إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تحذير المسلمين من الإقامة في بلاد الكافرين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تحذير المسلمين من الإقامة في بلاد الكافرين

    بسم الله الرحمان الرحيم
    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيّئاتأعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إلهٰ إلاّالله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاتَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آلعمران:102].﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًاوَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهكَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء:1].﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًاسَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70،71].
    أمـــــا بعد:



    فإن أصدق الكلام كلام الله،وخير الهدي هدي محمد صلىالله عليه وسلم،وشر الأمور محدثاتهاوكل محدثة بدعة،وكل بدعة ضلالة،وكل ضلالة في النار. ثم أما بعد,فأقول مستعينا بالله ناصحا للإسلام والمسلمين الذين يقيمون في بلاد الكافرين, مبينا لأخطاره ووجوب الهجرة منه من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم: إن التناصح حق على كل من استنصحه من المسلمين حتى لايكون متشبها بالكافرين أ و بعض المسلمين المفرطين, وذلك في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِين َيَكْتُمُون َمَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعنون)[البقرة:159], والنصيحة أساس الدينوقوامه,قال النبي صلى الله عليه وسلم : "الدين النصيحة ، الدين النصيحة ،الدين النصيحة ، قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولآئمةالمسلمين وعامتهم"[رواه مسلم], فالمؤمنون كلهم إخوة, ولهذا وجبت المناصحة والمحبة بينهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبلنفسه"[متفق عليه]. فالله عز وجل أمر باتباع النبي عليه الصلاة والسلام وفرض على العباد طاعته وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم فقالتعالى: ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله وَيَغْفِرْ لكم ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِين) [آل عمران:31].يقول السعدي رحمه الله تعالى في تفسير هذه اللآية:(( هذه الآية هي الميزان، التي يعرف بها من أحب الله حقيقة، ومن ادعى ذلك دعوى مجردة، فعلامة محبة الله، اتباعمحمد -صلى الله عليه وسلم-، الذي جعل متابعته وجميع ما يدعو إليه، طريقا إلى محبته ورضوانه، فلا تنال محبة الله ورضوانه وثوابه، إلا بتصديق ما جاء به الرسول من الكتاب والسنة وامتثال أمرهما، واجتناب نهيهما.
    فمن فعل ذلك، أحبه الله، وجازاه جزاء المحبين، وغفر له ذنوبه، وستر عليه عيوبه،فكأنه قيل: ومع ذلك، فما حقيقة اتباع الرسول وصفتها؟
    {32} فأجاب بقوله: { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ } بامتثال الأمر،واجتناب النهي، وتصديق الخبر، { فَإِنْ تَوَلَّوْا } عن ذلك، فهذا هو الكفر، والله{ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } )) اه.

    وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:(( ..وإذا كانت المحبة له هيح قيقة عبوديته وسرّها، فهي إنما تتحقق باتباع أمره واجتناب نهيه، فعند اتباع الأمرواجتناب النهي تتبين حقيقةالعبودية والمحبة، ولهذا جعلتعالى اتباع رسوله علما عليها، وشاهدا لمن ادعاها فقال تعالى ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ فجعل اتباع رسوله مشروطا بمحبتهم لله، وشرطا لمحبة الله لهم، ووجود المشروط ممتنع بدون وجودشرطه وتحققه بتحققه، فعلم انتفاء المحبة عند انتفاء المتابعة..). [الضوءالمنير على التفسير"(2/48)].وقالالعلامة الفوزان حفظه الله في بيان وجوب التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام وفيمعنى الهجرة في رسالته "أعظم أنواع الهجرة هجرة القلوب":)( الحمد لله ذي الفضل والإحسان، شرع لعباده هجرة القلوب، وهجرةالأبدان، وجعلهاتين الهجرتين باقيتين على مرالزمان، وليكن لكم في سيرة نبيكمصلى الله عليه وسلم خيرأسوة، وذلك بترسم خطاه والسيرعلى نهجه والإقتداء به في أقوالهوأفعاله وأخلاقه كما أمركم الله بذلك فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَنكَانَ يَرْجُواللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَاللَّهَ كَثِير)[الأحزاب:21]. فيأول شهر المحرم يكثر الناس من التحدث عن هجرة الرسولصلىالله عليه وسلم, الخطب والمحاضرات ووسائلالإعلام،ولا يعدو حديثهم في الغالب أن يكون قصصاً تاريخياً يملؤون به الفراغ فيأياممعدودات ثم يُترك وينسى دون أن يكون له أثر في النفوس أو قدوة في الأعمالوالأخلاق،بل لا يعدو أن يكون ذلك عادة سنوية تتردد على الألسنة دون فقه لمعنىالهجرةوعمل بمدلولها. إن الهجرة معناها لغةً:مفارقة الإنسان غيره ببدنه أوبلسانه أو بقلبه. ومعناهاشرعاً:مفارقة بلاد الكفر أو مفارقةالأشرار أو مفارقة الأعمالالسيئة والخصال المذمومة)(اه. يقول الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا ).[النساء:97-99] قال العلامة السعدي رحمهالله في تفسيره هذه الآيات: (( هذا الوعيد الشديد لمن ترك الهجرة مع قدرته عليها حتى مات، فإنالملائكة الذين يقبضون روحه يوبخونه بهذا التوبيخ العظيم، ويقولون لهم: { فِيمَ كُنْتُمْ } أي: على أي حال كنتم؟ وبأي شيء تميزتم عن المشركين؟ بل كثرتمسوادهم، وربما ظاهرتموهم على المؤمنين، وفاتكم الخير الكثير، والجهاد مع رسوله،والكون مع المسلمين، ومعاونتهم على أعدائهم.
    {قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْض } أي: ضعفاء مقهورين مظلومين، ليس لنا قدرة على الهجرة. وهم غيرصادقين في ذلك لأن الله وبخهم [ ص 196 ] وتوعدهم، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها،واستثنى المستضعفين حقيقة.
    ولهذا قالت لهم الملائكة
    : { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } وهذااستفهام تقرير، أي: قد تقرر عند كل أحد أن أرض الله واسعة، فحيثما كان العبد فيمحل لا يتمكن فيه من إظهار دينه، فإن له متسعًا وفسحة من الأرض يتمكن فيها منعبادة الله، كما قال تعالى: { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِيوَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ } قال الله عن هؤلاء الذين لا عذر لهم: { فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا }وهذا كما تقدم، فيه ذكر بيان السبب الموجِب، فقد يترتب عليه مقتضاه، مع اجتماعشروطه وانتفاء موانعه، وقد يمنع من ذلك مانع.
    وفي الآية دليل على أن الهجرة من أكبر الواجبات، وتركها من المحرمات، بل منالكبائر، وفي الآية دليل على أن كل مَن توفي فقد استكمل واستوفى ما قدر له منالرزق والأجل والعمل، وذلك مأخوذ من لفظ "التوفي" فإنه يدل على ذلك،لأنه لو بقي عليه شيء من ذلك لم يكن متوفيًا.
    وفيه الإيمان بالملائكة ومدحهم، لأن الله ساق ذلك الخطاب لهم على وجه التقريروالاستحسان منهم، وموافقته لمحله.
    ثم استثنى المستضعفين على الحقيقة، الذين لا قدرة لهم على الهجرة بوجه من الوجوه {وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلا } .
    فهؤلاء قال الله فيهم:
    { فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا } و "عسى" ونحوها واجب وقوعها من الله تعالى بمقتضى كرمهوإحسانه، وفي الترجية بالثواب لمن عمل بعض الأعمال فائدة، وهو أنه قد لا يوفيه حقتوفيته، ولا يعمله على الوجه اللائق الذي ينبغي، بل يكون مقصرًا فلا يستحق ذلكالثواب. والله أعلم.
    وفي الآية الكريمة دليل على أن من عجز عن المأمور من واجب وغيره فإنه معذور، كماقال تعالى في العاجزين عن الجهاد:
    { لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلاعَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ } وقال في عموم الأوامر: { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَااسْتَطَعْتُمْ } .
