بسم الله الرحمن الرحيم
فائدة: في طلب الدعاء من الغير لشيخ الإسلام ابن تيمية
متظمنة لإمور يقع فيها كثير من الناس:
- عدم طلب الدعاء ممن أحسنت إليه.
- مفاسد طلب الدعاء من الغير.
- رفع إشكال أن الرسول طلب من أمته أن يدعوا له.
- بيان الطريقة المشروعة في طلب الدعاء من الغير.
- الطلب الذي يكون شركا.
وأما سؤال المخلوق غير هذا فلا يجب بل ولا يستحب إلا فى بعض المواضع ويكون المسئول مأمورا بالإعطاء قبل السؤال وإذا كان المؤمنون ليسوا مأمورين بسؤال المخلوقين فالرسول أولى بذلك فإنه أجل قدرا وأغنى بالله عن غيره فإن سؤال المخلوقين فيه ثلاث مفاسد:
مفسدة الإفتقار الى غير الله وهى من نوع الشرك
ومفسدة إيذاء المسئول وهى من نوع ظلم الخلق
وفيه ذل لغير الله وهو ظلم للنفس فهو مشتمل على أنواع الظلم الثلاثة وقد نزه الله رسوله عن ذلك كله .
وحيث أمر الأمة بالدعاء له فذاك من باب أمرهم بما ينتفعون به كما يأمرهم بسائر الواجبات والمستحبات وإن كان هو ينتفع بدعائهم له فهو أيضا ينتفع بما يأمرهم به من العبادات الأعمال الصالحة فإنه ثبت عنه فى الصحيح أنه قال من دعا الى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شىء ومحمد هو الداعى الى ما تفعله أمته من الخيرات فما يفعلونه له فيه من الأجر مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شىء.
فالنبى فيما يطلبه من أمته من الدعاء طلبه طلب أمر وترغيب ليس بطلب سؤال فمن ذلك أمره لنا بالصلاة والسلام عليه فهذا أمر الله به فى القرآن بقوله صلوا عليه وسلموا تسليما
والأحاديث عنه فى الصلاة والسلام معروفة مجموع الفتاوى
ومن ذلك أمره بطلب الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود.
فمقصوده نفع المطلوب منه والإحسان إليه وهو صلى الله عليه و سلم أيضا ينتفع بتعليمهم الخير وأمرهم به وينتفع أيضا بالخير الذى يفعلونه من الأعمال الصالحة ومن دعائهم له .
ومن قال لغيره من الناس ادع لى أو لنا وقصده أن ينتفع ذلك المأمور بالدعاء وينتفع هو أيضا بأمره ويفعل ذلك المأمور به كما يأمره بسائر فعل الخير فهو مقتد بالنبى مؤتم به ليس هذا من السؤال المرجوح.
وأما إن لم يكن مقصوده إلا طلب حاجته لم يقصد نفع ذلك والإحسان إليه فهذا ليس من المقتدين بالرسول المؤتمين به فى ذلك بل هذا هو من السؤال المرجوح الذى تركه الى الرغبة الى الله ورسوله أفضل من الرغبة الى المخلوق وسؤاله وهذا كله من سؤال الأحياء السؤال الجائز المشروع .
وأما سؤال الميت فليس بمشروع لا واجب ولا مستحب بل ولا مباح ولم يفعل هذا قط أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولا استحب ذلك أحد من سلف الأمة لأن ذلك فيه مفسدة راجحة وليس فيه مصلحة راجحة والشريعة إنما تأمر بالمصالح الخالصة أو الراجحة وهذا ليس فيه مصلحة راجحة بل اما أن يكون مفسدة محضة أو مفسدة راجحة وكلاهما غير مشروع.
فقد تبين أن ما فعله النبى من طلب الدعاء من غيره هو من باب الإحسان الى الناس الذى هو واجب أو مستحب
وكذلك ما أمر به من الصلاة على الجنائز ومن زيارة قبور المؤمنين والسلام عليهم والدعاء لهم هو من باب الإحسان الى الموتى الذى هو واجب أو مستحب فإن الله تعالى أمر المسلمين بالصلاة والزكاة فالصلاة حق الحق فى الدنيا والآخرة والزكاة حق الخلق فالرسول أمر الناس بالقيام بحقوق الله وحقوق عباده بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا.
ومن عبادته الإحسان الى الناس حيث أمرهم الله سبحانه به كالصلاة على الجنائز وكزيارة قبور المؤمنين فاستحوذ الشيطان على أتباعه فجعل قصدهم بذلك الشرك بالخالق وإيذاء المخلوق فإنهم إذا كانوا إنما يقصدون بزيارة قبور الأنبياء والصالحين سؤالهم أو السؤال عندهم أو أنهم لا يقصدون السلام عليهم ولا الدعاء لهم كما يقصد بالصلاة على الجنائز كانوا بذلك مشركين مؤذين ظالمين لمن يسألونه وكانوا ظالمين لأنفسهم فجمعوا بين أنواع الظلم الثلاثة
فالذى شرعه الله ورسوله توحيد وعدل وإحسان وإخلاص وصلاح للعباد فى المعاش والمعاد وما لم يشرعه الله ورسوله من العبادات المبتدعة فيه شرك وظلم وإساءة وفساد العباد فى المعاش والمعاد .اهـ من مجموع الفتاوى (1/190 - 195) بتصرف