الالتفاف حول أحكام الاعتكاف
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه أجمعين ، أما بعد :
فهذه نبذٌ تتعلق بأحكام الاعتكاف ، نسأل الله أن ينفع بها.
* الاعتكاف لغة : اللبث وملازمة الشيء أو الدوام عليه خيراً كان أو شراً، ومنه قوله تعالى : ((وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)) ، وقوله: ((يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ)).
* واصطلاحاً: هو المقام في المسجد من شخص مخصوص ، على صفة مخصوصة ؛ لطاعة الله .
* الاعتكاف مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.
- أمَّا الكتاب، فقوله تعالى: ((وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)) ، وقوله تعالى: ((وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)) .
- وأمَّا السُّنة فكثيرة , منها: حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله, ثم اعتكف أزواجه من بعده )) .
- وأمَّا الإجماع فنقلهُ غير واحد من العلماء منهم : ابن المنذر وابن حزم والنووي وابن قدامة وشيخ الإسلام والقرطبي وغيرهم .
• تنبيه : لم يرد في فضل الاعتكاف شيءٌ من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال أبو داود في مسائله : (( قلت لأحمد تعرف في فضل الاعتكاف شيئاً ؟ قال : لا , إلا شيئاً ضعيفاً )).
* حكمه : سنة بالإجماع , إلا أن يوجب المرءُ على نفسه الاعتكاف نذراً فيجب عليه. حكاه ابن المنذر.
* وقته : يصحُّ في أيِّ وقت من أيام السنة , فقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها ((أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأوائل من شوال )) وفي رواية (( العشر الأواخر )) .
- ولكنَّهُ يتأكد في رمضان ؛ لمواظبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيه , فقد (( اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الوسط من رمضان )) متفق عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
- وفي رواية (( كان يعتكف في كل رمضان )) رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها .
- وأفضله العشر الأواخر؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعتكفها حتى توفاه الله عز وجل كما تقدم في حديث عائشة.
أ- زمن الدخول: من قبل غروب شمس ليلة الحادي والعشرين وبه قال جمهور أهل العلم، والدليل حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : (( إني اعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة ، ثم اعتكف العشر الأوسط ، ثم أتيت فقيل لي : إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف ، فاعتكف الناس معه )) وفي لفظ (( فليعتكف العشر الأواخر)) متفق عليه.
وجه الدلالة من الحديث : أن زمن دخول المعتكف من بعد غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين ؛ لقوله: ((فليعتكف العشر الأواخر)) ، إذ العشر بغير هاء عدد الليالي ، وأول هذه الليالي ليلة إحدى وعشرين.
• أما حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كان إذا أراد أن يعتكف صلَّى الفجر ثم دخل معتكفه )) متفق عليه .
فقد أجيب عليه من ثلاثة وجوه :
الوجه الأول : أن معنى الحديث أنه انقطع في معتكف , وتخلَّى بنفسه بعد صلاة الصبح , لا أنَّ ذلك كان وقت ابتداء اعتكافه , بل كان ابتداؤهُ قبل الغروب لابثاً في جملة المسجد.
الوجه الثاني: أنه محمول على الجواز, إن سُلم ذلك عنه صلى الله عليه وسلم , وإنْ كان وقت الاستحباب قبل الغروب .
الوجه الثالث : أنَّهُ محمولٌ على أنَّهُ يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح في اليوم العشرين ، ليستزيد يوماً قبل دخول العشر.
ب- زمن الخروج : يخرج إذا غربت الشمس من آخر يوم من أيام العشر؛ لأن العشر تزول بزوال الشهر، والشهر يزول بغروب الشمس من ليلة الفطر.
* أقل الاعتكاف وأكثره : أما أقله فيوم أو ليلة ؛ لحديث عمر رضي الله عنه قال : ((كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له صلى الله عليه وسلم : أوفِ بنذرك )) متفق عليه.
- وأما أكثر الاعتكاف فلا حدَّ له ، ما لم يتضمن محذوراً شرعياً ؛ لعموم قوله تعالى: (( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد ِ)) .
* شروطه :
الأول: الإسلام؛ لقوله تعالى : ((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )) .
الثاني : العقل، فلا يصح الاعتكاف من مجنون ولا سكران، ولا مغمى عليه؛ لحديث عمر رضي الله عنه مرفوعاً : (( إنما الأعمال بالنيات )) متفق عليه .
الثالث : التمييز، فغير المميِّز لا يصحُّ منه الاعتكاف ؛ لما تقدم من الدليل في الشرط الثاني .
الرابع : النية : لحديث عمر رضي الله عنه المتقدم : (( إنما الأعمال بالنيات )) ، ولأن اللبث في المسجد قد يقصد الاعتكاف وقد يقصد به غيره ، فاحتيج إلي النية للتمييز بينهما.
- وهذه الشروط الأربعة باتفاق الأئمة .
الخامس : أن يكون في مسجد جامع ؛ لقوله تعالى : (( وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد ِ)) ، وأمَّا ما ثبت في سنن البيهقي من حديث حذيفة مرفوعاَ : (( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة )) فمحمولٌ على النفي للكمال ، كحديث أسامة بن زيد في الصحيحين مرفوعاَ : ((لا رباً إلا في النسيئة)) ، فهو الربا الأغلظ ، الشديد التحريم ، المتوعد عليه بالعقاب الشديد، وكما تقول العرب: لا عالم إلا زيد، مع أن فيها علماء غيره.
- هل يشترط في الاعتكاف الصيام ؟
الجواب: لا يشترط , والدليل على ذلك :
1 - قوله تعالى: (( وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد ِ)) ، فدلت هذه الآية على مشروعية الاعتكاف بلا صوم لإطلاقها.
2- ما رواه البخاري ومسلم من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال: (( كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلةً في المسجد الحرام ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك )) .
تنبيه : ورد في بعض الروايات (( نذرت أن أعتكف يوماً )) ، بدلاً من ( ليلة ) ، وهي شاذة ، حكم عليها الحافظ ابن حجر بالشذوذ .
* آدابه :
1) أن يقضي وقته بالصلاة , وقراءة القران, وذكر الله , والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .
2)أن يجتنب كلَّ ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال.
3) يجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش.
4)أن لا يتكلم إلا بخير, ولا بأس بالكلام لحاجتة ومحادثه غيره .
* موانعه :
1)الجماع ؛ لقوله تعالى : (( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) .
- وقد قال الشوكاني: ودلَّ عليه إجماعُ الأمة . اهـ السيل الجرار (2/136) .
2)الخروج من المسجد ، فمن هديه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في المسجد ، وقد قالت عائشة رضي الله عنها : ((السُّنَّة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لابدَّ منه)) رواه أبوداود وصححه الألباني .
* مباحاته :
1)الأكل والشرب في المسجد .
2)النوم في المسجد .
3)لزوم بقعة بعينها في المسجد .
4)عمل خيمة في المسجد .
5)لبس الثياب الحسنة والطيب .
6)غسل الرأس وتسريحه ودهنه .
7)أخذ سنن الفطرة .
8)الوضوء في المسجد .
9) زواجه وتزويجه .
والحمد لله رب العالمين