فرأيت أن الهلاك في اتباع السنة هو النجاة قالها الشاطبي لما أوذي من أهل البدع
السلام عليكم ورحمة الله
لقد ذكر الامام الشاطبي رحمه الله في مقدمة كتابه الاعتصام ما جرى له مع اهل البدع لما بدأ بالانكار عليهم حيث أذوه أشد الإيذاء
فلما قرأت ذلك أحببت أن أنقله لإخواني في زمن كثرت فيه البدع
ثبتنا الله على على السنة
قال رحمه الله
فتردَّد النظر بين أن أتبع السنة على شرط مخالفة ما اعتاد الناس فلا بد من حصول نحوِ ممّا حصل لمخالفي العوائد ولا سيما إذا ادعى أهلها أن ما هم عليه هو السنة لا سواها -,إلا أن في ذلك العبء الثقيل ما فيه من الأجر الجزيل وبين أن أتبعهم على شرط مخالفة السُّنة والسّلف الصّالح فأدخل تحت ترجمة الضُّلال عائذاَ بالله من ذلك ,إلا أني أوافق المعتاد وأعد من المؤالفين لا من المخالفين ؟
فرأيت أن الهلاك في أتباع السنة هو النجاة ,وأن الناس لن يُغنوا عني من الله شيئا
فأخذتُ في ذلك على حكم التدريج في بعض الأمور, فقامت عليَّ القيامة ,وتواترت عليَّ الملامة, وفَوَّقَ إليَّ العتابُ سهامَه ونُسِبتُ إلى البدعة والضلالة ,وأنزلتُ منزلة أهل الغباوة والجهالة .
وإني لو التمست لتلك المحدَثات مخرجاً لوجدتُ ,غير أن ضيق العطن والبعد عن أهل الفِطن رقى بي مرتقىً صعباً وضيَّق عليَّ مجالاً رحباً, وهو كلام يشير بظاهره إلى أن اتباع المتشابهات لموافقات العادات أولى من اتباع الواضحات وإن خالفت السلف الأول
وربما ألمُّوا في تقبيح ما وجَّهت إليه وجهتي بما تشمئزُّ منه القلوب ,أو خَرَّجوا بالنسبةِ إلى بعض الفرق الخارجة عن السنة شهادةً ستُكتَبُ ويُسألون عنها يوم القيامة
فتارة نُسِبتُ إلى القول بأن الدعاء لا ينفع ولا فائدة فيه ,كما يعزى إلىَّ بعضُ الناس بسبب أني لم ألتزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلاة حالة الإمامة وسيأتي ما في ذلك من المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء
وتارة نُسِبتُ إلى الرفض وبغض الصحابة رضي الله عنهم بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم في الخطبة على الخصوص, إذ لم يكن ذلك من شأن السلف في خطبهم ,ولا ذكره أحدٌ من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب...
وتارة أضيفَ إليَّ القولُ بجواز القيام على الأئمة ,وما أضافوه إليَّ إلا من عدم ذكري لهم في الخطبة وذكرهم فيه محدث لم يكن عليه من تقدم
وتارة حُمِلَ عليَّ التزام الحرج والتنطُّع في الدين وإنما حملهم على ذلك أني التزمت في التكليف والفتيا الحمل على مشهور المذهب الملتزم لا أتعدَّاه, وهم يتعدَّوْنه ويفتون بما يَسْهُلُ على السائل ويوافق هواه- وإن كان شاذًّا في المذهب الملتزم أو في غيره ,وأئمة أهل العلم على خلاف ذلك, وللمسألة بسط في كتاب ( الموافقات )
وتارة نسبتُ إلى معاداة أولياء الله, وسبب ذلك أني عاديتُ بعض الفقراء المبتدعين المخالفين للسنة المنتصبين- بزعمهم -لهداية الخلق, وتكلَّمت للجمهور على جملة من أحوال هؤلاء الذين نسبوا أنفسهم إلى الصوفية ولم يتشبهوا بهم .
