قال ابن القيم رحمه الله تعالى
هذه الحكمة تختص بأهل الكتاب دون عبدة الأوثان فبقاؤهم من أقوى الحجج على منكر النبوات والمعاد والتوحيد وقد قال تعالى لمنكري ذلك : { فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } ذكر هذا عقب قوله : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } يعني : سلوا أهل الكتاب هل أرسلنا قبل محمد رجالا يوحى إليهم أم كان محمد بدعا من الرسل لم يتقدمه رسول حتى يكون إرساله أمرا منكرا لم يطرق العالم رسول قبله ؟ وقال تعالى : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } والمراد بسؤالهم سؤال أممهم عما جاؤوهم به هل فيه أن الله شرع لهم أن يعبد من دونه إله غيره ؟ قال : الفراء : المراد سؤال أهل التوراة والإنجيل فيخبرونه عن كتبهم وأنبيائهم . وقال : ابن قتيبة : التقدير واسأل من أرسلنا إليهم رسلا من قبلك وهم أهل الكتاب . وقال : ابن الأنباري : التقدير وسل من أرسلنا من قبلك .
وعلى كل تقدير فالمراد التقرير المشركي قريش وغيرهم ممن أنكر النبوات والتوحيد وأن الله أرسل رسولا أو أنزل كتابا أو حرم عبادة الأوثان فشهادة أهل الكتاب بهذا حجة عليهم وهي من أعلام صحة رسالته صلى الله عليه وسلم إذ كان قد جاء على ما جاء به إخوانه الذين تقدموه من رسل الله سبحانه ولم يكن بدعا من الرسل ولا جاء بضد ما جاؤوا به بل أخبر بمثل ما أخبروا به من غير شاهد ولا اقتران في الزمان وهذه من أعظم آيات صدقة .
وقال : تعالى : { فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } وقد أشكلت هذه الآية على كثير من الناس وأورد اليهود والنصارى على المسلمين فيها إيرادا وقالوا : كان في شك فأمر أن يسألنا وليس فيها بحمد الله إشكال وإنما أتي أشباه الأنعام من سوء قصدهم وقلة فهمهم وإلا فالآية من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وليس في الآية ما يدل على وقوع الشك ولا السؤال أصلا فإن الشرط لا يدل على وقوع المشروط بل ولا على إمكانه كما قال تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } وقوله : { قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً } وقوله : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } وقوله : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } ونظائره . فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يسأل .
وفي تفسير سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا أشك ولا أسأل " . وقد ذكر ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : فإن كنت في شك أنك مكتوب عندهم فاسألهم . وهذا اختيار ابن جرير قال : يقول تعالى لنبيه : فإن كنت يا محمد في شك من حقيقة ما أخبرناك وأنزلنا إليك من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في نبوتك قبل أن أبعثك رسولا إلى خلقي لأنهم يجدونك مكتوبا عندهم ويعرفونك بالصفة التي أنت بها موصوف في كتبهم فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك كعبد الله بن سلام ونحوه من أهل الصدق والإيمان بك منهم دون أهل الكذب والكفر بك
وكذلك قال : ابن زيد قال : هو عبد الله بن سلام كان من أهل الكتاب فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : الضحاك سل أهل التقوى والإيمان من مؤمني أهل الكتاب ممن أدرك نبي الله صلى الله عليه وسلم .
ولم يقع هؤلاء ولا هؤلاء على معنى الآية ومقصدها وأين كان عبد الله بن سلام وقت نزول هذه الآية ؟ فإن السورة مكية وابن سلام إذ ذاك على دين قومه وكيف يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستشهد على منكري نبوته بأتباعه ؟
وقال : كثير من المفسرين : هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره لأن القرآن نزل عليه بلغة العرب وهم قد يخاطبون الرجل بالشيء ويريدون غيره كما يقول متمثلهم : إياك أعني واسمعي يا جارة
وكقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } والمراد أتباعه بهذا الخطاب .
قال : أبو إسحاق إن الله تعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم والخطاب شامل للخلق والمعنى وإن كنتم في شك والدليل على ذلك قوله تعالى في آخر السورة : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } .
وقال : ابن قتيبة : كان الناس في عصر النبي صلى الله عليه وسلم أصنافا منهم كافر به مكذب وآخر مؤمن به مصدق وآخر شاك في الأمر لا يدري كيف هو فهو مقدم رجلا ويؤخر رجلا فخاطب الله تعالى هذا الصنف من الناس وقال : فإن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد فسل .
قال : ووحد وهو يريد الجمع كما قال : تعالى : { يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } و { يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ } و { وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ } .
وهذا - وإن كان له وجه - فسياق الكلام يأباه فتأمله وتأمل قوله تعالى : { يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ } وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ } وقوله : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } وهذا كله خطاب واحد متصل بعضه ببعض .
ولما عرف أرباب هذا القول أن الخطاب لا يتوجه إلا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : الخطاب له والمراد به هذا الصنف الشاك وكل هذا فرار من توهم ما ليس بموهوم وهو وقوع الشك منه والسؤال ؛ وقد بينا أنه لا يلزم إمكان ذلك فصلا عن وقوعه .
فإن قيل : فإذا لم يكن واقعا ولا ممكنا فما مقصود الخطاب والمراد به ؟
قيل : المقصود به إقامة الحجة على منكري النبوات والتوحيد وأنهم مقرون بذلك لا يجحدونه ولا ينكرونه وأن الله سبحانه أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه بذلك وأرسل ملائكته إلى أنبيائه بوحيه وكلامه فمن شك في ذلك فليسأل أهل الكتاب فأخرج هذا المعنى في أوجز عبارة وأدلها على المقصود بأن جعل الخطاب لرسوله الذي لم يشك قط ولم يسأل قط ولا عرض له ما يقتضي ذلك .
وأنت إذا تأملت هذا الخطاب بدا لك على صفحاته من شك فليسأل فرسولي لم يشك ولم يسأل والمقصود ذكر بعض الحكمة في إبقاء أهل الكتاب بالجزية وهذه الحكمة منتفية في حق غيرهم فيجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله .
منقول من كتاب أحكام اهل الذمة
هذه الحكمة تختص بأهل الكتاب دون عبدة الأوثان فبقاؤهم من أقوى الحجج على منكر النبوات والمعاد والتوحيد وقد قال تعالى لمنكري ذلك : { فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } ذكر هذا عقب قوله : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } يعني : سلوا أهل الكتاب هل أرسلنا قبل محمد رجالا يوحى إليهم أم كان محمد بدعا من الرسل لم يتقدمه رسول حتى يكون إرساله أمرا منكرا لم يطرق العالم رسول قبله ؟ وقال تعالى : { وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } والمراد بسؤالهم سؤال أممهم عما جاؤوهم به هل فيه أن الله شرع لهم أن يعبد من دونه إله غيره ؟ قال : الفراء : المراد سؤال أهل التوراة والإنجيل فيخبرونه عن كتبهم وأنبيائهم . وقال : ابن قتيبة : التقدير واسأل من أرسلنا إليهم رسلا من قبلك وهم أهل الكتاب . وقال : ابن الأنباري : التقدير وسل من أرسلنا من قبلك .
وعلى كل تقدير فالمراد التقرير المشركي قريش وغيرهم ممن أنكر النبوات والتوحيد وأن الله أرسل رسولا أو أنزل كتابا أو حرم عبادة الأوثان فشهادة أهل الكتاب بهذا حجة عليهم وهي من أعلام صحة رسالته صلى الله عليه وسلم إذ كان قد جاء على ما جاء به إخوانه الذين تقدموه من رسل الله سبحانه ولم يكن بدعا من الرسل ولا جاء بضد ما جاؤوا به بل أخبر بمثل ما أخبروا به من غير شاهد ولا اقتران في الزمان وهذه من أعظم آيات صدقة .
وقال : تعالى : { فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } وقد أشكلت هذه الآية على كثير من الناس وأورد اليهود والنصارى على المسلمين فيها إيرادا وقالوا : كان في شك فأمر أن يسألنا وليس فيها بحمد الله إشكال وإنما أتي أشباه الأنعام من سوء قصدهم وقلة فهمهم وإلا فالآية من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم وليس في الآية ما يدل على وقوع الشك ولا السؤال أصلا فإن الشرط لا يدل على وقوع المشروط بل ولا على إمكانه كما قال تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا } وقوله : { قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً } وقوله : { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ } وقوله : { وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } ونظائره . فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يسأل .
