باب التاسع عشر:
في ذكر الرب تعالى سلعته الجنة على عباده وثمنها الذي طلبه منهم وعقد التبايع الذي وقع
قال تعالى { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا
بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } فجعل سبحانه ها هنا الجنة ثمنا لنفوس المؤمنين
وأموالهم بحيث إذا بذلوها فيه استحقوا الثمن وعقد معهم هذا العقد وأكده بأنواع من التأكيد
أحدها: إخبارهم سبحانه وتعالى بصيغة الخبر المؤكد بأداة أن
الثاني: الأخبار بذلك بصيغة المرضى الذي قد وقع وثبت واستقر
الثالث: إضافة هذا العقد إلى نفسه سبحانه وأنه هو الذي اشترى هذا المبيع
الرابع: أنه أخبر بأنه وعد بتسليم هذا الثمن وعدا لا يخلفه ولا يتركه
الخامس: أنه أتى بصيغة على التي للوجوب أعلاما لعباده بأن ذلك حق عليه أحقه هو على نفسه
السادس: أنه أكد ذلك بكونه حقا عليه
السابع: أنه أخبر عن محل هذا الوعد وأنه في أفضل كتبه المنزلة من السماء وهي التوراة والإنجيل
والقرآن
الثامن: إعلامه لعباده بصيغة استفهام الإنكار وأنه لا أحد أوفى بعهده منه سبحان
التاسع: أنه سبحانه وتعالى أمرهم أن يستبشروا بهذا العقد ويبشر به بعضهم بعضا بشارة من قد تم
له العقد ولزم بحيث لا يثبت فيه خيار ولا يعرض له ما يفسخه
العاشر: أنه أخبرهم إخبارا مؤكدا بأن ذلك البيع الذي بايعوه به هو الفوز العظيم والبيع ههنا بمعنى
المبيع الذي أخذوه بهذا الثمن وهو الجنة وقوله بايعتم به أي عاوضتم و ثامنتم به
ثم ذكر سبحانه أنه هذا العقد الذي وقع العقد وتم لهم دون غيرهم وهم التائبون مما يكره العابدون له
بما يحب الحامدون له على ما يحبون وما يكرهون السائحون وفسرت السياحة بالصيام وفسرت
بالسفر في طلب العلم وفسرت بالجهاد وفسرت بدوام الطاعة والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر
الله ومحبته والإنابة إليه والشوق إلى لقائه ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعال ولذلك وصف الله
سبحانه نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي لو طلق أزواجه بدله بهن بأنهن سائحات وليست
سياحتهن جهادا ولا سفرا في طلب علم ولا إدامة صيام وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله تعالى
وخشيته والإنابة إليه وذكره وتأمل كيف جعل الله سبحانه التوبة والعبادة قرينتين هذه ترك ما يكره
وهذه فعل ما يحب والحمد والسياحة قرينتين هذا الثناء عليه بأوصاف كماله وسياحة اللسان في
أفضل ذكره وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله
كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينتين في صفة الأزواج فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب
وجعل الإسلام والإيمان قرينتين فهذا علانية وهذا في القلب كما في المسند عنه صلى الله عليه وسلم
" الإسلام علانية والإيمان في القلب " وجعل القنوت والتوبة قرينتين هذا فعل ما يحب وهذا ترك ما
يكره وجعل الثيوبة والبكارة قرينتين فهذه قد وطئت وارتاضت وذللت صعوبها وهذه روضة أنف لم
يرتع فيها بعد وجعل الركوع والسجود قرينتين, وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرينتين
وأدخل بينهما الواو دون ما تقدم إعلاما بأن أحدهما لا يكفي حتى يكون مع الآخر وجعل ذلك قرينا
لحفظ حدوده فهذا حفظها في نفس الإنسان وذلك أمر غيره بحفظها وأفهمت الآية خطر النفس
الإنسانية وشرفها وعظم مقدارها فإن السلعة إذا خفي عليك قدرها فانظر إلى المشتري لها من هو
ونظر إلى الثمن المبذول فيها ما هو وانظر إلى ما جرى على يده عقد التبايع فالسلعة النفس والله
سبحانه المشتري لها والثمن جنات النعيم والسفير في هذا العقد خير خلقه من الملائكة وأكرمهم عليه
وخيرهم من البشر وأكرمهم عليه:
قد هيؤك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من خاف أدلج
ومن أدلج بلغ المنزل ألا أن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة " قال هذا, حديث حسن, غريب
وفي كتاب صفة الجنة لأبي نعيم من حديث أبان عن أنس قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: ما ثمن الجنة قال: " لا إله إلا الله " وشواهد هذا الحديث كثيرة جدا
وفي, الصحيحين, من حديث أبي هريرة أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا
رسول دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة فقال: " تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة
وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان: قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا
أنقص منه فلما ولى قال من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا "
وفي, صحيح مسلم, عن جابر قال أتى النعمان بن قوقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا
رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرأيت إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام وأحللت الحلال أدخل
الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم "
وفي, صحيح مسلم, عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات وهو
يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " وفي سنن أبي داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "
وفي الصحيحين, عن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتاني آت من
ربي فأخبرني أو قال فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك شيئا دخل الجنة قلت وأن زنى وأن
سرق قال وإن زنى وأن سرق "
وفي, الصحيحين, من حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله
وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة
الثمانية شاء " وفي لفظ: " أدخله الله الجنة على ما كان من عمل "
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا هريرة نعليه فقال: " اذهب بنعلي
هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة "
وقال روح ابن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن الحسن قال: " ثمن الجنة لا إله إلا الله " وروى أبو
نعيم من حديث أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يدخل
أحدا منكم الجنة عمله ولا يجيره من النار ولا أنا إلا بتوحيد الله تعالى " وإسناده على شرط مسلم
وأصل الحديث في الصحيح
وههنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أن الجنة إنما تدخل برحمة الله تعالى وليس عمل العبد مستقلا
بدخولها وإن كان سببا ولهذا أثبت الله تعالى دخولها بالأعمال في قوله: { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ونفى
رسول الله دخولها بالأعمال بقوله لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ولا تنافي بين الأمرين لوجهين
أحدهما: ما ذكره سفيان وغيره قال كانوا يقولون النجاة من النار يعفر الله ودخول الجنة برحمته
واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال ويدل على هذا حديث أبي هريرة الذي سيأتي إن شاء الله تعالى
أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم رواه الترمذي
والثاني: أن الباء التي نفت الدخول هي باء المعاوضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلا للآخر
والباء التي أثبتت الدخول هي باء السببية التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيره وأن لم يكن
مستقلا بحصوله وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الأمرين بقوله: " سددوا وقاربوا وأبشروا
واعلموا أن أحدا منكم لن ينجو بعمله "قالوا: ولا أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ولا
أنا ألا أن يتغمدني الله برحمته " ومن عرف الله تعالى وشهد مشهد حقه عليه ومشهد تقصيره
وذنوبه وابصر هذين المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به والله سبحانه وتعالى المستعان
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا
بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } فجعل سبحانه ها هنا الجنة ثمنا لنفوس المؤمنين
وأموالهم بحيث إذا بذلوها فيه استحقوا الثمن وعقد معهم هذا العقد وأكده بأنواع من التأكيد
أحدها: إخبارهم سبحانه وتعالى بصيغة الخبر المؤكد بأداة أن
الثاني: الأخبار بذلك بصيغة المرضى الذي قد وقع وثبت واستقر
الثالث: إضافة هذا العقد إلى نفسه سبحانه وأنه هو الذي اشترى هذا المبيع
الرابع: أنه أخبر بأنه وعد بتسليم هذا الثمن وعدا لا يخلفه ولا يتركه
الخامس: أنه أتى بصيغة على التي للوجوب أعلاما لعباده بأن ذلك حق عليه أحقه هو على نفسه
السادس: أنه أكد ذلك بكونه حقا عليه
السابع: أنه أخبر عن محل هذا الوعد وأنه في أفضل كتبه المنزلة من السماء وهي التوراة والإنجيل
والقرآن
الثامن: إعلامه لعباده بصيغة استفهام الإنكار وأنه لا أحد أوفى بعهده منه سبحان
التاسع: أنه سبحانه وتعالى أمرهم أن يستبشروا بهذا العقد ويبشر به بعضهم بعضا بشارة من قد تم
له العقد ولزم بحيث لا يثبت فيه خيار ولا يعرض له ما يفسخه
العاشر: أنه أخبرهم إخبارا مؤكدا بأن ذلك البيع الذي بايعوه به هو الفوز العظيم والبيع ههنا بمعنى
المبيع الذي أخذوه بهذا الثمن وهو الجنة وقوله بايعتم به أي عاوضتم و ثامنتم به
ثم ذكر سبحانه أنه هذا العقد الذي وقع العقد وتم لهم دون غيرهم وهم التائبون مما يكره العابدون له
بما يحب الحامدون له على ما يحبون وما يكرهون السائحون وفسرت السياحة بالصيام وفسرت
بالسفر في طلب العلم وفسرت بالجهاد وفسرت بدوام الطاعة والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر
الله ومحبته والإنابة إليه والشوق إلى لقائه ويترتب عليها كل ما ذكر من الأفعال ولذلك وصف الله
سبحانه نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي لو طلق أزواجه بدله بهن بأنهن سائحات وليست
سياحتهن جهادا ولا سفرا في طلب علم ولا إدامة صيام وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله تعالى
وخشيته والإنابة إليه وذكره وتأمل كيف جعل الله سبحانه التوبة والعبادة قرينتين هذه ترك ما يكره
وهذه فعل ما يحب والحمد والسياحة قرينتين هذا الثناء عليه بأوصاف كماله وسياحة اللسان في
أفضل ذكره وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله
كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينتين في صفة الأزواج فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب
وجعل الإسلام والإيمان قرينتين فهذا علانية وهذا في القلب كما في المسند عنه صلى الله عليه وسلم
