الحمدُ لله حَمداً يُرضِيه, وأشهدُ ألا إلهَ إلا الله وحدهُ لا شريكَ له, وأنَّ محمداً عبدهُ ورسُوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابهِ وتَابعيه, أمَّا بعدُ:
فقَد قرأتُ كِتابَ "ضوابطُ الحُكم بالابتداع", وذيلَهِ "ضرُورة التَّأهل في الحكمُ به وبالتَّكفيرِ والتَّفسيقِ والردِّ على أهل الأهواءِ"( ), تأليفُ أخينَا الفَاضلِ الشيخِ سعيدِ بنِ دعَّاسٍ المَشوشيِّ اليَافعيِّ-حفظهُ الله-, فرأيتُ أنهُ بحثٌ مُفيدٌ, وعملٌ سديدٌ, يزخرُ بالأدلةِ الثابتةِ, والنُّقولِ السَّلفيَّةِ الواثقةِ في مَواضعِها المُناسبةِ, على ما تَضمَّنهُ عنوانُ البحثِ, بِما فيه أهميَّةُ تأهُّلُ من قامَ بذلكَ تأهلاً يُلحِقهُ بِقافِلةِ علماءِ السُّنةِ الزكيَّةِ الطَّاهرة, فجزى اللهُ أخانا الشيخَ سعيدَ بنَ دعَّاسٍ خَيراً, ونَفعَ بهِ كثيراً.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ لله الذي أنزلَ الكتابَ والميزانَ, ليحكمَ الناسُ بالقسط, نحمدُهُ سبحانَه, خلقَ كلَّ شيءٍ فقدَّرهُ تقديراً, وصلى اللهُ وسلِّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ الذي أوضحَ مَحجَّةَ الحقِّ, فلا يَضلُّ عنهَا إلا من أرادَ الله –كَوناَ- ضلَالَهُ, وعلى آله وسلَّمَ تسليماً كثيراً, أما بعدُ:
فإنَّ توضيحَ منهجَ الحقِّ في إخراجِ أهلِ الانحرافِ من السَّلفيَةِ, وضوابطِ الحُكمِ على المُخالفِ بالابتِداع, ورسمِ طريقِهِ, بالأدلَّةِ الشَّرعيَّة, وتَحقيقاتِ علماءِ المِلَّةِ من المُهمَّاتِ.
حيثُ يكثُرُ السَّؤالُ عنهُ, وَطلبِ تَوضيحهِ, ويَصيرُ الناسُ فِيهِ مِزَعاً مُتَفرِّقةً, ويخبطُ أناسٌ فيهِ خبطَ عشواءٍ, لا سيَّما حينَ تثورُ الأهواءِ والأفكارُ الخَلفيَّةِ, وتبرزُ قرونُ الحزبيَّاتِ الرَّديَّةِ, حتَّى إنَّا لنَجدُ قِلَّةَ البَصيرةِ في تَحقيقِ ضوابطِ الحُكمِ بالابتداعِ, عند كثيرٍ من المُتأخرينَ ممَّن يُشارُ إليه بأطرَافِ البنانِ, فصارَ الموضوعُ كَغيرِه من مُهمَّاتِ العلمِ بحاجةٍ إلى مَزيدٍ من تَقريبِ مسائلِه, وجمعِ بعضِ مُتفرِّقاتِه, رجاءَ تسهيلِ النفعِ والانتِفاعِ.
ولا تفرحْ بما كتبهُ المدعو (رَسلان) الذي عنوَنَه بـ(ضَوابطِ التَّبديعِ), فإنَّهُ كـ(الحَادِي ليسَ لهُ بَعيرٌ!), وكـ (مَن عَاطَ بِغَيرِ أَنواطٍ!), فعُنوانُها في وادٍ, ومضمونُها في وادٍ آخر, لأنَّها ترتكزُ على الكلامِ في روايةِ المُبتَدع, إضافةً إلى أنهُ لم يخلُ في بعضِ مبَاحثه من لهجةٍ تمييعيَّةٍ, على طريقةِ الإمامِ في كتابِ "الإبانة", وأسلوب الحلبيِّ في كتابهِ "منهج السلفِ الصالحِ", وغيرِها من مؤلفاتِ القواعدِ الخلفيَّةِ, التي شُحنتْ بالتقليلِ من شأن جرحِ أهل الأهواءِ, والتَّهييبِ من تعاطيهِ, وغير ذلك.
فأحبَبتُ أنْ أُسهمَ بما يسَّرهُ الله عزَّ وجلَّ من جمعٍ وإيضاحٍ للموضوعِ, عسى الله أَن يَجعلَ في ذلكَ النفعَ والبَركةَ, ومنه عزَّ وجلَّ أستمدُّ العونَ, فإيَّاهُ نعبدُ وإيَّاهُ نستعينُ, وسمَّيتُ الرسالةَ: "ضَوابطُ الحُكمِ بالابتِداعِ" وبِذَيلِه:"ضَرُورَةُ التَّاهُّل في الحُكمِ عَلى المُخَالفِ بِما يَستَحقُّ والرَّدِّ عَلى أهلِ الأَهواءِ", اللهمَّ انفعْ به واجعلْه في ميزانِ الحسناتِ يوم لقاكَ ياربِّ.