التصنيف : الكتب
تاريخ النشر : 18-05-2017
عدد الزيارات : 585
القسم : كتب ورسائل في العقيدة والدفاع عن المنهج السلفي

نُبَذٌ في البدعة

نُبَذٌ في البدعة

لأبي عمار ياسر الدبعي

 

 

الحمد لله والصلاة على رسول الله وعلى صحبه ومن والاه...أمابعد:

فهذه متفرقات عن البدعة جمعتها من كتب أهل العلم، وكنت حاضرت عنها في بعض المساجد في ((المكلا))، وفي نهاية المحاضرة طُلب مني أن أكتبها وأنشرها؛ لتعم الفائدة، فأجبت الطلب رجاء الأجر والنفع في ذلك.

* تعريف البدعة: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وتعالى.

ظهرت البدع في الأمة في أواخر خلافة الخلفاء الراشدين، كما أخبر به النبي  حيث قال: ((مَنْ يعشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)).
وأول بدعة ظهرت بدعة القدر وبدعة الإرجاء وبدعة التشيع والخوارج.

* الأسباب التي أدت إلى ظهور البدع:

1-الجهل بأحكام الدين.
2-اتباع الهوى.
3-التعصب للآراء وللرجال، وهو يحول بين المرء واتباع الدليل ومعرفة الحق.
4-التشبه بالكفار، وهو من أشد ما يوقع في البدع.
5-أن يُرد على صاحب البدعة ببدعة مثلها.
6-تحكيم العقل في القضايا الشرعية.
7-تعريب كتب الفلاسفة.
8-خفاء السنن.
9-الإصرار على العادات ولو كانت مخالفة للشريعة.
10- اتباع المتشابهات.
11- الاستدلال بالأحاديث الضعيفة والموضوعة.

* البدعة تنشأ عن أربعة أوجه:

1-وهو أظهر الأقسام- أن يخترعها المبتدع.
2-أن يعمل بها العالم على وجه المخالفة، فيفهمها الجاهل
مشروعة.
3-أن يعمل بها الجاهل مع سكوت العالم عن الإنكار، وهو قادر عليه فيفهم الجاهل أنها ليست بمخالفة.
4-من باب الذرائع وهي أن يكون العمل في أصله معروفاً، إلا أنه يتبدل الاعتقاد فيه مع طول العهد بالذكرى..

* الابتداع على قسمين:

الأول: ابتداع في العادات، كابتداع المخترعات الحديثة وهذا مباح؛ لأن الأصل في العادات الإباحة.

الثاني: ابتداع في الدين، وهذا محرم، لأن الأصل فيه التوقيف، قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )).

* البدعة في الدين نوعان:

الأول: بدعة قولية اعتقادية، كمقالات الجهمية والمعتزلة والروافض وسائرالفرق الضالة واعتقاداتهم.

الثاني: بدعة في العبادات، كالتعبد لله بعبادة لم يشرعها، فهي أنواع:

1-ما يكون في أصل العبادة، بأن يحدث عبادة ليس لها أصل في الشرع، كأن يحدث صلاة غير مشروعة أو صيام غير مشروع أو أعياداً غير مشروعة، كأعياد الموالد والإسراء والمعراج وغيرها.

2-ما يكون في الزيادة على العبادة المشروعة، كما لو زاد ركعة خامسة في صلاة الظهر أو العصر مثلاً.

3-ما يكون في صفة أداء العبادة بأن يؤديها على صفة غير مشروعة، وكذلك كأداء الأذكار المشروعة بأصوات جماعية مطربة، وكالتشديد على النفس في العبادات إلى حد يخرج عن سنة الرسول  .

4-ما يكون بتخصيص وقت للعبادة المشروعة لم يخصصه الشرع، كتخصيص يوم النصف من شعبان وليلته بصيام وقيام، فإن أصل الصيام والقيام مشروع ولكن تخصيصه بوقت من الأوقات يحتاج إلى دليل.

