البرهان المنقول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله, نحمده ونستعينه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, أما بعد:
فإنا نحمد الله على ما منَّ به علينا من نعمة الإسلام والسنة, والسلامة من الفتن المضلة, وإن من هذه الفتن التي نجانا الله منها, وبصَّرنا بها, فتنة عبد الرحمن العدني, وتنظيمه الجديد, وحزبيته الوليدة, التي ضلَّ وزلَّ فيها من زلَّ فذلَّ, والتبست على طائفةٍ, بسبب رواج بعض الآراء المحايدة للصواب, والمخالفة للحق في المسألة, ممن له في الناس محلٌّ, حتى استغل أوغاد هذا الحزب الحقير هذه الآراء, فاتخذوها معولاً لضرب من أخذ بالحق, وتبصَّر به, فزادت الطين بلةً, وقوَّت من ساعد أصحاب الفتنة, إذ هضم بذلك الحق, وأُهدرت جهود أهله التي بذلوها بالحجة والبرهان والحق, بياناً لما أثاره العدني من الشغب والتحزب, عملاً بالأصل المنجمع عليه, أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه, لتحتم مصلحة ذلك, وترتب المفسدة على تأخيره.
ولم تكن الآراء والأقوال –في الواقع- حلَّاً حاسماً, وموقفاً مزيلاً للخلاف, بل الأمر عكس ذلك, وليس هذا مما تُحلُّ به الخلافات, وتزال به المنكرات, والسرُّ في ذلك وسببه كما قال شيخ الإسلام: إما عدم العلم بالحق, وإما عدم العمل به بعد العلم به.
وقد تقرر في أحكام الشريعة الغراء أن إزالة المنكر بأنكر منه من المنكرات, لأن مقصود الإنكار شرعاً إزالة المنكر أو تخفيفه, فإذا زاد وتفاقم الشر بذلك, علم أن الإنكار لم يكن على وفق الحق والصواب, لأنه على خلاف مقصود الشرع, وإثارة للشر.
وإثارة الشر بعد انخماده أو ضعفه مما جاءت السنة الغراء بالنهي عنه, والتحذير منه, كما روى البخاري (5763), ومسلم (5667), عن عائشة رضي الله عنها في حديث سحر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم, فقلت: يا رسول الله: أفلا أحرقته؟ , وفي لفظ البخاري: أفلا أخرجته؟ فقال: <أما أنا فقد عافاني الله, وكرهت أن أثير على الناس شراً>.
قال النووي: هذا من باب ترك مصلحة, لخوف مفسدة أعظم.اهـ وبوب البخاري في صحيحه على الحديث: ترك إثارة الشر على مسلم أو كافر.
وبما أن هذه الآراء والمواقف من بعض الأفاضل, زادت المفتون فتنةً وتيهاً في فتنته, وقوَّت من جأش ذوي الشغب والتحزب, وجرَّت ذيول اللبس والتردد على من لم يكن على بصيرة تامة بحزبية العدني وأتباعه, واستعنت بالله على الكشف عن بعضها وبيان مجانبتها للصواب, نصحاً لذويها, ولمن اغتر بها, والحق أحق بالإتباع إذا ظهر, وليس الميزان النظر إلى من قال, ولكن النظر إلى ما يقال.
قال أبو العباس المبرد في كتابه الكامل, ليس التقدم في العهد يفضل القائل, ولا لحدثانه يهتضم المصيب, ولكن يعطى كل ما يستحق.اهـ
والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: <إن لصاحب الحق مقالاً>. رواه مسلم (4110), عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ولا شك أن ما يثار من الأقوال والآراء والشبهات, حول ما أثبته شيخنا العلامة يحيى –أيده الله- كثيرة, ولكن جعلت أصل الكلام حول شبهة: (ما هي الأصول التي خالفها عبدالرحمن), لأن ما عداها ناتج عنها, وتعرضت لذكر ما سوى ذلك مما اشتهر, حيث يناسب المقام, مما لبيانه أهمية, ولإغفاله خطرٌ, ولا سيما ما قد يجري على ألسنة بعض المشايخ الأفاضل –وفقهم الله-, لأن التأثير به أعظم –كما هو الواقع-.
ومن المعلوم أن الاهتمام ببيان ما يعظم داعي التأثر به من الخطأ, آكد من غيره, حسماً لمادة التأثير الحاصل, لقوة مقتضاه.
وسأفصل الكلام على هذه الأمور واحدةً واحدة, بما يتضح به الحق –إن شاء الله- مع محاولة الاختصار والإيجاز, فتتهافت هذه الشبهات والمعارضات, وتتضح المحجة المرضية في حزبية العدني وحطب فتنته.
فالمقصود المشاركة في بيان الحق في هذه القضية التي وفَّى وكفى في بيانها شيخنا يحيى –أيده الله- وإضافة إلى ذلك تحقيق بعض المسائل التي يحتاج إليها الإنسان في سيره على درب المنهج السلفي, الوقوف عليها, وهذا من ثمار الردود على أهل الباطل, الذي ينفِّر ويصدَّ عنه بعض من هو في عداد أهل السنة, ويقلل من شأنه, ويخذِّل أهله.
أسأل الله أن يلهمنا سداد القول والفعل والمعتقد, وأن يجعل ذلك محجةً بيضاء لكل مستبصر, ونصرةً للحق وأهله, ونكاية للباطل وحزبه, إنه خير مسئول.