المقدمة
الحمد لله نحمده تعالى، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
ففي إحدى ليالي أول شهر ذي الحجة لعام سبعة وعشرين وأربعمائة، وألف للهجرة النبوية على صاحبها الصلاة والسلام اتصل لي أحد أخواننا الأفاضل من مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، وأخبرني أن بين يديه في حينها كتابا بعنوان «أضواء على أخطاء كتاب الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين» مائة وخمسين استدراكا على المؤلف مقبل بن هادي الوادعي في كتابه إعداد الدكتور أحمد بن نصر الله صبري، تقديم الدكتور حميد بن طاهر السندي، فأحببت أن أرى الكتاب المذكور فأرسله لي مشكورا.
وجاءني الكتاب قبل صلاة الجمعة في السادس عشر من الشهر المذكور.
فبدأت القراءة فيه متوقعا أحد ما سأذكره:
الأول:
* إما أن الدكتور المذكور عثر على كلام في بعض الأحاديث هي محل اجتهاد النقاد، وهذا الأمر ليس بغريب من المؤلف أو الناقد، فقد انتقد الإمام أبوالحسن علي بن عمر الدارقطني عدة أحاديث على البخاري ومسلم في صحيحيهما كما في كتاب «التتبع» وكتاب «العلل».
وانتقد الحافظ أبو الفضل محمد بن أحمد بن عمار الشهيد على الإمام مسلم في جزء مفيد مطبوع.
قال الذهبي في ترجمته من «السير»:
ورأيت له جزءا مفيدا فيه بضعة وثلاثون حديثا من الأحاديث التي بين عللها في «صحيح مسلم».
وفي علل ابن أبي حاتم بعض الأحاديث من الصحيحين كحديث جابر عند الإمام البخاري رقم (614) أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة»، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن تفسير حديث أبي الدرداء، وجابر عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «من سمع النداء فقال: اللهم رب هذه الدعوة التامة» هل يثبت هذان الخبران أم لهما معارض، أو دافع، أو فيهما علة، وما معنى هذه الكلمة «رب هذه الدعوة التامة»؟.
قال أبي: وهذا الحديث، فلا نعلم لأبي الدرداء في هذا رواية عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وإنما رواه عفير بن معدان، عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وعفير واهي الحديث، لا يشتغل بروايته وبحديثه، منكر الحديث، يحدث عن سليم بن عامر، عن أبي أمامة، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أحاديث كثيرة منها ما لا أصل لها، ومنها ما يرويه الثقات عن سليم قال: قال أبو الدرداء: مرسل، ومنها ما يرويه الثقات، عن سليم، عن جبير بن نفير قوله: وقد وصله عن أبي أمامة عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كثير من هذا النحو، وقد رأيت أبا اليمان الحكم بن نافع، ويحيى بن صالح الوحاظي يرويان عنه أحاديث معضلة كنا نتنكب كتابتها، وأما حديث جابر فرواه شعيب بن أبي حمزة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، وقد طعن فيها، وكان عرض شعيب على ابن المنكدر كتابا فأمر بقراءته عليه فعرف بعضها، وأنكر بعضا، وقال لابنه، أو لابن أخيه: اكتب هذه الأحاديث فروى شعيب ذلك الكتاب، ولم يثبت رواية شعيب تلك الأحاديث على الناس، وعرض علي بعض تلك الأحاديث فرأيتها مشابهة لحديث إسحاق بن أبي فروة، وهذا الحديث من تلك الأحاديث. انظر «علل ابن أبي حاتم» (2/172) رقم (2011).
وقال -رحمه الله- رقم (248) على حديث ابن مسعود الذي عند مسلم رقم (673): سألت أبي عن حديث أوس بن ضمعج، عن ابن مسعود، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: قد اختلفوا في متنه فرواه فطن، والأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس بن ضمعج، عن ابن مسعود، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة» ورواه شعبة والمسعودي، عن إسماعيل بن رجاء، لم يقولوا:«أعلمهم بالسنة».
قال أبي: كان شعبة يقول: إسماعيل بن رجاء كأنه شيطان من حسن حديثه، وكان يهاب هذا الحديث يقول: حكم من الأحكام عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لم يشاركه أحد.
قال أبي: شعبة أحفظ من كلهم، قال أبو محمد: ليس قد رواه السدي، عن أوس بن ضمعج.
قال: إنما رواه الحسن، عن يزيد الأصم، عن السدي، وهو شيخ. أين كان الثوري، وشعبة عن هذا الحديث، وأخاف ألا يكون محفوظا. اهـ
وقد كان شيخنا العلامة مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- إذا أعلم أو أخبر بحديث أن الإمام الفلاني أعله، أودعه كتابه المسمى «أحاديث معلة ظاهرها الصحة» مع بيان علته، وهو في ذلك منشرح الصدر وشاكر لمن أطلعه على هذا النوع، حرصا منه أن لا يكون في «صحيحه المسند» ما قد أعله بعض الحفاظ.