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذاأمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"
    [متفق عليه].ولكن لايعذر الإنسان إلا إذا بذل جهده وانسدت عليه أبواب الحيل لقوله: { لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً } وفي الآية تنبيه على أن الدليل في الحج والعمرة ونحوهما مما يحتاجإلى سفر من شروط الاستطاعة )) اه. بينالله تعالى وجوب الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الاسلام وبين بقاءها إلى أن تطللعالشمس من مغربها, بحيث يتمكن المسلم من قضاء شعائره الدينية والحفاظ عليها وعلى استقامةنفسه إلى أن يتوفاه الله عز وجل.لكن كل هذا لا يتحقق إلا إذا وقعت التوبةفي وقتها.يقول العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في تفسيرهفي قوله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوافَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:160]حين ذكر شروط التوبةوقال: ((...الشرط الخامس: أن تقع التوبة في الوقت الذي تقبل فيه؛ يعني أن تكون فيوقت قبول التوبة؛ وذلك بأن تكون قبل حضور الموت، وقبل طلوع الشمس من مغربها؛ فإذاكان بعد حضور الموت لم تقبل؛ لقوله تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئاتحتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} [النساء: 18] ؛ وإذا كانت بعد طلوعالشمس من مغربها لم تقبل؛ لقوله تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساًإيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً} [الأنعام: 158] ؛ وقولالنبي صلى الله عليه وسلم: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة؛ ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها" [قال الألباني صحيح وهو في الإرواء] )). وإننيأحث إخواني الذين لا يزالون على هذه المعصية أن يبادروا بالتوبة قبل فوات الأوانوأن يعلموا أن عظم الذنب لا يمنع التوبة, كما قال تعالى {قُلْيَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْرَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَالْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. فمن قدر علىالهجرة ولم يهاجر فقد ترك واجبا من الواجبات واقترف كبيرة من كبائر الذنوب. إذن فمن المعلوم عند أهل العلم أن الهجرة من بلد الكفر التي لا يستطيعالمسلم فيها إقامة شعائره الدينية واجبة إلى بلاد الإسلام, لكن البحث هنا حول منيجد في هذه البلاد الكافرة ظروفا ملائمة لقضاء الشعائر الدينية وبدون مضايقات, حيث ظهر بعض الدعاة الذين يفتون بأن الهجرةفي حق هذا القسم الثاني ليست واجبة, ضاربين بذلك نصوص الكتاب والسنة عرض الحائط, وجاهلينأوغافلين عن خطورة المكوث عند الكفار, وعن معنى القدرة على إظهار الدين, لأنه مهما كانت أخلاقهم تبقى بلادهم بلاد كفر, فهي أشر من بلادالإسلام. والنبي صلىالله عليه وسلم أكد استمرارها من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام حتى تطلع الشمس من مغرب ها. والأحاديث في هذا الصدد كثيرة وكثيرة جدا,بل القرآن نزل لأجل مخالفة المشركين ومفارقتهم. فقد سئل الإمام الألبانيرحمه الله في مثل تلك المسألة تماما, بل كما قال السائل أنهم يجدون ظروفا أحسن منالبلاد الإسلامية, ورغم ذلك أجابه رحمه الله بأنه لا يجوز, مستدلا بأحاديث كثيرة,حيث لا يبقى زيف ولا شك لكل منصف طالب للحق, وبها يتضح ضلال المضلين ٍ- بإذن الله-الداعين لمخالفة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.(سلسلة الهدى والنور الشريط 522 وغيره). فقال رحمه الله تعالى((...منها قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا بريئ من مسلم يقيم بين ظهرانيالمشركين" [قال الألباني صحيح وهو مخرج في الصحيحة], كذلكقوله عليه الصلاة والسلام: "المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما" وهذاكناية عن أن المسلم لا يجوز أن يقارب في مسكنه في منزله في خيمته منزل المشرك أوخيمته لأنكم تعلمون أن من عادة العرب أنهم كانوا يسكنون تحت الخيام وأنهم كانوايوقذون النار أمامها فكنى الرسول عليه السلام عن وجوب ابتعاد المسلم في منزله عنمنزل المشرك فقال" لا تتراءى نارهما" أي إذا أوقد كل من المسلم والمشركالنار أمام منزله أمام خيمته فلبعد المسافة بينهما لا يكاد يرى أحدهما الآخر فإذنالحديث حينما يقول المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما فهو كناية عن عدم المخالطة وعنوجوب ابتعاد المسلم من المشرك في سكنه في مخالطته. وأكد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر ألا وهوقوله عليه الصلاة والسلام: " من جامع المشرك فهو مثله" [الصحيحة].المقصود هنا في كلمة جامع أي المخالطة ولأنالرجل يجامع زوجته فهو يخالطها أشد ما يمكن من المخالطة أي أصل الكلمة تفيد مطلقالمخالطة والمجامعة, لذلك فلما قال عليه الصلاة والسلام "من جامع المشرك فهومثله أي من خالطه, والسر في ذلك نهيه عليه الصلاة والسلام عن مساكنة المسلمالمشرك. جاء في المثل المشهور في بعض البلاد ألا وهو قوله "الطبع سراق"وهذا بلا شك مما قعده وأسس هذا المعنى إنما هو نبينا صلى الله عليه وسلم في بعضالأحاديث الصحيحة التي وردت عنه, من أشهر هذه الأحاديث ومن صحاحها قوله عليهالصلاة والسلام:
    "مثل الجليس الصالح كحامل المسكإما أن يحذيك - أي يعطيك مجانا- وإما أن تشتري منه وإما أن تجد رائحة طيبة"وهذا معناه أن النبي صلى الله عليه وسلم يؤكد استفادة المسلم من مجالسة المسلمالصالح ولابد, ويضرب على ذلك مثلا بائع المسك فهو إما أن يعطيك مجانا وهذا أكثرفائدة وإما أن تشتري منه بدراهمك وفلوسك وهذه فائدة تلي تلك, وإما على الأقل أنتشم منه رائحة طيبة. أما مثل الجليس السوء فهو كالحداد إما أن يحرق ثيابك وإماأن تشم منه رائحة كريهة [الحديث له عدة ألفاظ:منه ماهوفي الصحيحين وهو(إئما مثل الجليس الصالح والجليس السوء:كحاملالمسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك؛ إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما
    أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير؛إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاًخبيثة).