وتارة نُسبتُ إلى مخالفة السنة والجماعة, بناء منهم على أن الجماعة التي أمِر باتباعها- وهي الناجية -ما عليه العموم,{وجماعة الناس في كل زمان وإن خالف السلف الصالح} ولم يعلموا أن الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان وسيأتي بيان ذلك بحول الله
وكذبوا علي في جميع ذلك أو وهموا والحمد لله على كل حال
فكنت على حالة تشبه حالة الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ مع أهل زمانه إذ حكى عن نفسه فقال :
عجبتُ من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني والأبعدين, والعارفين والمنكرين, فإني وجدتُ بمكة وخراسان وغيرهما من الأماكن أكثر مَن لقيت بها -موافقاً أو مخالفاً -دعاني إلى متابعته على ما يقوله, وتصديق قوله ,والشهادة له ,فإن كنت صدَّقتُه فيما يقول وأجزتُ له ذلك كما يفعله أهل هذا الزمان ـ سماني موافقاً وإن وقفتُ في حرف من قوله أو في شيء من فعله ـ سماني مخالفا ًوإن ذكرت في واحد منها أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك وارد, سماني خارجيا وإن قرئ عليَّ حديث في التوحيد سماني مشبِّها وإن كان في الرؤية ,سماني سالميًّا وإن كان في الإيمان سماني مرجئًا ,وإن كان في الأعمال سماني قدريا, وإن كان في المعرفة سماني كرامياً وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر سماني ناصبيّا ً,وإن كان في فضائل أهل البيت سماني رافضيّاً, وإن سئلت عن تفسير آية أو حديث فلم أجب فيهما , سماني ظاهريّاً ,وإن أجبت بغيرهما سماني باطنياً, وإن أجبت بتأويل سماني أشعريّاً وإن جحدتُهُمَا سماني معتزليّاً وإن كان في السنن مثل القراءة, سماني شفعويّاً وإن كان في القنوت سماني حنفيّاً, وإن كان في القرآن سماني حنبليّاً, وإن ذكرت رجحان ما ذهب كل واحد إليه من الأخبار ـ إذ ليس في الحكم والحديث محاباة ـ قالوا : طعن في تزكيتهم
لقد ذكر الامام الشاطبي رحمه الله في مقدمة كتابه الاعتصام ما جرى له مع اهل البدع لما بدأ بالانكار عليهم حيث أذوه أشد الإيذاء
فلما قرأت ذلك أحببت أن أنقله لإخواني في زمن كثرت فيه البدع
ثبتنا الله على على السنة
قال رحمه الله
فتردَّد النظر بين أن أتبع السنة على شرط مخالفة ما اعتاد الناس فلا بد من حصول نحوِ ممّا حصل لمخالفي العوائد ولا سيما إذا ادعى أهلها أن ما هم عليه هو السنة لا سواها -,إلا أن في ذلك العبء الثقيل ما فيه من الأجر الجزيل وبين أن أتبعهم على شرط مخالفة السُّنة والسّلف الصّالح فأدخل تحت ترجمة الضُّلال عائذاَ بالله من ذلك ,إلا أني أوافق المعتاد وأعد من المؤالفين لا من المخالفين ؟
فرأيت أن الهلاك في أتباع السنة هو النجاة ,وأن الناس لن يُغنوا عني من الله شيئا
فأخذتُ في ذلك على حكم التدريج في بعض الأمور, فقامت عليَّ القيامة ,وتواترت عليَّ الملامة, وفَوَّقَ إليَّ العتابُ سهامَه ونُسِبتُ إلى البدعة والضلالة ,وأنزلتُ منزلة أهل الغباوة والجهالة .