وانظر مثالا على ذلك:
* حديث رقم (47) عن أنس بن مالك الذي أخرجه أبو يعلى في مسنده (7/229) قال:
حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا الصعق بن حزن، حدثنا علي بن الحكم البناني، عن أنس بن مالك، أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «أتاني جبريل بمثل المرآة البيضاء فيها نكتة سوداء، قلت: يا جبريل: ما هذه؟ قال: هذه الجمعة، جعلها الله عيدا لك ولأمتك، فأنتم قبل اليهود والنصارى، فيها ساعة لا يوافقها عبد يسأل الله فيها خيرا إلا أعطاه إياه»، قال: «قلت: ما هذه النكتة السوداء؟ قال: هذا يوم القيامة، تقوم في يوم الجمعة، ونحن ندعوه عندنا المزيد»، قال:«قلت: ما يوم المزيد؟ قال: إن الله جعل في الجنة واديا أفيح، وجعل فيه كثبانا من المسك الأبيض، فإذا كان يوم الجمعة ينزل الله فيه، فوضعت فيه منابر من ذهب للأنبياء، وكراسي من در للشهداء، وينزلن الحور العين من الغرف فحمدوا الله ومجدوه»، قال: «ثم يقول الله: اكسوا عبادي، فيكسون، ويقول: أطعموا عبادي، فيطعمون، ويقول: اسقوا عبادي، فيسقون، ويقول: طيبوا عبادي فيطيبون، ثم يقول: ماذا تريدون؟ فيقولون: ربنا رضوانك»، قال: «يقول: رضيت عنكم، ثم يأمرهم فينطلقون، وتصعد الحور العين الغرف، وهي من زمردة خضراء، ومن ياقوتة حمراء».
هذا الحديث ظاهر إسناده الحسن.
ولكن انظر ما يقول عنه أئمة العلل، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي، وأبا زرعة، عن حديث رواه الصعق، عن حزن، عن علي بن الحكم، عن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فذكره.
قال أبو زرعة: هذا خطأ، رواه سعيد بن زيد، عن علي بن الحكم، عن عثمان [بن عثمان]، عن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-. قال أبي: نقص الصعق رجلا من الوسط. اهـ من «العلل» (1/198199).
قلت: عثمان هو أبو اليقظان ففي «تهذيب التهذيب» قال فيه البخاري، وأبو حاتم، وأحمد في رواية الجوزجاني: منكر الحديث. زاد البخاري: ولم يسمع من أنس. اهـ المراد.
في «التقريب»: ضعيف واختلط، وكان يدلس ويغلو في التشيع. اهـ
فقوله: [ابن عثمان] هكذا في «العلل»، ولعله خطأ، ولهذا جعلناه بين معكوفتين كما ترى فيقال فيه: ابن عمير، وقيل ابن قيس، وقيل ابن أبي حميد
قلت: وتابعه أبو النعمان عارم، عن الصعق نفسه، عن علي بن الحكم، عن عثمان، عن أنس به. أخرجه العقيلي في الضعفاء (1/293) فبان الأمر جليا أن الوهم من الصعق كما يقول الرازيان، والله أعلم أفادنا بهذا الأخ أحمد بن سعيد.
* ورقم (509) قال الإمام ابن حبان -رحمه الله- كما في الإحسان (7/437):
أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدثنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «كسر عظم الميت ككسره حيا».
* ورقم (3) قال الإمام أبو يعلى الموصلي -رحمه الله- (8/145):
حدثنا أبو كريب، حدثنا معاوية بن هشام، عن عمران بن أبي أنس المكي، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قال -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- لأصحابه: «تدرون أزنى الزنا عند الله»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «فإن أزنى الزنا عند الله استحلال عرض امرئ مسلم»، ثم قرأ: ﴿والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا﴾; [الأحزاب: 58].
هذا الحديث كنت حكمت عليه في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين» (2/471) بالصحة ظانا أن عمران بن أبي أنس هو القرشي، حتى أفادنا الشيخ الفاضل عبدالرقيب الإبي بأن الصحيح أنه عمران بن أبي أنس المكي، وهو ضعيف، وأحالنا على شعب الإيمان للبيهقي (5/298) رقم (6711) فوجدنا في شعب الإيمان: عن ابن سلام عن يحيى بن واضح، سمع عمران. قال البخاري: لا يتابع عليه، ورواه عبدالعزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة، عن عبدالله بن الراهب، عن كعب من قوله وهو أصح. اهـ
* ورقم (51) قال الإمام أبو يعلى الموصلي -رحمه الله- (5/78):
حدثني مخلد بن أبي زميل، حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس، أن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلى بأصحابه، فلما قضى صلاته أقبل عليهم بوجهه فقال: «أتقرءون في صلاتكم خلف الإمام والإمام يقرأ؟» فسكتوا، فقالها ثلاث مرات، فقال قائل أو قال قائلون إنا لنفعل، قال: «فلا تفعلوا ليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه».
الحديث ظاهره الحسن، ولكن ابن أبي حاتم يقول كما في «العلل» لولده (1/174) رقم (502): وهم فيه عبيد الله بن عمرو، والحديث ما رواه خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن محمد بن أبي عائشة، عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، عن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
من فوائد أخينا الحربي.
