الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى صحبه ومن والاه .. أما بعد:
فهذه متفرقات جمعتها فيما يتعلق بالمطر من آداب وأحكام غفل عنها كثير من الناس، نسأل الله العظيم أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
* تعريفه: هو الماء المنسكب من السّحاب.
وكلمة (المطر) في القرآن الكريم جاءت على معنيين:
1-المطر بمعنى الحجارة كقوله تعالى: ((وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً)) الشعراء (173) يعني حجارة.
2-المطر يعني الغيث كقوله تعالى: ((أَذًى مِنْ مَطَر)) النساء (102).
* رتب العرب تسمية المطر على النحو الآتي:
أول المطر رش وطش، ثم طل ورذاذ، ثم نضح ونضخ، وهو قطر بين قطرين، ثم هطل وتَهتان، ثم وابل وجَوْد.
* وصف الله (المطر) في القرآن بعدة أوصاف، منها:
1-طهور، قال تعالى: ((وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)) الفرقان (48).
2-مبارك، قال تعالى: ((وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا)) ق (9).
3-فرات، قال تعالى: ((وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا)) المرسلات (27).
4-ثجاج، قال تعالى: ((وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا)) النبأ (14).
* والمطر رحمة ونعمة من الله جلّ وعلا:
1-قال تعالى: ((وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ)) البقرة (22).
2-وقال تعالى: ((وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ)) فصلت (39).
3-وقال تعالى: ((وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)) الشورى (28).
4-وقال تعالى: ((وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا)) الجن (16).
* وأحياناً يكون المطر نقمة وغضباً من الله:
1-قال تعالى: ((قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ َلا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّه)) هود (43).
2-وقال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خلالهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِمِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ)) النور (43).
3-وقال تعالى: ((فَكلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا)) العنكبوت (40).
4-وقال تعالى: ((فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ )) سـبأ: من الآية(16).
* الأسباب الجالبة للمطر:
1-تقوى الله، قال الله تعالى: ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاء والأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)) الأعراف: (96).
2-الاستغفار، قال تعالى عن نوح: ((فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً)) نوح: (10-11).
3-الاستقامة، قال تعالى: ((وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَة لأسقَينَاهُم مَاءً غَدَقاً)) الجـن: (16) .
4-صلاة الاستسقاء، لحديث عبدالله بن زيد الأنصاري (أن رسول الله خرج إلى المصلى يستسقي وأنه لما أراد أن يدعو استقبل القبلة وحول رداءه) متفق عليه.
5-الدعاء أثناء الخطبة، لحديث أنس بن مالك أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة، والنبي قائم يخطب، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله عز وجل يغيثنا، فرفع يديه، ثم قال: ((اللهم أغثنا اللهم أغثنا)) متفق عليه.
* جعل الله في المطر فوائد عدة، منها:-
1-سبب لوجود الرزق لقوله تعالى: ((وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ)) البقرة (22).
2-إحياء الأرض لقوله تعالى : ((وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)) البقرة: (164).
3-مطهِّر لقوله: ((وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ)) الأنفال: (11).
4-يستفاد منه للشرب وسقي الزرع لقوله: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ)) النحل)10).
* وقد كان النبي يفرح بهطول المطر، ففي الصحيحين عن عائشة قالت: (كان النبي إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر، ودخل وخرج، وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سري عنه).
* والعلم بتوقيت المطر غيب لا يعلمه إلا الله، قال الله جل وعلا: ((إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) لقمان(34).
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال : ((في خمس لا يعلمهن إلا الله: ((إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام)) متفق عليه.
وعن ابن عمر رضي الله عنه النبي قال: ((مفاتيح الغيب خمس، ثم قرأ ((إن الله عنده علم الساعة)) رواه البخاري.
* حريٌ بنا أن نشكر الله على نعمة المطر ولا ننسب نزوله إلى غير الله، فقد ثبت في الصحيحين عن زيد بن خالد عن النبي قال: قال الله ((أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مُطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال مُطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب)) متفق عليه.
قال الإمام الشافعي في (الأم) : من قال: (مُطرنا بنوء كذا وكذا) على ما كان بعض أهل الشرك يعنون من إضافة المطر إلى مطر نوء كذا، فذلك كفر كما قال رسول الله ؛لأن النوء وقت، والوقت مخلوق لا يملك لنفسه ولا لغيره شيئاً، ومن قال (مطرنا بنوء كذا) بمعنى مُطرنا في وقت كذا، فلا يكون كافراً وغيره من الكلام أحبُّ إليّ منه. اهـ.
