَ : يَا أَبَا عَلِيٍّ مَا أَخْلَصُهُ وَأَصْوَبُهُ قَالَ : إنَّ الْعَمَلَ إذَا كَانَ خَالِصًا وَلَمْ يَكُنْ صَوَابًا لَمْ يُقْبَلْ وَإِذَا كَانَ صَوَابًا وَلَمْ يَكُنْ خَالِصًا لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يَكُونَ خَالِصًا صَوَابًا وَالْخَالِصُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَلَى السُّنَّةِ .وإن قِوام هذا الدين العظيم وصلابته وقوته إنما تكون بتحقيق هذين الأصلين العظيمين والعمل بهما والدعوة إليهما ومن قام بتحقيقهما خير قيام صار موفقاً بأذن الله تعالى وثابتاً في دعوته لا تهزه الأعاصير ولا تزلزله الأراجيف ولا يزعزعه تكالب الأعداء ولو أجتمع عليه من بأقطارها بل إن ثباته و إستعانته بربه والحالة هذه تزيده قوة وصلابة في دينه ويكون سبباً في ثبات الناس ونفعهم بأذن الله يقول تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)ويقول سبحانه (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) والداعية إلى الله إنما تُثمر دعوته وتطيب حياته وتزكوا نفسه بتحقيق هذين الأصليين العظيمين يقول تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) والعمل الصالح شرط قبوله الإخلاص والمتابعة كما تقدم .ويقول تعالى (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ) ومن ثمرة تحقيق هذين الأصليين العظيمين عدمالإختلاف والإضظراب والتغير والتغيير ولا التبديل لأن مصدرهما الكتاب والسنة يقول تعالى (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) ومن ثمرة تحقيق هذين الأصليين العظيمين الصبر على أقدار الله تعالى فإنه من رضي بقضاء الله وقدره كان على هداية من ربه يقول الله تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)ويقول سبحانه (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) قال الأمام علقمة بن قيس النخعي رحمه الله :هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم . رواه ابن جرير بإسناد صحيح قال العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليهم في فتح المجيد ص : (604) وفي الآية بيان أن الصبر سبب لهداية القلب وأنها من ثواب الصابرين .ومن ثمرة تحقيق هذين الأصليين حسن الظن بالله تعالى قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى : وذلك أنه لا يتم للعبد إيمان ولا توحيد حتى يعتقد جميع ما أخبر الله به من أسمائه وصفاته وكماله , وتصديقه بكل ما أخبر به وأنه يفعله وما وعد به من نصر الدين , وإحقاق الحق , وإبطال الباطل , فاعتقاد هذا من الإيمان وطمأنينة القلب بذلك من الإيمان وكل ظن ينافي ذلك فإنه من ظنون الجاهلية النافية للتوحيد لأنها سوء ظن بالله ونفي لكماله وتكذيب لخبره , وشك في وعده . والله أعلم .انظر القول السديد ص : (143- 144) .وسوء الظن بالله تعالى من صفات أهل الشرك والنفاق يقول تعالى (يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ويقول تعالى (الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) .قال العلامة ابن القيم رحمه الله في الكلام على ما تضمنته وقعة احد : وقد فُسِّرَ هذا الظنُّ الذي لا يليقُ باللهِ، بأنه سبحانه لا ينصُرُ رسولَه، وأن أمْرَهُ سيضمحِلُّ، وأنه يُسلِمُه للقتل، وقد فُسِّرَ بظنهم أن ما أصابَهم لم يكن بقضائه وقدره، ولا حِكمة له فيه، ففسر بإنكارِ الحِكمة، وإنكارِ القدر، وإنكارِ أن يُتمَّ أمرَ رسوله ويُظْهِرَه على الدِّين كُلِّه، وهذا هو ظنُّ السَّوْءِ الذى ظَنَّهُ المنافقُونَ والمشرِكُونَ به سبحانه وتعالى في "سورة الفتح" حيث يقول: )وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا(وإنما كان هذا ظنَّ السَّوْءِ ، وظنَّ الجاهلية المنسوب إلى أهل الجهل ، وظنَّ غير الحق، لأنه ظنَّ غير ما يليق بأسمائه الحسنى، وصفاتِهِ العُليا، وذاتِه المبَّرأة من كُلِّ عيبٍ وسوء، بخلافِ ما يليقُ بحكمته وحمدِه، وتفرُّدِهِ بالربوبية والإلهيَّة، وما يَليق بوعده الصادِق الذي لا يُخلفُهُ، وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصُرُهم ولا يخذُلُهم، ولجنده بأنهم هُمُ الغالبون، فمَن ظنَّ بأنه لا ينصرُ رسولَه، ولا يُتِمُّ أمرَه ، ولا يؤيِّده ، ويؤيدُ حزبه ، ويُعليهم ، ويُظفرهم بأعدائه ، ويُظهرهم عليهم ، وأنه لا ينصرُ دينه وكتابه ، وأنه يُديل الشركَ على التوحيدِ ، والباطلَ على الحقِّ إدالة مستقرة يضمحِلّ معها التوحيد والحق اضمحلالاً لا يقوم بعده أبداً ، فقد ظنَّ بالله ظن السَّوْءِ ، ونسبه إلى خلاف ما يليقُ بكماله وجلاله ، وصفاته ونعوته، فإنَّ حمدَه وعزَّته، وحِكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يَذِلَّ حزبَه وجندَه ، وأن تكون النصرةُ المستقرة ، والظفرُ الدائم لأعدائه المشركين به ، العادلين به، فَمن ظنَّ به ذلك ، فما عرفه ، ولا عرف أسماءَه ، ولا عرف صفاتِه وكماله، وكذلك مَن أنكر أن يكونَ ذلك بقضائه وقدره، فما عرفه، ولا عرف ربوبيَته، وملكه وعظمتَه، وكذلك مَن أنكر أن يكون قدَّر ما قدَّره من ذلك وغيره لِحكمة بالغة، وغاية محمودة يستحقُّ الحمدَ عليها، وأن ذلك إنما صدر عن مشيئة مجردةٍ عن حكمة، وغايةٍ مطلوبة هى أحبُّ إليه من فوتها، وأن تلك الأسبابَ المكروهةَ المفضية إليها لا يخرج تقديرُها عن الحكمةِ لإفضائِهَا إلى ما يُحِبُّ، وإن كانت مكروهة له، فما قدَّرها سُدى، ولا أنشأها عبثاً، ولا خلقها باطلاً، {ذَلِكَ ظَنُّ الذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النَّارِ}[ ص: 27] وأكثرُ النَّاسِ يظنون بالله غيرَ الحقِّ ظنَّ السَّوءِ فيما يختصُّ بهم وفيما يفعلُه بغيرهم ، ولا يسلَمُ عن ذلك إلا مَن عرف الله، وعرف أسماءَه وصفاتِهِ، وعرفَ وجبَ حمدِهِ وحكمته، فمَن قَنِطَ مِن رحمته، وأيسَ مِن رَوحه، فقد ظن به ظنَّ السَّوء.ومَن جوَّز عليه أن يعذِّبَ أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم، ويُسوِّى بينهم وبين أعدائه، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السوءِ.ومَن ظنَّ به أن يترُكَ خلقه سُدى، معطَّلينَ عن الأمر والنهى، ولا يُرسل إليهم رسله ، ولا ينزِّل عليهم كتبه ، بل يتركهم هَمَلاً كالأنعام، فقد ظَنَّ به ظنَّ السَّوء.ومَن ظن أنه لن يجمع عبيدَه بعد موتِهم للثوابِ والعِقاب في دار يُجازى المحسنَ فيها بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويبيِّنُ لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه، ويظهرُ للعالمين كلِّهم صدقَه وصدقَ رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين، فقد ظنَّ به ظن السَّوءِ.ومن ظنَّ أنه يُضَيِّعُ عليه عملَه الصالحَ الذي عملَه خالصاً لوجهه الكريمِ على امتثال أمره ، ويُبطِلَه عليه بلا سبب من العبد، أو أنه يُعاقِبُه بما لا صُنعَ فيه، ولا اختيار له، ولا قدرةَ، ولا إرادة في حصوله، بل يُعاقبه على فعله هو سبحانه به، أو ظنَّ به أنه يجوزُ عليه أن يؤيِّدَ أعداءَه الكاذبين عليه بالمعجزاتِ التي يؤيِّدُ بها أنبياءه ورسله، ويُجرِيها على أيديهم يُضِلُّونَ بها عباده، وأنه يحسُن منه كُلُّ شئ حتى تعذيبُ مَن أفنى عمره في طاعته، فيخلدُه في الجحيم أسفلَ السافلينَ، ويُنعِمُ مَن استنفد عُمُرَه في عداوته وعداوة رسله ودينه، فيرفعه إلى أعلى عليين، وكلا الأمرين عنده في الحسن سواء، ولا يُعرف امتناعُ أحدهما ووقوع الآخر إلا بخبر صادق وإلا فالعقل لا يقضى بقُبح أحدهما وحُسنِ الآخر، فقد ظَنَّ به ظَنَّ السَّوْء.ومَن ظن به أنه أخبرَ عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل، وتشبيه، وتمثيل، وترك الحقَّ، لم يُخبر به، وإنما رَمزَ إليه رموزاً بعيدة، وأشار إليه إشاراتٍ مُلْغِزةً لم يُصرِّح به، وصرَّح دائماً بالتشبيه والتمثيل والباطل، وأراد مِن خلقه أن يُتعِبُوا أذهانَهم وقُواهم وأفكارَهم في تحريفِ كلامه عن مواضعه، وتأويلهِ على غير تأويله، ويتطلَّبوا له وجوهَ الاحتمالات المستكرهة، والتأويلات التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالكشف والبيان، وأحالهم في معرفة أسمائِه وصفاتِه على عقولهم وآرائهم، لا على كتابِه، بل أراد منهم أن لا يحمِلوا كلامَه على ما يعرِفُون من خطابهم ولغتهم، مع قدرته على أن يُصَرِّحَ لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به، ويُريحَهم من الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل، فلم يفعل، بل سلك بهم خلافَ طريق الهدى