إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

دعونا نختلف . . ولكن!! مقال جديد لشيخنا الهلالي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • دعونا نختلف . . ولكن!! مقال جديد لشيخنا الهلالي

    دعونا نختلف . . ولكن!!
    تنبيه: ممنوع دخول غير السلفيين؛ لأنهم مخاطبون به لوحدهم

    الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على نبيه وعبده، وآله وصحبه ووفده.
    قال التلميذ الفتى لأستاذه الشيخ: يا شيخنا المبارك ما نراه من تقطيع مستمر لأوصال دعوتنا السلفية، وتشتيت مدبر لجهود علمائها مؤلم جداً!
    قال الأستاذ الشيخ: يا بني علينا أن ندرك أن المشكلة الحقيقة في أنفسنا: ﴿قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: 165]؛ وأن دعوتنا السلفية برئية مما نراه من تقاطع وتدابر وتناحر وبغي وظلم، ومشايخنا الذين أدركناهم عاشوا حياة مملوءة بالتعاون على البر و التقوى، والتحابب في ذات الله، والتشاور فيما يعرض للدعوة من نوازل !
    قال التلميذ الفتى: وما سبب ما حصل بعد موتهم رحمهم الله؟
    قال الأستاذ الشيخ: يا بني لقد اختلف أشياخنا؛ لاختلاف حظهم من العلم، وتفاوت قدرهم على الفهم، وتنوع اهتماماتهم . . بل نقل الاختلاف عن الصحابة والتابعين ومن سار على نهجهم من الأئمة المعتبرين . . لكن اختلافهم:
    أساسه: فهم فقه الاختلاف، وإدراك طبيعة الخلاف.
    ورائدهم: إصابة الحق، والنصح للخلق.
    ومادته: الحجة والبرهان من السنة والقرآن.
    وطريقته: ادفع بالتي هي أحسن للتي هي أقوم.
    ونهايته: الموافقة مع الأجر، أو المخالفة مع ألتماس العذر.
    فاختلافهم لم يمنع من اتفاقهم، وتفاوتهم لم يمنع من تلاقيهم.
    قال التلميذ الفتى: كيف يكون الاختلاف سبباً للائتلاف والتفاوت سبباً للقاء . . . إن هذا لشيء عجاب؟
    قال الأستاذ الشيخ: يمكنك بني فهم هذه المسألة، وإدراك سر هذه المعادلة؛ إذا تدبرت في هذا الحوار بين عالمين من علماء السلف الصالح.
    قال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي! ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا.
    ولقيني؛ فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى! ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة؟
    يا بني ينبغي للخلاف أن لا ينقض أركان الائتلاف بل يشيدها؛ ولا ينقص أسباب الوفاق بل يزيدها، فإن اختلفنا في مسألة أو اثنتين، فنحن متفقون في مائة أو مئتين!
    يا بني لا ينبغي للخلاف أن يقوض معالم حرية الاجتهاد بل يصقلها، ولا يفرض المذهبية بل يرفضها، ولا يعرض الحزبية بل ينقضها .
    يا بني ما نراه اليوم على ساحتنا السلفية صوراً مفبركة من الاختلافات، وطعوناً جاهزة من الاتهامات: دعاتها يريدون احتكار السلفية فلا صحة إلا لأقوالهم، ولا صواب إلا في اجتهادهم، ولا سداد إلا في رأيهم . . فإذا خالفت أحدهم -ولو كان لا يعرف بعلم ولم يرمنه حلم- أحمر أنفه غضباً . . وانتفخت أوداجه غيظاً . . ورفع عقيرته صائحاً . . وأبدع في فنون الكيد . . وأساليب والتحريض والتمويه . . ومسائل اغتيال الشخصية، وهجم عليك بدعاوى حق لكنه أراد بها باطلاً؛ هذا إن كان في قولك شبهة خطأ أما إذا كان قولك حقاً لا يعجبه، أو صواباً لا يرغبه؛ فيلجأ إلى التزوير والتمويه و التشكيك؛ فإن لم يظفر منك بما يروي غليلهم اخترعوا قضايا أخلاقية في الأعراض أو الأموال أو الأعمال وروَّجوها، ثم لكثره دندنتهم حولها صدّقوها، وعدّوا كل ما يخالفها كذباً حتى صُدِّق الكاذب، وكذِّب الصادق، وائتمن الخائن، وخون الأمين . . فتنمر هؤلاء الرويبضات، واستنسر هذا البغات حتى رأينا بعض من ينتسب إلى العلم من أهله يجاملهم مخافة شرهم، ويقرّبهم اتقاء لمكرهم؛ فصاروا أهل مجلسه، وأخص بطانته . . فما زادوه إلا خبالاً . . وأوحشوا بينه وبين إخوانه من أهل العلم وطلابه . . حتى رأينا من يتمنى موت أخيه . . وآخر يشمت فيه . . أو يسر إذا مصيبة تعتريه!