* وليس القحط بأن لا ينزل علينا المطر، وإنما القحط الحقيقي بأن ينزل علينا المطر ولكن لا نستفيد منه كما قال : ((ليست السَّنةُ بأن لا تمطروا، ولكن السنة أن تُمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئاً)) رواه مسلم عن أبي هريرة.
* والمطر في المنام إذا لم يحصل منه ضرر فإنه خير ورزق ورحمة وحياة الإنسان والأرض، وإن كان المطر عاماً مؤذياً أو كانت السماء تمطر دماً أو حجارة فإنه يدل على الذنوب والمعاصي.
* من آدابه وأحكامه:
1-أن يكشف شيئاً من بدنه تبركاً به، عن أنس بن مالك قال: أصابنا ونحن مع رسول الله مطر، فحسر رسول الله ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: ((لأنه حديث عهد بربه)) رواه مسلم.
2-أن يقول: اللهم صيّباً نافعاً، عن عائشة أن النبي كان إذا رأى المطر قال: ((اللهم صيباً نافعاً)) رواه البخاري.
3-وإذا اشتد المطر فيدعو الله أن يصرفه عنهم، عن أنس بن مالك أنه لما قيل لرسول الله : ((يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادعُ الله أن يمسكها عنا)) رفع النبي ثم قال ((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر، فانقلعت، وخرجنا نمشي في الشمس)) متفق عليه.
4-من السنة أن يقول المؤذن في المطر (صلوا في رحالكم) أو (ألا صلوا في الرحال) أو (صلوا في بيوتكم) أو ( ومن قعد فلا حرج).
* وتقال إحدى هذه الألفاظ في ثلاثة مواضع:
1-إما بدلاً من (حي على الصلاة) لحديث ابن عباس في الصحيحين أنه قال لمؤذنه في يوم مطير: ((إذا قلت (أشهد أن محمداً رسول الله) فلا تقل (حي على الصلاة) قل (صلوا في بيوتكم) فكأن الناس استنكروا، فقال فعله من هو خير مني)).
2-أو بعد (حي على الفلاح) لحديث رجل من ثقيف في سنن النسائي أنه سمع منادي النبي يعني في ليلة مطيرة في السفر يقول: (حي على الصلاة) (حي على الفلاح) (صلوا في رحالكم) وإسناده صحيح رجاله رجال الشيخين إلا الرجل الثقفي مبهم، لكنه صحابي فلا يضر.
3-أو بعد انتهاء الآذان لحديث ابن عمر في الصحيحين أنه أذن في ليلة باردة بضجنان ثم قال: (صلوا في رحالكم) فأخبرنا أن رسول الله كان يأمر مؤذناً يؤذن ثم يقول على إثره (ألا صلوا في الرحال) في الليلة الباردة أو المطيرة أو السفر).
4-وعن نعيم النحام قال: نودي بالصبح في يوم بارد وأنا في مرط امرأتي، فقلت ليت المنادي قال: (ومن قعد فلا حرج) فنادى منادي النبي في آخر أذانه: (ومن قعد فلا حرج) رواه أحمد والبيهقي وصححه الشيخ الألباني في الصحيحة (2605).
5-يستحب أن يصلي الناس في بيوتهم، وذلك للأحاديث المتقدمة في نداء المؤذن (صلوا في رحالكم).
6-يجمع بين الصلوات، فقد ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس أنه قال: ((جمع رسول الله بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في غير خوف ولاسفر ولا مطر ).
قال الشيخ الألباني: والحقيقة أنني لا أعلم حديثاً صريحاً في الجمع في المطر إلا ما يُستفاد من حديث مسلم المتقدم: ((من غير خوف ولا مطر)) فإنه يفيد بأنه كان من المعهود في زمنه الجمع للمطر، ولذلك جرى عمل السلف بذلك كما ورد في آثار كثيرة في (مصنف عبدالرزاق) و (مصنف ا بن أبي شيبة) اهـ.
والجمع يكون بين كل صلاتين بآذان وإقامتين تمام من غير قصر إلا إذا كان مسافراً.
وقال الشيخ ابن عثيمين: الجمع في المطر هل الأفضل التقديم أو التأخير؟
الأفضل التقديم، لأنه أرفق بالناس، ولهذا تجد الناس كلهم في المطر لا يجمعون إلا جمع تقديم.
كتبه : أبوعمار ياسر العدني
نزيل : حضرموت ـ المكلا