متن نخبة الفكر قال الإمام الحافظ : أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ـ يرحمه الله تعالى : الحمد لله الذي لم يزل عليما قديرا ، وصلي الله علي سيدنا محمد الذي أرسله إلي الناس كافة بشيراً و نذبراً ، وعلي آل محمد وصحبه وسلم تسليماً كثيراً . اما بعد : فأن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت ، وبسطت واختصرت ، فسألني بعض الإخوان أن الخص له المهم من ذلك ، فأجبته إلي سؤاله رجاء الاندراج في تلك المساك فأقول: الخبر إما أن يكون له : طرق بلا عدد معين . أو حصر بما فوق الاثنين . أو بهما . أو بواحدٍ . فالأول : المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه . والثاتي : المشهور وهو المستفيض على رأي . والثلث : العزيز ، وليس شرطاً للصحيح خلافاً لمن زعمه . والرابع : الغريب . وكلها ـ سوى الأول ـ آحاد . وفيها المقبول والمردود لتوقف الاستدلال بها على البحث من أحوال رواتها دون الأول . وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن علي المختار . ثم الغرابة : إما أن تكون في أصل السند ، أو لا . فالأول : الفرد المطلق . والثاني : الفرد النسبي ، ويقل اطلاق الفرد عليه . وخبر الآحاد بنقل عدل تام الضبط ، متصل السند ، غير معلل ولا شاذ : هو الصحيح لذاته . وتتفاوت رتبه بتفاوت هذه الأوصاف . ومن ثم قدم صحيح البخاري ، ثم مسلم ، ثم شرطهما . فإن خف الضبط : فالحسن لذاته ، وبكثرة طرقه يصحح . فإن جمعاً فللتردد في الناقل حيث التفرد ، وإلا فباعتباره اسنادين . وزيادة راويهما مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو اوثق ، فان خولف بأرجح فالرجح المحفوظ ، ومقابلة الشاذ ، ومع الضعف فالراجح المعروف ، ومقابلة المنكر . والفرد النسبي : إن وافقه غيره فهو المتابع . وإن وجد متن يشبهه فهو الشاهد . وتتبع الطرق لذلك هو الاعتبار . ثم المقبول : ان سلم من المعارضة فهو المحكم ، وان عورض بمثله : فان امكن الجمع فمختلف الحديث . أو لا وثبت المتاخر فهو الناسخ ، والآخر المنسوخ ، وإلا فالترجيح ، ثم التوقف . ثم المردود: إما أن يكون لسقط أو طعن . فالسقط : اما أن يكون من مبادئ السند من مصحف ، أو من آخره بعد التابعي ، أو غير ذلك . فالأول : المعلق . والثاني : هو المرسل . والثلث : إن كان باثنين فصاعداً مع التوالي ، فهو المعضل ، وإلا فالمنقطع ، ثم قد يكون واضحا أو خفياً . فالاول : يدرك بعدم التلافي ، ومن ثم احتيج الى التاريخ . والثاني : المدلس ويرد بصيغة تحتمل اللقي : كعن ، وقال : وكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلق من حدث عنه . ثم الطعن : اما ان يكون لكذب الراوي ، أو تهمته بذلك أو فحش غلطه ، أو غفلته ، أوفسقه ، أو وهمه ، اوضعفه ، أو مخلفته ، أو جهالته ، أوبدعته ، أو سوء حفظه . فالأول : الموضوع ، والثاني : المتروك والثالث : المنكر علي رأي . وكذا الرابع والخامس . ثم الوهم : إن طلع عليه بالقرائن وجمع الطرق : فالمطل . ثم المخالفة : إن كانت بتغيير السياق : فمدرج الإسناد . أو