وَاسْئَل القَرْيَةَ التِيْ كُنَّا فِيْهَا
والْعِيْرَ التِيْ أقْبَلْنَا فِيْهَا وَإنَّالَصَادِقُوْن
لأبي حاتم
عبد الله بن حسن الأشموري السَّلفِي.
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون . يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا . يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما . أما بعد:
فإن خير الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار . وبعد:
فإن المسلم في هذه الحياة الدنيا معرض للفتن وقد يقع فيها بما كسبت يداه ، ومتى استشرفها استشرفته قال عز وجل : {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم } وقال سبحانه: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} – وجاء عند البخاري ومسلم رحمهماالله من حديث أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: ( سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ)
قال النووي رحمه الله ت(776)هـ: ( وَمَعْنَى ( تَسْتَشْرِفهُ ) تَقْلِبهُ وَتَصْرَعهُ . وَقِيلَ : هُوَ مِنْ الْإِشْرَاف بِمَعْنَى الْإِشْفَاء عَلَى الْهَلَاك ، وَمِنْهُ أَشْفَى الْمَرِيض عَلَى الْمَوْت وَأَشْرَفَ) .
وقال العيني رحمه الله ت(855)هـ: (وفيه الحث على تجنب الفتن والهرب منها وأن شرها يكون بحسب التعلق بها) .
وقال ابن حجر رحمه الله ت(852)هـ: ( قَوْله ( مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا )... أَيْ تَطَلَّعَ لَهَا بِأَنْ يَتَصَدَّى وَيَتَعَرَّض لَهَا وَلَا يُعْرِض عَنْهَا ، وَضُبِطَ أَيْضًا مِنْ الشَّرَف وَمِنْ الْإِشْرَاف .
قَوْله ( تَسْتَشْرِفُهُ ) أَيْ تُهْلِكهُ بِأَنْ يُشْرِف مِنْهَا عَلَى الْهَلَاك ،...وَحَاصِله أَنَّ مَنْ طَلَعَ فِيهَا بِشَخْصِهِ قَابَلَتْهُ بِشَرِّهَا ، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد مَنْ خَاطَرَ فِيهَا بِنَفْسِهِ أَهْلَكَتْهُ ، وَنَحْوه قَوْل الْقَائِل مَنْ غَالَبَهَا غَلَبَتْهُ ) .
وجاء عند الإمام مسلم رحمه الله ت(261)هـ: من حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ أَيُّكُمْ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ فَقَالَ قَوْمٌ نَحْنُ سَمِعْنَاهُ فَقَالَ لَعَلَّكُمْ تَعْنُونَ فِتْنَةَ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَجَارِهِ قَالُوا أَجَلْ قَالَ تِلْكَ تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَلَكِنْ أَيُّكُمْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ الْفِتَنَ الَّتِي تَمُوجُ مَوْجَ الْبَحْرِ قَالَ حُذَيْفَةُ فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ فَقُلْتُ أَنَا قَالَ أَنْتَ لِلَّهِ أَبُوكَ قَالَ حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ)
ألا وإن من سعادة المرء المسلم في هذه الدنيا أن يجنبه الله الفتن ويعصمه من الوقوع فيها ، فقد جاء عند أبي داود رحمه الله من حديث الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ رضي الله عنه قَالَ ايْمُ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يَقُولُ « إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنِ ابْتُلِىَ فَصَبَرَ فَوَاهًا» .
قال الإمام الوادعي رحمه الله ت(1422)هـ عقب هذا الحديث: ( فالذي يبتلى ويصبر فله أجر عظيم ).
وقال أيضا: ( فنحن في زمن الفتن وكلما انقضت فتنة جاءت فتنة هي أعظم منها: {أولا يرون أنّهم يفتنون في كلّ عام مرّةً أو مرّتين ثمّ لا يتوبون ولا هم يذّكّرون382}، ويقول تعالى: {وما نريهم من آية إلاّ هي أكبر من أختها383}.
وقال شيخنا يحيى حفظه الله: (ولمن ابتلي فصبر فواها) : أي: فواعجبًا له، هذا الحديث اجتمع فيه أمران:
الأمر الأول: أن السعيد من جنبه الله الفتن، ولو بالموت، للأدلة التي ذكرناها.