    أخرجه البخاري ومسلم
    ]
    , فإذن أنت أيهاالمسلم لا تخلو من مخالطة الصالح من استفادة منه بوجه من الوجوه, تلك الاستفادات التي ذكرها الرسول عليه السلام, كما أنكلا تنجو من أن تتضرر من مخالطتك للجليس الطالح ومثاله الحداد إما أن يحرق ثيابكوإما أن تشم منه رائحة كريهة.منها جاءت الأحاديث تأمر بمصاحبة المسلم للمسلم فقال عليه الصلاةوالسلام: "لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي" ,[قال الألباني رحمه الله في صحيح الجامعالصغير حسن],والجملة الثانية في رأيي هي تأكيد للجملة الأولى "لا تصاحب إلامؤمنا" لأن المفروض في المسلم أنه لا يدعو من لا يستفيد من علمه من خلقه مندينه, وكذلك لا يدعوه إلا من كان مثله, فقوله عليه الصلاة والسلام في الجملةالثانية "ولا يأكل طعامك إلا تقي" تأكيد لمعنى الجملة الأولى أي لا تدعوإلى داره إلا من كان تقيا مؤمنا, هذا الحديث أيضا يؤكد المعاني التي تجمعت فيالأحاديث السابقة.ثم يأتي حديث آخر من الأحاديث الصحيحة لتؤكدعمليا تأثير المجتمع الفاسد على الإنسان, ذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام فيالحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهقال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كان فيمن قبلكم رجل قتل تسعةوتسعين نفسا فأراد أن يتوب...[الحديث متفق عليه], إلى أن قال رحمه الله: هنا الشاهد: ولكنك بأرض سوء فاخرج منها إلى القرية الفلانية التي أهلها صالحون... إلى أن قال: فإذن الجو الصالح والجو الفاسد كما هو يؤثر من الناحية المادية البدنية الطبية فهو يؤثرمن الناحية الروحية المعنوية تماما, والأطباء الماديون هم يرتون ويهتمون جدا جدافي تحذير الناس من أن يستوطنوا أرضا موبوءة, ولكنهم لا يلتفتون إلى الوباءالمعنوي, وإنما هذا من وظيفة الأنبياء والرسل الذين جاؤوا لإصلاح القلوب, فجاءعليه الصلاة والسلام بمثل هذه الأحاديث لكي يعلم المسلمين ألا يخالطوا المشركين وألا يساكنوهم لأن الطبع سراق, أرادوا أما أرادوا...)) ثم ذكر قصة وقعت لهتؤكد هذا المعنى, راجعها فهي نافعة.وفي الحديث" إنكم إنشهدتم أن لا إله إلا الله و أقمتم الصلاة و آتيتم الزكاة و فارقتم المشركين وأعطيتم من الغنائم الخمس و سهم النبي صلى الله عليه وسلم ، و الصفي- و ربما قال :و صفيه - فأنتم آمنون بأمان الله و أمان رسوله" .[ السلسلة الصحيحة ]يقول الألباني رحمه الله تعالى عند ذكر بعض فقه وفوائد هذا الحديث فيالسلسلة الصحيحة المجلد السادس:(( قلت : في هذا الحديث بعض الأحكام التي تتعلق بدعوة الكفار إلى الإسلام، من ذلك : أن لهم الأمان إذا قاموا بما فرض الله عليهم ، و منها : أن يفارقواالمشركين و يهاجروا إلى بلاد المسلمين. و في هذا أحاديث كثيرة ، يلتقي كلها على حضمن أسلم على المفارقة ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، لا تتراءى نارهما " ، و في بعضها أن النبي صلىالله عليه وسلم اشترط على بعضهم في البيعة أن يفارق المشرك . و في بعضها قوله صلىالله عليه وسلم : " لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملا ،أويفارق المشركين إلى المسلمين " . إلى غير ذلك من الأحاديث ، و قد خرجتبعضها في " الإرواء " ( 5 / 29 - 33 ) و فيما تقدم برقم ( 636 ) . و إنمما يؤسف له أشد الأسف أن الذين يسلمون في العصر الحاضر - مع كثرتهم و الحمد لله –لا يتجاوبون مع هذا الحكم من المفارقة ، و هجرتهم إلى بلاد الإسلام ، إلا القليل منهم، و أنا أعزو ذلك إلى أمرين اثنين : الأول : تكالبهم على الدنيا ، وتيسر وسائل العيش و الرفاهية في بلادهم بحكم كونهم يعيشون حياة مادية ممتعة ، لاروح فيها ، كما هو معلوم ، فيصعب عليهم عادة أن ينتقلوا إلى بلد إسلامي قد لاتتوفر لهم فيه وسائل الحياة الكريمة في وجهة نظرهم . والآخر - و هو الأهم - : جهلهم بهذا الحكم ، و هم في ذلك معذورون ، لأنهم لم يسمعوا به منأحد من الدعاة الذين تذاع كلماتهم مترجمة ببعض اللغات الأجنبية ، أو من الذين يذهبون إليهم باسم الدعوة لأنأكثرهم ليسوا فقهاء و بخاصة منهم جماعة التبليغ، بل إنهم ليزدادون لصوقا ببلادهم،حينما يرون كثيرا من المسلمين قد عكسوا الحكم بتركهم لبلادهم إلى بلاد الكفار !فمن أين لأولئك الذين هداهم الله إلى الإسلام أن يعرفوا مثل هذا الحكم و المسلمونأنفسهم مخالفون له ؟! ألا فليعلم هؤلاء و هؤلاء أن الهجرة ماضيه كالجهاد ، فقد قال صلىالله عليه وسلم : " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل " ، و فيحديث آخر : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، و لا تنقطع التوبة حتىتطلع الشمس من مغربها " و هو مخرج في " الإرواء " ( 1208 ) . ومما ينبغي أن يعلم أن الهجرة أنواع و لأسباب عدة ، و لبيانها مجال آخر ، و المهم هناالهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام مهما كان الحكام فيها منحرفين عن الإسلام ،أو مقصرين في تطبيق أحكامه ، فهي على كل حال خير بما لا يوصف من بلاد الكفر أخلاقاو تدينا و سلوكا ، و ليس الأمر - بداهة - كما زعم أحد الجهلة الحمقى الهوج منالخطباء : " والله لو خيرت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود و بين أن أعيشفي أي عاصمة عربية لاخترت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود " ! و زاد علىذلك فقال ما نصه : " ما أرى إلا أن الهجرة واجبة من الجزائر إلى ( تل أبيب )" !! كذا قال فض فوه ، فإن بطلانه لا يخفى على مسلم مهما كان غبيا! و لتقريبما ذكرت من الخيرية إلى أذهان القراء المحبين للحق الحريصين على معرفته و اتباعه ،الذين لا يهولهم جعجعة الصائحين ، و صراخ الممثلين ، واضطراب الموتورين منالحاسدين و الحاقدين من الخطباء و الكاتبين : أقول لأولئك المحبين : تذكروا علىالأقل حديثين اثنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم :أحدهما : " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها " . أخرجه البخاري و مسلم وغيرهما . و الآخر : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهمأمر الله و هم ظاهرون " ، و هو حديث صحيح متواتر رواه جماعة من الصحابة ،و تقدم تخريجه عن جمع منهم برقم ( 270 و 1108 و 1955 و 1956 ) ، و "صحيح أبيداود " ( 1245 ) ، و في بعضها أنهم " أهل المغرب " أي الشام ، و جاءذلك مفسرا عند البخاري و غيره عن معاذ ، و عند الترمذي و غيره مرفوعا بلفظ : "إذافسد أهل الشام فلا خير فيكم ، و لا تزال طائفة من أمتي .. " الحديث . و في هذه الأحاديث إشارة قوية إلى أن العبرة في البلاد إنما هيبالسكان و ليس بالحيطان . و قد أفصح عن هذه الحقيقة سلمان الفارسي رضي الله عنهحين كتب أبو الدرداء إليه : أن هلم إلى الأرض المقدسة ، فكتب إليه سلمان : إنالأرض المقدسة لا تقدس أحدا ، و إنما يقدس الإنسان عمله . ( موطأ مالك 2 / 235 ) .و لذلك فمن الجهل المميت و الحماقة المتناهية - إن لم أقل و قلة الدين - أن يختارخطيب أخرق الإقامة تحت الاحتلال اليهودي ، و يوجب على الجزائريين المضطهدين أن يهاجرواإلى ( تل أبيب ) ، دون بلده المسلم ( عمان ) مثلا ، بل و دون مكة والمدينة ،متجاهلا ما نشره اليهود في فلسطين بعامة ، و ( تل أبيب ) و ( حيفا ) و ( يافا )بخاصة من الفسق و الفجور و الخلاعة حتى سرى ذلك بين كثير من المسلمين و المسلماتبحكم المجاورة و العدوى ، مما لا يخفى على من ساكنهم ثم نجاه الله منهم ، أو يترددعلى أهله هناك لزيارتهم في بعض الأحيان . و ليس بخاف على أحد أوتي شيئا من العلمما في ذاك الاختيار من المخالفة لصريح قوله تعالى ( إن الذين توفاهم الملائكةظالمي أنفسهم قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض ، قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟! فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا. إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لايستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم و كان الله عفوا غفورا ، و من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرضمراغما ( أي تحولا ) كثيرا و سعة ، و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله و كان الله غفورا رحيما ) ( النساء 97 - 100 ) . قال الحافظ ابن كثير في" تفسيره " ( 1 / 542 ) : " نزلت هذه الآية الكريمة عامة فيكل من أقام بين ظهراني المشركين ، و هو قادر على الهجرة ، و ليس متمكنا من إقامة الدين ، فهو ظالم لنفسه ، مرتكب حراما بالإجماع ، و بنص هذه الآية " .