التصنيف : الكتب
تاريخ النشر : 25-09-2017
عدد الزيارات : 630
القسم : كتب ورسائل في الفقه وأصوله

الالتفاف حول أحكام الاعتكاف

الالتفاف حول أحكام الاعتكاف
 

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه أجمعين ، أما بعد :

فهذه نبذٌ تتعلق بأحكام الاعتكاف ، نسأل الله أن ينفع بها.

* الاعتكاف لغة : اللبث وملازمة الشيء أو الدوام عليه خيراً كان أو شراً، ومنه قوله تعالى : ((وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)) ، وقوله: ((يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ)).

* واصطلاحاً: هو المقام في المسجد من شخص مخصوص ، على صفة مخصوصة ؛ لطاعة الله .

* الاعتكاف مشروع بالكتاب والسنة والإجماع.

- أمَّا الكتاب، فقوله تعالى: ((وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)) ، وقوله تعالى: ((وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)) .

وأمَّا السُّنة فكثيرة , منها: حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر حتى توفاه الله, ثم اعتكف أزواجه من بعده )) .

- وأمَّا الإجماع فنقلهُ غير واحد من العلماء منهم : ابن المنذر وابن حزم والنووي وابن قدامة وشيخ الإسلام والقرطبي وغيرهم .

• تنبيه : لم يرد في فضل الاعتكاف شيءٌ من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم , قال أبو داود في مسائله : (( قلت لأحمد تعرف في فضل الاعتكاف شيئاً ؟ قال : لا , إلا شيئاً ضعيفاً )).

* حكمه : سنة بالإجماع , إلا أن يوجب المرءُ على نفسه الاعتكاف نذراً فيجب عليه. حكاه ابن المنذر.

* وقته : يصحُّ في أيِّ وقت من أيام السنة , فقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها ((أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأوائل من شوال )) وفي رواية (( العشر الأواخر )) .

- ولكنَّهُ يتأكد في رمضان ؛ لمواظبة النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيه , فقد (( اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الوسط من رمضان )) متفق عليه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
- وفي رواية (( كان يعتكف في كل رمضان )) رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها .

وأفضله العشر الأواخر؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم اعتكفها حتى توفاه الله عز وجل كما تقدم في حديث عائشة.

أ- زمن الدخول: من قبل غروب شمس ليلة الحادي والعشرين وبه قال جمهور أهل العلم، والدليل حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال : (( إني اعتكف العشر الأول ألتمس هذه الليلة ، ثم اعتكف العشر الأوسط ، ثم أتيت فقيل لي : إنها في العشر الأواخر، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف ، فاعتكف الناس معه )) وفي لفظ (( فليعتكف العشر الأواخر)) متفق عليه. 

وجه الدلالة من الحديث : أن زمن دخول المعتكف من بعد غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين ؛ لقوله: ((فليعتكف العشر الأواخر)) ، إذ العشر بغير هاء عدد الليالي ، وأول هذه الليالي ليلة إحدى وعشرين.

• أما حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((كان إذا أراد أن يعتكف صلَّى الفجر ثم دخل معتكفه )) متفق عليه .

فقد أجيب عليه من ثلاثة وجوه :
الوجه الأول : أن معنى الحديث أنه انقطع في معتكف , وتخلَّى بنفسه بعد صلاة الصبح , لا أنَّ ذلك كان وقت ابتداء اعتكافه , بل كان ابتداؤهُ قبل الغروب لابثاً في جملة المسجد.

الوجه الثاني: أنه محمول على الجواز, إن سُلم ذلك عنه صلى الله عليه وسلم , وإنْ كان وقت الاستحباب قبل الغروب .

الوجه الثالث : أنَّهُ محمولٌ على أنَّهُ يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح في اليوم العشرين ، ليستزيد يوماً قبل دخول العشر.

ب- زمن الخروج : يخرج إذا غربت الشمس من آخر يوم من أيام العشر؛ لأن العشر تزول بزوال الشهر، والشهر يزول بغروب الشمس من ليلة الفطر.

