تفريغ
خطبة عيد الأضحى ۱٤۳۳ هــ
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلاة في النار.
أيها الناس نحمد الله الذي منّ علينا فأفضل والذي أعطانا فأجزل، أطعمنا وسقنا وكفانا وأوانا ومن كل بلاء حسناً أبلانا.
نحمد الله ونشكره على نعمائه كثيرة وآلائه جزيمة التي لا يمكن حصرها ولا يتسطاع عدها قال الله سبحانه وتعالى : ﴿ وإنْ تَعُدوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾.
نحمد الله الذي والى على عباده المؤمين سبل الخيرات ووفقهم من أنواع من المبرّات والطاعات فلا ينقض وقت إلا وأعقبته أوقات للأعمال الصاحات، ومن أجل تلك الأيام وأفضلها وأبرها وللأجور والمبرات أكثرها لهي هذه العشرة الأيام التي أقسمه الله سبحانه وتعالى بها في كتابه : ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ ﴾ فأقسم الله سبحانه وتعالى بها لما فيها من الفضل.
أولاً : أنها من أشهر الحرم التي قال الله سبحانه وتعالى عنها : ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾ هذه الأربعة ذو القعدة ذو الحجة ومحرم ورجب مضر التي فيها بين جمادى وشعبان فاجتمع هذه الأيام فضيلة أشهر الحرم وفضيلة أنها عشر فيها أعمال عظام قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام" قالوا : يا رسول : ولا الحهاد في سبيل الله قال : "ولا الجهاد في سبيل الله إلا من خرج بماله وأهله فلم يرجع من ذلك بشيء" أخرجه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه ، ومنعى ذلك أن أعمال الصالحة بهذه الأيام أحب إلى الله عز وجل من غيرها من الأيام لذلك أمر الله سبحانه وتعالى بذكره فيها مع أن الأمر بذكره في سائر الأوقات مراغب فيه وآمر به قال الله سبحانه وتعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾وقال: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ ومع ذلك اختص الله عز وجل هذه الأيام بمزيد من الحث والترغيب فيها والأمر بذكر فيها وقال في كتابه الكريم : ﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ فرغّب في هذه الأيام المعلومات وأن الله سبحانه وتعالى امتن عليهم ببهيمة الأنعام وأسبغ عليهم نعمته فيها وأجزل لهم كرمه وجوده منها وذلك ليذكروا اسم الله سبحانه وتعالى، وقال الله عز وجل: ﴿ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ فأمر بذكر الله في الأيام المعلومات وأعقبها بذكر الله في الأيام المعدودات التي هي أيام التشريق التي هي أيام العيد، كما ثبت عند أحمد في مسنده من حديث عبقة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب " وثبت في صحيح المسلم من حديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله" هذه أيام الله سبحانه وتعالى جعلها عيداً للمسلمين، وقد اجتمع هذا اليوم عيدان عيد الأضحى المبارك والذي هو أفضل أيام السنة، أيام السنة أفضلها يوم النحر وهكذا يوم عرفة كما دل على ذلك خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يوم الجمعة الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه تقوم الساعة" فأفضل أيام اجتمع في هذا اليوم يوم النحر ويوم الجمعة اجتمع فضلان وذلك فضل الله يأتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
أيها الناس إن أمر هذه الفضائل تحتاج إلى مزيد شكر لله سبحانه وتعالى للعبد كما أمر عز وجل وحث على ذلك: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾.
وإن من أجل ما يتقرب به العباد في حجهم أو غير حجهم في هذه اليوم وفي هذه الأيام لهو صيام يوم عرفة، صيام يوم عرفة الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة يكفر سنة الماضية والباقية" وللحجيج في هذه أيام أعمال من تلك الأعمال العظيمة التي يقوم بها أنه يقف عند مشعر الحرام بعد صلاة الفجر حتى يصفر جداً يذكر الله عز وجل ويدعوه ﴿ ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ ثم يرمي الجمرة في هذا اليوم جمرة عقبة بسبع حصايات يكبر مع كل الحصاه ما من يوم أحقر منه الشيطان من هذا اليوم ومن هذه الأيام، وهكذا ينطلق فيذبح ويحلق ثم ينطلق فيطوف طواف الإفاضة ثم يذهب إلى منى ويصلى ظهر ويبقى فيها ثلاث أيام كما هو معلوم في شأن الحج، هنيأً لهم وهنيأً لمن كان على ذلك الحال "من حج لله لم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه"
وأنت أيها المسلم إن لم يتسر لك ذلك فقد أبدلك الله سبحانه وتعالى بذلك أعمال الصالحات وعظيماً من التعويضات ألا هو صوم ذلك اليوم يوم عرفة بما فيه من العمل الصالح، ثم صلاة العيد فإن ذلك ليس للحاج أن يصلي فيه العيد وفيها أجر عظيم وفيها حشد مبارك يتذكر فيها يوم القيامة سواء في عرفات أو في غيرها أو في سائر اجتماعات الناس في أرض الله، اجتماعات المؤمين.