" الإسلام علانية والإيمان في القلب " وجعل القنوت والتوبة قرينتين هذا فعل ما يحب وهذا ترك ما
يكره وجعل الثيوبة والبكارة قرينتين فهذه قد وطئت وارتاضت وذللت صعوبها وهذه روضة أنف لم
يرتع فيها بعد وجعل الركوع والسجود قرينتين, وجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرينتين
وأدخل بينهما الواو دون ما تقدم إعلاما بأن أحدهما لا يكفي حتى يكون مع الآخر وجعل ذلك قرينا
لحفظ حدوده فهذا حفظها في نفس الإنسان وذلك أمر غيره بحفظها وأفهمت الآية خطر النفس
الإنسانية وشرفها وعظم مقدارها فإن السلعة إذا خفي عليك قدرها فانظر إلى المشتري لها من هو
ونظر إلى الثمن المبذول فيها ما هو وانظر إلى ما جرى على يده عقد التبايع فالسلعة النفس والله
سبحانه المشتري لها والثمن جنات النعيم والسفير في هذا العقد خير خلقه من الملائكة وأكرمهم عليه
وخيرهم من البشر وأكرمهم عليه:
قد هيؤك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
وفي جامع الترمذي من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من خاف أدلج
ومن أدلج بلغ المنزل ألا أن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة " قال هذا, حديث حسن, غريب
وفي كتاب صفة الجنة لأبي نعيم من حديث أبان عن أنس قال جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال: ما ثمن الجنة قال: " لا إله إلا الله " وشواهد هذا الحديث كثيرة جدا
وفي, الصحيحين, من حديث أبي هريرة أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا
رسول دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة فقال: " تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة
وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان: قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا
أنقص منه فلما ولى قال من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا "
وفي, صحيح مسلم, عن جابر قال أتى النعمان بن قوقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا
رسول الله صلى الله عليه وسلم " أرأيت إذا صليت المكتوبة وحرمت الحرام وأحللت الحلال أدخل
الجنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم "
وفي, صحيح مسلم, عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات وهو
يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " وفي سنن أبي داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة "
وفي الصحيحين, عن أبي ذر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتاني آت من
ربي فأخبرني أو قال فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك شيئا دخل الجنة قلت وأن زنى وأن
سرق قال وإن زنى وأن سرق "
وفي, الصحيحين, من حديث عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله
وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وأن الجنة حق وأن النار حق أدخله الله من أي أبواب الجنة
الثمانية شاء " وفي لفظ: " أدخله الله الجنة على ما كان من عمل "
وفي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا هريرة نعليه فقال: " اذهب بنعلي
هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة "
وقال روح ابن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن الحسن قال: " ثمن الجنة لا إله إلا الله " وروى أبو
نعيم من حديث أبي الزبير عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يدخل
أحدا منكم الجنة عمله ولا يجيره من النار ولا أنا إلا بتوحيد الله تعالى " وإسناده على شرط مسلم
وأصل الحديث في الصحيح
وههنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أن الجنة إنما تدخل برحمة الله تعالى وليس عمل العبد مستقلا
بدخولها وإن كان سببا ولهذا أثبت الله تعالى دخولها بالأعمال في قوله: { بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ونفى
رسول الله دخولها بالأعمال بقوله لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ولا تنافي بين الأمرين لوجهين
أحدهما: ما ذكره سفيان وغيره قال كانوا يقولون النجاة من النار يعفر الله ودخول الجنة برحمته
واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال ويدل على هذا حديث أبي هريرة الذي سيأتي إن شاء الله تعالى
أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم رواه الترمذي
والثاني: أن الباء التي نفت الدخول هي باء المعاوضة التي يكون فيها أحد العوضين مقابلا للآخر
والباء التي أثبتت الدخول هي باء السببية التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيره وأن لم يكن
مستقلا بحصوله وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الأمرين بقوله: " سددوا وقاربوا وأبشروا
واعلموا أن أحدا منكم لن ينجو بعمله "قالوا: ولا أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ولا
أنا ألا أن يتغمدني الله برحمته " ومن عرف الله تعالى وشهد مشهد حقه عليه ومشهد تقصيره
وذنوبه وابصر هذين المشهدين بقلبه عرف ذلك وجزم به والله سبحانه وتعالى المستعان
كتاب حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح