هذه فوائد أتحفنا وأفادنا بها أستاذي ومدرسي الأخ الفاضل البطل الناقد أبو عيسى العفري رزقنا الله وإياه الإخلاص انتقيتها لمزيد الاستفادة ولنشر العلم تعونا على الخير وشكرا وعرفانا له على ما أفادنا ويفيدنا به دائما ثبتنا الله وإياه على الحق حتى الممات . قال أبو عيسى حفظه الله : الحمد لله أولاً و آخراً وظاهراً وباطناً وأشهد أن لا له لا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد : فهذه سلسلة مباركة ـ إن شاء الله ـ رأيت بثها مستفيداً ومفيداً وأسأل الله سبحانه وتعالى الصدق في القول والعمل وإلى ما قصدناه : دعاة حوار الأديان والمقاربة بين الملل والنحل قديماً وموقف السلف في ترجمة الإمام أبي عمر أحمد بن محمد بن سعدي المالكي من جذوة المقتبس للإمام الحميدي ـ رحمه الله ـ : قال الحميدي : ؛ فسمعت ـ أبا عبد الله محمد بن الفرج ابن عبد الله الولي الأنصاري يقول: سمعت أبا محمد عبد الله بن أبي زيد يسئل أبا عمر أحمد بن محمد بن سعدي المالكي عند وصوله إلى القيروان من ديار المشرق، وكان أبو عمر دخل ببغداذ في حياة أبي بكر محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري، فقال له يوماً: هل حضرت مجالس أهل الكلام؟ فقال بلى. حضرتهم مرتين، ثم تركت مجالسهم ولم أعد إليها. فقال له أبو محمد: ولم؟ فقال: أما أول مجلس حضرته فرأيت مجلساً قد جمع الفرق كلها؛ المسلمين من أهل السنة ـ هذا فيه نظر فلا صبر لأهل السنة على مثل هذه المجالس وأصحابه ـ والبدعة، والكفار من المجوس، والدهرية، والزنادقة، واليهود، والنصارى، وسائر أجناس الكفر، ولكل فرقة رئيس يتكلم على مذهبه، ويجادل عنه، فإذا جاء رئيس من أي فرقه كان، قامت الجماعة إليه قياماً على أقدامهم حتى يجلس فيجلسون بجلوسه ـ تأمل وقارن بين الحالين القديم والحديث ! ـ ، فإذا غص المجلس بأهله، ورأو أنه لم يبق لهم أحد ينتظرونه، قال قائل من الكفار: قد اجتمعتم للمناظرة، فلا يحتج علينا المسلمون بكتابهم، ولا يقول نبيهم، فإنا لا نصدق بذلك ولا نقر به، وإنما نتناظر بحجج العقل، وما يحتمله النظر والقياس، فيقولون: نعم لك ذلك. قال أبو عمر: فلما سمعت ذلك لم أعد إلى ذلك المجلس، ثم قيل لي ثم مجلس آخر للكلام، فذهبت إليه، فوجدتهم على مثل سيرة أصحابهم سواء، فقطعت مجالس أهل الكلام، فلم أعد إليها. فقال أبو محمد بن أبي زيد: ورضى المسلمون بهذا من الفعل والقول؟ قال أبو عمر: هذا الذي شاهدت منهم، فجعل أبو محمد يتعجب من ذلك، وقال: ذهب العلماء، وذهبت حرمة الإسلام وحقوقه، وكيف يبيح المسلمون المناظرة بين المسلمين وبين الكفار؟ وهذا لا يجوز أن يفعل لأهل البدع الذين هم مسلمون ويقرون بالإسلام، وبمحمد عليه السلام، وإنما يدعى من كان على بدعة من منتحلى الإسلام إلى الرجوع إلى السنة والجماعة، فإن رجع قبل منه، وإن أبى ضربت عنقه؛ وأما الكفار فإنما يدعون إلى الإسلام، فإن قبلوا كف عنهم، وإن أبو وبذلوا الجزية في موضع يجوز قبولها كف عنهم، وقبل منهم، وأما أن يناظروا على أن لا يحتج عليهم بكتابنا، ولا بنبينا، فهذا لا يجوز؛ ف " إنا لله وإنا إليه راجعون " .اهـ [ جذوة المقتبس (ج 1 / ص 40)] أقول : هذه القصة العجيبة تضمنت أموراً 1: أن الدعوة إلى حوار الأديان قديمة وموقف السلف منها قديم كذلك 2: وكذلك الهدف منها رد الإسلام وتكذيب نبي الأنام ـ صلى الله عليه وسلم ـ 3: الدعوة إلى التقارب بين المذاهب المتنائية قديم كذلك !! 4: معاملة السلف لأهل البدع وأنهم يدعون إلى السنة والجماعة دون محاولة المزج بين البدعة والسنة للتقار ـ زعموا ـ 5: الكفار يدعون إلى الإسلام فإن قبلوا كف عنهم وإن أبو وبذلوا الجزية في موضع يجوز قبولها كف عنهم وإلا ما لهم إلا السيف 6: الدعوة إلى مثل هذه الأفكار لقلة العلماء الناصحين والله المستعان على أببناء الزمان ممن سول لهم الشيطان الدعوة إلى تحاور الأديان بله اتحادها!! وفيها فوائد كثيرة نتركها للقارئ والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً فائدة أخرى : عجيبة وغريبة ومن العجائب والعجائب جمة ما ذكره الإمام ابن حجر ـ رحمه الله ـ قال العيدروس كما في كتابه :(النور السافر عن أخبار القرن العاشر 1/201) : " غريبة " ذكر شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني في معجمه : أن الأئمة الثلاثة وهم: العراقي، والبلقيني، وابن الملقن، كانوا أعجوبة هذا العصر على رأس القرن، الأول في معرفة الحديث وفنونه، والثاني في التوسع في معرفة مذهب الشافعي، والثالث في كثرة التصانيف قال: ومن العجائب أن كل واحد من الثلاثة ولد قبل الآخر بسنة ومات قبله بسنة فأولهم ابن الملقن، ثم البلقيني، ثم العراقي اهـ فائدة أخرى : ثمانية يستحقون الصفع !! قد خص بالصفع في الدنيا ثمانية *** لا لوم في واحد منهم إذا صفعا المستخف بسلطان له خطر *** وداخل في حديث اثنين قد جمعا وآمر غيره في غير منزله *** وجالس مجلساً عن قدره ارتفعا ومتحف بحديث غير حافظه *** وداخل بيت تطفيل بغير دعا وقارئ العلم مع من لا خلاق له *** وطالب النصر من أعدائه طمعا اهـ (شرح ثلاثيات الإمام أحمد 1/ ) قال أبو عيسى ـ وفقه الله ـ : من أراد أن يصفع هؤلاء الثمانية فليتجنب الوجه لورود النهي عن ذلك فائدة أخرى : معنى كلمة باشا كثير من الناس يخاطب أخاه بهذه الكلمة إجلالا وتعظيما ولو درى معناها ربما خجل فقد ذكر العلامة بكر أبو زيد ـ رحمه الله ـ في كتابه الفذ حراصة الفضيلة نقلاً عن بعضهم أنها تعني : نعل السلطان وقال : لا يستبعد هذا لغلو العجم في ملوكهم ـ أو نحواً من هذا ـ والله المستعان فائدة أخرى : معنى الفانوس ذكر الدميري في كتابه حياة الحيوان الكبرى أنها بمعنى النمام وأفاد بأن هذا الوزن قليل ومنه القاموس ـ وسط البحر ـ والناموس والجاموس والجاسوس وربما ذكر غير هذا ومما جاء في تاج العروس : والفَانُوس : النَّمَّامُ وقد فَنَسَ إِذا نَمَّ عَن الإِمام أَبي عبد الله محمَّد بن عليِّ بن عُمَرَ التَّميميِّ المَازَرِيِّ في كتابه المُعْلم وهو أَحد شُيوخ القاضي عِياضٍ مات سنة 536 ، وقد تقدَّم ذِكْره وكأَنَّ فانُوسَ الشَّمَع مِنْهُ اهـ فائدة جليلة حسنة قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ : فائدة حسنة ينبغي التنبه لها ولي المقتفي والمسترشد الخلافة وكانا أخوين، وكذلك السفاح والمنصور، وكذلك الهادي والرشيد، ابنا المهدي، وكذلك الواثق والمتوكل ابنا المعتصم أخوان، وأما ثلاثة إخوة فالامين والمأمون والمعتصم بنو الرشيد، والمنتصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل، والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد، والراضي والمقتفي والمطيع بنو المقتدر، وأما أربعة إخوة فلم يكن إلا في بني أمية وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبد الملك بن مروان اهـ (البداية والنهاية 12/261) فائدة أخرى : رجل من أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ خير من أبي بكر الصديق بالإجماع قال السبكي ـ رحمه الله ـ : قال لي شيخنا الذهبي مرة من في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالإجماع ؟! فقلت : يفيدنا الشيخ قال : عيسى ابن مريم عليه السلام فإنه من أمة المصطفى ينزل على باب دمشق ويأتم في صلاة الصبح بإمامها ويحكم بهذه الشريعة قلت : وهذا ما أشرت إليه بقصيدتي التي نظمتها في المعاياة منها : ( من باتفاق جميع الخلق أفضل من *** شيخ الصحاب أبي بكر ومن عمر ) ( ومن علي ومن عثمان وهو فتى *** من أمة المصطفى المختار من مضر ) اهـ [ الطبقات 9/115] تنبيه !! قد يستغرب بعض إخواننا كثرة نقولاتي من الطبقات مع اشتماله على ضلالات كثيرة فأقول : الكتاب لا شك أنه مشتمل على أصناف البدع وقد اشتمل على كثير من الفوائد الفريدة فرأيت أن أختصر فوائده سواء الفقهية أو الحديثية أو اللغوية وتم ذلك ولله الحمد فأنا أنقل من دفتري دفتر الفوائد ـ وبالله التوفيق ـ فائدة أخرى : نصيحة لمن يكتب اسمه على المسجد الذي يبنيه قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ : فَائِدَة : قَالَ اِبْن الْجَوْزِيِّ : مَنْ كَتَبَ اِسْمَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يَبْنِيه كَانَ بَعِيدًا مِنْ الْإِخْلَاصِ . اِنْتَهَى [ 2/183] فكيف لو رأى هذا الإمام ما يحصل هذا الأيام من التباهي على مستوى الدول فالله المستعان على ما حدث في هذه الأزمان !! فائدة أخرى : ما يكون النفل فيه أفضل من الفرض مما لا شك فيه أن الفرض أفضل من التطوع لقوله سبحانه وتعالى كما في الحديث القدسي : وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ إلا أن العلماء ذكروا بعض الاستثناءات من هذا العموم نظمها الحافظ المكثر السيوطي _ رحمه الله _ فقال : الفرض أفضل من تطوع عابد **** حتى ولو قد جاء منه بأكثر إلا التطهر قبل وقت وابتدا **** ء للسلام كذاك إبراء المعسر انتهى ما ذكره السيوطي في كتابه المفيد الأشباه والنظائر الفقهية و استدر محمد الخلوتي الحنبلي فقال : وكذا ختان المرأ قبل بلوغه **** تمم به عقد الإمام المكثر راجع ( شرح ثلاثيات الإمام أحمد للسفاريني (1/94) فإنه قد تكلم على تفاصيل هذه الأمور بما قد لا تجده في غيره قال أبو أسامة : اسأل الله أن يبارك فيك أخي ومدرسي العزيز أبا عيسى العفري وفي علمك وفي وقتك ويزوجك بطالبة علم تكون عونا لك على المواصلة والازدياد . من مثل هذا وأفضل تخرج دار الحديث بدماج رجالا ونساء فكيف لا يشتعل غيظ وحسد من عجزوا وضعفوا عن انتاج مثل هذه الثمرة هنا في اليمن وفي أرض الحرمين كربيع المدخلي . فيا خصوم دماج في الفيوش ومعبر ومفرق حبيش وصنعاء والحديدة وذمار وغيرها إن كان عندكم من مثل هذه الثمار في دعوتكم وإلا فإني ناصح لكم أن تغطوا سوأتكم بالسكوت عن المضادة فهو صدقة منكم على أنفسكم . وجزى الله العلامة الحجوري خيرا على تربية أمثال هؤلاء ورحم الله منهم جميعا في ميزانه وهنيئا له ما يضاف إلى صحيفته من الأجور عن طريق الدار وصوتياته ومؤلفاته وطلابه الثابتين المبثوثين في اليمن وخارجها. ورزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل به والثبات عليه حتى الممات . أبو أسامة محمد الحكمي