وفيها أيضاً الأضاحي ما أدراك ما فضل الأضاحي؟ قال الله سبحانه : ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾ فقدم الصلاة وعقب بعدها بالنحر وهذا هو السنة وهذه هي الطريقة والشرط لقبول الأضحي أنه يصلي ثم بعد الصلاة ينحر فمن نحر قبل الصلاة إنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء كما ثبت في حديث البراء بن عاز وأنس بن مالك رضي الله عنهما : قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن أول ما نبدأ به في هذا اليوم أن نصلي ثم ننحر فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء" وبنحوه عن ابن عباس والبراء بن عازب وجندب بن عبد الله وآخرين رضي الله عنهم.
فهذه البهيمة بهيمة الأنعام نعمة من الله سبحانه وتعالى فيها من النعم ما أخبر الله سبحانه وتعالى به كتابه مما لا يحصيه إلا الله قال الله عز وجل : ﴿وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ فيستدفؤون من جلودها ومنافع كثيرة أخبر الله سبحانه وتعالى بها: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ ﴾ فأخبر الله أن من منافع هذه البهيمة أنها يسقى العباد منها ويخرج الله ذلك البين من بين فرث ودم حتى يصير سائغاً للشاربين هذه عبرة والله وقال الله سبحانه: ﴿ وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ حتى شعرها ووبرها وهكذا سائرها منافع ليس منها شيء إلا وهو عظيم المنفعة كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا﴾ أصواف الضأن. {وَأَوْبَارِهَا} أوبار الإبل {وَأَشْعَارِهَا} أشعار الغنم المعز ﴿أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ ﴾ فسماها أثاث لبيوتهم ولألبستهم وهكذا أيضاً لسكنهم جلود يتسخفونها ويستظلون تحتها منافع كلها، وجعلها متاعاً إلى كل حين كما أخبر الله سيحانه وتعالى.
وهكذا زينة: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ يتمتع الناس بهذا النعم:﴿ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ هذه النعم التي أسبغها الله عز وجل على العبد وجب على المسلم أن يعرف حقها في حيتها وبين يدي امتلاكها " اتقوا الله في هذه البهيمة المعجمة كلوها صالحة واركبوها صالحة" وهكذا أيضاً في حال ذبحها وفي سائر شؤونها، ولا يجوز أن يسرف منها شيء لغير الله عز وجل وأن سرفها لغير الله يعتبر من تسلط الشيطان ومن قسط الشيطان ونصيبه قال الله عز وجل : ﴿ لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا﴾ كان الجاهلية يبتكون آذانها ويقولون هذه بُحر ويتبعون أخرى ويشقون أخرى ويقولون هذه صُرم كما ثبت من حديث مالك بن نضلة أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم في ثياب دور وفي لفظ : في حال قشف أو قال : في ثياب أقمار فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "ألك شيء من المال قال نعم؛ يا رسول الله قد أعطاني الله عز وجل من المال فأكثر وأطيب وقال: أي من المال أعطاك الله قال من الأبل والغنم والرقيق والخيل قال : فالتُرى نعمة الله عليك، ثم قال: لعلك تعمد إلى أذان بعضها فتشقها فتقول: هذه صُرم ولعلك تعمد إلى أذان بعضها فتقطعها وتقول: هذه بُحر، قال نعم قال: فإن ذلك لا يجوز وإنما أتاك الله كل لك حل" الحديث وهذا نظير قول الله عز وجل: ﴿ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ﴾أي ما أبانه الله عز وجل للعباد من تحريم الميتة والمنخنقة والمتردية والنضيحة وما أكل السبع وما كان من هذا الباب، وأما ما عدا ذلك فإنها حل للعباد كلها ومنافع كلها هذه من أجل النعم ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى : ﴿ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ فاجتنوا هذه الأقوال في تحريمها أو التحكم فيها من غير الدليل وجعلها الله عز وجل من النعم السابغة على العباد في سائر شؤونها، لها أحكام في ذبحها وبقائها في سائر شؤونها.