و إن مما لا يشك فيه العالم الفقيه أن الآية بعمومها تدل على أكثر من الهجرة من بلاد الكفر ، وقد صرح بذلك الإمام القرطبي ، فقال في " تفسيره " ( 5 /346 ) : " و في هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي، و قال سعيد ابن جبير :إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها ، و تلا : ( ألم تكن أرضالله واسعة فتهاجروا فيها ؟ ) " . و هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم في" تفسيره " ( 2 / 174/ 1 ) بسند صحيح عن سعيد . و أشار إليه الحافظ في" الفتح " فقال ( 8 / 263 ) :" و استنبط سعيد بن جبير منهذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها بالمعصية " . و قد يظن بعض الجهلة من الخطباء و الدكاترة و الأساتذة ، أن قوله صلىالله عليه وسلم : " لا هجرة بعد الفتح " <1> ناسخ للهجرةمطلقا ، و هو جهل فاضح بالكتاب و السنة و أقوال الأئمة ، و قد سمعت ذلك من بعضمدعي العلم من الأساتذة في مناقشة جرت بيني و بينه بمناسبة الفتنة التي أثارها عليذلك الخطيب المشار إليه آنفا ، فلما ذكرته بالحديث الصريح في عدم انقطاع التوبةالمتقدم بلفظ : " لا تنقطع الهجرة .. " إلخ .. لم يحر جوابا ! وبهذه المناسبة أنقل إلى القراء الكرام ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديثينالمذكورين ، وأنه لا تعارض بينهما ، فقال في " مجموع الفتاوى " ( 18 /281 ) : "و كلاهما حق ،فالأول أراد به الهجرة المعهودة في زمانه ، وهي الهجرة إلى المدينة من مكة وغيرها من أرض العرب ، فإن هذه الهجرة كانت مشروعةلما كانت مكة و غيرها دار كفر و حرب ، و كان الإيمان بالمدينة ، فكانت الهجرة من دارالكفرإلىدارالإسلام واجبة لمن قدر عليها ، فلما فتحت مكة و صارت دار الإسلام و دخلت العربفي الإسلام صارت هذه الأرض كلها دار الإسلام ، فقال : " لا هجرة بعد الفتح" ، وكون الأرض دار كفر و دار إيمان ، أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها: بل هي صفة عارضة بحسب سكانها ، فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياءالله في ذلك الوقت ، و كل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت ، و كل أرض سكانهاالفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت ، فإن سكنها غير ما ذكرنا و تبدلت بغيرهم فهيدارهم و كذلك المسجد إذا تبدل بخمارة أو صار دار فسق أو دار ظلم أو كنيسة يشركفيها بالله كان بحسب سكانه ، و كذلك دار الخمر و الفسوق و نحوها إذاجعلت مسجدايعبد الله فيه جل وعز كان بحسب ذلك ، و كذلك الرجل الصالح يصير فاسقا و الكافريصير مؤمنا أو المؤمن يصير كافرا أو نحو ذلك ، كل بحسب انتقال الأحوال من حال إلىحال و قد قال تعالى : ( و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة ) الآيةنزلت في مكة لما كانت دار كفر و هي ما زالت في نفسها خير أرض الله ، و أحب أرضالله إليه ، و إنما أراد سكانها . فقد روى الترمذي مرفوعا أنه قال لمكة و هو واقفبالحزورة : "والله إنك لخير أرض الله، و أحب أرض الله إلى
    الله ، و لولا قومي أخرجوني منك لما خرجت "
    <2> ، و في رواية : "خير أرض الله و أحب أرض الله إلي " ، فبين أنها أحب أرض الله إلى الله ورسوله ، و كان مقامه بالمدينة و مقام من معه من المؤمنين أفضل من مقامهم بمكة لأجلأنها دار هجرتهم، و لهذا كان الرباط بالثغور أفضل من مجاورة مكة و المدينة ، كماثبت في الصحيح: " رباط يوم و ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر و قيامه ،و من مات مرابطا مات مجاهدا ، و جرى عليه عمله ، و أجرى رزقه من الجنة ، و أمنالفتان " <3> . وفي السنن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم :أنه قال : " رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوما فيما سواه من المنازل" <4> . و قال أبو هريرة <5>:لأن أرابط ليلة في سبيل اللهأحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود . ولهذا كان أفضل الأرض في حق كلإنسان أرض يكون فيها أطوع لله و رسوله ، و هذايختلف باختلاف الأحوال ، و لا تتعينأرض يكون مقام الإنسان فيها أفضل ، و إنما يكون الأفضل في حق كل إنسان بحسب التقوىو الطاعة و الخشوع و الخضوع و الحضور ،و قد كتب أبو الدرداء إلى سلمان : هلم إلىالأرض المقدسة ! فكتب إليه سلمان :إن الأرض لا تقدس أحدا و إنما يقدس العبد عمله .و كان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين سلمان و أبي الدرداء . و كان سلمانأفقه من أبي الدرداء في أشياء من جملتها هذا . و قد قال الله تعالى لموسى عليهالسلام : ( سأريكم دار الفاسقين ) و هي الدار التي كان بها أولئك العمالقة، ثم صارت بعد هذا دار المؤمنين ، و هي الدار التي دل عليها القرآن من الأرضالمقدسة ، و أرض مصر التي أورثها الله بني إسرائيل ، فأحوال البلاد كأحوال العبادفيكون الرجل تارة مسلما و تارة كافرا ، و تارة مؤمنا و تارة منافقا ، و تارة براتقيا و تارة فاسقا ، وتارة فاجرا شقيا . و هكذا المساكن بحسب سكانها ، فهجرةالإنسان من مكان الكفر و
    المعاصي إلى مكان الإيمان و الطاعة كتوبته و انتقاله من الكفر و المعصية إلى الإيمانو الطاعة ، و هذا أمر باق إلى يوم القيامة
    ، و الله تعالى قال : ( و الذين آمنوا [ من بعد ] و هاجروا و جاهدوا معكم فأولئك منكم ) [ الأنفال : 75] .قالت طائفة من السلف : هذا يدخل فيه من آمن و هاجر و جاهد إلى يوم القيامة، و هكذاقوله تعالى : ( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إنربك من بعدها لغفور رحيم ) [ النحل : 110 ] <6>
    يدخل في معناها كل من فتنه الشيطان عن دينه أو أوقعه فيمعصية ثم هجر السيئات و جاهد نفسه و غيرها من العدو ، و جاهد المنافقين بالأمربالمعروف و النهي عن المنكر ، و غير ذلك ، وصبر على ما أصابه من قول أو فعل . والله سبحانه و تعالى أعلم". انتهى كلام شيخ الاسلام رحمه الله تعالى
    وتتمة لما ذكره الألباني رحمه الله تعالى:



    فأقول : هذه الحقائق و الدررالفرائد من علم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، يجهلها جهلا
    تاما أولئك الخطباء و الكتاب و الدكاترة المنكرون لشرع الله ( و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) ، فأمروا الفلسطينيين بالبقاء في أرضهم و حرموا عليهم الهجرةمنها ، و هم يعلمون أن في ذلك فساد دينهم و دنياهم ، و هلاك رجالهم و فضيحة نسائهم، و انحراف فتيانهم و فتياتهم ، كما تواترت الأخبار بذلك عنهم بسبب تجبر اليهودعليهم ، و كبسهم لدورهم و النساء في فروشهن ، إلى غير ذلك من المآسي و المخازيالتي يعرفونها ، ثم يتجاهلونها تجاهل النعامة الحمقاء للصياد! فيا أسفي عليهم إنهميجهلون ، و يجهلون أنهم يجهلون ، كيف لا و هم في القرآن يقرؤون : ( و لو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ) !و ليت شعري ماذا يقولون في الفلسطينيين الذين كانوا خرجوا من بلادهم تارة باسملاجئين ، و تارة باسم نازحين ، أيقولون فيهم : إنهم كانوا من الآثمين ، بزعم أنهمفرغوا أرضهم لليهود ؟! بلى . و ماذا يقول ونفي ملايين الأفغانيين الذين هاجروا منبلدهم إلى ( بشاور ) مع أن أرضهم لم تكن محتلة من الروس احتلال اليهود لفلسطين ؟!و أخيرا .. ماذا يقولون في البوسنيين الذين لجأوا في هذه الأيام إلى بعض البلادالإسلامية و منها الأردن ، هل يحرمون عليهم أيضا خروجهم ، و يقول فيهم أيضا رأسالفتنة : " يأتون إلينا ؟ شو بساووا هون ؟! " . إنه يجهل أيضا قولهتعالى : ( و الذين تبوءوا الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ، و لايجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة ) ، أمهم كما قال تعالى في بعضهم : ( يحلونه عاما و يحرمونه عاما ) ؟! ستبدي لكالأيام ما كنت جاهلا و يأتيك بالأنباء من لم تزود)) . انتهى كلام الألباني رحمهالله تعالى.
    [1] متفق عليه ، و هو مخرج في" الإرواء " ( 1057 )
    [2] إسناده صحيح ، و هو مخرج في " المشكاة " ( 2725 ) .
    [3] رواه مسلم و غيره ، و هو مخرج في " الإرواء " ( 1200 ) .
    [4] قلت : و حسنه الترمذي ، و صححه الحاكم و الذهبي ، و هو مخرج في تعليقي على
    " المختارة " ( رقم 307 ) .
    [5] بل هو مرفوع ، كذلك رواه ابن حبان و غيره بسند صحيح ، و هو مخرج في "
    الصحيحة " ( 1068 ) .
    [6] وقع في هذه الآية خطأ مطبعي في الأصل ، كما سقط منه ما بين المعقوفتين في
    الآية الأولى . اهـ .




    فخلاصة كل هذه الأدلة أن هناك أمر بالسبق والسعي إلى مخالطة الموحدينالمخلصين الأخيار ومفارقة المشركين الأشرار. يقول تعالى (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا). [الكهف:28].
    يقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسير هذهالآية: (( يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وغيره أسوته، في الأوامروالنواهي -أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين { الَّذِينَ يَدْعُونَرَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ } أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجهالله، فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفسعلى صحبتهم، ومخالطتهم وإن كانوا فقراء فإن في صحبتهم من الفوائد، ما لا يحصى.
    { وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ } أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك.
    { تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } فإن هذا ضار غير نافع، وقاطع عنالمصالح الدينية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها،وتزول من القلب الرغبة في الآخرة، فإن زينة الدنيا تروق للناظر، وتسحر العقل،فيغفل القلب عن ذكر الله، ويقبل على اللذات والشهوات، فيضيع وقته، وينفرط أمره،فيخسر الخسارة الأبدية، والندامة السرمدية، ولهذا قال: { وَلا تُطِعْ مَنْأَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا } غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.
    { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ } أي: صار تبعا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى فيإدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتخذ إلهه هواه، كما قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم } الآية. { وَكَانَ أَمْرُهُ } أي:مصالح دينه ودنياه { فُرُطًا } أي: ضائعة معطلة. فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأنطاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به، ودلت الآية، علىأن الذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للناس، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلكعلى لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظمن وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه،فحقيق بذلك، أن يتبع ويجعل إماما، والصبر المذكور في هذه الآية، هو الصبر على طاعةالله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتم باقي الأقسام. وفي الآية، استحبابالذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار، لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح اللهفاعله، دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويرغب فيه)).
    ومن هنا يتضح زيف دعوى عبيد الجابري -هداه الله- التي يدعو فيها الناسويقولأن الهجرة في حق المسلمين المقيمين في بلاد الكفر ليست واجبة بحجة إظهار الدين, وأفتى المسلمين في أوروبا بالهجرة إلى برمنجهام أحد مدن بريطانيا,فلما رد عليه الشيخ يحي بن علي الحجوري حفظه الله تعالى أظهر تراجعه عن هذا, وبينأن مراده بالهجرة إلى برمنجهام أي إلى المكتبة السلفية التي فيها, وزعم أنهمتلاعبوا بكلامه, وهذا من تلاعبه هو بعقول الناس الضعفاء الذين يحسبونه على خير, أوبمن غلا فيه وتعصب إليه بدون حجة ولا برهان, وإنما هو اتباع لأهل الأهواء وحزبالشيطان, وأخطر من هذا فهو يجوز التجنس بجنسية الكفار للضرورة, والله المستعان, واعلمأن الضرورة عند الجابري ضرورة خاصة, لاتدخل في القاعدة العلمية "الضروراتتبيح المحظورات". وزد على ذلك ضرورياته وتأصيلاته وفتاويه المنحرفة, ذكرها ليسموضوعنا الآن, ومن أراد مخالفاته بنصها والرد عليها يجدها في شبكة العلوم السلفية. فالحمد لله الذي جعل للحق أنصارا يكشفون زيف المبطلينحتى تقوم الساعة, ومن هؤلاء الأنصار إمام أهل السنة في اليمن بدماج يحي بن عليالحجوري حفظه الله تعالى وكذلك علماءها ومشايخها وطلاب العلم, فهم يتصدون للمخالفينويقاتلون الكفار الرافظة الحوثيين البغاة,أسأل الله القدير أن يهلك الحوثيين ويدمرهم شر تدمير ويقتلهم شر قتلة, يقول النبيصلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك" [قال الألباني"صحيح" وهو في الصحيحة]. وكل تلكالتأصيلات الفاسدة التي تدعو إلى مخالطة وموالاة الكفار تِؤدي إلى هدم أصل عظيم منأصول الدين, ألا وهو الولاء والبراء. جاء أيضا عن بن مسعود رضي الله عنه "الصاحبساحب" و"من جالس جانس" ,لأن مخالطة الأخيار والصالحين لا تسحب إلا إلى الخيروالعكس بالعكس في مخالطة الأشرار والطالحين لا تسحب إلا إلى الشر, وهو اتخاذالكفار أولياء.ولكي تزيد المسألة وضوحا, أرشد القارئ اللبيب إلىكتاب "الحجج الكاشفة عن فتنة الجابري وضلالاته الزائفة" للشيخ الفاضلأبوحاتم يوسف الجزائري حفظه الله تعالى حيث أتى بأقوال السلف في هذا الموضوع,واتضح أن الإمام الألباني رحمه الله تعالى له سلف في فتواه.ومن أقوال هؤلاء الأئمة في معنى إظهار الدين: أكتفيفقط بذكر ثلاثة أقوال لهِؤلاء,ومن أراد مزيد بيان يرجعللأصل.قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب النجديرحمه الله تعالى: (( وإظهار الدين تكفيرهم وعيب دينهم, والطعن عليهم, والتحفظ من مودتهم والركون إليهم, واعتزالهم, وليس فعل الصلوات فقط إظهار للدين, وقولالقائل إنا نعتزلهم في الصلاة ولا نأكل ذبيحتهم حسن, لكن لا يكفي في إظهار الدينوحده بل لابد مما ذكر)).اه الدرر السنية. وقالالعلامة إسحاق بن عبد الرحمان بن حسن رحمه الله تعالى:(( ودعوى من أعمى اللهبصيرته, وزعم: أن إظهار الدين, هو عدم منعهم ممن يتعبد, أو يدرس! دعوى باطلة, فزعمه مردود عليه عقلا وشرعا, وليهن من كان في بلاد النصارى, والمجوس والهند ذلك الحكم باطل, لأن الصلاة والأذان والتدريس, موجود في بلدانهم, وهذا إبطال للهجرة والجهاد, وصد للناسعن سبيل الرشاد)).اه كما في "الدرر السنية" (8/304-306). وقالالعلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ: (( إظهار دينه ليس مجرد فعل الصلاة وسائر فروع الدين واجتناب محرماته من الربا وغير ذلك, إنما إظهار الدين مجاهرته بالتوحيد, والبراءة مما عليه المشركون من الشرك بالله في العبادة وغير ذلك من أنواع الكفر والضلال)).اه وخلاصة هذهالأقوال من أهل العلم تبين أن إظهار الدين ليس هو إقامة العبادات فقط, وإنما هوإعلان التوحيد والبراءة من الشرك وأهله وكل أنواع الضلال, والتصريح بذلك كله, قالالله تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَوَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) [الممتحنة:5]. وقال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَاتَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْعَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَدِينِ}[سورة الكافرون] يستنتجمما سبق أن كل مسلم يعيش في بلاد الكفر ذكرا كانأم أنثى, لا يمكنه أن يتعلم الإسلام وأحكامه, وكيفيعامل المسلمين وغير المسلمين, من أقارب أزواجا كانوا أو أولادا أوجيرانا, وكيف يصحح عقيدته أولا وقبل كل شيء إلا بالهجرة. ولكن العجب في بعض الذين يقيمون في بلاد الإسلام, فنسوا الله ونسوا دينهم, ووقعت منهماللهفة وعميت بصائرهم وعقائدهم ذكورا وإناثا, رغبة في الذهاب إلى البلاد الكافرة لجمع الأموال, ظانين أن السبيل الوحيد لنيل السعادة هو السعي وراء الدرهم, غافلين عنقوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُحَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوايَعْمَلُونَ) [النحل:97],فهؤلاء لما قاموا بالإيمان والإخلاص لله تعالى وعدم الشرك به سبحانهوالعمل الصالح, حقق الله لهم ماوعدهم بالفوز والسعادة في الدنيا والآخرة,وحصل لهم الاستخلاف في الأرض والأمن والعزوالتمكين قال الله تعالى(وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كمااستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ) [النور :55]. ولما أعرضوا عن طاعة الله الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء, واختاروا شرالأخلاء, وقعوا في كثرة الشقاء, وكثر عليهم البلاء, الذي ربما يكون للردع أوللعطاء, من المكرم ذي الصفات والأسماء, وربما حصل لهؤلاء الأشقياء, عزا مؤقتالاستدراجهم مع أولئك الأخلاء, وزيغا بعد زيغ لما أعرضوا عن الوحي الذي نزل منالسماء, ولكن كما قال تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) [فاطر:28],الذين ساروا على نهج الأنبياء, فضلا منفاطر الأرض والسماء, هادي الناس وهادي الحكماء, ثم فضلا من سيد الأتقياء, محمد خيرالعقلاء, أسوة أهل العلم الفضلاء, فطوبى للغرباء. يقول تعالى: (لا يغرنكتقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد) [آلعمران :196-197]. ويقول تعالى عن قومموسى عليه السلام (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) الصف:5. ويقول سبحانه: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) [الزخرف:67]. فلذلك أمر الشرع كتابا وسنةبهجرة المسلم لبلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ذكرا كان أو أنثى. فالرجل له مسؤولية كبيرة اتجاه هذه المسألة لقوامة الرجال على النساء, وبأمره وتسييره فيالبيت, يقول سبحانه: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا منأموالهم) [النساء:34]. يقول العلامة السعدي رحمه الله في تفسيره:((هذا خبر وأمر ، أي : الرجال قوامون علىالنساء في أمور الدين والدنيا ، يلزمونهن بحقوق الله ، والمحافظة على فرائضه ،ويكفونهن عن جميع المعاصي والمفاسد ، وبتقويمهن بالأخلاق الجميلة والآداب الطيبة ،وقوامون أيضا عليهن بواجباتهن من النفقة والكسوة والمسكن وتوابع ذلك ، { بِمَافَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ }أي : ذلك بسبب فضل الرجال عليهن وإفضالهم عليهن ، فتفضيل الرجال على النساء منوجوه متعددة : من كون الولايات كلها مختصة بالرجال والنبوة والرسالة ، وباختصاصهمبالجهاد البدني ، ووجوب الجماعة والجمعة ونحو ذلك ، وبما تميزوا به عن النساء منالعقل والرزانة والحفظ والصبر والجلد والقوة التي ليست للنساء ، وكذلك يده هيالعليا عليها بالنفقات المتنوعة ، بل وكثير من النفقات الأخر والمشاريع الخيرية ،فإن الرجال يفضلون النساء بذلك كما هو مشاهد ، ولهذا حذف المتعلق في قوله : {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ } ليدل على هذا التعميم ، فعلم من ذلكأن الرجل كالوالي والسيد على امرأته ، وهي عنده أسيرة عانية تحت أمره وطاعته ،فليتق الله في أمرها ، وليقومهاتقويماينفعه في دينه ودنياه ، وفي بيته وعائلته يجد ثمرات ذلك عاجلا وآجلا ، وإلا يفعلفلا يلومن إلا نفسه)).اه ومن هنا يعلم عظم مسؤولية الرجل,فلو تأمل هذا المسلم واستجاب لأمرالله في الهجرة فسيصلح نفسه أولا, ويصلح معه الكثير, ويكون سببا في الخير,فليخشالله ويتقيه في ذلك. فعن سهل بن سعد رضي اللهعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرلك من أن يكون لك حمر النعم" [متفق عليه].وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مندعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومندعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهمشيئاً" [رواه مسلم]. وقال صلىالله عليه وسلم فيما رواه مسلم أيضاً: "من دل على خير فله مثل أجرفاعله". وكل هذه الفضائل لا تكونفعلا إلا بالتوكل على الله عز وجل واتخاذ الأسباب الممكنة والحيل الجائزة والصبرعلى ذلك, لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ماستطعتم "[متفق عليه] , فإذا بذلالإنسان جهده وانسدت عليه أبواب الحيل يصبح معذورا. وذلك حاصل حتى على المرأة, رغم أن وضعها يختلفلكونها امرأة تحتاج إلى من يقويها ويعينها بعد الله تعالى, وخصوصا في مثل هذا الوضع, لكن هذا لا يعني أنها تخرجمن التكليف يقول تعالى: (ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) [الأنعام:164], وعن ابن عمر رضيالله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"كلكم راع وكلكم مسئول عنرعيته والأمير راع والرجل راع على أهل بيته والمرأة راعية على بيت زوجها وولده فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"[متفق عليه].إلا أننا لا ننكر أيضا فضل المرأة في إصلاح المجتمع فبصلاحها, وتحترعايتها وبين أحضانها, يصلح الأبناء الذين فيهم الرجال والنساء, وربما أصبحواعلماء ودعاة إلى الله صالحين في أنفسهم مصلحين لغيرهم.ذكر العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في رسالة لهبعنوان "دور المرأة في إصلاح المجتمع", مبينا أن هذا الإصلاح يكون علىنوعين:" النوعا لأول: الإصلاح الظاهر: وهو الذي يكون في الأسواق, وفي المساجد, وفي غيرها منالأمور الظاهرة, وهذا يغلب فيه جانب الرجال لأنهم أهل البروز والظهور.النوع الثاني: إصلاح المجتمع فيما وراء الجدر: وهو الذي يكون في البيوت, وغالب مهمته موكول إلى النساء, لأن المرأةهي ربة البيت, كما قال الله تعالى موجها الخطاب والأمر إلى نساء النبي صلى اللهعليه وسلم في قوله: {وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} [الأحزاب:33] ". وبين رحمه الله أهمية دورها في الإصلاح,والمقومات والمؤهلات التي يجب أن تكون متوفرة في المرأة حتى تكون صالحة مصلحةلغيرها. وبما أن كثير من النساءالمسلمات يجدن صعوبات في الهجرة من بلاد الكفر فسأنقل بعض فتاوى أهل العلم في ذلك. يجب على كل مسلمة تخشى الله عز وجل تقيم في بلادالكفاربعد أن عرفت شرع الله سبحانه في هذا, أن تشرع وتبادر بمناصحة والديها وأهلهاوترغيبهم في طاعة أمر الله ونيل ثوابه, وترهيبهم بعقاب الله لمن ترك أمر الله وهويستطيع, وبيان خطورة البقاء في بلاد الكفر, لكن إن أبوا إلا ذلك مع بيانها وحرصهاومحاولاتها بإقناعهم بالهجرة معها, فيجب عليها الذهاب والمكوث في بلاد الإسلام ولوأن تسافر بدون محرم وبدون إذن وليها. قال الشيخ العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله لماسئل هل حديث خروج المسلمات مهاجرات في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على وجوبهجرة المسلمات الجدد خاصة إذا خشين الفتنة وحدهن نعلم أن كثير من أخواتنا في الغربيردن الهجرة خشية على أنفسهن من الفتنة ؟ (( يعني كما هو معلوم في ذلك الوقت, يعنيكانت مكة محاربة.. والكفار..العداء والحرب بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم, ومنأسلم فإنه يهاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه لينصره وليظهردينه وليجاهد مع رسول الله صلىالله عليه وسلم والمرأة إذا اضطرت إلى أنها تسافر وحدها لا بأس بذلك إذا كان هناكضرورة, نعم أما إذا كان أمكن أن يوجد لها محرم وأن يكون لها محارم, ليس لها أنتقدم على شيء لا يجوز لها إلا بحال الضرورة, تفعله مع إمكان فعل ما هو سائغ شرعامن السفر مع المحارم )).[شرح سنن الترمذي كتاب تفسير القرءان الشريط 364]. والضرورة هنا موجودة وهي الفرار بالدين.(حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيابها) . يعني:كونا معها صاحبين لها في الطريق. وهذا يدل على جواز سفر المرأة من غير محرم إذا كانت برفقة مأمونة إذا كان هناك ضرورةإلى ذلك، وهنا الضرورة موجودة، وذلك لأنها كانت في مكة مع الكفار، وزوجها كانكافراً، [شرح سنن أبي داوود للشيخ عبد المحسن العباد]. والشيخ العلامة يحيى بن علي الحجوريحفظه الله سئل عن: إمرأة أسلمت وأقاربها كفار.هل يجوز لها الهجرة بدون محرم باركالله فيكم ؟ قال: (( نعم يجوز للمسلمة الهجرة من بلاد الكفار إلى بلاد المسلمين,على ذلك إجماع, وقد هاجر النساء من مكة إلى المدينة بغير محارم في زمن النبي صلىالله عليه وسلم دون نكير وفي زمن نزول الوحي)). [أسئلةأبي دجانة-ج1-شبكة العلوم ]. وسئل أيضا الشيخ أبو حاتم الجزائري حفظه الله منأحد الإخوة -جزاه الله خيرا- عن حكم سفر امرأة مسلمة تسكن في بلاد الكفرمع والديهاوتريد الهجرة إلى بعض أقاربها في بلاد الإسلام دون إذن وليها ودون محرم؟ فقال: (( سفرالمرأة من بلاد الكفر فرارا بدينها هجرة منها إلى بلاد الإسلام, لا يشترط في مثلهذا ولا يجب عليها في هذه الحال أن تكون بصحبة محرم, وقد هاجر بعض الصحابيات ولم يكنمعهن محرم لما هاجر المسلمون إلى بلاد الحبشة ولم يكن أنذاك بلد اسلام مستقرة ولميكن نعم- هناك لهم ما يستقرون فيه,فكان من باب (أخف الضررين الهجرة من بلاد الكفر إلى ماهو أخف ضرر منه),الشاهد من ذلك أن أهل العلم يقولون المرأة يجوز لها فرارا بدينها الهجرة من بلادالكفر إلى بلاد الإسلام وإن لم تكن بصحبة محرم, أما قضية إذن والديها إن كانا يلزمونها البقاء في بلاد الكفر وحاولتمعهم ومع ذلك يلزمونها بذلك,لها أن تهاجر فرارا بدينها فإن إقامة الدين أولى وأوجب عليها من طاعة الوالدين, والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق")) [أخرجه أحمد في المسند.وصححه الألباني في صحيح الجامع]. انتهى. فهؤلاء العلماء الكرام لهم مرجع وهو سلفناالصالح:قال ابن الملقن رحمه الله في : "الإعلامبفوائد عمدة الأحكام" (6/79) : (( أما سفر الهجرة من دار الحرب إلى دارالإسلام فاتفق العلماء على وجوبه ، وإن لم يكن معها أحد من محارمها"أ.هـ.وقال أبو العباس القرطبي رحمه الله في: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتابمسلم" (3/450) : "اتُّفِق على أنه يجب عليها ـ أي : المرأة ـ أن تسافرمع غير ذي محرم إذا خافت على دينها ونفسها ، وتهاجر من دار الكفر كذلك" أ.هـ.وذلك (لأن القيام بأمر الدين واجب ، والهجرة من ضرورة الواجب ، وما لا يتم الواجبإلا به واجب)) قاله في : "مطالب أولي النهى" (3/433) ".وقال ابن بطال في : "شرح صحيحالبخاري" (4/533) : "ألا ترى أن عليها أن تهاجر من دار الكفر إلى دارالإسلام إذا أسلمت فيه ـ بغير محرم ، وكذلك كل واجب عليها أن تخرج فيه" أ.هـالمراد .وقال ابن الملقن في : "الإعلام"(6/82) : "قال القاضي عياض : واتفق العلماء على أنه ليس لها أن تخرج في غيرالحج والعمرة إلا مع ذي محرم إلا الهجرة من دار الحرب"أ.هـ.وكذا حكاه النوويفي : "شرح مسلم" (9/148) عن عياض . فقد اتفق العلماء على جوازهجرتها من غير محرم, ومعلوم أن مفسدة الدين أخطرمن مفسدة الدنيا, فالله عز وجل يقول :{ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ، فَلَاتُطِعْهُمَا ، وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } [لقمان:15].وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما الطاعة في المعروف" [أخرجه البخاري ومسلم]: وقالأيضا "لا طاعة في معصية الله تبارك و تعالى "[السلسلةالصحيحة],وذلك لأنطاعة المخلوق أو الوالدين يجب أن تكون داخلة في طاعة الله الخالق, وإلا فلن يقومالدين أحسن قيام وسيضيع إلى أن يتلاشى, فيصبح الإنسان من الهالكين. طبعا مع الاستمرار في مناصحة أهلها ولقوله صلىالله عليه وسلم في بذل الجهد "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ماستطعتم "[متفق عليه] ,من الحيلوالطرق الصحيحة, ويستثنى الذين لا قدرة لهم على الهجرة بوجه من الوجوه لقوله تعالى"لا يستطيعون حيلة". وقد يجعل الله لمن شاءلعباده المتقين الأسباب للفرار بدينهم إلى الله عز وجل, ويسخر ويسهل لهم الظروفالملائمة لطاعته عز وجل, وبالتالي ربما يسخرالله عز وجل لهذه المرأة المسلمة زوجامسلما مقيما في بلاد الإسلام, ولا سيماإذا تقدم إليها رجل صالح, لما علم أو رأى من صلاح دينها, ثم البقاء معه في بلادالإسلام, وربما استشارت أهل الخير من المسلمين لمعرفة الصالحين وهذا أنسب لها. فقد علم مما سبق: أن إقامةالمسلم ذكرا كان أوأنثى في بلاد الكافرين لا تجوز. فأسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا أن يرزق المسلمينوالمسلمات أزواجا صالحين, حتى يتعاونوا على أمر الدين والدنيا, والآخرة خير وأبقى ,قال النبي صلى الله عليه وسلم: "قلب شاكر ولسان ذاكر وزوجة صالحة تعينكعلى أمر دنياك ودينك خير ما اكتنز الناس". [قالالألباني "صحيح" الروض النضير 179، الترغيب 3/68]. وبالطبع لا يظن أن الأمر ليس بالصعب, وإنما يجبعلى المسلمة أن تكون صابرة محتسبة مخلصة في دينها لله وحده لا شريك له, متبعة لسنةخير البشر صلى الله عليه وسلم, حتى تفوز برضا الله تعالى, والله لايخلف وعده, فهوالذي قال ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) [الحج :40].وقال ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )[محمد :7]. وقد أنجزالله لمن قام بالشرط هذا الوعد ,وقال تعالى : ( إنا لننصر رسلنا والذين آمنوافي الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) [غافر:51]. ونصر الله لا يكون إلا باتباعشرعه تبارك وتعالى بإخلاص العبادة له وعدم الإشراك به, لقوله تعالى (فاعبد اللهمخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص)[الزمر:2-3].وقوله(إن اللهلا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)[النساء:48]. والأدلة على وجوب توحيد الله تعالى و تحريم الشرك به سبحانه كثيرةجدا لا تكاد تحصى بل القرآن كله نزل لبيان ذلك. ويكون أيضا باتباع سنة النبيمحمد صلى الله عليه وسلم وطاعته وأنها من طاعة الله الحكيم, وترك الابتداع فيالدين, وهذا مقرر أيضا في جل كتاب الله عز وجل ومنه قوله في سورة النساء (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فماأرسلناك عليهم حفيظا) [الآية:80]. وقوله(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) [الحشر:7]. ولقوله عليه الصلاة والسلام "منعمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" [رواهمسلم]. وكل ذلك يتحقق بفهم السلفالصالح رضوان الله عليهم جميعا, وهذا هو منهجهم يقول تعالى ( وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَاللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) [التوبة :100]. فإذا اتبع المسلم شرع اللهفقد أفلح ونجا, ونال السعادة في الدنيا والآخرة, وحصلت له مصالح ومنافع كثيرةدينية ودنيوية وحصل له وعده الذي قال الله فيه:( وكان حقا علينا نصر المؤمنين )[الروم :47]. وقال النبي صلى الله عليهوسلم: "فإن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه "[قال الألباني رحمه الله تعالى: رواه أحمد بسند صحيح], فما دامالمسلم بين ظهراني المشركين فهو في خطر كبير, لكن بالهجرة في سبيل الله يعوض اللهله ما ترك من مال وأهل, هذا ليس معناه هجرة الأهل, وإنما هجرة المكان الذي هم فيه,وهجرة ما نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلمفي المهاجر أنه من هجر ما نهى الله عنه, وطبعا مع حبهم والاستمرار في نصحهم.يقول العلامةالسعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى ( وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ َغفُورًا رَحِيمًا ).النساء:100.
