المواقع الشخصية

(( التنبيهات السلفية لما انتقد على الإمام أبي جعفر الطحاوي في العقيدة الطحاوية ))

فضيلة الشيخ عبدالحميد الحجوري الزعكري
تاريخ الاضافة : 14-08-2017 ميلادي : 1438/11/20 هجري 5562 زياره

 

التنبيهات السلفية لما انتقد

على الإمام أبي جعفر الطحاوي

في العقيدة الطحاوية

 

كتبه

عبدالحميد الحجوري الزعكري

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:

فإن دراسة العقيدة الصحيحة من المهمات ويجب أن تكون من أول ما يُتعلم ويَعلّم

ولأهميتها فقد ألف العلماء في العقيدة الكتب المطولة والمختصرة ومن هذه الكتب كتاب الشريعة للآجري أبي بكر محمد بن الحسين، وكتاب  السنة لعبدالله بن الإمام أحمد ، وكتاب  أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل  ، وكتاب  الإبانة عن أصول الديانة لابن بطة العكبري  ، وكتاب  الحجة في بيان المحجة  للأصفهاني  ، وكتاب  خلق أفعال العباد  للبخاري  ، وكتاب  السنة  لابن أبي عاصم   ، وكتاب  التوحيد  لابن خزيمة  ، وكتاب  السنة  للخلال  ، وكتاب  أصول السنة  لابن أبي زمنين  ، ولي بحمد الله شرح عليه، وكتاب  اعتقاد أهل الحديث  لأبي بكر الإسماعيلي  ، وكتاب  اعتقاد السلف أصحاب الحديث  للصابوني  ، وكتاب  السنة  للمروزي ، وكتاب  شرح اعتقاد أصول أهل السنة والجماعة  للالكائي  ، و العقيدة الطحاوية  لأبي جعفر الطحاوي  .

أما من حيث الكتب المتضمنة فأعظمها وأجلها كتاب الله عزوجل ، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وكذا ما تضمنه  صحيح البخاري  و صحيح مسلم ، وما تضمنه المسانيد والسنن والمصنفات والمعاجم، وكل هذا من باب حفظ الله عز وجل  لدينه.

إذن، فدراسة العقيدة السلفية التي تدل عليها الأدلة النبوية عن محمد خير البرية صلى الله عليه وسلم ، والآثار المروية عمن صار على الطريقة المرضية، أمر مطلوب ومرغب فيه،

وقد سألني بعض الأفاضل ممن تعينت إجابته عن العقيدة الطحاوية وما ينتقد عليها

وكتاب العقيدة الطحاوية كتاب مشهور ومتداول بين طلاب العلم وهو من أنفس ما كتب في العقيدة لاختصار عبارته وكثرة مسائله ويعوزه شيء من الترتيب لا سيما في باب القدر إذ فرق الكلام عليه

وعليه شروح كثيرة أحسنها شرح ابن أبي العز الحنفي رحمه الله حيث جلى مسائله بأدلتها وتعقبه في كثير من الزلات فرحمهم الله جميعا.


وعليه تعليقات لطيفة منها تعليقات للشيخ بن باز والالباني رحمهم الله تعالى وغيرهم من أهل العلم.
ومرور الطالب عليه مع التنبه لما انتقد عليه أمر مهم جدا وهذه المنتقدات منها ما يخالف عقيدة السلف الصالح أصحاب الحديث ومنها ما لو استخدم غيره أولى ولعلي أذكر جملة ما انتقد عليه رحمه الله.
أولا: وصفه الله بالنفي في مثل قوله: (وَلَا شَيْءَ يُعْجِزُهُ) وما في بابه والأصل الوصف بالإثبات والنفي يؤتى لدفع توهم نقص ورد ما ادعاه المبطلون في حق الله وبيان عموم كمال الله تعالى.