الأمر الثاني: أن السعيد من ابتلي في جسمه أو ماله، أو بالفقر فصبر، هو ما زال سعيداً ولا يجوز له تمني الموت).
ولايستغرب كل عاقل فطن متبع لآثار السلف , إذا رأى من هو أكبر منه سنا أو علما يقع في الفتن ويتخبط في ظلماتها، لأن العاقل لا يعرف الحق بالرجال بل يعرف الرجال بالحق ، ويعلم قول الحق تبارك وتعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه ..} ولأنه كذلك يعلم قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ) من حديث عبداللّه ابن عمرو بن العاص عند مسلم.
قال الإمام الوادعي رحمه الله ت(1422)هـ في معرض كلامه على عبدالرحيم الطحان: ( فأهل العلم قاموا بواجب نحو ذلك الشخص الذي كان مدرّسًا في جامعة أبْها يدرّس التوحيد ثم تغير، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((إنّ القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلّبها كيف يشاء)).
وكان من دعاء الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((يا مقلّب القلوب ثبّت قلبي على دينك)). وأنا لست ضامنًا ألا أتغير، وكل أحد لا يستطيع أن يضمن نفسه من التغيّر) .
أحببت بهذه المقدمة أن أذكِّر نفسي وإخواني بخطورة الفتن وأنه ربما وقع فيها من لم يكن في الحسبان أن يقع فيها والله على مايشاء قدير.
كتبت هذه الرسالة التي هي بعنوان: ( واسئل القرية التي كنا فيها ) وذلك تذكيرا لمن بغيته الحق ؛ أن يتبع ما أنزل إليه من ربه ، ولا يتبع الهوى فيضله عن سبيل الله الحق ، وأن لا يكون من المغفلين الذين ينطلي عليهم ماجاء به أعداء الدعوة السلفية من الكيد والمكر بين أهلها وفي صفوفهم ، بغية تفريقهم وتشتيت شملهم ، وأن يأت البيوت من أبوابها كما أمر الله ويسأل أهل القرية التي وقعت الفتنة بين أظهرهم فهم أعلم بها وبأهلها، فإن لم يستطع فليعمل بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
ومن عجب العجاب أن نرى من يستمع إلى تفاهات عبد الرحمن العدني وشلته أمثال هاني ابن بريك ومحمد بن غالب وعلي الحذيفي وعبد الغفور اللحجي ويس العدني وأضرابهم ولايرضى أن يستمع إلى الطرف الآخر !
ياهذا أما سمعت قول الحق تبارك وتعالى : (ياداود إناجعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله..) ولاشك أن من هذا حاله فهو متبع للهوى مجانب للحق والصواب.
ولا أعني هذا الصنف في رسالتي هذه ، إنما عنيت من لم تتبين له الفتنة ، وَلُبِّسَ عليه الأمر فبقي متحيرا ، فإني آخذٌ بيده إن شاء الله إلى أن نَعْمَلَ بما أمر الله عز وجل ونسأل أهل القرية التي حدثت فيها الفتنة ، فإذا استوى التعديل والتجريح في عبد الرحمن وشلته ولم نستطع الترجيح عملنا بهذه القاعدة التي هي موضوع هذه الرسالة: (أهل البلد أعرف ببلديهم).
ولكن المفاجأة أننا عندما سألنا أهل القرية وجدنا أن الجرْحَ كان مفسرا ، زيادة على ذلك أن الجرح كان من أهل بلده دمَّاج ، فازداد الجرح قوة إلى قوته وزال اللبس في فتنة عبد الرحمن ، واتضحت الحقائق ، ومكر أولئك هو يبور.
فنسأله سبحانه أن يثبتنا على الإسلام والسنة ، وأن يجعل أقوالنا وأعمالنا خالصة لوجهه ، وأن يعيذنا من الفتن ماظهر منها ومابطن ، وأن يختم لنا بخير.
والحمدلله .
وكتب
أبو حاتم / عبد الله بن حسن الأشموري السلفي
دار الحديث السلفية بدماج الخير - حرسها الله –
صفر/ 1429هـ
***
تنبيه: أضاف شيخنا حفظه الله أربعة أحاديث ميّزتها وجعلت في أول الحديث بعد الرقم التسلسلي نجمة هكذا -*-
تحميل الكتاب