خطبة عيد الأضحى المبارك
لــــــــعـــــــــــام 1434هــــــــــــ
الحمد لله نحمده ونستغفره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102]
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النّساء: 1]
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 70 – 71]
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثتها وكل محدثة بدعة كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
أيها الناس إن الله سبحانه وتعالى أكرم المسلمين المؤمين بمكارمة كثيرة أعقاب طاعات جمة، وأعمال صالحة، وهذه من ثمار أعمال الطيبة المباركة، فإنك لا ترى عملاً من الأعمال الصالحة وإلا ورتب عقب ذلك الأعمال ما يدخل على المؤمن السرور وما يدفع الله عز وجل عنه به الشرور سواء الدنيا والآخرة.
وهذه الأيام أيام العشر هي أيام في الأشهر الحرم وهي خيرة الأشهر الحرم التي يقول الله سبحانه وتعالى فيها: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 36] فحرم سبحانه وتعالى أشهر الحرم وحرم القتال فيها إلا ما كان من اعتداء من قبلهم كما قال سبحانه وتعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ [البقرة: 189-191]، هكذا يقول الله سبحانه وتعالى، مبيناً حرمة الأشهر الحرم وحرمة البلد الحرام إلا ما كان من اعتداء يحصل من مشركين أو المعتدين فإن القتال فيها جائزٌ كما دلت عليه هذه الأدلة.
أيها الناس إنها أشهر عظيمة يجب أن تعظم، وكانت الجاهلية يعظمونها فإذا دخلت هذه الأشهر وإذا دخل رجب منها يسمونه "منصر الأسنة" فلا يقاتلون ويأمن الناس في مرورهم من مضر إذا مر الناس على ذلك البلد، هذا وهم مشركون وهم جاهليّون قبل البعثة النبي صلى الله عليه وسلم يحترمون هذه الأشهر ويعظمونها، بينما ترى هؤلاء المناحيس لا يحترمونها ولا يعظمونها ولا يجدون لها قدرها، لا الدماء فيها معصومة ولا الأعراض فيها مصونة ولا الأموال فيها محترمة، لا يحترمون كبراً لكبره، ولا صغيراً لصغره، ولا عالماً لعلمه ولا من كان يستحق ذلك استحقاقه، ففرق بين أعمال الجاهلية قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإحترام لهذه الأشهر وبين فعل هؤلاء الذين لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً إلا ما أشرب من أهوائهم.
إن هذه الأيام أيام مباركة ينشغل فيها الإنسان بذكر الله كما أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس الذي عند الإمام البخاري في صحيحه قال عليه الصلاة والسلام: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا من خرج بنفسه وماله فلم يرجع في ذلك من شيء" هذا نحو لفظ البخاري وهو عند الترمذي بسند صحيح. نعم
ويدخل في هذه الأعمال الصالحة المرغب فيها يدخل في ذلك ذكر الله سبحانه وتعالى كما قال الله سبحانه في كتابه الكريم: ﴿وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 27-28] وقال: ﴿ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ [الحج: 29] أيام فيها من المناقب وفيها من العبادات وفيها من الأعمال الصالحة ما كان ذلك مما كان ذلك أن الله عز وجل أثنى عليها وأقسم بها قال سبحانه وتعالى: ﴿وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر: 1-4] أقسم الله سبحانه وتعالى بها – أي بهذه الأيام العشر بلياليها – فإنها أيام مباركة فيها من الشعائر من ذكر الله سبحانه وتعالى، فيها يوم العرفة الذي يقول النبي صلى الله عليه وسلم "خير يوم يوم العرفة" وقال عليه الصلاة والسلام: "صيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية" فيها أيضاً شعائر من ذلك النحر، ومن ذلك الهدي، ومن ذلك الرمي، ومن ذلك الطواف بالبيت العتيق، من ذلك صعود عرفة، ومن ذلك المبيت المزدلفة، ومن ذلك سائر الأيام الحجيج أعمال بدنية أعمال مالية أعمال قلبية أعمال في سائر الجوارح وسائر ما هو من شأن الإنسان؛ فلما كانت كذلك وكانت هذه الأيام أيام مباركة، وهي أيام المعلومات ﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ﴾ [الحج: 27-28] ويليها الأيام المعدودات التي قال الله عز وجل: ﴿وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى﴾ [البقرة: 203] الأيام المعلومات من أول شهر ذي الحجة إلى نهاية يوم العيد، ويليها الأيام المعدودات من بعد العيد ثلاث أيام وهي أيام التشريق كما قال عليه الصلاة والسلام: "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب" وجاء في زيادة أخرى :وذكر لله عز وجل"، ثابت من حديث عقبة رضي الله عنه، فهذه أيام أيها الناس أيام مباركة ينبغي انشغال بها بذكر الله سبحانه وتعالى، حث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها على من كان له نحر فلا يأخذ من شعره ولا من بشره شيئاً، ذلك لعظم هذه الأيام وهكذا أيضاً تعويضاً لمن لم يحج فيها من الأعمال الصالحة تعويضٌ لمن لم يحج بدلا أنه أُخر عن الحج إما لعذر وإما لغير ذلك، فإن الله عوضه بأعمال مباركة من صيامٍ وذكرٍ وقيامٍ وأعمالٍ وبرٍ بشتى أنواع ذلك ومن ذلك أيضاً الأضاحي كما قال الله:﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾ [الحج: 37]، وحث على استمانها وكانوا سيتسمنونها، ولا تجزئ فيها العورة البين عورها ولا العرجاء البين ضلعها ولا المريضة التي لا نتقي، ولا هكذا أيضاً سائر العيوب ما كان فيها من عيوب تخل بها فإنها لا تجزئ، لا بد أن تكون داخلة تحت ما دل عليه مدلود هذه الآية: ﴿لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ﴾ [الحج: 37] فكل ما كان من هذه المعنى خالصاً لله سبحانه وتعالى متبعاً فيه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فنعم ذلك من الأعمال الصالحة.
هذا وليعلم أن من كان في هذه الأيام أو في غيرها مما يسعى لزعزعة أمن المسلمين أو لزعزعة عباداتهم أو لإشغالهم أو لفتنتهم أو لاعتداء عليهم في هذه الأشهر وفي غيرها - فإن الله منهم منتقم وإنه ذلك يسير من المجرمين قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾ [النساء: 93] قال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ [الفرقان: 68-70] هذه أمة أيها الناس لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكراً إلا ما أشربت من أهوائها وما امتثلت من شيطانها؛ هذا والله من أوجب الواجبات الدفع عن الأنفس والدفع عن الأعراض والدفع عن الأموال والدفع عن الممتلكات، من بغبي هؤلاء البغاة، من عدوان هؤلاء المعتدين، من أيضاً إفساد هؤلاء المفسدين للعقيدة للأخلاق للأموال للأعراض، فإنهم لا يردعهم خوف من الله ولا خشية منه ولا ورع إنما يردعهم إذا رأوا منك الدفع عن نفسك أيها المسلم، وقد رأينا ورأى غيرنا منهم ذلك.
فنسأل الله عز وجل أن يقطع دابرهم ويكفي المسلمين شرهم، وأن يخمدهم ويخمد فتنتهم ويكفينا شرهم وسائر المسلمين المؤمنين !.
والحمد لله رب العالمين.