والبيان، فقد ظنَّ به ظنَّ السَّوْءِ، فإنه إن قال: إنه غيرُ قادر على التعبير عن الحقِّ باللَّفظ الصريح الذي عبَّر به هو وسلفُه، فقد ظن بقُدرته العجز، وإن قال: إنه قادِرٌ ولم يُبَيِّن، وعدَلَ عن البيان، وعن التصريح بالحقِّ إلى ما يُوهم، بل يُوقِعُ في الباطل المحال، والاعتقاد الفاسد، فقد ظنَّ بحكمته ورحمته ظَنَّ السَّوءِ، وظنَّ أنه، هو وسلفُه عبَّروا عن الحقِّ بصريحه دُونَ الله ورسوله، وأن الهُدى والحقَّ في كلامهم وعباراتهم. وأما كلام الله، فإنما يؤخذ مِن ظاهره التشبيه، والتمثيل، والضلال، وظاهِر كلام المتهوِّكين الحيارى، هو الهُدى والحق، وهذا من أسوأ الظن بالله، فَكُلُّ هؤلاء من الظانين بالله ظن السَّوْءِ، ومن الظانين به غير الحق ظن الجاهلية.ومَن ظن به أن يكونَ في ملكه ما لا يشاء ولا يَقْدِرُ على إيجاده وتكوينه، فقد ظنَّ به ظنَّ السَّوْءِ.ومَن ظن به أنه كان مُعَطَّلاً مِن الأزل إلى الأبدِ عن أن يفعلَ، ولا يُوصفُ حينئذ بالقُدرة على الفعل، ثم صارَ قادراً عليه بعد أن لم يكن قادراً، فقد ظنَّ به ظنَّ السَّوْءِ.ومَن ظنَّ به أنه لا يَسمع ولا يُبصِرُ، ولا يعلم الموجودات، ولا عَدد السماواتِ والأرضِ، ولا النجوم، ولا بنى آدمَ وحركاتهِم وأفعالهم، ولا يعلم شيئاً من الموجودات في الأعيان، فقد ظنَّ به ظنَّ السَّوْءِ.ومَن ظنَّ أنه لا سمعَ له، ولا بصرَ، ولا عِلم له، ولا إرادة، ولا كلامَ يقولُ به، وأنه لم يُكلِّم أحداً من الخلق، ولا يتكلَّمُ أبداً، ولا قال ولا يقولُ، ولا له أمرٌ ولا نهى يقومُ به، فقد ظنَّ به ظنَّ السَّوْءِ.ومَن ظنَّ به أنه فوقَ سماواتِه على عرشه بائناً من خلقه، وأن نِسبة ذاته تعالى إلى عرشه كنِسبتها إلى أسفلِ السافلين، وإلى الأمكنة التي يُرغب عن ذكرها، وأنه أسفلُ، كما أنه أعلى، فقد ظنَّ به أقبحَ الظنِّ وأسوأه.ومَن ظنَّ به أنه يُحِبُّ الكفر، والفسوقَ، والعِصيانَ، ويحبُّ الفسادَ كما يُحبُّ الإيمان، والبر، والطاعة، والإصلاح، فقد ظنَّ به ظن السَّوْءِ.ومَن ظنَّ به أنه لا يُحبُّ ولا يَرضى، ولا يَغضب ولا يَسخط، ولا يُوالى ولا يُعادى، ولا يقرب من أحد من خلقه، ولا يقرُب منه أحد، وأن ذواتِ الشياطين في القُرب مِن ذاته كذوات الملائكة المقرَّبين وأوليائه المفلحين، فقد ظنَّ به ظنَّ السَّوْءِ.ومَن ظنَّ أنه يُسوى بين المتضادَّيْن، أو يفرِّق بين المتساويين من كل وجه، أو يُحْبِطُ طاعاتِ العمر المديد الخالصةَ الصوابَ بكبيرة واحدة تكون بعدها، فيخلد فاعل تلك الطاعات في النار أبدَ الآبدين بتلك الكبيرة، ويُحبطُ بها جميع طاعاته ويُخَلِّدُه في العذاب، كما يخلد مَن لا يؤمن به طرفة عين، وقد استنفد ساعاتِ عمره في مساخِطه ومعاداة رسله ودينه، فقد ظنَّ به ظنَّ السَّوْءِ.وبالجملة.. فمَن ظنَّ به خِلاَفَ ما وصف به نَفسه ووصفه به رسله، أو عطَّل حقائقَ ما وصف به نفسه، ووصفته به رُسله، فقد ظنَّ به ظنَّ السَّوْءِ.ومَن ظن أن له ولدَاً، أو شريكاً أو أن أحدَاً يشفعُ عنده بدون إذنه، أو أن بينَه وبين خلقه وسائطَ يرفعون حوائجهم إليه، أو أنه نَصَبَ لعباده أولياء مِن دونه يتقرَّبون بهم إليه، ويتوسلون بهم إليه، ويجعلونهم وسائط بينهم وبينه، فيدعونهم، ويحبونهم كحبه، ويخافونهم ويرجونهم، فقد ظنَّ به أقبحَ الظن وأسوأه.ومَن ظن به أنه ينالُ ما عنده بمعصيته ومخالفته، كما يناله بطاعته والتقربِ إليه، فقد ظنَّ به خلافَ حِكمته وخلاف موجب أسمائه وصفاته، وهو من ظن السَّوْءِ.ومَن ظنَّ به أنه إذا ترك لأجله شيئاً لم يُعوِّضه خيراً منه، أو مَن فعل لأجله شيئاً لم يُعطه أفضلَ منه، فقد ظنَّ به ظن السَّوْءِ.ومَن ظنَّ به أنه يغضبُ على عبده، ويُعاقبه ويحرمه بغير جُرم، ولا سبب من العبد إلا بمجرد المشيئة، ومحض الإرادة، فقد ظنَّ به ظن السَّوْءِ.ومن ظنَّ به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة، وتضرَّع إليه، وسأله، واستعان به، وتوكَّل عليه أنه يُخيِّبُه ولا يُعطيه ما سأله، فقد ظنَّ به ظنَّ السَّوءِ، وظنَّ به خلافَ ما هو أهلُه.ومن ظنَّ به أنهُ يُثيبه إذا عصاه بما يُثيبه به إذا أطاعه، وسأله ذلك في دعائه، فقد ظنَّ به خلافَ ما تقتضيه حِكمتُه وحمده، وخلافَ ما هو أهلُه وما لا يفعله.