إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

منهج أهل الحديث ومنهج مخالفيهم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • منهج أهل الحديث ومنهج مخالفيهم

    ‎يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى (ج 4 / ص 102) :

    "فأعلم الناس بالسابقين وأتبعهم لهم هم أهل الحديث وأهل السنة ، ولهذا قال الإمام أحمد في رسالة عبدوس بن مالك : أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والاقتداء بهم وترك البدع ، وكل بدعة ضلالة ، والسنة عندنا آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسنة تفسر القرآن ، وهي دلائل القرآن ؛ أي : دلالات على معناه .
    ‎ولهذا ذكر العلماء أن الرفض أساس الزندقة ، وأن أول من ابتدع الرفض كان منافقا زنديقا وهو عبدالله بن سبأ ؛ فإنه إذا قدح في السابقين الأولين ؛ فقد قدح في نقل الرسالة أو في فهمها أو في اتباعها ، فالرافضة تقدح تارة في علمهم بها وتارة في اتباعهم لها ، وتحيل ذلك على أهل البيت وعلى المعصوم الذي ليس له وجود في الوجود ، والزنادقة من الفلاسفة والنصيرية وغيرهم يقدحون تارة في النقل وهو قول جهالهم ، وتارة يقدحون في فهم الرسالة وهو قول حذاقهم ؛ كما يذهب إليه أكابر الفلاسفة والاتحادية ونحوهم ، حتى كان التلمساني مرة مريضا فدخل عليه شخص ومعه بعض طلبة الحديث ، فأخذ يتكلم على قاعدته في الفكر أنه حجاب وأن الأمر مداره على الكشف ، وغرضه كشف الوجود المطلق ، فقال ذلك الطالب : فما معنى قول أم الدرداء : أفضل عمل أبي الدرداء التفكر ، فتبرم بدخول مثل هذا عليه وقال للذي جاء به : كيف يدخل علي مثل هذا ؟ ثم قال : أتدري يا بُني ما مثل أبي الدرداء وأمثاله ؟ مثلُهم مَثَلُ أقوام سمعوا كلاما حفظوه لنا حتى نكون نحن الذين نفهمه ونعرف مراد صاحبه ، ومثلُ بريد حمل كتابا من السلطان إلى نائبه .
    ‎وكذلك ابن سينا وغيره يذكر من التنقص بالصحابة ما ورثه عن أبيه وشيعته القرامطة ، حتى تجدهم إذا ذكروا في آخر الفلسفة حاجة النوع الإنساني إلى الإمامة عرّضوا بقول الرافضة الضلال ، لكن أولئك يصرحون من السب بأكثر مما يصرح به هؤلاء .
    ‎ولهذا تجد بين الرافضة والقرامطة والاتحادية اقترانا واشتباها يجمعهم أمور :
    ‎منها : الطعن في خيار هذه الأمة ، وفيما عليه أهل السنة والجماعة وفيما استقر من أصول الملة وقواعد الدين ، ويدَّعون باطنا امتازوا به واختصوا به عمن سواهم ، ثم هم مع ذلك متلاعنون متباغضون مختلفون ، كما رأيت وسمعت من ذلك ما لا يحصى ، كما قال الله عن النصارى : (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ )، وقال عن اليهود : (وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ).
    ‎وكذلك المتكلمون المخلِّطون الذين يكونون تارة مع المسلمين وإن كانوا مبتدعين ، وتارة مع الفلاسفة الصابئين ، وتارة مع الكفار والمشركين ، وتارة يقابلون بين الطوائف وينتظرون لمن تكون الدائرة ، وتارة يتحيرون بين الطوائف ، وهذه الطائفة الأخيرة - يعني طائفة المتكلمين - قد كثرت في كثير ممن انتسب إلى الإسلام من العلماء والأمراء وغيرهم ، لا سيما لما ظهر المشركون من الترك على أرض الإسلام بالمشرق في أثناء المائة السابعة ، وكان كثير ممن ينتسب إلى الإسلام فيه من النفاق والردة ما أوجب تسليط المشركين وأهل الكتاب على بلاد المسلمين ، فتجد أبا عبد الله الرازي يطعن في دلالة الأدلة اللفظية على اليقين وفي إفادة الأخبار للعلم ، وهذان هما مقدمتا الزندقة ، ثم يعتمد فيما أقر به من أمور الإسلام على ما عُلم بالاضطرار من دين الإسلام مثل العبادات والمحرمات الظاهرة ، وكذلك الإقرار بمعاد الأجسام بعد الاطلاع على التفاسير والأحاديث يجعل العلمَ بذلك مستفادا من أمور كثيرة ؛ فلا يعطل تعطيل الفلاسفة الصابئين ، ولا يقر إقرار الحنفاء العلماء المؤمنين .
    ‎وكذلك الصحابة ، وإن كان - أي الرازي - يقول بعدالتهم فيما نقلوه وبعلمهم في الجملة ؛ لكن يزعم في مواضع أنهم لم يعلموا شبهات الفلاسفة وما خاضوا فيه ؛ إذ لم يجد مأثورا عنهم التكلم بلغة الفلاسفة ، وهذا لا يضرهم إذ العلم بلغات الأمم ليس مما يجب على الرسل وأصحابهم ، بل يجب منه ما لا يتم التبليغ إلا به ، فالمتوسطون بينهم من التراجمة يعلمون لفظ كل منهما ومعناه ، فإن كان المعنيان واحدا كالشمس والقمر ، وإلا علموا ما بين المعنيين من الاجتماع والافتراق فينقل لكل منهما مراد صاحبه .
    ‎فالصحابة كانوا يعلمون ما جاء به الرسول وفيما جاء به بيان الحجة على بطلان كفر كل كافر ، وبيان ذلك بقياس صحيح أحق وأحسن بيانا من مقاييس أولئك الكفار ، كما قال تعالى : (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا )، أخبر تعالى أن الكفار لا يأتونه بقياس عقلي لباطلهم ، إلا جاءه الله بالحق ، وجاءه من البيان والدليل وضرب المثل بما هو أحسن تفسيرا وكشفا وإيضاحا للحق من قياسهم ، وجميع ما تقوله الصابئة والمتفلسفة وغيرهم من الكفار من حكم أو دليل يندرج فيما علمه الصحابة.
يعمل...
X