* أقل الاعتكاف وأكثره : أما أقله فيوم أو ليلة ؛ لحديث عمر رضي الله عنه قال : ((كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له صلى الله عليه وسلم : أوفِ بنذرك )) متفق عليه.

وأما أكثر الاعتكاف فلا حدَّ له ، ما لم يتضمن محذوراً شرعياً ؛ لعموم قوله تعالى: (( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد ِ)) . 

* شروطه : 
الأول: الإسلام؛ لقوله تعالى : ((إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )) .

الثاني : العقل، فلا يصح الاعتكاف من مجنون ولا سكران، ولا مغمى عليه؛ لحديث عمر رضي الله عنه مرفوعاً : (( إنما الأعمال بالنيات )) متفق عليه .

الثالث : التمييز، فغير المميِّز لا يصحُّ منه الاعتكاف ؛ لما تقدم من الدليل في الشرط الثاني .

الرابع : النية : لحديث عمر رضي الله عنه المتقدم : (( إنما الأعمال بالنيات )) ، ولأن اللبث في المسجد قد يقصد الاعتكاف وقد يقصد به غيره ، فاحتيج إلي النية للتمييز بينهما.

- وهذه الشروط الأربعة باتفاق الأئمة .

الخامس : أن يكون في مسجد جامع ؛ لقوله تعالى : (( وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد ِ)) ، وأمَّا ما ثبت في سنن البيهقي من حديث حذيفة مرفوعاَ : (( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة )) فمحمولٌ على النفي للكمال ، كحديث أسامة بن زيد في الصحيحين مرفوعاَ : ((لا رباً إلا في النسيئة)) ، فهو الربا الأغلظ ، الشديد التحريم ، المتوعد عليه بالعقاب الشديد، وكما تقول العرب: لا عالم إلا زيد، مع أن فيها علماء غيره. 

- هل يشترط في الاعتكاف الصيام ؟
الجواب: لا يشترط , والدليل على ذلك : 

1 - قوله تعالى: (( وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد ِ)) ، فدلت هذه الآية على مشروعية الاعتكاف بلا صوم لإطلاقها.

2- ما رواه البخاري ومسلم من حديث عمر رضي الله عنه أنه قال: (( كنت نذرت في الجاهلية أن اعتكف ليلةً في المسجد الحرام ، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم : أوف بنذرك )) . 

تنبيه : ورد في بعض الروايات (( نذرت أن أعتكف يوماً )) ، بدلاً من ( ليلة ) ، وهي شاذة ، حكم عليها الحافظ ابن حجر بالشذوذ .

* آدابه :
1) أن يقضي وقته بالصلاة , وقراءة القران, وذكر الله , والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .

2)أن يجتنب كلَّ ما لا يعنيه من الأقوال والأفعال.

3) يجتنب الجدال والمراء والسباب والفحش.

4)أن لا يتكلم إلا بخير, ولا بأس بالكلام لحاجتة ومحادثه غيره .

* موانعه :

1)الجماع ؛ لقوله تعالى : (( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد )) .
- وقد قال الشوكاني: ودلَّ عليه إجماعُ الأمة . اهـ السيل الجرار (2/136) .

2)الخروج من المسجد ، فمن هديه صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في المسجد ، وقد قالت عائشة رضي الله عنها : ((السُّنَّة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لابدَّ منه)) رواه أبوداود وصححه الألباني . 

* مباحاته :
1)الأكل والشرب في المسجد .
2)النوم في المسجد . 
3)لزوم بقعة بعينها في المسجد . 
4)عمل خيمة في المسجد . 
5)لبس الثياب الحسنة والطيب . 
6)غسل الرأس وتسريحه ودهنه .
7)أخذ سنن الفطرة . 
8)الوضوء في المسجد .
9) زواجه وتزويجه .


 

والحمد لله رب العالمين
تحميل الكتاب