وإني لو التمست لتلك المحدَثات مخرجاً لوجدتُ ,غير أن ضيق العطن والبعد عن أهل الفِطن رقى بي مرتقىً صعباً وضيَّق عليَّ مجالاً رحباً, وهو كلام يشير بظاهره إلى أن اتباع المتشابهات لموافقات العادات أولى من اتباع الواضحات وإن خالفت السلف الأول
وربما ألمُّوا في تقبيح ما وجَّهت إليه وجهتي بما تشمئزُّ منه القلوب ,أو خَرَّجوا بالنسبةِ إلى بعض الفرق الخارجة عن السنة شهادةً ستُكتَبُ ويُسألون عنها يوم القيامة
فتارة نُسِبتُ إلى القول بأن الدعاء لا ينفع ولا فائدة فيه ,كما يعزى إلىَّ بعضُ الناس بسبب أني لم ألتزم الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلاة حالة الإمامة وسيأتي ما في ذلك من المخالفة للسنة وللسلف الصالح والعلماء
وتارة نُسِبتُ إلى الرفض وبغض الصحابة رضي الله عنهم بسبب أني لم ألتزم ذكر الخلفاء الراشدين منهم في الخطبة على الخصوص, إذ لم يكن ذلك من شأن السلف في خطبهم ,ولا ذكره أحدٌ من العلماء المعتبرين في أجزاء الخطب...
وتارة أضيفَ إليَّ القولُ بجواز القيام على الأئمة ,وما أضافوه إليَّ إلا من عدم ذكري لهم في الخطبة وذكرهم فيه محدث لم يكن عليه من تقدم
وتارة حُمِلَ عليَّ التزام الحرج والتنطُّع في الدين وإنما حملهم على ذلك أني التزمت في التكليف والفتيا الحمل على مشهور المذهب الملتزم لا أتعدَّاه, وهم يتعدَّوْنه ويفتون بما يَسْهُلُ على السائل ويوافق هواه- وإن كان شاذًّا في المذهب الملتزم أو في غيره ,وأئمة أهل العلم على خلاف ذلك, وللمسألة بسط في كتاب ( الموافقات )
وتارة نسبتُ إلى معاداة أولياء الله, وسبب ذلك أني عاديتُ بعض الفقراء المبتدعين المخالفين للسنة المنتصبين- بزعمهم -لهداية الخلق, وتكلَّمت للجمهور على جملة من أحوال هؤلاء الذين نسبوا أنفسهم إلى الصوفية ولم يتشبهوا بهم .
وتارة نُسبتُ إلى مخالفة السنة والجماعة, بناء منهم على أن الجماعة التي أمِر باتباعها- وهي الناجية -ما عليه العموم,{وجماعة الناس في كل زمان وإن خالف السلف الصالح} ولم يعلموا أن الجماعة ما كان عليه النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان وسيأتي بيان ذلك بحول الله
وكذبوا علي في جميع ذلك أو وهموا والحمد لله على كل حال
فكنت على حالة تشبه حالة الإمام الشهير عبد الرحمن بن بطة الحافظ مع أهل زمانه إذ حكى عن نفسه فقال :
عجبتُ من حالي في سفري وحضري مع الأقربين مني والأبعدين, والعارفين والمنكرين, فإني وجدتُ بمكة وخراسان وغيرهما من الأماكن أكثر مَن لقيت بها -موافقاً أو مخالفاً -دعاني إلى متابعته على ما يقوله, وتصديق قوله ,والشهادة له ,فإن كنت صدَّقتُه فيما يقول وأجزتُ له ذلك كما يفعله أهل هذا الزمان ـ سماني موافقاً وإن وقفتُ في حرف من قوله أو في شيء من فعله ـ سماني مخالفا ًوإن ذكرت في واحد منها أن الكتاب والسنة بخلاف ذلك وارد, سماني خارجيا وإن قرئ عليَّ حديث في التوحيد سماني مشبِّها وإن كان في الرؤية ,سماني سالميًّا وإن كان في الإيمان سماني مرجئًا ,وإن كان في الأعمال سماني قدريا, وإن كان في المعرفة سماني كرامياً وإن كان في فضائل أبي بكر وعمر سماني ناصبيّا ً,وإن كان في فضائل أهل البيت سماني رافضيّاً, وإن سئلت عن تفسير آية أو حديث فلم أجب فيهما , سماني ظاهريّاً ,وإن أجبت بغيرهما سماني باطنياً, وإن أجبت بتأويل سماني أشعريّاً وإن جحدتُهُمَا سماني معتزليّاً وإن كان في السنن مثل القراءة, سماني شفعويّاً وإن كان في القنوت سماني حنفيّاً, وإن كان في القرآن سماني حنبليّاً, وإن ذكرت رجحان ما ذهب كل واحد إليه من الأخبار ـ إذ ليس في الحكم والحديث محاباة ـ قالوا : طعن في تزكيتهم
ثم أعجب من ذلك أنهم يسمُّونني فيما يقرؤون علي من أحاديث رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يشتهون من هذه الأسامي ومهما وافقتُ بعضَهم, عاداني غيرُه, وإن داهنت جماعتهم, أسخطت الله تبارك وتعالى, ولن يغنوا عني من الله شيئاً, وأنا مستمسك بالكتاب والسنة, وأستغفر الله الذي لا إله إلا هو وهو الغفور الرحيم .
هذا تمام الحكاية ,فكأنه رحمه الله تكلم على لسان الجميع ,فقلَّما تجد عالماً مشهوراً أو فاضلاً مذكوراً, إلا وقد نُبِذ بهذه الأمور أو بعضها ,لأن الهوى قد يداخل المخالف ,بل سبب الخروج عن السنة الجهل بها والهوى المتّبع الغالب على أهل الخلاف, فإذا كان كذلك حمل على صاحب السنة إنه غير صاحبها, ورجع بالتشنيع عليه والتقبيح لقوله وفعله حتى ينسب هذه المناسب .
-وقد نُقِل عن سيِّد العبَّاد بعد الصحابة ( أويس ) القرني رحمهم الله أنه قال : إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقاً نأمرهم بالمعروف ,فيشتمون أعراضنا, ويجدون في ذلك أعواناً من الفاسقين, حتى ـ والله لقد رَمَوْني بالعظائم ,وايم الله لا أدع أن أقوم فيهم بحقه .
فمن هذا الباب يرجع الإسلام غريباً كما بدأ ,لأن المؤالف فيه على وصفه الأول قليل ,فصار المخالف هو الكثير فاندرست رسومُ السنة حتى مدَّتِ البدع أعناقها ,فأشكل مرماها على الجمهور, فظهر مصداق الحديث الصحيح .
انتهى كلامه رحمه الله من مقدمة كتاب الاعتصام .
هذا تمام الحكاية ,فكأنه رحمه الله تكلم على لسان الجميع ,فقلَّما تجد عالماً مشهوراً أو فاضلاً مذكوراً, إلا وقد نُبِذ بهذه الأمور أو بعضها ,لأن الهوى قد يداخل المخالف ,بل سبب الخروج عن السنة الجهل بها والهوى المتّبع الغالب على أهل الخلاف, فإذا كان كذلك حمل على صاحب السنة إنه غير صاحبها, ورجع بالتشنيع عليه والتقبيح لقوله وفعله حتى ينسب هذه المناسب .
-وقد نُقِل عن سيِّد العبَّاد بعد الصحابة ( أويس ) القرني رحمهم الله أنه قال : إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقاً نأمرهم بالمعروف ,فيشتمون أعراضنا, ويجدون في ذلك أعواناً من الفاسقين, حتى ـ والله لقد رَمَوْني بالعظائم ,وايم الله لا أدع أن أقوم فيهم بحقه .
فمن هذا الباب يرجع الإسلام غريباً كما بدأ ,لأن المؤالف فيه على وصفه الأول قليل ,فصار المخالف هو الكثير فاندرست رسومُ السنة حتى مدَّتِ البدع أعناقها ,فأشكل مرماها على الجمهور, فظهر مصداق الحديث الصحيح .
انتهى كلامه رحمه الله من مقدمة كتاب الاعتصام .