ومن ظن به أنه إذا أغضبه، وأسخطه، وأوضع في معاصيه، ثم اتخذ من دونه ولياً، ودعا مِن دونه مَلَكاً أو بَشَراً حَياً، أو ميتاً يرجُو بذلك أن ينفَعَه عند ربِّه، ويُخَلِّصَه مِن عذابه، فقد ظنَّ به ظَنَّ السَّوْءِ، وذلك زيادة في بُعْدِه من الله، وفى عذابه.ومَن ظنَّ به أنه يُسلِّطُ على رسولِهِ محمّد صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعداءَهُ تسليطاً مستَقِرّاً دائماً في حياته وفي مماته، وابتلاه بهم لا يُفارقونه، فلما مات استبدُّوا بالأمر دون وَصِيَّه، وظلمُوا أهلَ بيتِهِ، وسلبُوهم حقَّهُم، وأذلُّوهم، وكانت العزَّةُ والغلبةُ والقهرُ لأعدائِه وأعدائِهم دائماً مِن غير جرم ولا ذنب لأوليائه، وأهل الحق، وهو يرى قهرَهم لهم، وغصبهم إياهم حقَّهم، وتبديلَهم دِينَ نبيهم، وهو يقدر على نُصرة أوليائه وحزبه وجنده، ولا ينصُرُهم ولا يُديلهم، بل يُديل أعداءهم عليهم أبداً، أو أنَّه لا يقدِرُ على ذلكَ، بل حصل هذا بغير قُدرته ولا مشيئته، ثم جعل المبدلين لدينه مضاجعيه في حفرته، تُسَلِّمُ أُمتُه عليه وعليهم كل وقت كما تظنه الرافضةُ، فقد ظنَّ به أقبحَ الظنِّ وأسوأه، سواءً قالوا: إنه قادرٌ على أن ينصرَهم، ويجعل لهم الدولةَ والظفرَ، أو أنه غيرُ قادر على ذلك، فهم قادِحون في قُدرته، أو في حِكمته وحمده، وذلك مِن ظنِّ السَّوْءِ به، ولا ريب أن الربَّ الذي فعل هذا بغيضٌ إلى مَن ظنَّ به ذلك غير محمود عندهم، وكان الواجبُ أن يفعل خلافَ ذلك، لكن رَفَوْا هذا الظنَّ الفاسِدَ بخرق أعظمَ منه، واستجاروا من الرَّمضاءِ بالنار، فقالوا: لم يكن هذا بمشيئة الله، ولا له قدرةٌ على دفعه ونصر أوليائه، فإنه لا يَقْدِرُ على أفعال عباده، ولا هي داخلةٌ تحت قدرته، فظنُّوا به ظَنَّ إخوانهم المجوس والثَّنَوِيةِ بربهم، وكلٌ مبطل، وكافر، ومبتدِع مقهور مستذل، فهو يظن بربه هذا الظن، وأنه أولى بالنصر والظفر، والعلو من خصومه، فأكثر الخلق، بل كلهم إلا مَن شاء الله يظنون باللهِ غيرَ الحقِّ ظنَّ السَّوْءِ، فإن غالبَ بني آدم يعتقد أنه مبخوسُ الحق، ناقصُ الحظ وأنه يستحق فوقَ ما أعطاهُ اللهُ، ولِسان حاله يقول: ظلمني ربِّى، ومنعني ما أستحقُه، ونفسُه تشهدُ عليه بذلك، وهو بلسانه يُنكره ولا يتجاسرُ على التصريح به، ومَن فتَّش نفسَه، وتغلغل في معرفة دفائِنها وطواياها، رأى ذلك فيها كامِناً كُمونَ النار في الزِّناد، فاقدح زنادَ مَن شئت يُنبئك شَرَارُه عما في زِناده، ولو فتَّشت مَن فتشته، لرأيت عنده تعتُّباً على القدر وملامة له، واقتراحاً عليه خلاف ما جرى به، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقِلٌ ومستكثِر، وفَتِّشْ نفسَك هل أنت سالم مِن ذلك ؟
فَإنْ تَنجُ مِنْهَا تنج مِنْ ذي عَظِيمَةٍ ... وَإلاَّ فإني لاَ إخَـــالُكَ نَاجِـــيـاً
فليعتنِ اللبيبُ الناصحُ لنفسه بهذا الموضعِ، وليتُبْ إلى الله تعالى وليستغفِرْه كلَّ وقت من ظنه بربه ظن السَّوْءِ، وليظنَّ السَّوْءَ بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبعُ كل شر، المركَّبة على الجهل والظلم، فهي أولى بظن السَّوْءِ من أحكم الحاكمين، وأعدلِ العادلين، وأرحمِ لراحمين، الغنىِّ الحميد، الذي له الغنى التام، والحمدُ التام، والحكمةُ التامة، المنزّهُ عن كل سوءٍ في ذاته وصفاتِهِ، وأفعالِه وأسمائه، فذاتُه لها الكمالُ المطلقُ مِن كل وجه، وصفاتُه كذلك، وأفعالُه كذلك، كُلُّها حِكمة ومصلحة، ورحمة وعدل، وأسماؤه كُلُّها حُسْنَى.
فَلا تَظْـنُنْ بِرَبِّــكَ ظَــنّ سَــوْءِ | ... |
فَإنَّ اللهَ أَوْلَى بِالجَـمِـــيــلِ |
وَلا تَظْــنـنْ بِنَفْـسِـكَ قـَطُّ خَـيْــرَاً |
... |
وَكَيْفَ بِظَــالـِمٍ جَـانٍ جَــــهُـولِ |
وَقُـلْ يَا نـَفْـسُ مَـأْوَى كُـــلِّ سُـوءِ |
... |
أَيـُرجَى الخَـيـْرُ مِــنْ مَـيـْتٍ بَـخيلِ |
وظُـنَّ بـِنـفّـسِكَ السُّـوآى تَجِـدْهَــا |
... |
كَـذَاكَ وخَـيْرُهَا كَالمُسْتَحِــيـلِ |
مَــا بِـكَ مِنْ تُقىً فِــيهـَا وَخـيْـــر ٍ |
... |
فَتِـلْكَ مـَوَاهِـبُ اـرَّبِّ الجَــليلِ |
وَلَيْـسَ بِهَا وَلاَ مِنـْهَا وَلكِنْ |
... |
مِنَ الرَّحْـــمـن فَاشْــكُـرْ لِلــدَّلـِيـلِ |
انتهى انظر زاد المعاد 3 ص : (228 - 236) .
