سُئِلَ عمن سمع رجلا يقول : لو كنت فعلت كذا لم يَجْرِ عليك شيء من هذا .
سُئِلَ عمن سمع رجلا يقول : لو كنت فعلت كذا لم يَجْرِ عليك شيء من هذا . فقال له رجل آخر
سمعه : هذه الكلمة قد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، وهي كلمة تؤدي قائلها إلى الكفر ،
فقال رجل آخر : قال النبي صلى الله عليه وسلم في قصة موسي مع الخِضْر : ( يرحم الله موسي ،
وَدِدْنا لو كان صبر حتى يقص الله علينا من أمرهما ) واستدل الآخر بقوله صلى الله عليه وسلم : (
المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف إلى أن قال : فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان
) فهل هذا ناسخ لهذا أم لا؟
فأجاب :
الحمد لله ، جميع ما قاله الله ورسوله حق ، و [لو ] تستعمل على وجهين :
أحدهما : على وجه الحزن على الماضي والجزع من المقدور ، فهذا هو الذي نهى عنه ، كما قال
تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي الأَرْضِ أَوْ
كَانُواْ غُزًّي لَّوْ كَانُواْ عِندَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ }
[ آل عمران : 156 ] ، وهذا هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، حيث قال : (
وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل ، فإن لو
تفتح عمل الشيطان ) أي : تفتح عليك الحزن والجزع ، وذلك يضر ولا ينفع ، بل اعلم أن ما
أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، كما قال تعالى : { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا
بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } [ التغابن : 11 ] ، قالوا : هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم
أنها من عند الله فيرضي ويسلم .
والوجه الثاني : أن يقال : [ لو ] لبيان علم نافع ، كقوله تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ
لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] ، ولبيان محبة الخير وإرادته ، كقوله : ( لو أن لي مثل ما لفلان
لعملت مثل ما يعمل ) ونحوه جائز .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وددت لو أن موسي صبر ليقص الله علينا من خبرهما ) (4
) هو من هذا الباب ، كقوله : { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] فإن نبينا صلى الله
عليه وسلم أحب أن يقص الله خبرهما ، فذكرهما لبيان محبته للصبر المترتب عليه ، فعرفه ما يكون
لما في ذلك من المنفعة ، ولم يكن في ذلك جزع ولا حزن ولا ترك لما يحب من الصبر على
المقدور.
وقوله : ( وددت لو أن موسي صبر ) ، قال النحاة : تقديره وددت أن موسي صبر . وكذلك قوله
: { وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] ، تقديره ودوا أن تُدِهن ، وقال بعضهم : بل هي [
لو ] شرطية وجوابها محذوف ، والمعني على التقديرين معلوم ، وهو محبة ذلك الفعل وإرادته ،
ومحبة الخيروإرادته محمود ، والحزن والجزع وترك الصبر مذموم ، والله أعلم .
مجموع فتاوي ابن تيمية