* البدعة باعتبار إخلالها بالدين تنقسم إلى قسمين:

1-البدعة المكفرة وضابطها: من أنكر أمراً مجمعاً عليه متواتراً من الشرع معلوماً من الدين بالضرورة؛ لأن ذلك تكذيب بالكتاب، وبما أرسل الله به رسله.
2-البدعة غير المكفرة: وهي ما لم تكن كذلك مما يلزم منه تكذيب بالكتاب، ولا بشيء مما أرسل به رسله.

* وليُعْلم أيها الأخوة أن المتابعة لا تحقق إلا إذا كان العمل موافقاً للشريعة في أمور ستة:

1-السبب: فإذا تعبد الإنسان لله عبادة مقرونة بسبب ليس شرعياً فهي بدعة مردودة على صاحبها، مثال ذلك أن بعض الناس يحي ليلة السابع والعشرين من رجب بحجة أنها الليلة التي عرج فيها برسول الله ، فالتهجد عبادة ولكن لما قرن بهذا السبب كان بدعة ؛لأنه بنى هذه العبادة على سبب لم يثبت شرعاً.
وهذا الوصف =موافقة العبادة للشريعة في السبب= أمر مهم يتبين به ابتداع كثير مما يظن أنه من السنة وليس من السنة.

2-الجنس: فلابد أن تكون العبادة موافقة للشرع في جنسها، فلو تعبد إنسان لله بعبادة لم يشرع جنسها فهي غير مقبولة، مثال ذلك أن يضحي رجل بفرس فلا تصح أضحيته؛ لأنه خالف الشريعة في الجنس، فالأضاحي لا تكون إلا من بهيمة الأنعام، الإبل، البقر، الغنم.

3-القدر: فلو أراد إنسان أن يزيد صلاة على أنها فريضة فنقول: هذه بدعة غير مقبولة ؛لأنها مخالفة للشرع في القدر، ومن باب أولى لو أنّ الإنسان صلى الظهر =مثلاً= خمساً فإن صلاته لا تصح بالاتفاق.

4-الكيفية: فلو أن رجلاً صلى فقدم السجود على الركوع، فنقول:صلاته باطلة ؛لأنه مخالف للشرع في الكيفية

5-الزمان: فلو أن رجلاً ضحى في أول أيام ذي الحجة، فلا تقبل الأضحية؛ لمخالفة الشرع في الزمان، وبعض الناس يذبحون في  شهر رجب تقربّاً لله تعالى بالذبح، وهذا العمل بدعة على هذا الوجه؛ لأنه ليس هناك شيء يتقرب به إلى الله بالذبح إلا الأضحية والهدي والعقيقة، أما الذبح في رجب مع اعتقاد الأجر على الذبح كالذبح في عيد الأضحى فبدعة، وأما الذبح لأجل اللحم فهذا جائز، وقد نهى النبي  ما كان عليه أهل الجاهلية من الذبح لأصنامهم في رجب بقوله  ((لا فرع ولا عتيرة)) متفق عليه من حديث أبي هريرة، والفرع أول النتاج كان ينتج لهم، كانوا يذبحونه لطواغيتهم، والعتيرة في رجب.

6-المكان: فلو أن رجلاً اعتكف في غير المسجد، فإن اعتكافه لا يصح وذلك لأن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد، ولو  قالت امرأة أريد أن أعتكف في مصلى البيت، فلا يصح اعتكافها؛ لمخالفة الشرع في المكان، ومن الأمثلة لو أن رجلاً أراد أن يطوف فوجد المطاف قد ضاق ووجد ما حوله قد ضاق، فصار يطوف من وراء المسجد، فلا يصح طوافه؛ لأن مكان الطواف في البيت، قال تعالى لإبراهيم الخليل: ((وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ)) الحج (26).

* قال الحافظ ابن كثير عند قوله تعالى: ((وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ)) الأحقاف (11) : وأما أهل السنة والجماعة فيقولون في كل فعل وقول لم يثبت عن الصحابة رضي الله عنهم هو بدعة؛ لأنه لو كان خيراً لسبقونا إليه، لأنهم لم يتركوا خصلة من خصال الخير إلا وقد بادروا إليها. اهـ .

* من ترك الحق ابتلي باتباع الباطل، والدليل على ذلك ما قصّ الله علينا عن بني اسرائيل لما نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان كما أخبر بذلك الله عز وجل، فقال سبحانه: ((وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ 101 وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ.... )) البقرة (101-102).

* سوء المعتقد يجر إلى سوء العمل، فلما اعتقد اليهود والنصارى أنهم أبناء الله وأحبّاؤهم تجرأوا على اقتراف الكبائر والمعاصي، ولما اعتقد اليهود أن النار لن تمسهم إلا أياماً معدودات جرأهم هذا الاعتقاد على انتهاك الحرمات وقتل النبيين بغير الحق والإعراض عن التحاكم إلى كتاب الله، كما قال تعالى: ((أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ 23 ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ 24 )) آل عمران (23-24).

* وهناك أقوال للمبتدعة نتجت عن سوء المعتقد فساء عملهم:
1-قصة ابن العلقمي الوزير الرافضي المبتدع فإنه ما فتأ يكيد بالمسلمين من أهل السنة حتى كان سبباً في قتل الخليفة المستعصم بالله وقتل ثمانمئة ألف، وقيل: ألف ألف وثمانية آلاف، وقيل بلغت القتلى ألفي ألف نفس.

2-قال البوصيري:
دعْ ما ادعتهُ النصاري في نبيهـم * واحكمْ بما شئت فيه مدحاً واحتكم
أي ادع ما قاله النصارى أن عيسى عليه الصلاة والسلام ابن الله، أو ثالث ثلاثة، والباقي املأ فمك في مدحه ولو بما لا يرضيه.

3-وقول البوصيري أيضاً:
يا أكــرم الخالـق مـالي من ألوذ بـه * سواك عند حلول الحادث العمم
إنْ لم تكنْ يوم المعاد آخذاً بيدي * فضــلاً وإلا فقـلْ يا زلـة القـدم
فإنَّ من جودك الدنيا وضرتهـا * ومن علومك علم اللوح والقلم
وهذا من أعظم الشرك، لأنه جعل الدنيا والآخرة من الرسول، ومقتضاه أن الله جل ذكره ليس له فيهما شيء.
وقال: إن ((من علومك علم اللوح والقلم)) من علومه، وليس كل العلوم، فما بقي لله علم، ولا تدبير، والعياذ بالله.

4-وقال عمرو بن عبيد بن باب = في حديث ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه ..))= : لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته، ولو سمعته من زيد بن وهب لما صدقته، ولو سمعت ابن مسعود يقوله لما قبلته، ولو سمعت رسول الله  يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله يقول هذا لقلت: ليس على هذا أخذت ميثاقنا.
قال الحافظ ابن كثير معلقاً على هذه المقالة: وهذا من أقبح الكفر، لعنه الله إن كان قال هذا، وإذا كان مكذوباً عليه فعلى من كذب عليه ما يستحقه.

5-تكلم واصل بن عطاء المعتزلي يوماً، فقال عمرو بن عبيد: ألا تسمعون؟ ما كلام الحسن وابن سيرين-عندما تسمعون- إلا خرقة حيض ملقاة.

6-وروي أن زعيماً من زعماء أهل البدعة كان يريد تفضيل علم الكلام على الفقه، فكان يقول: إن علم الشافعي وأبي حنيفة، جملته لا يخرج من سراويل امرأة.