    قال التلميذ الفتى: هل معنى كلامك يا شيخنا: أننا نتعاون فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضننا بعضاً في ما اختلفنا فيه؟
    قال الأستاذ الشيخ: يا بني هذه مقولة مرذولة، ومقالة في غاية الضلالة؛ فإن الاختلاف فيه محمود، وهو: اختلاف تنوع ورحمة، فهذا لا يفسد للود قضية بل يسعنا فيه ما وسع سلفنا الصالح من قبوله، وإن كان بعض أرجح من الآخر.
    وفيه اختلاف تضاد؛ فهذا لا نقبله بل نرده ونصده بالحكمة والحجة و البرهان و الحرص على هداية المخالف . . فكما أننا نحرص على الحق؛ فكذلك نرحم الخلق . . وكثير من السلفيين بل من نوابغ طلاب العلم كانوا مع الفرق البدعية وفي صفوف الأحزاب الحركية . . ولم يخرجوا من مستنقعها إلا بالدعوة إلى الحق، والرحمة بالخلق: ﴿كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: 94].
    يا بني ليكن اختلافنا: اختلاف اهتمامات حتى نحقق أجمل الغايات.. فالعلماء والدعاة وطلاب العلم يريدون: بناء مجتمع مسلم، وإقامة العبودية لله في الأرض، وهذا مطلب غال لابد أن تختلف اهتماماتنا؛ لنستطيع تحقيقه . . ومثلهم في ذلك؛ كمن أراد أن يبني قصراً؛ فهو بحاجة إلى المهندس، والبناء، والمعماري، والعامل؛ لأنه لا يبني هذا القصر إلا باجتماع هؤلاء جميعاً.
    يا بني ليكن اختلافنا: اختلاف تكامل لا اختلاف تآكل . . . فبعضنا يكمل الآخر؛ لأنه لا يمكن أن يستغني عن إخوانه لا في العلم ولا في الدعوة ولا في العمل، ولذلك أمرنا الله بالتعاون: ﴿وَتَعَاوَنُوا﴾، وحضنا على التواصي: ﴿وَتَوَاصَوْا﴾.
    يا بني ليكن اختلافنا برفق، فقد كان الإمام ابن قدامه المقدسي لا يناظر أحداً إلا وهو مبتسم . . فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه . . ولقد كانت أخلاق سلفنا الصالح سبباً في فتوح بلدان لم تطأها جيوش الفتح الإسلامي!
    يا بني ليكن اختلافنا بأدب؛ فإن الأدب قبل الطلب . . ولقد كان أول نداء لأهل الإيمان في القرآن في تعليم الأدب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: 104].
    يا بني ليكن اختلافنا بحب، فمن لم يذق طعم الحب لا ينصف خصومه، ولا يعدل مع أعدائه: ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 8].
    ولقد كان شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله- يوصينا بقوله: تعلموا الحب قبل أن تتعلموا البغض.
    يا بني ليكن اختلافنا من أجل اتفاقنا؛ فإن كثيراً اتفقوا على أن لا يتفقوا وإن ظهر بينهم اتفاق وائتلاف؛ فهم كبني إسرائيل: ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ [الحشر: 14].
    يا أبنائي دعونا نتعلم كيف نختلف؛ فليس صعباً أن تتفق وتتأخى وتتحاب وتتعاون مع أخيك في العقيدة، ونصيرك في منهجك بل قيمة ذلك عندما نكون مختلفين في القدرات، متفاوتين في النظرات.
    وبذلك يمكن اكتشاف مواطن الرحمة في ظاهرة الاختلاف: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود: 117و118].
    لقد خلقهم الله للاختلاف . . لكنهم أدركوا كيف يتفقون؛ فكان ذلك رحمة.
    لقد خلقهم الله للاختلاف . . لكنهم أنصفوا إخوانهم؛ فهدوا إلى العدل
    لقد خلقهم الله للاختلاف . . لكنهم تحمّلوا الطرف الآخر . . ثم تقبلوه . . ثم احترموه . . فإذا هو يقاد للحق بالسلاسل، ويدافع عن السلفية كأشجع مناضل.
    قال التلميذ الفتى: هل ينفي ما تفضلتم به من وجود قوى خفية تعمل على تقطيع الدعوة السلفية، وتجتهد في تفكيكها من الداخل، وتمكر ليل نهار في إجهاض جهود العلماء المخلصين؟
    قال الأستاذ الشيخ: ليس الأمر كما ظننت بل هؤلاء موجدون في كل زمان . . متواجدون في كل مكان . . لكنهم يا بني لم ينجحوا إلا لخلل فينا، ولن يتشجعوا إلا لعلل تعترينا . . فإذا رابطنا على ثغور دعوتنا . . وأصلحنا أنفسنا . . وحرصنا على إخواننا؛ فلن يضرنا كيدهم شيئاً . . ولو أنفقوا ما في الأرض جميعاً . . فسينفقونها . . ثم تكون عليهم حسرة . . ثم يغلبون.
يعمل...
X