قال ابن أبي العز رحمه الله في شرحالطحاويةتالأرناؤوط (1/ 69): وَلِهَذَايَأْتِيالْإِثْبَاتُلِلصِّفَاتِفِيكِتَابِاللَّهِمُفَصَّلًا،وَالنَّفْيُمُجْمَلًا،عَكْسَطَرِيقَةِأَهْلِالْكَلَامِالْمَذْمُومِ: فَإِنَّهُمْيَأْتُونَبِالنَّفْيِالْمُفَصَّلِوَالْإِثْبَاتِالْمُجْمَلِ،يَقُولُونَ: لَيْسَبِجِسْمٍ،وَلَاشَبَحٍ،وَلَاجُثَّةٍ،وَلَاصُورَةٍ،وَلَالَحْمٍ،وَلَادَمٍ،وَلَاشَخْصٍ،وَلَاجَوْهَرٍ،وَلَاعَرَضٍ،وَلَابِذِيلَوْنٍ،وَلَارَائِحَةٍ،وَلَاطَعْمٍ،وَلَامِجَسَّةٍ،وَلَابِذِيحَرَارَةٍ،وَلَابُرُودَةٍ،وَلَارُطُوبَةٍ،وَلَايُبُوسَةٍ،وَلَاطُولٍ،وَلَاعَرْضٍ،وَلَاعُمْقٍ،وَلَااجْتِمَاعٍ،وَلَاافْتِرَاقٍ،وَلَايَتَحَرَّكُ،وَلَايَسْكُنُ،وَلَايَتَبَعَّضُ،وَلَيْسَبِذِيأَبِعَاضٍوَأَجْزَاءٍوَجَوَارِحٍوَأَعْضَاءٍ،وَلَيْسَبِذِيجِهَاتٍ،وَلَابِذِييَمِينٍ وَلَا شِمَالٍ وَأَمَامٍ وَخَلْفٍ وَفَوْقٍ وَتَحْتٍ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ مَكَانٌ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ زَمَانٌ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْمَمَاسَّةُ وَلَا الْعُزْلَةُ وَلَا الْحُلُولُ فِي الْأَمَاكِنِ، وَلَا يُوصَفُ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ الدَّالَّةِ عَلَى حُدُوثِهِمْ، وَلَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مُتَنَاهٍ، وَلَا يُوصَفُ بِمِسَاحَةٍ، وَلَا ذَهَابٍ فِي الْجِهَاتِ، وَلَيْسَ بِمَحْدُودٍ، وَلَا وَالِدٍ وَلَا مَوْلُودٍ، وَلَا تُحِيطُ بِهِ الْأَقْدَارُ وَلَا تَحْجُبُهُ الْأَسْتَارُ إِلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ الْمُعْتَزِلَةِ.

وَفِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ حَقٌّ وَبَاطِلٌ. وَيَظْهَرُ ذَلِكَ لِمَنْ يَعْرِفُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ. وَهَذَا النَّفْيُ الْمُجَرَّدُ مَعَ كَوْنِهِ لَا مَدْحَ فِيهِ، فِيهِ إِسَاءَةُ أَدَبٍ، فَإِنَّكَ لَوْ قُلْتَ لِلسُّلْطَانِ: أَنْتَ لَسْتَ بِزَبَّالٍ وَلَا كَسَّاحٍ وَلَا حَجَّامٍ وَلَا حَائِكٍ! لَأَدَّبَكَ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ وَإِنْ كُنْتَ صَادِقًا، وَإِنَّمَا تَكُونُ مَادِحًا إِذَا أَجْمَلْتَ النَّفْيَ فَقُلْتَ: أَنْتَ لَسْتَ مِثْلَ أَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِكَ، أَنْتَ أَعْلَى مِنْهُمْ وَأَشْرَفُ وَأَجَلُّ. فَإِذَا أَجْمَلْتَ فِي النَّفْيِ أَجْمَلْتَ فِي الْأَدَبِ.

