مقدمة العلامة يحيى بن علي الحجوري
الحمد لله حمداً كثيراً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
ففي الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: »من يرد الله به خيراً يفقه في الدين، وإنما أنا قاسم والله معطي«.
وقال عليه الصلاة والسلام: تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا«.
وأثنى على أهل بقوله: »الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان«.
وقد عرّف أهل العلم الفقه بأنه الفهم الدقيق النافذ ولا يبنى فقه هذه المسائل وغيرها، إلا على الأدلة الصحيحة، ففهمها يحتاج إلى علم حديث، حتى تُبنى عليه المسائل الفقهية، والأمر كما قال الحافظ الصوري رحمه الله في بيانه لعلم الحديث، واحتياج كل العلوم إليه:
قل لمن عاند الحديث وأضحى
عائباً أهله ومن يدعيه
أبعلم تقول هذا أبن لي
أم بجهل فالجهل خلق السفيه
أيعاب الذين هم حفظوا الدين
من الترهات والتمويه
وإلى قولهم وما قد رووه
راجع كل عالم وفقيه
وصدق رحمه الله، فكم من مسألة يخوض فيها كثير من أهل الفقه، الذين ليس لهم كبير عناية بهذا العلم العظيم –علم الحديث- فلا يُهدَون فيها لعين الصواب، وترى فيها لأهل الحديث الحق بأوضح بيان، وأحسن تفسير، ولقد كثرت دعاوى الإجماع في هذه المسألة بعينها –وهي خطبة العيد- وعند المحاققة يرى الباحث أنه لا إجماع في شرعية الخطبتين للعيد، ولا دليل صحيح على ذلك، وكيف يقوم الإجماع على غير دليل، وقد عُلم أن مخالفة الدليل خطأ، والإجماع معصوم عن الخطأ، وبقيت هذه السنة في غموض عن إحيائها، حتى هيأ الله لها في هذه البلاد اليمنية،
شيخنا الفقيه المحدث مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله،
فأحياها مع عديدٍ غيرها من السنن التي دلت على عمق فقهه، المبني على ثوابت السنة النبوية، النائية على التقليد الأعمى، والتجرد لتطبيق الأدلة.
وانتفع الناس والحمد لله بهذه السنن التي قد صارت في كثير من البلدان، لا يسمع لها ذكر( ) ثم قام بعض المقلدين، ومن غالب بضاعتهم في الفقه النظر إلى الأقوال دون تمحيص لما تُبنى عليه من الأدلة، فصار ينشر بين عوام الناس أن السنة للعيد خطبتين، فحصل بينهم تشويش، بل كاد أن يتشوش لذلك بعض طلاب العلم، من ذلك الصنف المذكور.
وكنا كثيراً ما نسأل عن هذه المسألة فنجيب بما نقل بعضه أخوانا الفاضل صاحب هذه الرسالة
عبد الحميد الحجوري وفقه الله، ومن ثم قام أخونا الجليل المذكور حفظه الله بتحريرها في مبحث خاص، وهو هذا الذي بين يديك بعنوان: (فتح الحميد المجيد في بيان الراجح في خطبة العيد)،
وعرضها عليّ فقرأتها ورأيت هدي فيها للصواب، واستدل بأدلة مناسبة للأبواب، وفند فيها الأقوال المنثورة، في بعض المدونات، والتي كانت السبب في الخطأ في هذه المسألة من بعض الكتاب، فجزى الله أخانا عبد الحميد خيراً، ونفع به.
كتبه :
أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
في الثامن عشر من شهر رجب من عام ستة وعشرين وأربعمائة وألف للهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.
تحميل الكتاب