التصنيف : الكتب
تاريخ النشر : 25-09-2017
عدد الزيارات : 1757
القسم : كتب ورسائل في الفقه وأصوله

نبذة مختصرة من مسائل وأحكام السترة

معنى السترة وحكمها 

السترة: هي ما يجعله المصلي أمامه في الصلاة بمقدار مؤخرة الرحل, بينه وبينها في حال قيامه ثلاثة أذرع, وفي حال سجوده ممر شاة.
فالسنة للمصلي أن يكون بين يديه سترة من جدار, أو سارية, أو عنزة, أو نحوه بالإجماع, نقله غير واحد من أهل العلم منهم ابن قدامة, وأبو حامد وغيرهم.
ثم ختلفوا فذهب جماعة من العلماء إلى وجوبها, وبه قال جماعة من الحنابلة, وأبو عوانة, وابن خزيمة.
ورجحه الشوكاني في«النيل», العلامة الألباني، وشيخنا مقبل رحمه الله لحديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا »., ولملازمة النبي صلى الله عليه وسلم لذلك سفرا وحضرا فقد أخرج البخاري (494)ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم «َكانَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ العِيدِ أَمَرَ بِالحَرْبَةِ فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّى إِلَيْهَا وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِى السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ». 
وذهب الجمهور إلى استحبابها, منهم مالك, والشافعي, وأحمد, واستدلوا بحديث ابن عباس قَالَ أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلاَمَ، وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، فَدَخَلْتُ فِى الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَىَّ.أخرجه البخاري (493)ومسلم (504).
قال الشافعي: قول ابن عباس«إلى غير جدار»أي إلى غير سترة, وجاءت رواية عن أحمد مثل قول الشافعي, فجعلوه صارفا للأدلة المتقدمة، واستدلوا به على عدم وجوب 


السترة في الصلاة. 

والقول بالوجوب هو الراجح وأما حديث ابن عباس فقد قال ابن رجب: ولا نعلم أحدا ذكر في حديث ابن عباس«إلى غير جدار» غير مالك وقد أخرجه في «الموطأ» في موضعين ذكر في أحدهما هذه الكلمة وأسقطها في الأخرى.اهـ 
وحمله غير الشافعي على أنه لم يصل إلى جدار وصلى إلى العنزة, ومما يؤيد ذلك عادته في ذلك لاسيما في الأسفار كما في حديث ابن عمر وأبي جحيفة، وأن مرور ابن عباس كان بين يدي المأمومين لا الإمام وسترة الإمام سترة لمن خلفه وعلى هذا حمله أحمد في المشهور عنه وهو ظاهر تبويب البخاري حيث قال: «سترة الإمام سترة لمن خلفه» ثم ذكره أي أنه صلى إلى سترة من غير جدار كما استنبطه ابن رجب.
وأما ما اعتمد عليه الشافعي وغيره من أنه صلى إلى غير سترة لم يثبت منها شيء, كما في «الفتح» لابن رجب (493). 
«المغني» (3/80)و «المجموع» (3/247) و«النيل» (5/12) و«الشرح الممتع» (3 /379)



سترة الإمام سترة لمن خلفه

وروى أبو جحيفة أن النبي صلى الله عليه و سلم ركزت له العنزة فتقدم وصلى الظهر ركعتين يمر بين يديه الحمار والكلب لا يمنع. متفق عليه, وعن طلحة بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: «إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل, ولا يبال من مر وراء ذلك» أخرجه مسلم إذا ثبت هذا فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه لحديث ابن عباس قَالَ أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ، وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلاَمَ، وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّى بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ، فَدَخَلْتُ فِى الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَىَّ.أخرجه البخاري (493)ومسلم(504).
نص على هذا أحمد, وهو قول أكثر أهل العلم كذلك قال ابن المنذر. 
و وقال: وَقَالَ اِبْن عَبْد البَرّ: حَدِيثُ اِبْن عَبَّاس هَذَا يَخُصُّ حَدِيثٌ أَبِي سَعِيد «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ» فَإِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِالإِمَامِ وَالمُنْفَرِد، فَأَمَّا المَأْمُومُ فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ, لِحَدِيثِ اِبْن عَبَّاس هَذَا، قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ العُلَمَاءِ.
وقال الترمذي: قال أهل العلم سترة الإمام سترة لمن خلفه قال أبو الزناد: كل من أدركت من فقهاء المدينة الذين ينتهى إلى قولهم سعيد بن المسيب, و عروة بن الزبير, و القاسم بن محمد, و أبوبكر بن عبدالرحمن, و خارجة بن زيد, و عبيدالله بن عبد الله بن عتبة و سليمان بن يسار, وغيرهم يقولون سترة الإمام سترة لمن خلفه, وروي ذلك عن ابن عمر, وبه قال النخعي, و الأوزاعي, و مالك, و الشافعي, وغيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه و سلم صلى إلى سترة, ولم يأمر أصحابه بنصب سترة أخرى.اهـ
«الاستذكار» (6/162) و«المغني» (3/81-82) و«الفتح» لابن رجب (493)