هذا ولما كانت الحزبية لا تخلو من نفاق تجد أربابها قد شابهوا أهل الشقاق والنفاق في كثير من الصفات الذميمة منها : الشماتة بأهل الحق والهدى ونعوذ بالله من شماتة الأعداء يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ويقول تعالى (الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) .وشماتة أعداء السنة والتوحيد بأهل الحق إنما هي ناتجة عن سوء ظنهم بالله تعالى بأن الله سيخزي أوليائه ويخذلهم ويسلط عليهم عدوهم بسبب ذنوبهم زعموا على منوال أهل الشقاق والنفاق وهذا الزعم النفاقي يخدش في توحيدهم ويخشى عليهم إن تمادوا في ذلك الإنسلاخ من الدين عياذاً بالله تعالى وأشد الناس شماتة بأهل الحق والهدى من الحزبيين حزب عبد الرحمن العدني الفاجر قطع الله دابره ودابر من ناصره في قليل أو كثير ويصدق على كثير منهم قوله تعالى (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) ومن ثمرة تحقيق هذين الأصليين العظيمين طاعة ولي أمر المسلمين بطاعة الله تعالى يقول المولى سبحانه (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) , وأولي الأمر تشمل العلماء والأمراء كما في تفسير ابن كثير رحمه الله . وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَالَ : مَنْ أطاعني فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ يعصني فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أطاعني وَمَنْ يَعْصِ الأَمِيرَ فَقَدْ عصاني .هذا ومخالفة ولي أمر المسلمين سنة جاهلية تولى كبر فتنتها فرقتان مارقتان الخوارج و الرافضة زنادقة العصر بل زنادقة الدهر وشابههم في ذلك فرقة الإخوان المسلمين وأفراخهم من تنظيم القاعدة والقطبيين والسروريين أصحاب جمعية الإحسان وغيرهم .قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : (الثالثة ) يعني من مسائل الجاهلية : إن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له عندهم فضيلة وبعضهم يجعلهم ديناً فخالفهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ذلك وأمرهم بالصبر على جور الولاة والسمع والطاعة والنصيحة لهم وغلّظ في ذلك وأبدى وأعاد . هذه الثلاث هي التي ورد فيها ما في الصحيح صلى الله عليه وعلى آله وسلم : يرضى لكم ثلاثاً أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وان تعتصموا بحبل الله جميعاً وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم .وروى البخاري عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : من كره من أميره شيئا فليصبر فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية .وروى أيضاً عن جنادة بن أبي أمية قال : دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه و سلم قال دعانا النبي صلى الله عليه و سلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان.والأحاديث الصحيحة في هذا الباب كثيرة ولم يقع خلل في دين الناس أو دنياهم إلا من الإخلال بهذه الوصية. انتهى من مسائل الجاهلية شرح العلامة الألوسي رحمه الله . ص : (38)وأسعد الناس بهذا الأحاديث هم أهل السنة إذ أن طاعتهم لولي الأمر طاعة شرعية في حدود الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين . طاعة في جميع الأحوال في اليسر والعسر والمنشط والمكره بل ولو أخذ من حقهم وحصل لهم ظلم فيصبرون كما في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما : تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ . انفرد به مسلم وفي الباب أحاديث أخر.بل وإن رأى ولي الأمر توقيفهم عن التدريس فعليهم طاعته في ذلك لعموم الأدلة وبما رواه الشيخان واللفظ لمسلم عن عبد الرحمن بن أبزى عن عمار بن ياسر رضي الله عنهم أَنَّ رَجُلاً أَتَى عُمَرَ فَقَالَ إني أَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدْ مَاءً. فَقَالَ لاَ تُصَلِّ. فَقَالَ عَمَّارٌ أَمَا تَذْكُرُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ أَنَا وَأَنْتَ في سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْنَا فَلَمْ نَجِدْ مَاءً فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ في التُّرَابِ وَصَلَّيْتُ. فَقَالَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم« إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ ». فَقَالَ عُمَرُ اتَّقِ اللَّهَ يَا عَمَّارُ قَالَ إِنْ شِئْتَ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ. قَالَ الْحَكَمُ وَحَدَّثَنِيهِ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ حَدِيثِ ذَرٍّ قَالَ وحدثني سَلَمَةُ عَنْ ذَرٍّ في هَذَا الإِسْنَادِ الذي ذَكَرَ الْحَكَمُ فَقَالَ عُمَرُ نُوَلِّيكَ مَا تَوَلَّيْتَ.
شاهدنا من هذا الحديث (إن شئت لم أحدث به) ووجه الدلالة منه واضحة و ما سيرة الإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنة والجماعة رحمه الله علينا بخافية فافهم هذا أيها السني واضبط لسانك والزم منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين لا سيما في هذا الباب الخطير الذي زلت و زلقت فيه أقدام وألسن كثير من الناس والمعصوم من عصمه الله.
وإياك ثم إياك ثم إياك أن يستثيرك خوارج العصر من الإخوان المسلمين وفصائلهم من تنظيم القاعدة وقطبية وسرورية أصحاب جمعية الإحسان وكذا أصحاب جمعية الحكمة وأصحاب أبي الحسن خادم الإخوان المفلسين وممسحة المسؤلين وحزب العدني وحزب الرشاد الإخواني حزب الغي والضلال المنتسب للسلفية بغياً وزوراً والسلفية منه براء وغيرهم ويشوش عليك الأمر ليردوك في باطلهم ويلبسوا عليك أمر دينك فكن على حذر تام ويقظة ونباهة وإلا اخترقك فكر الخوارج وصرت بعد ذلك بوقاً خارجياَ تكفيرياً دموياً عصمني الله وإياك من الفتن ما ظهر منها وما بطن وجنبنا جميعاً دعاة الشر والضلال إلى يوم أن نلقاه إنه ولي ذلك والقادر عليه .
