مقدمة الشيخ العلامة الْمُحدث مقبل بن هادي الوادعي -رحِمه الله-(1)
الْحَمد لله، حَمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن مُحمدًا عبده وسوله.
أما بعد:
فقد اطَّلعت على كتاب «الْجُمعة» للشيخ يَحيى بن علي الْحَجوري؛ فوجدته كتابًا عظيمًا فيه فوائد تُشد لَها الرحال، مع الْحُكم على كل حديثٍ بِمَا يستحقه، واستيعاب الْمَوضوع؛ فهو كتاب كافٍ وافٍ فِي موضوعه، كيف لا يكون كذلك والشيخ يَحيى -حفظه الله- فِي غاية من التحري والتقى والزهد والورع وخشية الله؟! وهو قوَّال بالْحَق لا يَخاف فِي الله لومة لائم، وهو -حفظه الله- قام بالنيابة عنِّي فِي دروس دار الْحَديث بدماج يلقيها على أحسن ما يرام، وقد رحلت من دار الْحَديث والطلاب فيه نَحو الألف، وكنت أقول: الله أعلم ما الله صانع بِهم!! ولولا ما قدره الله ما كنت أحب أن أفارقهم، ولا أصبر على فراقهم أكثر من شهر.
فوالله ما فارقتكم قاليًا لكم ولكن ما يقضى فسوف يكون
وبيت آخر:
ما كل ما يتمنى الْمَرء يدركه تَجري الرياحُ بِمَا لا تشتهي السفن
وفوق ذلك قوله تعالَى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلاََّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ﴾; [الإنسان: 30].
وقوله تعالَى: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾; [الأحزاب: 38]. آمنت بالقدر.
رحلت عنهم وهم قدر ألف طالب، ثُمَّ سألت بعد نَحو تسعة أشهر الأخ الفاضل الشيخ أحْمَد بن عبد الله الوصابي القائم على شئون الطلاب مع تعاون الإخوة أهل دماج الْحُراس معه، قلت له: كم عدد الطلاب؟ قال: نَحو ألف وخمسمائة وهم مقبلون على طلب العلم إقبالاً ليس له نظير.
وفِي هذه الأيام سألته عن عدد الرجال والنساء من غير الأطفال فقال: نَحو ثلاثة آلاف، فجزى الله الإخوة القائمين على دار الْحَديث بدماج خيرًا على الرعاية والْحِراسة والتدريس فِي جَميع الْمَجالات يدرسون كلاًّ على مستواه.
ولَمَّا وصلنِي كتاب أخينا يَحيى؛ فلمحبتِي له أقرأ الكتاب وأنا مستلقٍ على قفاي لأمور يعلمها الله، ولولا أن عاجلنا السفر لأتْممت قراءة الكتاب من أجل الاستفادة منه.
فجزى الله أخانا الشيخ الفاضل الشيخ يَحيى خيرًا، وهنيئًا له لِمَا حباه الله من الصبر على البحث والتنقيب عن الفوائد الْحَديثية والفقهية، فهو كتاب أحاديث وأحكام، وكتاب جرح وتعديل مع ما فيه من الْمَسائل الفقهية الَّتِي تُشد لَها الرحال.
هذا وآخر دعوانا أن الْحَمد لله رب العالَمين.
كُتب صباح يوم الإثنين تسع عشر خلت من شهر ربيع الأول سنة ألف وأربعمائة واثنين وعشرين للهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام.
______________________
(1) كانت مراجعتِي الأخيرة لِهذا الكتاب بعد موت شيخنا -رحْمة الله عليه-.
مقدمة الطبعة الثانية
الْحَمد لله، حَمدًا كثيرًا مباركًا فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن مُحمدًا عبده وسوله.
أما بعد:
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «الصلوات الْخَمس، والْجُمعة إلَى الْجُمعة، ورمضان إلَى رمضان؛ مكفرات لِمَا بينهن إذا اجتنبت الكبائر» اهـ.
ولا يكفر الذنوب إلاَّ العمل الصالح الذي أُريد به وجه الله عز وجل، وكان مطابقًا لِهَدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ وإلاَّ كان العمل الذي لَم يتوفر فيه هذان الشرطان ردًّا على صاحبه، يتعب به في الدنيا ويتضرر به أيضًا في الآخرة.
هذا ولِمَا لِهَذه الشعيرة العظيمة من الأهمية البالغة في الدين فقد قصدت إفراد هذا المبحث الْمُختص بالْجُمعة من شرحي على منتقى ابن الْجَارود -رَحِمه الله-، وأضفت إليه ما يسره الله لِي من الأحكام والْمَسائل الْمُتعلقة بِمهمات الْمَوضوع، ثم ذيلته ببيان البدع والْمُخالفات فِي الْجُمعة؛ ليحذرها من يتحرى السنن ويتجنب البدع من عباد الله الصالِحين.
وكنت قدمت هذا الكتاب في طبعته الأولَى لدار ناشئة تسمى دار شرقين باليمن، أهلها ذوو خير وصلاح ومَحبة لنشر السنة فيما نَحسبهم، غير أنهم ليست لَهُم خبره في العناية بطبع الكتب؛ فحصل في الطبعة الأولَى تقديم في بعض الْمَواضيع وتأخير في بعض وسقط وأخطاء مطبعية كثيرة تَمَّ تداركها بِحمد الله في هذه الطبعة الثانية لدى دار نأمل أن يكون حليفها التوفيق في نشر كتب السنة بعناية طيبة، وهي: «دار الإمام أحمد».
نسأل الله أن يَجعل أعمالنا، وأعمال القائمين عليها خالصة لوجهه الكريم نافعة لعباده الْمُؤمنين
كتبه
أبو عبد الرحمن يحيى بن علي الحجوري
في عصر يوم الأربعاء التاسع والعشرين من شهر صفر
للعام السابع والعشرين وأربعمائة وألف للهجرة النبوية
على صاحبها الصلاة والسلام
والحمد لله رب العالَمين