7-وكذا الخوارج فإنهم لما اعتقدوا تكفير المسلمين؛ أحلوا دماءهم وأموالهم وذموا من مدحه الله ورسوله واتفق السلف الصالح على مدحهم والثناء عليهم، ومدحوا من اتفق السلف الصالح على ذمه كعبدالرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وصوبوا قتله إياه وقالوا: إن في شأنه نزل قوله تعالى: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ))، وأما التي قبلها وهي قوله ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) فإنها نزلت في شأن علي رضي لله عنه، وكذبوا= قاتلهم الله= وقال عمران بن حطان في مدحه لابن ملجم:
يا ضربةً من تقيٍ ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً
إني لأذكـــرهُ يوماً فاحسبهُ * أوفى البريـة عنـد الله مـيـزانـــاً
وكذب= قاتله الله= فإذا رأيت من يجري على هذا الطريق، فهو من الفرق المخالفة.

8-قال القاسم بن زكريا المطرز: دخلت على عباد بن يعقوب الرواجني - وكان يمتحن من سمع منه- فقال: من حفر البحر؟ قلت: الله. قال: هو كذلك، ولكن من حفره؟. قلت: يذكر الشيخ!! قال: حفره علي، ثم قال: فمن أجراه؟ قلت: الله؟ قال: هو كذلك، ولكن من أجراه؟ قلت: يفيدني الشيخ!!، قال: أجراه الحسين. وكان مكفوفاً فرأيت سيفاً، فقلت: لمن هذا؟ فقال: أعددته لأقاتل به مع المهدي. فلما فرغت من سماع ما أردت منه دخلت، فقال: من حفر البحر؟ قلت: معاوية، وأجراه عمرو بن العاص؛ ثم وثبت وعدوت، فجعل يصيح أدركوا الفاسق عدو الله فاقتلوه.

* البدعة تستلزم محاذير فاسدة:

أولاً: تستلزم تكذيب قوله تعالى: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)) لأنه إذا جاء ببدعة جديدة يعتبر ديناً فمقتضاه أن الدين لم يكمل.

ثانياً: تستلزم القدح في الشريعة وأنها ناقصة فأكملها هذا المبتدع.

ثالثاً: تستلزم القدح في المسلمين الذين لم يأتوا بها فكل من سبق هذه البدع من الناس دينهم ناقص، وهذا خطير.

رابعاً: من لوازم هذه البدعة أن الغالب أن من اشتغل ببدعة انشغل عن سنة كما قال بعض السلف: ((ما أحدث قوم بدعة إلا هدموا مثلها من السنة)).

خامساً: أن هذه البدع توجب تفرق الأمة، لأن هؤلاء المبتدعة يعتقدون أنهم هم أصحاب الحق ومن سواهم على ضلال وأهل الحق يقولون: أنتم الذين على ضلال، فتتفرق قلوبهم.

* فنخلُص من هذا أنه لا يوجد في الإسلام سنة حسنة وبدعة حسنة، وإنما السنة حسنة كلها والبدع ضلال كلها كما قال النبي  : ((وكل بدعة ضلالة))، ثم يقال: لو كنت مريضاً، فاتفق الأطباء على أشياء أنها نافعة لك، واختلفوا في شيء، فقال بعضهم: إنه سم قاتل، وقال بعضهم: لا نراه سماً ولكنه ضار، وقال بعضهم: لا يتبين لنا أنه ضار، وقال بعض هؤلاء: بل لعله لا يخلوا من نفع، أفلا يقضي عليك العقل =إن كنت عاقلاً= بأن تجتنب هذا الشيء؟.

أو ليس من يأمرك ويلح عليك أن تصرف وقتك في تناول ذاك الشيء تاركاً ما اتفقوا على نفعه بحقيق أن تعده ألدَّ أعدائك؟ وتدبر في نفسك؛ أيصح من عاقل للإيمان خائف من الشرك أن يستحضر هذا المعنى ثم يصر على تلك البدع التي يخاف أن تكون شركاً؟! أو ليس من يصر إنما يشهد على نفسه بأنه لا يبالي إذا وافق هواه؛ أن يكون شركاً؟!.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


 

أبو عمار ياسر بن عبده بن محمد
نزيل: حضرموت-المكلا
تحميل الكتاب