واحذر دسائس أهل الفتن في هذا الباب وعليك أن تسد أي وسيلة تكون سبباً للإثارة والتهييج فلا يملك أهل السنة إلا النصح للراعي والرعية بالطرق الشرعية السوية روى الشيخان عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ : قِيلَ لَهُ أَلاَ تَدْخُلُ عَلَى عُثْمَانَ فَتُكَلِّمَهُ فَقَالَ أَتُرَوْنَ أَنِّى لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ وَاللَّهِ لَقَدْ كَلَّمْتُهُ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَهُ مَا دُونَ أَنْ أَفْتَتِحَ أَمْرًا لاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ وَلاَ أَقُولُ لأَحَدٍ يَكُونُ عَلَىَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ. بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقُولُ : يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى في النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ يَا فُلاَنُ مَا لَكَ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَيَقُولُ بَلَى قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ .وروى البخاري عن سعد بن عبيدة جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر عن محاسن عمله قال لعل ذاك يسؤوك؟ قال نعم قال فأرغم الله بأنفك ثم سأله عن علي فذكر محاسن عمله قال هو ذاك في بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال لعل ذاك يسوؤك ؟ قال أجل قال فأرغم الله بأنفك انطلق فأجهد علي جهدك .
وفيه عن عثمان بن عبد الرحمن بن موهب قال : جاء رجل من أهل مصر وحج البيت فرأى قوما جلوسا فقال من هؤلاء القوم ؟ فقالوا هؤلاء قريش قال فمن الشيخ فيهم ؟ قالوا عبد الله بن عمر قال يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد ؟ قال نعم . فقال تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد ؟ قال نعم . قال تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها ؟ قال نعم . قال الله أكبر قال ابن عمر تعال أبين لك أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إن لك أجر رجل ممن شهد بدر وسهمه ) . وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بيده اليمنى ( هذه يد عثمان ) . فضرب بها على يده فقال ( هذه لعثمان ) . فقال له ابن عمر اذهب بها الآن معك .
وقال الإمام أحمد رحمه الله : ثنا يحيى بن سعيد ثنا شعبة ثنا عمر بن سليمان من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان عن أبيه أن زيد بن ثابت خرج من عند مروان نحوا من نصف النهار فقلنا ما بعث إليه الساعة إلا لشيء سأله عنه فقمت إليه فسألته فقال أجل سألنا عن أشياء سمعتها من رسول الله صلى الله عليه و سلم سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدا إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط من ورائهم وقال من كان همه الآخرة جمع الله شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت نيته الدنيا فرق الله عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له وسألنا عن الصلاة الوسطى وهى الظهر.
قال شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله تعالى : هذا حديث صحيح ورجاله ثقات وأما الصلاة الوسطى فالصحيح أنها العصر.
هذا ومن ثمرة تحقيق هذين الأصليين العظيمين عدمالركون إلى الظلمة .
إن الركون الى الظلمة من أسباب عذاب جهنم والخذلان وعدم النصر يقول تعالى (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)
إن الركون الى الظلمة من أسباب مرض القلوب ونفاقها والعياذ بالله يقول تعالى (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ)
إن الركون الى الظلمة ومجاراة أعداء الإسلام من أسباب الاستهانة بدين الله والاستهزاء بحملته يقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) .
وانظر إلى حال فرقة الإخوان المسلمين وكيف بلغ بهم الحد إلى السخرية بالدين و الاستهزاء بأهله وعدم تعظيمهم لكثير من شعائر الإسلام وكل ذلك بسبب عمالتهم لأعداء الإسلام وتتبع سننهم حذو القذة بالقذة قاتلهم الله أنى يؤفكون .
إن الركون إلى الظلمة فتنة في الدين وتنازل عن الحق يقول تعالى (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ).
إن الركون إلى الظلمة سبب للافتراء على دين الله وعلى حملته يقول تعالى (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (73) وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا).
و لربما حصل لأهل الحق شدة ومحن وإحن وضغوطات وقتل وتشريد وغير ذلك وما ذلك إلاّ لأجل أن يقحموهم في متابعة أعداء الإسلام .
أخبرني أحد الأخوة أن أحد طلبة العلم دخل على بعض كبار المسئولين في الدولة وذلك في حصار أهل دماج الأول وشكى إليه ما يحصل بأهل دماج من حصار الحوثيين الروافض الغاشم عليهم لعنة الله أحياءً وأمواتاً فقال : ما نستطيع أن نعمل لكم شيئاً حتى تخرجوا إلى ساحة المعتصمين كلام هذا مفاده .
فأستمسك أيها السني بدينك وكن سلفياً على الجادة سلماً وحرباً فهذا والله هو سبيل الخير والنجاة والسعادة في الدارين والزم العفة يصن عرضك ويسلم لك دينك يقول تعالى (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) .
روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري والبخاري عن حكيم بن حزام رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله .
وعليك أن تظهر غنى النفس والقناعة يقول تعالى (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنهعن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس ).
إياك والتطلع إلى أموال الناس و الاستشراف لها قال تعالى (لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) وقال تعالى (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم :انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ .
وفيهما عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُعْطِينِى الْعَطَاءَ فَأَقُولُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّى. حَتَّى أعطاني مَرَّةً مَالاً فَقُلْتُ أَعْطِهِ أَفْقَرَ إِلَيْهِ مِنِّى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم خُذْهُ وَمَا جَاءَكَ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ فَخُذْهُ وَمَا لاَ فَلاَ تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ .
وإذا جاءك مال من غير إشراف فلا بأس أن تتحرى وتســــأل مــن أيــن مــصــدره ؟؟؟
لاسيما ونحن في وقت حرج والحاجة ماسة والريبة حاصلة والعدو متربص .
ودعاة التحزب والفتن يستعطفون ضعاف الأنفس بأموالهم ويصدونهم عن سبيل الله والنفوس مجبولة على من أحسن إليها والسلامة لا يعدلها شيء .
روى الشيخان عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ .
وروى أبو داؤد عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهْوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يُبْعَثُ بِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ . وأخرجه إبن أبي شيبة ولفظه : مَنْ سَمِعَ مِنْكُمْ بِخُرُوجِ الدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ مَا اسْتَطَاعَ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ ، أَنَّهُ مُؤْمِنٌ ، فَمَا يَزَالُ بِهِ حَتَّى يَتَّبِعَهُ مِمَّا يَرَى مِنَ الشُّبُهَاتِ. الحديث صححه شيخنا الإمام مقبل الوادعي رحمه الله .
وفي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه : قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ في صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ .
وفي المسند عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أخبرني بما يحل لي ويحرم علي قال فصعد النبي صلى الله عليه و سلم وصوب في النظر فقال النبي صلى الله عليه و سلم البر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما لم تسكن إليه النفس ولم يطمئن إليه القلب وان أفتاك المفتون وقال لا تقرب لحم الحمار الأهلي ولا ذا ناب من السباع .الحديث صححه شيخنا الإمام مقبل الوادعي رحمه الله .
وفي جامع الترمذي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه و سلم دع ما يريبك إلى مالا يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة.
وفي المسند وصححه شيخنا رحمه الله عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه مروا بامرأة فذبحت لهم شاة واتخذت لهم طعاما فلما رجع قالت يا رسول الله إنا اتخذنا لكم طعاما فادخلوا فكلوا فدخل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه وكانوا لا يبدؤون حتى يبتدئ النبي صلى الله عليه و سلم فأخذ النبي صلى الله عليه و سلم لقمة فلم يستطع أن يزيغها فقال النبي صلى الله عليه و سلم هذه شاة ذبحت بغير إذن أهلها فقالت المرأة يا نبي الله إنا لا نحتشم من آل سعد بن معاذ ولا يحتشمون منا نأخذ منهم ويأخذون منا.
وروى أبو داؤد وحسنه شيخنا رحمه الله عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ رضي الله عنه قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جَنَازَةٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وَهُوَ عَلَى الْقَبْرِ يُوصِى الْحَافِرَ « أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ». فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ داعي امْرَأَةٍ فَجَاءَ وَجِىءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يَلُوكُ لُقْمَةً في فَمِهِ ثُمَّ قَالَ « أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا ». فَأَرْسَلَتِ الْمَرْأَةُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إني أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ يَشْتَرِى لي شَاةً فَلَمْ أَجِدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِى قَدِ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ إِلَىَّ بِهَا بِثَمَنِهَا فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَرْسَلَتْ إِلَىَّ بِهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- « أَطْعِمِيهِ الأَسَارَى ».
وروى مسلم عن أنس وأصله في الصحيحين عن صفية بنت حيي رضي الله عنهما أَنَّ النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كَانَ مَعَ إِحْدَى نِسَائِهِ فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَدَعَاهُ فَجَاءَ فَقَالَ « يَا فُلاَنُ هَذِهِ زوجتي فُلاَنَةُ ». فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ كُنْتُ أَظُنُّ بِهِ فَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ بِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ ».
وروى مسلم في مقدمة الصحيح عن محمد بن سيرين رحمه الله قال : لَمْ يَكُونُوا يَسْأَلُونَ عَنِ الإِسْنَادِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ قَالُوا سَمُّوا لَنَا رِجَالَكُمْ فَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ فَيُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ وَيُنْظَرُ إِلَى أَهْلِ الْبِدَعِ فَلاَ يُؤْخَذُ حَدِيثُهُمْ.
هذا فيه التحري عن أخذ العلم من أهل السنة فمن باب أولى تحري أخذ المال وأن يعلم المرء من أين مصدره والقصد من ذلك التحري الحفاظ على الدين , وهذا يعتبر من حرص المرء على دينه وكمال إيمانه .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شيء فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ » رواه مسلم .
فالواجب عليك أيها السني إذا حصل لك شيء من الأذى أن تصبر وتظهر القوة والجلد حتى لا يطمع فيك أعداء السنة والتوحيد و يستعطفونك بأموالهم .
يقول تعالى ( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) ويقول تعالى (وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) ويقول تعالى (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) ويقول تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) .
ويقول تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا).
وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في حديث الشفاعة وفيه : قالوا فارقنا الناس في الدنيا على أفقر ما كنا إليهم لم نصاحبهم .
وفيهما عنه رضي الله عنه : أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده فقال ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر .
وروى مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ
وروى الترمذي وابن ماجه وغيرهما وصححه شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد , ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد . ولقد أتت علي ثالثة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ما وارى إبط بلال .
ثم اعلم أن هذه الجمعيات التي تزعم أنها تعين طلبة العلم في هذه الحالات الحرجة إنما هي أسست من أول يوم على الحزبية وعلى التلصص على أموال أهل الخير وعلى محاربة السنة والتوحيد وصد طلبة العلم عن سبيل الله فاحذر منها واستغن بالله يغنك الله فو الله إن أولها لحلاوة وآخرها خزي ومذلة ومهانة وخسارة فاصبر يا أخي الكريم وفقني الله وإياك ولا تعرّض دينك للخطر فأنه رأس مالك واعلم أن العبرة بالثبات وإن حصل لك ضعف في المأكل أو الملبس أو في الدواء فأنت في عز وكرامة مادمت على عفة واستقامة ولو استطعت أن تحترف وتجمع بين العمل والعلم والدعوة إلى الله فهذا خيرٌ وحسن والبركة من الله.
وأعظم فتنة يبتلى بها المسلمون في آخر الزمان فتنة المسيح الدجال عليه لعنة الله إذ تخرج الأرض كنوزها وثمارها وغير ذلك ومع هذه الإغراءات كلها يأمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمته بالثبات كما روى مسلم عن النواس بن سمعان رضي الله عنه , فالعصمة من الفتن هي الإعراض عن أهل الفتن وعطاياهم وكفى بذلك سعادة .
روى أبو داؤد عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال : ايْمُ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقُولُ « إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنِ ابْتُلِىَ فَصَبَرَ فَوَاهًا .
الحديث حسنه شيخنا الإمام الوادعي رحمه الله .
وأهل الفتن إن لم يصدوك عن سبيل الله بعطياهم فأقل شيء يستفيدونه منك هو أن يكمموا فاك عن النطق بالحق لا سيما فيما يتعلق بالإنكار عليهم وتصير بعد ذلك مقيداً أسير العطايا والعياذ بالله .
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : اجتمعت قريش يوما فقالوا : انظروا أعْلَمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي قد فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وعاب ديننا ، فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه ؟ فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة ابن ربيعة , فقالوا: أنت يا أبا الوليد, فأتاه عتبة فقال: يا محمد ، أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: أنت خير أم عبد المطلب؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك، فقد عبدوا الآلهة التي عِبْتَ، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سَخْلةً قط أشأم على قومك منك , فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا ، وعبت ديننا، و فضحتنا في العرب ، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا ، وأن في قريش كاهنا ! والله ما ننظر إلا مثل صيحة الحُبْلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف ، حتى نتفانى! أيها الرجل ، إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش [شئت] فلنزوجك عشرا , فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " فَرَغْتَ ؟" قال : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: { بسم الله الرحمن الرحيم . حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } حتى بلغ: { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } فقال عتبة : حسبك! حسبك! ما عندك غير هذا؟ قال: "لا" فرجع إلى قريش فقالوا: ما وراءك؟ قال: ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته. قالوا: فهل أجابك؟ (قال: نعم، قالوا: فما قال) قال: لا والذي نصبها بَنيَّةً ما فَهِمْتُ شيئا مما قال ، غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود. قالوا: ويلك! يكلمك الرجل بالعربية ما تدري ما قال؟! قال: لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة.
الحديث أخرجه عبد بن حميد وأبو يعلى في مسنديهما كما في تفسير ابن كثير رحمه الله 4 /ص :
(92- 93) . وحسنه شيخنا علامة اليمن ومحدث الجزيرة العربية يحى بن علي الحجوري أعزه الله وأعز به دينه وحفظه في كتابه ( الصبح الشارق ) .
هذا وإن أهل الفتن يستغلون ضعف السني فيحاولون أن يستعطفوه ويمدوا إليه يد العون فهذا الصحابي الجليل كعب بن مالك رض الله عنه عند أن هجره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم أرسل إليه ملك غسان كتاباً وفيه : أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة فالحق بنا نواسك . فقلت لما قرأتها وهذا أيضا من البلاء فتيممت بها التنور فسجرته بها . أخرجاه
فهذا فيه أن الواجب على الداعية إلى الله تعالى قطع كل وسيلة تكون سبباً لطمع أهل الباطل فيه سلامة لدينه وعرضه وبمثل هذا الاستئصال تجعل المتربص بك في يأس تام بأذن الله من الطمع فيك ومن محاولة إغوائك .
هذا ومن ثمرة تحقيق هذين الأصليين أن السني مهما حصل له من البلاء ومن فقدانه لإخوانه فإنه لا يغير ولا يبدل ولا يصاب بالوهن ولا بالضعف بل ولا يستكين لأعداء السنة والتوحيد بل ولا يحتاج إلى فلان وعلان من الناس أن يأتي من مكان كذا وكذا وينظم سير دعوته و و و , من طرق وأساليب الحزبية الملتوية بل الواجب على السني أن يبقى على الأمر العتيق الذي فارق عليه إخوانه ممن ثبتوا وماتوا على منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين .
يقول الله تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) ويقول تعالى (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) .
وإن سبب التغير والتبديل والوهن والضعف والاستكانة لأعداء السنة والتوحيد والرضا بأساليب الحزبية الملتوية إنما هو ناشئ عن ضعف في الاستقامة ورغبة عن السنة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : فمن رغب عن سنتي فليس مني . أخرجاه من حديث أنس رضي الله عنه .
ومن غيّر وبدل ورغب عن السنة لم يشرب من حوض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أنا فرطُكم على الحوض من ورده شرب منه ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم ) قال أبو حازم فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا فقال هكذا سمعت سهلا ؟ فقلت نعم قال وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال ( إنهم مني فيقال إنك لا تدري ما بدلوا بعدك فأقول سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي) .
ورحم الله شيخنا مقبلاً إذ يقول :فلا يفرح بمبتدع في صفوف أهل الحق بل ربما يكون نكبة وعقبة في طريق سيرهم وفي التأريخ الإسلامي الكثير من هذا كقصة (ابن العلقمي ) و (ونصير الدين الطوسي ) وخيانتهما الخلافة العباسية بل نكبة الخلافة العباسية على أيديهما .انتهى غارة الأشرطة (1/ص12)وقال رحمه الله : لا تركن على حزبي ، لأن الحزبيين يستغلون المواقف لمصالحهم .(المصدر السابق) 1/ ص :( ٤٣)
وقال رحمه الله مبيناً عداوة وحقد الحزبيين ومحذراً من الإجتماع معهم مانصه : وأعجب من هذا كله أنه إذا قام غيورٌ من أهل السنة ببيان أحوال العلماء الفسقة أو الدعاة الى الحزبية التي تخدم أغراض أمريكا تبرموا من صنيعه وقالوا : الله الله في جمع الكلمة ، الله المستعان تدعوني الى جمع الكلمة مع ديمقراطي أو حاقد على السنة ألد الخصام يتآمر مع الصوفية ومع الشيعة على ضرب أهل السنة ثم تقول لي : الله الله في جمع الكلمة لا ، لا ، لا ، لن أجمع كلمتي ودعوتي الا مع سني فإن قلت : فدع الكلمات الجارحات ؟ قلت : راجع ما سبق من ترجمة أبي حنيفة تجد من الجرح ما هو أعظم . انتهى( نشر الصحيفة) ص: (٣٩٨ )
وإلى هنا والحمد لله رب العالمين وسبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
كتبه :
محمد العمودي كان المولى له
محافظة عدن مديرية المعلا حرسها الله قبيل غروب شمس يوم السبت الموافق 3 ربيع الثاني 1435 ه
محمد العمودي كان المولى له
محافظة عدن مديرية المعلا حرسها الله قبيل غروب شمس يوم السبت الموافق 3 ربيع الثاني 1435 ه
تعليق