رأي العلامة العثيمين في حديث الرجل الذي ظاهر أمره أنه شك في القدرة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله تعالى):بسم الله الرحمن الرحيم
[هذا الحديث كالذي مضى من قبل، فيه أن هذا الرجل من شدة خوفه من الله وصَّى أن يُحرق ثم يُذرى في اليم خوفاً من الله -سبحانه وتعالى-، وهذا الرجل يُقال: (إنه فعل ذلك ظاناً أن الله لا يقدر عليه وأنه إذا فعل هذا نجا من العذاب)، فبعثه الله عز وجل وسأله: (لم فعلت ذلك؟) فأخبره أنه فعل هذا خوفاً منه فغفر الله له، ووجَّه أهل العلم هذا: لأنه متأول، ما قصد الشك في قدرة الله، لكن ظن أن هذا يُنجيه من عذاب الله، وبنَوا على ذلك أن كلمة الكفر إذا قالها الإنسان غير مريد لها فإنه لا يكفر بهذا، وأيَّدوا قولهم بما ثبت في الصحيح من أن الله -سبحانه وتعالى- يفرح بتوبة عبده أشد فرحاً من رجل ضلَّت راحلته عنه فلما آيس منها اضطجع تحت الشجرة ينتظر الموت فإذا بخطام ناقته متعلقاً بغصن الشجرة؛ فأخذ بخطامها وقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك) أخطأ من شدة الفرح؛ فلم يعاقبه الله على هذا الأمر، وينبني على ذلك أن كلمة الكفر لا بد أن يكون القائل لها قاصداً، وإذا قصدها كفر، سواء كان جاداً أم لاعباً؛ لأنه لا فرق في كلمة الكفر بين المستهزئ وبين الجاد -الكلام على أنه يقصد معناها- بخلاف المتأوِّل...
س: هل هذا الرجل مؤمن بالله (هذا الرجل موحِّد)؟
ج: أي نعم، هو ما فعل هذا إلا لإيمانه بالله وإيقانه بأن الله سيعذبه، لكن ظن أن هذا يحميه فأخطأ في هذا الظن.
س: قوله صلى الله عليه وسلم: (فجمعه الله) الجمع هذا يوم القيامة؟
ج: لا، جمعه الله الآن، يعني: في ذلك الوقت من حين ذرُّوه في اليم، جمعه الله وكلَّمه.
س: هل هذا ينافي الإيمان؟
ج: ما ينافي الإيمان؛ ظن أن هذا يُنجيه من الله، قد لا يكون في ذهنه في تلك الساعة الشك في القدرة، لكن ظن أن هذا يُنجيه من الله، وهو ما فعل هذا إلا خوفاً من الله، ما فيه شك في إيمانه]. اهـ
(صحيح البخاري - شرح كتاب الرقاق - الشريط 5 ب).