    ((هذا في بيان الحث على الهجرة والترغيب، وبيانما فيها من المصالح، فوعد الصادق في وعده أن من هاجر في سبيله ابتغاء مرضاته، أنهيجد مراغما في الأرض وسعة، فالمراغم مشتمل على مصالح الدين، والسعة على مصالحالدنيا.
    وذلك أن كثيرًا من الناس يتوهم أن في الهجرة شتاتًا بعد الألفة، وفقرًا بعد الغنى،وذلا بعد العز، وشدة بعد الرخاء,والأمر ليس كذلك، فإن المؤمن ما دام بين أظهرالمشركين فدينه في غاية النقص، لا في العبادات القاصرة عليه كالصلاة ونحوها، ولافي العبادات المتعدية كالجهاد بالقول والفعل، وتوابع ذلك، لعدم تمكنه من ذلك، وهوبصدد أن يفتن عن دينه، خصوصا إن كان مستضعفًا.
    فإذا هاجر في سبيل الله تمكن من إقامة دين الله وجهاد أعداء الله ومراغمتهم، فإنالمراغمة اسم جامع لكل ما يحصل به إغاظة لأعداء الله من قول وفعل، وكذلك ما يحصلله سعة في رزقه، وقد وقع كما أخبرالله تعالى.
    واعتبر ذلك بالصحابة رضي الله عنهم فإنهم لما هاجروا في سبيل الله وتركوا ديارهموأولادهم وأموالهم لله، كمل بذلك إيمانهم وحصل لهم من الإيمان التام والجهادالعظيم والنصر لدين الله، ما كانوا به أئمة لمن بعدهم، وكذلك حصل لهم مما يترتبعلى ذلك من الفتوحات والغنائم، ما كانوا به أغنى الناس،
    وهكذا كل من فعل فعلهم،حصل له ما حصل لهم إلى يوم القيامة.
    ثم قال: { وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِوَرَسُولِهِ } أي: قاصدا ربه ورضاه، ومحبة لرسوله ونصرًا لدين الله، لا لغيرذلك من المقاصد { ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ } بقتل أو غيره، { فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } أي: فقد حصل له أجر المهاجر الذي أدرك مقصودهبضمان الله تعالى، وذلك لأنه نوى وجزم، وحصل منه ابتداء وشروع في العمل، فمن رحمةالله به وبأمثاله أن أعطاهم أجرهم كاملا ولو لم يكملوا العمل، وغفر لهم ما حصلمنهم من التقصير في الهجرة وغيرها.
    ولهذا ختم هذه الآية بهذين الاسمين الكريمين فقال: { وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًارَحِيمًا } يغفر للمؤمنين ما اقترفوه من الخطيئات، خصوصا التائبين المنيبينإلى ربهم.
    { رَحِيمًا } بجميع الخلق رحمة أوجدتهم وعافتهم ورزقتهم من المال والبنينوالقوة، وغير ذلك. رحيمًا بالمؤمنين حيث وفقهم للإيمان، وعلمهم من العلم ما يحصلبه الإيقان، ويسر لهم أسباب السعادة والفلاح وما به يدركون غاية الأرباح، وسيرونمن رحمته وكرمه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فنسأل الله أنلا يحرمنا خيره بشر ما عندنا)).اه

    وأيضا يحصل لمن هاجر في سبيلالله بالإضافة إلى نصر الدين, الإيمانالتام كما حصل للصحابة الكرام الذين قدموا الرخيص والنفيس لنصرة دين الله العزيز,ولا عجب فقد قال عليه الصلاة والسلام فيهم"خير الناس قرني ثم الذين يلونهمثم الذين يلونهم..."الحديث. [أخرجه البخاري ومسلم].ويرزقهالله أيضا التقوى فيصبر على ذلك حتى الموت بإذن الله تعالى, فيصير من أولياء اللهعز وجل الذين قال الله تعالى فيهم( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هميحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديللكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ) [يونس:62-64]. فعلا ليس الأمر هينا, ولكنالله يكرم بذلك من يشاء وكيف شاء سبحانه وتعالى, لذا وجب على كل مؤمن ومؤمنة ضبطعقلهما وتصرفاتهما بالشرع في جميع العبادات وفي السلوك والمعاملات, ويجب عليهما أنيتكيفا مع شرع الله عز وجل لا أن يكيفاه بعقلهما مع أحوالهما, سواء كانت لازمة لهما أو متعدية إلى غيرهما, وخشية الله في ذلك,ويجتهدا في طلب عون الله تعالى لهما, وسؤاله تثبيتهما على الحق, بمجاهدة النفس,وذلك بتعلم العلم النافع والعمل الصالح بالإضافة إلى الدعوة إليه والصبر على ذلككله وعلى أقدار الله المؤلمة, قال الله تعالى( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)[العنكوت:69].
    قال القرطبي في تفسيره .قوله تعالى: "والذين جاهدوافينا" (( أي جاهدوا الكفار فينا أي في طلب مرضاتنا وقال السدي وغيره: إنهذه الآية نزلت قبل فرض القتال قال ابن عطية: فهي قبل الجهاد العرفي وإنما هو جهادعام في دين الله وطلب مرضاته قال الحسن بن أبي الحسن: الآية في العباد وقال ابنعباس وإبراهيم بن أدهم: هي في الذين يعملون بما يعلمون وقد قال صلى الله عليهوسلم: (من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم) ونزع بعض العلماء إلى قوله: "واتقواالله ويعلمكم الله" [البقرة: 282] وقالعمر بن عبدالعزيز: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا ولوعملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علما لا تقوم به أبداننا؛ قال الله تعالى: "واتقواالله ويعلمكم الله" وقال أبو سليمان الداراني: ليس الجهاد في الآية قتالالكفار فقط بل هو نصر الدين والرد على المبطلين؛ وقمع الظالمين؛ وعظمه الأمربالمعروف والنهي عن المنكر ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله وهو الجهاد الأكبر)).انتهى. وقد قال النبي صلى اللهعليه وسلم "المجاهد من جاهد نفسه لله عز وجل" [قال الألباني صحيح,صحيح الترغيب والترهيب] فكل إنسان لا يخرج من دائرة الخسران إلا باتصافه بتلك الصفات الأربع,مهما كثر ماله وولده وعظم قدره وشرفه فالعبرة إذن بالتقوى قال تعالى(إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِأَ تْقَاكُمْ).[الحجرات130]. فلو فقد المسلم مالا كثيرامعاستقامته علىدينه فهو رأسماله, وفي هذا يقول النبي صلىالله عليه وسلم " قد أفلح من أسلم و رزق كفافا و قنعه الله بماآتاه" [السلسلة الصحيحة]:فإذا رزقك الله رزقاكفافا لا فتنة فيه فهو خير من مال كثير تفتن فيه نسأل الله السلامة. وفي الأخير أختم بقول لابن القيم رحمه اللهتعالى-: جهاد النفس أربع مراتب: إحداها:أن يجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولاسعادة في معاشها ومعادها إلابه.
    الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد علمه.
    الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه. الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق ويتحملذلك كله لله، فإذا أستكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين".اه إذن فجهاد النفس هو الجهادالأكبر الذي يستحق الصبر والتضحية, فتجد ثمرة ذلك كله عاجلا كما سبق بيانه وآجلاأيضا, يقول الله تعالى ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفرواالله إن الله غفور رحيم ).[المزمل:20]. ومن المعلوم أن الهادي لكل هذه الخصال الحميدةهو الله جل وعلا, ولهذا يجب طلب العون منه تعالى على مرضاته كما أمرنا بذلك في كل الصلواتالمكتوبة وفي النافلة أيضا, وهو قوله تعالى في فاتحة الكتاب: (إِيَّاك َنَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الفاتحة:5,6].والله أعلم. أسال الله العظيم أن ينفعني ويثقل ميزان حسناتييوم القيامة بهذه الرسالة البسيطة وينفعمن قرأها ويرحمني والمسلمين وعلماءهم.
    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. كتبه أخوكم محب الخير لكم -كما يعلم الله-: أبو عبدالله عبدالرزاق.
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبدالله عبدالرزاق بن معمر; الساعة 17-11-2013, 11:54 PM.
يعمل...
X