وفي تفسير سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا أشك ولا أسأل " . وقد ذكر ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : فإن كنت في شك أنك مكتوب عندهم فاسألهم . وهذا اختيار ابن جرير قال : يقول تعالى لنبيه : فإن كنت يا محمد في شك من حقيقة ما أخبرناك وأنزلنا إليك من أن بني إسرائيل لم يختلفوا في نبوتك قبل أن أبعثك رسولا إلى خلقي لأنهم يجدونك مكتوبا عندهم ويعرفونك بالصفة التي أنت بها موصوف في كتبهم فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك كعبد الله بن سلام ونحوه من أهل الصدق والإيمان بك منهم دون أهل الكذب والكفر بك
وكذلك قال : ابن زيد قال : هو عبد الله بن سلام كان من أهل الكتاب فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : الضحاك سل أهل التقوى والإيمان من مؤمني أهل الكتاب ممن أدرك نبي الله صلى الله عليه وسلم .
ولم يقع هؤلاء ولا هؤلاء على معنى الآية ومقصدها وأين كان عبد الله بن سلام وقت نزول هذه الآية ؟ فإن السورة مكية وابن سلام إذ ذاك على دين قومه وكيف يؤمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستشهد على منكري نبوته بأتباعه ؟
وقال : كثير من المفسرين : هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد غيره لأن القرآن نزل عليه بلغة العرب وهم قد يخاطبون الرجل بالشيء ويريدون غيره كما يقول متمثلهم : إياك أعني واسمعي يا جارة
وكقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } والمراد أتباعه بهذا الخطاب .
قال : أبو إسحاق إن الله تعالى يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم والخطاب شامل للخلق والمعنى وإن كنتم في شك والدليل على ذلك قوله تعالى في آخر السورة : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ } .
وقال : ابن قتيبة : كان الناس في عصر النبي صلى الله عليه وسلم أصنافا منهم كافر به مكذب وآخر مؤمن به مصدق وآخر شاك في الأمر لا يدري كيف هو فهو مقدم رجلا ويؤخر رجلا فخاطب الله تعالى هذا الصنف من الناس وقال : فإن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد فسل .
قال : ووحد وهو يريد الجمع كما قال : تعالى : { يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ } و { يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ } و { وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ } .
وهذا - وإن كان له وجه - فسياق الكلام يأباه فتأمله وتأمل قوله تعالى : { يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ } وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ } وقوله : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ } وهذا كله خطاب واحد متصل بعضه ببعض .
ولما عرف أرباب هذا القول أن الخطاب لا يتوجه إلا على النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : الخطاب له والمراد به هذا الصنف الشاك وكل هذا فرار من توهم ما ليس بموهوم وهو وقوع الشك منه والسؤال ؛ وقد بينا أنه لا يلزم إمكان ذلك فصلا عن وقوعه .
فإن قيل : فإذا لم يكن واقعا ولا ممكنا فما مقصود الخطاب والمراد به ؟
قيل : المقصود به إقامة الحجة على منكري النبوات والتوحيد وأنهم مقرون بذلك لا يجحدونه ولا ينكرونه وأن الله سبحانه أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه بذلك وأرسل ملائكته إلى أنبيائه بوحيه وكلامه فمن شك في ذلك فليسأل أهل الكتاب فأخرج هذا المعنى في أوجز عبارة وأدلها على المقصود بأن جعل الخطاب لرسوله الذي لم يشك قط ولم يسأل قط ولا عرض له ما يقتضي ذلك .
وأنت إذا تأملت هذا الخطاب بدا لك على صفحاته من شك فليسأل فرسولي لم يشك ولم يسأل والمقصود ذكر بعض الحكمة في إبقاء أهل الكتاب بالجزية وهذه الحكمة منتفية في حق غيرهم فيجب قتالهم حتى يكون الدين كله لله .
منقول من كتاب أحكام اهل الذمة