وَالتَّعْبِيرُ عَنِ الْحَقِّ بِالْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ النَّبَوِيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ هُوَ سَبِيلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ. وَالْمُعَطِّلَةُ يُعْرِضُونَ عَمَّا قَالَهُ الشَّارِعُ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَلَا يَتَدَبَّرُونَ مَعَانِيَهَا، وَيَجْعَلُونَ مَا ابْتَدَعُوهُ مِنَ الْمَعَانِي. انتهى
ثانيا: تسمية الله بالقديم والدائم في قوله:(قَدِيمٌ بِلَا ابْتِدَاءٍ، دَائِمٌ بِلَا انْتِهَاءٍ) وليس من أسمائه الحسنى القديم ويغني عنه الأول قال ابن أبي العز في شرحالطحاويةتالأرناؤوط (1/ 77): وَقَدْأَدْخَلَالْمُتَكَلِّمُونَفِيأَسْمَاءِاللَّهِتَعَالَىالْقَدِيمَ،وَلَيْسَهُوَمِنَالْأَسْمَاءِالْحُسْنَى،فَإِنَّالْقَدِيمَفِيلُغَةِالْعَرَبِالَّتِينَزَلَبِهَاالْقُرْآنُ: هُوَالْمُتَقَدِّمُعَلَىغَيْرِهِ،فَيُقَالُ: هَذَاقَدِيمٌ،لِلْعَتِيقِ،وَهَذَاحَدِيثٌ،لِلْجَدِيدِ. وَلَمْيَسْتَعْمِلُواهَذَاالِاسْمَإِلَّافِيالْمُتَقَدِّمِعَلَىغَيْرِهِ،لَافِيمَالَمْيَسْبِقْهُعَدَمٌ،كَمَاقَالَتَعَالَى: {حَتَّىعَادَكَالْعُرْجُونِالْقَدِيمِ} [يس: 39]  وَالْعُرْجُونُالْقَدِيمُ: الَّذِييَبْقَىإِلَىحِينِوُجُودِالْعُرْجُونِالثَّانِي،فَإِذَاوُجِدَالْجَدِيدُقِيلَلِلْأَوَّلِ: قَدِيمٌ،وَقَالَتَعَالَى: {وَإِذْلَمْيَهْتَدُوابِهِفَسَيَقُولُونَهَذَاإِفْكٌقَدِيمٌ} [الأحقاف: 11] ،أَيْمُتَقَدِّمٌفِيالزَّمَانِ. انتهى
ثالثا: كأنه في مسألة تسلسل الحوادث يوافق المتكلمين وأن التسلسل في المستقبل وهذا مأخوذ من قوله (مازال بصفاته قديما قبل خلقه لم يزدد بكونهم شيئا لم يكن قبلهم من صفاته)وما قبلها وبعدها.

قال ابن أبي العز في شرحالطحاويةتالأرناؤوط (1/ 109): قَوْلُهُ: (لَيْسَ مُنْذُ خَلَقَ الْخَلْقَ اسْتَفَادَ اسْمَ الْخَالِقِ وَلَابِإِحْدَاثِهِا لْبَرِيَّةَ اسْتَفَادَا سْمَ الْبَارِي) ش: ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَمْنَعُ تَسَلْسُلَ الْحَوَادِثِ فِي  الْمَاضِي، وَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ مَايَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَقَوْلُهُوَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ لَاتَفْنَيَانِ أَبَدًا وَلَاتَبِيدَانِ، وَهَذَامَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَاشَكَّ فِي فَسَادِ قَوْلِ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجَهْمُوَأَتْبَاعُهُ، وَقَالَ بِفَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، لِمَا يَأْتِي مِنَ الْأَدِلَّةِ إِنْشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. انتهى
رابعا: قوله في حق النبي صلى الله عليه وسلم (حبيب رب العالمين) والصحيح أنه خليل رب العالمين كما ثبتت بذلك النصوص والخلة أعلى درجات المحبة والحديث الذي فيه أن محمدا صلى الله عليه وسلم حبيب رب العالمين ضعيف.

