(فتوى في حكم من امتهن القرآن الكريم)
(بسم الله الرحمن الرحيم)
هذا سؤال موجه لفضيلة الشيخ العلامة يحيى بن على الحجوري
السؤال : رجل مزّق كتاب الله عز وجل وداس عليه بقدميه مع العلم أن الرجل عاقل بالغ غير مُكره فهل يطلق عليه بالكفر تعييناً وما واجب الناس نحوه خاصة لمن كان له وجاهة ؟
الجواب :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد فإن القرآن الكريم كتاب الله عز وجل وكلامه وصفة من صفاته المقدسة قال تعالى : ﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة:6]
فهو كتاب رحمة قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [يونس:57]
فكتاب الله عز وجل يجب تعظيمه واتباعه وصيانته وتنزيهه قال تعالى : ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج:32]
وتدنيسه والاستخفاف به والإستهانه أو الاستهزاء به كفر أكبر مخرج من الملة لقوله تعالى : ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾
(التوبة:55-66)
ولقوله : ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا﴾
[الكهف:104-106]
ولقوله تعالى : ﴿وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾
[الجاثية:35]
وما ذكرناه من وجوب تعظيم كتاب الله وكفر من استهان به كل ذلك مجمع عليه بين المسلمين
قال القاضي عياض رحمه الله في كتابه (الشفاء) صـ(418): وأعلم أن من أستخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه أو سبه أو جحده , أو حرفاً منه , أو آية أو كذب به أو بشيء منه أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر أو أثبت ما نفاه أو نفي ما أثبته على علم منه بذلك أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع قال الله تعالى:
﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾
(فصلت:41-42)
ونقله ابن مفلح في الآداب الشرعية (2/410) فقال: أجمع المسلمون على وجوب تعظيم القرآن العزيز على الإطلاق وتنزيهه وصيانته وأجمعوا على أن من جحد حرفاً لم يقرأ به أحد وهو عالم بذلك فهو كافر وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- كما في مجموع الفتاوى (8/ 425) وقد اتفق المسلمون على أن من استخف بالمصحف مثل أن يلقيه في الحش أو يركضه برجله إهانة له أنه كافر مباح الدم .
وأخرج الإمامان البخاري (2990) ومسلم (1869) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان ينهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو . زاد مسلم في رواية لهمخافة أن يناله العدو .
قال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد (15/255) : ومعلوم أن من تنزيه القرآن وتعظيمه إبعاده عن الأقذار النجاسات وفي كونه عند أهل الكفر تعريض له لذلك وإهانةً له .
قال وعلى هذا : فنعم يطلق على الرجل الذي امتهن كتاب الله عز وجل بما ذكروا في السؤال انه كافر مباح الدم كما نقل شيخ الإسلام ابن تيمية اتفاق المسلمين على ذلك وما علم من أدلة استتابة المرتدين يشملهم فإن تاب وأناب عزر على صنيعه بما يراه ولي الأمر , وإن لم يتب وجب قتله كافراً مرتداً عن دين الإسلام .
كتبه
أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
بتاريخ / الجمعة /22/ ربيع الثاني 1430هـ