ألا وإن من أحكامها في هذا اليوم المبارك إذا كنت أضحية أنه قبل ذلك لا يأخذ من شعره ولا من بشره شيئاً إن كانت له أضحية في حديث أم سلمة رضي الله عنها " من كانت له أضحية لا يأخذ من شعره ولا من بشره شيئاً" أي : حتى أنحر أضحيته أخرجه مسلم
وهكذا أيضاً من شروطها على أنها تكون خالصاً لله سبحانه وتعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾قال الله: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ﴾ وأن تكون خالصاً لله: ﴿ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ ﴾.
وأن تكون أيضاً النية بها طيبة للآية المذكورة ويجب على المسلم أن يراعي في ذلك أن تكون من بهيمة الأنعام فلا تصح الأضحية من غير البهيمة الأنعام الثماني الأزواج أحل لكم من بهيمة الأنعام قال الله عز وجل في كتابه الكريم: ﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ هذا رد على من حرم شيء منها وعلى أنها هي بهيمة الأنعام التي لا تجزء وفي الأضاحي ولا في الهدايا ولا في العقيقة إلا هي بأنواعها من ذكورها وإناثها.
ويشترط أيضاً أن تعلم سنها فلا تذبح إلا مسنة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حديث جابر من صحيح مسلم " لا تذبحوا إلا مسنة" والمسنة هي: ثني ، فهي من الغنم ما بلغ سنتين ودخلت الثالثة وما بلغ من البقر نحو ذلك أيضاً مثلها عند ابن الأثير في النهاية وقال بعضهم: ما بلغ الثالثة ودخل في الرابعة من البقر، وما بلغ من الإبل الخامسة ودخل في السادسة "ولا تجزء في غير ذلك ألا ما كان من جدع من الضأن فإنها توافي مما توفي المسنة" كما قال عليه الصلاة والسلام، والجذع من الضأن ما بلغ سنة تامة على أرجح الأقوال.
واجب على من أراد أن يضحي أن يستحضر النية وكذلك أيضاً أن يسمي ويسن له أن يكبر كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن ترك التسمية فإنها لا تصح له لا أضحي ولا غيرها ولا يجوز أكلها: ﴿ فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ ﴾، ﴿ وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ﴾ فأباح ما ذكر اسم الله عليه وحرم ما لم يذكر اسم الله عليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن صرف من صلاته أُتي بكبشين أملحين أقرنين فوضع رجله على صفاحهما وسمى وكبر هكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل.
ألا إن في هذا اليوم يجب أن يكون في هذه الهدايا الأكل منها الضحايا والهدايا كذلك أيضاً الأكل منها والتصدق منها واتحاف اتحاف والهدايا منها : ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ هكذا يقول الله سبحانه قال الله عز وجل: وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ وفي الآية الأخرى: ﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾ ويسن من يحسن الذباحة أن يذبح بيده كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحسن الذبحة " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا ذبحتم فأحسن الذبحة وإذا قتلتم فأحسن القتلة واليحد أحدكم شفرته واليرح ذبيحته" ولا يجوز لأحد أن يعذب الذبيحة ويتعلم فيها بغير بصيرة لحديث المذكور، وهكذا مما تقد ذكره يستفاد على أن هذه النعم كلها يجب فيها مراعاة شرع الله سبحانه وتعالى وعدم الإبتداع في الدين"من أحدث في أمرنا ما ليس منه وفهو رد" فلا تبرّك بدمها ولا تبرّك بشعرها ولا تبخر بشيء منها وإنما هي نعم يراعى فيها ما ذكر الله وأبان في كتابه.
ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لما يحبه ويرضاه وأن يدفع عن الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والحمد لله رب العالمين.
فرغها :
أبو سليم عبد الله بن علي الحجري الصومالي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين أجمعين
۱۱ – ۱۲ – ۱٤۳۳ هــ
رابط الخطبة في المجالس
تحميل الكتاب