قال ابن أبي العز في شرحالطحاويةتالأرناؤوط (1/ 164): ثَبَتَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْمَحَبَّةِ، وَهِيَ الْخُلَّةُ، كَمَا صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: « إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا. وَقَالَ: وَلَوْكُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَابَكْرٍ خَلِيلًا،وَلَكِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ» . وَالْحَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحِ وَهُمَا يُبْطِلَانِ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْخُلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ وَالْمَحَبَّةُ لِمُحَمَّدٍ، فَإِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ وَمُحَمَّدٌ حَبِيبُهُ. وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا: « إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ» . وَالْمَحَبَّةُ قَدْ ثَبَتَتْ لِغَيْرِهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76] {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]

فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ خَصَّ الْخُلَّةَ بِإِبْرَاهِيمَ وَالْمَحَبَّةَ بِمُحَمَّدٍ، بَلِ الْخُلَّةُ خَاصَّةٌ بِهِمَا، وَالْمَحَبَّةُ عَامَّةٌ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ الَّذِي فِيهِ: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلُ اللَّهِ، أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَلَا فَخْرَ» : لَمْ يَثْبُتْ. انتهى
خامسا: وصف الله تعالى بالألفاظ المجملة التي لا يدل عليها الدليل

مثل قوله (تعالى عن الحدود والغايات والأعضاء والأركان والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات) وهذه الألفاظ تحتمل حقا وباطلا والقاعدة عند أهل السنة أن ما اثبته الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أثبتناه وما نفاه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم نفيناه وما لم يرد فيه نفي ولا إثبات نتوقف في اللفظ ونستفصل في المعنى.

قال ابن أبي العز في شرح الطحاوية ت الأرناؤوط (1/ 260): أَذْكُرُ بَيْنَ يَدَيِ الْكَلَامِ عَلَى عِبَارَةِ الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ مُقَدِّمَةً، وَهِيَ: أَنَّ النَّاسَ فِي إِطْلَاقِ مِثْلِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: فَطَائِفَةٌ تَنْفِيهَا، وَطَائِفَةٌ تُثْبِتُهَا، وَطَائِفَةٌ تُفَصِّلُ، وَهُمُ الْمُتَّبِعُونَ لِلسَّلَفِ، فَلَايُطْلِقُونَ نَفْيَهَا وَلَاإِثْبَاتَهَا إِلَّا إِذَا بُيِّنَمَا أُثْبِتَ بِهَا فَهُوَ ثَابِتٌ،وَمَا نُفِيَ بِهَا فَهُوَ مَنْفِيٌّ. لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِ ينَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي اصْطِلَاحِهِمْ فِيهَا إِجْمَالٌ وَإِبْهَامٌ، كَغَيْرِهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ، فَلَيْسَ كُلُّهُمْ يَسْتَعْمِلُهَا فِي نَفْسِ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ. وَلِهَذَا كَانَ النُّفَاةُ يَنْفُونَ بِهَا حَقًّا وَبَاطِلًا، وَيَذْكُرُونَ عَنْ مُثْبِتِيهَا مَا لَايَقُولُونَ بِهِ، وَبَعْضُ الْمُثْبِتِينَ لَهَا يُدْخِلُ فِيهَا مَعْنًى بَاطِلًا، مُخَالِفًا لِقَوْلِ السَّلَفِ، وَلِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالْمِيزَانُ. وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ مِنَ الْكِتَابِ وَلَامِنَ السُّنَّةِ بِنَفْيِهَا وَلَا إِثْبَاتِهَا، وَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَصِفَ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا لَمْ يَصِفْ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا، وَإِنَّمَا نَحْنُ مُتَّبِعُونَ لَا مُبْتَدِعُونَ.

فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْظَرَ فِي هَذَا الْبَابِ، أَعْنِي بَابَ الصِّفَاتِ، فَمَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَثْبَتْنَاهُ، وَمَا نَفَاهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ نَفَيْنَاهُ. وَالْأَلْفَاظُ الَّتِي وَرَدَ بِهَا النَّصُّ يُعْتَصَمُ بِهَا فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ، فَنُثْبِتُ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي لَمْ يَرِدْ نَفْيُهَا وَلَا إِثْبَاتُهَا فَلَا تُطْلَقُ حَتَّى يُنْظَرَ فِي مَقْصُودِ قَائِلِهَا: فَإِنْ كَانَ مَعْنًى صَحِيحًا قُبِلَ، لَكِنْ يَنْبَغِي التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِأَلْفَاظِ النُّصُوصِ، دُونَ الْأَلْفَاظِ الْمُجْمَلَةِ، إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ، مَعَ قَرَائِنَ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ وَالْحَاجَةَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ مَعَ مَنْ لَا يَتِمُّ الْمَقْصُودُ مَعَهُ إِنْ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ. انتهى
سادسا: قوله (الإيمان واحد وأهله في أصله سواء) وهذا قول باطل وخطأ ظاهر، فإن الإيمان يزيد وينقص؛ ولذلك كان من عقد أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وحتى لو سلمنا أن التصديق واحد للجميع، لكنه واحد متفاضل.

قال ابن أبي العز في شرحال طحاوية ت الأرناؤوط (2/ 466): وَهَكَذَا الْعَقْلُ أَيْضًا، فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّفَاضُلَ، وَأَهْلُهُ فِي أَصْلِهِ سَوَاءٌ، مُسْتَوُونَ فِي أَنَّهُمْ عُقَلَاءُ غَيْرُمَجَانِينَ،وَبَعْضُهُمْ أَعَقَلُ مِنْ بَعْضٍ.

وَكَذَلِكَ الْإِيجَابُ وَالتَّحْرِيمُ، فَيَ كُونُ إِيجَابٌ دُونَ إِيجَابٍ، وَتَحْرِيمٌ دُونَ تَحْرِيمٍ. هَذَاهُوَالصَّحِيحُ. انتهى

سابعا: قوله: (وَنُسَمِّي أَهْلَ قِبْلَتِنَا مُسْلِمِينَ مُؤْمِنِينَ مَا دَامُوا بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مُعْتَرِفِينَ وَلَهُ بِكُلِّ مَا قَالَهُ وَأَخْبَرَ مُصَدِّقِينَ)

فيه إطلاق حيث يوافق مذهبه في تعريف الإيمان والاكتفاء بالتصديق والمعرفة على ما يأتي والله أعلم.
ثامنا: قوله (والإيمان: هو الإقرار باللسان، والتصديق بالجنان) 

وهذا قول مرجئة الفقهاء كأبي حنيفة وحماد بن أبي سليمان.
وعند أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية قال الآجري في الشريعة (2/ 639) وَأَخْبَرَنَا أَيْضًا خَلَفُ بْنُ عَمْرٍ وقَالَ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: سَأَلْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ: عَنِ الْإِيمَانِ؟ فَقَالَ: « قَوْلٌ وَعَمَلٌ » وَسَأَلْتُ ابْنَ الْجَرِيحِ، فَقَالَ: « قَوْلٌوَعَمَلٌ » وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِ وبْنِ عُثْمَانَ، فَقَالَ: « قَوْلٌ وَعَمَلٌ » , وَسَأَلْتُ نَافِعَ بْنَ عُمَرَ الْجُمَحِيَّ، فَقَالَ: « قَوْلٌوَعَمَلٌ »، وَسَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ، فَقَالَ: « قَوْلٌوَعَمَلٌ » وَسَأَلْتُ فُضَيْلَ بْنَ عِيَاضٍ ، فَقَالَ: « قَوْلٌوَعَمَلٌ » وَسَأَلْتُ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ، فَقَالَ: « قَوْلٌوَعَمَلٌ »، قَالَ الْحُمَيْدِيُّ: وَسَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ: " أَهْلُ السُّنَّةِ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَالْمُرْجِئَةُ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ قَوْلٌ، وَالْجَهْمَيَّةُ يَقُولُونَ: الْإِيمَانُ الْمَعْرِفَةُ "

قال شيخ الإسلام في الواسطية: وَمِنْ أُصُولِ الْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ:أَنَّ الدِّينَ وَالْإِيمَانَ: قَوْلٌ، وَعَمَلٌقَوْلُ: الْقَلْبِ، وَاللِّسَانِ وَعَمَلُ: الْقَلْبِ، وَاللِّسَانِ، وَالْجَوَارِحِ وَأَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ.