* ورقم (52) قال ابن جرير -رحمه الله- (22/284):
حدثنا الحسن بن أبي يحيى المقدمي، قال: ثنا عفان، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا موسى بن عقبة، عن أبي سلمة، قال: ثني الأقرع بن حابس التميمي أنه أتى النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فناداه، فقال: يا محمد إن مدحي زين، وإن شتمي شين; فخرج إليه النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فقال: «ويلك ذلك الله»، فأنزل الله: ﴿إن الذين ينادونك من وراء الحجرات﴾;... الآية.
هذا الحديث يحتمل الصحة، ولكن الحافظ ابن حجر يقول في «الإصابة» بعد أن ذكره في ترجمة الأقرع بن حابس. قال ابن مندة: روى عن أبي سلمة، أن الأقرع بن حابس نادى فذكره مرسلا، وهو الأصح، وكذا رواه الروياني من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن أبيه، قال: نادى الأقرع...... فذكره مرسلا.
وأخرجه أحمد على الوجهين، ووقع في رواية ابن جرير التصريح بسماع أبي سلمة من الأقرع؛ فهذا يدل على أنه تأخر. اهـ
قال أبو عبدالرحمن: يحتمل أن يكون الوهم في التصريح بالتحديث من بعض رجال السند، لا سيما والحسن بن أبي يحيى لم نقف له على ترجمة، والله أعلم.
فائدة: قال أحمد بن سعيد: رواية أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن الأقرع بن حابس ذكر في ترجمته أنه توفي سنة (94)هـ وهو ابن 72 سنة، وعلى هذا فولادته سنة (22)هـ آخر خلافة عمر بن الخطاب، وقبل وفاته بعام واحد، هذا ما قيل في أبي سلمة.
أما الأقرع فقيل: توفي باليرموك كما في «الإصابة».
قلت: واليرموك كانت في آخر خلافة الصديق، وأول خلافة الفاروق في سنة (13)هـ كما في«البداية» (7/141)، و«تاريخ الإسلام» مجلد الخلفاء (285286).
وقيل: توفي في خلافة عثمان.
قال ابن الأثير: واستعمله عبدالله بن عامر على جيش سيره إلى خراسان، فأصيب بالجوزجان هو والجيش. اهـ قال الذهبي في «تاريخه»، وابن كثير في «بدايته»، وابن حجر في «إصابته»: وذلك في زمن خلافة عثمان، وذكر هذا الحافظ في «التعجيل»، ورجح أنه توفي في خلافة عثمان، ثم قال في آخر الترجمة: رواية أبي سلمة، عن الأقرع منقطعة. اهـ المراد وانظر الفتح (8/592593).
وقد جمع الأخ سعيد بن حبيشان صاحب دار الآثار جملة الأحاديث التي أودعها الشيخ -رحمه الله- في كتابه «أحاديث معلة ظاهرها الصحة»، وقد كانت ضمن كتابه «الصحيح المسند» في حاشية المجلد الأول الصفحة السادسة من «الصحيح المسند» المنشور في دار الآثار بعناية الأخ سعيد حبيشان مشكورا، فقال الناشر: وهذه الطبعة الجديدة تتميز باحتوائها على آخر ما زاده الشيخ إلى هذا الكتاب من أحاديث، وتتميز أيضا بحذف الأحاديث التي تراجع عن تصحيحها الشيخ -رحمه الله- –ثم قال في الحاشية-: وغالب هذا الصنف هو من الأحاديث التي يكون ظاهر سندها الصحة وهي معلة، ولذا فقد أوردها الشيخ -رحمه الله- جميعها في كتاب «أحاديث معلة ظاهرها الصحة»، وأرقامها كما في الطبعة الثالثة من أحاديث معلة وهي: 30، 31، 39، 42، 45، 47، 48، 50، 70، 97، 110، 111، 125، 126، 164، 165، 211، 220، 233، 234، 238، 251، 265، 269، 270، 271، 275، 285، 304، 307، 309، 312، 336، 354، 359، 372، 388، 396، 463، 466، 467، 469، 479، 506، 509، 514.
التوقع الثاني مما دار في خلدي:
أن المدعو أحمد بن نصر الله لعله اجتمع عنده من تلك الأحاديث التي كانت في الطبعة الأولى عدد مما قد حذف منها فأخرجه عجلا في هذا الجزء المسمى –جنفا- بالأضواء، دون نظر في الطبعة الأخيرة من السفر المذكور.
التوقع الثالث:
أن المستدرك أحمد بن نصر الله قصير اليراع، هش الاطلاع على كتب الشأن عزب عنه اصطلاح فحول المحدثين، وعلق بذهنه بعض الاصطلاحات التي هي من مبادئ علوم الحديث فذهب ينشرها في مقدمة جزئه ليتوصل بها إلى رتبة الاستدراك على «الصحيح المسند» وعديد مما يضارعه في بابه من ثروة المسلمين العلمية حقا لقد كان ولله الحمد هذا التوقع هو اللائق بالدكتور أحمد بن نصر الله وإليك بيان ذلك:
قال في كتابه المسمى «بالأضواء» ص (9): ...