بدمج موقوف بمرفوع : فمدرج المتن . أو بتقديم أوتأخير : فالمقلوب . أوبزيادة راوٍ : فالمزيد في متصل الأسانيد . أو بإبداله ولا مرجح : فالمطرب ـ وقد يقع الإبدال عمداً امتحانا ـ أو بتغيير مع بقاء السياق : فالمصحف والمحرف . ولا يجوز تعمد تغيير المتن بالنقص والمرادف إلا لعالم بما يحيل المعاني ـ فإن خفي المعني احتيج إلي شرح الغريب وبيان المشكل . ثم الجهالة : وسببها أن الراوي قد تكثر نعوته فيذكر بغير ما اشتهر لغرض ، وصنفوا فيه الموضح . وقد يكون مقلا فلا يكثر الأخذ عنه ، وصنفوا فيه الواحدان ، أو لا يسمي اختصارا ، وفيه المبهمات ، ولا يقبل المبهم ولو أبهم بلفظ التعديل علي الاصح . فان سمي وانفرد واحد عنه فمجهول العين ، أو اثنان فصاعدا ، ولم يوثق : فمجهول الحال ، وهوالمستورد ، ثم البدعة . اما بمكفر ، او بمفسق . فالأول : لا يقبل صاحبها الجمهور . والثاني بقبل من لم يلن داعية الي بدعته في الأصح ، إلا إن روى ما يقوى بدعته فيرد على المختار ، وبه صرح الجوزقاني شيخ النسائي . ثم سوء الحفظ : إن كان لازما فهو الشاذ علي رأي ، أو طارئاً فالمختلط ، ومتى توبع سيء الحفظ بمعتبر ، وكذا المستور والمرسل ، والمدلس : صار حسنا لا لذاته ، بل بالمجموع . ثم الاسناد : اما ان ينتهى الي النبي صلى الله عليه وسلم ، تصريحا ، أو حكما : من قوله ، أو فعله ، أو تقريره . أو الي الصحابي كذلك : وهو : من لقي التبي صلي الله عليه وعلي آله وسلم ، مؤمنا به ومات علي الاسلام ولو تخلت ردة في الاصح . أو الي التابعي : وهو من لقي الصحابي كذلك فالأول : المرفوع ، والثاني : الموقوف ، والثالث : المقطوع ، ومن دون التابعي فيه مثله ويقال للآخرين : الأثر . والسند : مرفوع صحابي بسند ظاهره الاتصال . فإن قل عدده : فإما أن ينتهي الي النبي ، صلي الله عليه وعلي آله وسلم ، أو الي إمام ذي صفوة عليه كشعبة . فالأول : العلو المطلق . والثاني : النسبي . وفيه الموافقه : وهي الوصول الي شيخ احد المصنفين من غير طريقه . وفيه البدل : وهو الوصول الي شيخ شيخه كذلك . وفيه المساواة : وهي استواء عدد الإسناد من الراوي الي آخره مع اسناد أحد المصنفين . وفيه المصافحة : وهي الأستواء مع تلميذ ذلك المصنف . ويقابل العلو بأقسامه النزول . فان تشارك الراوي ومن روى عنه السن واللقي فهو الأقران . وان روى كل منهما عن الآخر : فالمدبج ، وان روى عمن دونه : فالأكابر عن الأصاغر ، ومنه الآباء عن الأبناء ، وفي عكسه كثرة ، ومنه من روى عن أبيه عن جده . وان اشترك اثنان عن شيخ ، وتقدم موت أحدهما ، فهو : السابق واللاحق . وان روى عن اثنين متفقي الاسم ولن يتميزا ، فإختصاصه بأحدهما يتبين المهمل . وإن جحد مرويه جزما : رد ، أو احتمالا : قبل في الأصح . وفيه : (( من حدث ونسي )) . وإن اتفق الرواة في صيغ الاداء ، أوغيرها من الحالات ، فهو المسلسل . وصيغ الأداء : سمعت وحدثني ، ثم أخبرني ، وقرأت عليه ، ثم قرئ عليه وأنا أسمع ، ثم أنبأني ، ثم ناولني ، ثم شافهني ، ثم كتب إلي ، ثم عن ونحوها . فالأولان : لمن سمع وحده منلفظ الشيخ ، فإن جمع فمع غيره ، وأولهما : أصرحها وأرفعها في الأملاء . واثالث ، والرابع : لمن قرأ بنفسه ، فإن جمع : فكالخامس . والإنباء : بمعني الأخبار . إلا في عرف المتأخرين فهو للإجازة كعن ، وعنعنة المعاصر محمولة علي السماع إلا من مدلس وقيل : يشترط ثبوت لقائهما ولومرة ، وهوالمحتار ، وأطلقوا المشافهة في الإجازة المتلفظ بها ، والمكاتبة في الإجازة المكتوب بها ، واشترطوا في صحة المناولة اقترانها بالإذن بالرواية ، وهي أرفع أنواع الإجازة . وكذا أشترطوا الإذن في الوجادة ، والوصية بالكتاب وفي الإعلام ، وإلا فلا عبرة بذلك كالإجازة العامة ، وللمجهول وللمعدوم علي الأصح في جميع ذلك . ثم الرواة إن اتفقت أسماؤهم وأسماء آبائهم فصاعدا ، وأختلف أشخاصهم : فهو المتفق والمفترق وإن أتفقت الأسماء خطاً وأختلفت نطقاً : فهو المؤتلف والمختلف . وإن أتفقت الأسماء وأختلفت الآباء ، أو بالعكس : فهو المتشابه ، وكذا إن وقع ذلك الإتفاق في الاسم واسم الأب ، والاختلاف في النسبة ، ويتركب منه ومما قبله أنواع : منها أن يحصل الاتفاق أو الأشتباه إلا في حرف أو حرفين ، أو بالتقديم والتأخير أو نحو ذلك . خاتمة ومن المهم : معرفة طبقة الرواة ومواليدهم ، ووفياتهم ، وبلدانهم ، وأحوالهم تعديلاً وتجريحاً وجهالة . ومراتب الجرح : وأسوؤها الوصف بأفعل ، كأذب الناس ، ثم دجال ، أو وضاع ، أو كذاب . وأسهلها : لين ، أوسئ الحظ ، أوفيه مقال . ومراتب التعديل : وأرفعها الوصف بأفعل : كأوثق الناس ، ثم ما تأكد بصفة أوصفتين كثقة ثقة ، أوثقة حافظ وأدناها مااشعر بالقرب من أسهل التجريح : كشيخ ، وتقبل التزكية من عارف بأسبابها ، ولو من واحد علي الأصح . والجرح مقدم علي التعديل إن صدر مبيناً من عارف بأسبابه ، فإن خلا عن التعديل قبل مجملا علي المختار . فصل من المهم معرفة كنى المسمين ، وأسماء المكنين ، ومن اسم كنينه ، ومن اختلف في كنيته ، ومن كثرت كناه أونعوته ، ومن وافقت كنيته اسم أبيه أوبالعكس ، أوكنيته كنية زوجته ، ومن نسب الي غير أبيه ، أو الي أمه ، أو الي غير ما يسبق الي الفهم ، ومن اتفق اسمه واسم أبيه وجده ، أو اسم شيخه وشيخ شيخه فصاعداً . ومن اتفق اسم شيخه والراوى عنه . ومعرفة الأسماء الجردة والمفردة ، والكنى ، والألقاب ، والأنساب ، وتقع الي القبائل والأوطان ، بلاداً ، أوضياعاً أوسككاً ، أو مجاورة . الي الصنائع والحرف ، ويقع فيها الاتفاق والاشتباه كالأسماء ، وقد تقع ألقاباً . ومعرفة أسباب ذلك ، ومعرفة الموالي من أعلى الي أسفل ، أوباالرق ، أو بالحلف ، ومعرفة الإخوة والأخوات . ومعرفة آداب الشيخ والطالب ، ومن التحمل والأداء ، وصفة كتابة الحديث ، وعرضه ، وسماعه وإسماعه ، والرحلة فيه ، وتصنيفه ، إما على المسانيد ، أو الأبواب ، أو العلل ، أو الأطراف . ومعرفة سبب الحديث ، وقد صتف فيه بعض شيوخ القاضي أبي يعلي بن الفراء ، وصنفوا في غالب هذه الأنواع وهي نقل محض ، ظاهرة التعريف ، مستغنية عن التمثيل ، وحصرها متعسر ، فلتراجع لها مبسوطاتها . والله الموفق والهادي ، لا إله إلا هو .