ففي تعريف الطحاوي إخراج الأعمال من مسمى الإيمان وهذا خلاف منهج السلف وطريقهم المجمع عليه على ما هو مقرر في موطنه.
تاسعا: حصره الكفر بالجحود مع أن الكفر قد يقع باللسان وبالجوارح وبالقلب أو بهم جميعا حيث قال: (ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه) وقد قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في تعليقه على العقيدة الطحاوية: هذا الحصر فيه نظر، فإن الكافر يدخل في الإسلام بالشهادتين إذا كان لا ينطق بهما، فإن كان ينطق بهما دخل في الإسلام بالتوبة مما أوجب كفره، وقد يخرج من الإسلام بغير الجحود لأسباب كثيرة بينها أهل العلم في باب حكم المرتد من ذلك: طعنه في الإسلام أو في النبي صلى الله عليه وسلم، أو استهزاؤه بالله ورسوله أو بكتابه، أو بشيء من شرعه سبحانه لقوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66] .

ومن ذلك: عبادته للأصنام أو الأوثان، أو دعوته الأموات والاستغاثة بهم، وطلبه منهم المدد والعون ونحو ذلك؛ لأن هذا يناقض قول: لا إله إلا الله التي تدل على أن العبادة حق لله وحده، ومنها: الدعاء والاستغاثة والركوع والسجود والذبح والنذر ونحو ذلك، فمن صرف منها شيئاً لغير الله من الأصنام والأوثان والملائكة والجن وأصحاب القبور وغيرهم من المخلوقين فقد أشرك بالله، ولم يحقق قول: لا إله إلا الله، وهذه المسائل كلها تخرجه من الإسلام بإجماع أهل العلم، وهي ليست من مسائل الجحود، وأدلتها معلومة من الكتاب والسنة،

وهناك مسائل أخرى كثيرة يكفر بها المسلم وهي لا تسمى جحوداً، وقد ذكرها العلماء في باب حكم المرتد، فراجعها إن شئت، وبالله التوفيق. انتهى
عاشرا : قوله (ولا يطيقون إلا ما كلفهم).

 والواقع أن الله فرض فرائضا وسن سننا وخفف عن العباد رحمة منه والعباد يطيقون أكثر منها قال ابن أبي العز في شرحالطحاوية ت الأرناؤوط (2/ 656) وَلَكِنْ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ إِشْكَالٌ: فَإِنَّ التَّكْلِي فَلَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْإِقْدَارِ، وَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْأَمْرِوَ النَّهْيِ، وَهُوَ قَدْ قَالَ: لَايُكَلِّفُهُمْ إِلَّا مَايُطِيقُونَ،وَلَا يُطِيقُونَ إِلَّا مَاكَلَّفَهُمْ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَايَصِحُّ ذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ يُطِيقُونَ فَوْقَ مَا كَلَّفَهُمْ بِهِ، لَكِنَّهُ سُبْحَانَهُ يُرِيدُ بِعِبَادِهِ الْيُسْرَ وَالتَّخْفِيفَ، كَمَا قَال تَعَالَى: { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [الْبَقَرَةِ: 185] . وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ } [النِّسَاءِ: 28] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَاجَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الْحَجِّ: 78] . فَلَوْ زَادَ فِيمَا كَلَّفَنَا بِهِ لَأَطَقْنَاهُ، وَلَكِنَّهُ تَفَضَّلَ عَلَيْنَا وَرَحِمَنَا، وَخَفَّفَ عَنَّا، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. فَفِي الْعِبَارَةِ قَلَقٌ، فَتَأَمَّلْهُ. انتهى

تنبيه:ومع ذلك ينبغي لطالب العلم دراسة هذا الكتاب وشرحه لابن أبي العز أو غيره وذلك لمعرفة المذهب الصحيح ومعرفة ما يخالفه حتى لا يحتج عليك محتج بما في هذا الكتاب الذي اشتهر بين أهل السنة قديما وحديثا وهو من أول العقائد المصنفة وأشهرها.