معنى سترة الإمام سترة لمن خلفه

ومعنى قولهم سترة الإمام سترة لمن خلفه؛ أنه متى لم يحل بين الإمام وسترته شيء يقطع الصلاة فصلاة المأمومين صحيحة لا يضرها مرور شيء بين أيديهم في بعض الصف ولا فيما بينهم وبين الإمام, وإن مر ما يقطع الصلاة بين الإمام وسترته قطع صلاته وصلاتهم, وقد دل على هذا ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: هبطنا مع النبي صلى الله عليه و سلم من ثنية إذا خر فحضرت الصلاة يعني إلى جدر فاتخذها قبلة ونحن خلفه فجاءت بهمة تمر بين يديه فما زال يدرؤها حتى لصق بطنه بالجدر فمرت من ورائه. رواه أبو داود() فلولا أن سترته سترة لهم لم يكن بين مرورها بين يديه وخلفه فرق.
وقال ابن رجب: ومعنى سترة الإمام سترة لمن خلفه أن المأمومين لا يشرع لهم أن ينصبوا بين أيديهم سترة إمامهم، وأنه لا يضرهم من مر بين أيديهم إذا لم يمر بين يدي إمامهم.
ويدل على ذلك... ثم ذكر حديث عمرو بن شعيب- وهذا يدل على أن المرور بين الإمام وسترته محذور، بخلاف المرور بين يدي من خلفه، إذا كانت سترة الإمام محفوظة.اهـ 
وقال ابن عبد البر: فأما المأموم فلا يضره من مر بين يديه كما أن الإمام, والمنفرد لايضر واحد منهما من مر من وراء سترته؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه, وقد قيل الإمام نفسه سترة لمن خلفه.اهـ 
«الاستذكار» (6/162) و«المغني» (3/81-82) و«الفتح» لابن رجب (493)



مقدار السترة

جاءت الأدلة في مقدار طولها أن يكون مثل مؤخرة الرحل كما في حديث طلحة عن أبيه قال قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- « إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مر وراء ذلك ».أخرجه مسلم ولحديث عائشة أن الرسول سئل عن سترة المصلي فقال: «مثل مؤخرة الرحل» أخرجه مسلم (500).
ومؤخرة الرحل تختلف في الطول والقصر ؛ فتارة تكون ذراعا وتارة تكون أقل منه, لهذا ذهب أحمد وعطاء, إلى أنها ذراع, وبه قال الثوري وأصحاب الرأي. 
وذهب مالك, والشافعي, ورواية عن أحمد؛ أنها قدر عظم الذراع, وكل هذا على سبيل التقريب لا التحديد فما قارب الذراع أجزء والله أعلم. 
وأما تقديرها بالغِلظ و الدقه, فلا نعلم له حد, فيجوز أن تكون دقيقة كالسهم والحربة, وغليظة كالحائط فإن النبي كان يستتر بالعنزة, والذي يظهر أن حد عرضها شيء يرى لتحصل الغاية من وضعه؛ فإن كان لايرى ففعلها وتركها سواء. 
«المجموع» (3/248) و«المغني» (3/28) و«الأوسط» (5/98)



بما يكون الاستتار

يكون الاستتار بشيء شاخص, ولو كان حيوانا فقد جاء عن النبي ﷺ أنه «كان يأخذ الرحل فيعدله فيصلي إلى آخرته», وقد فعله ابن عمر وأنس, وقال به الأوزاعي, ومالك, وأحمد.
قال ابن قدامة: أن يصلي إلى سترة فإن كان في مسجد أو بيت صلى إلى الحائط أو سارية, وإن كان في فضاء صلى إلى شيء شاخص بين يديه أو نصب بين يديه حربة, أو عصا, أو عرض البعير فصلى إليه, أو جعل رحله بين يديه وسئل أحمد يصلي الرجل إلى سترة في الحضر والسفر قال: نعم مثل آخرة الرحل, ولا نعلم في استحباب ذلك خلافا, والأصل فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم كان تركز له الحربة فيصلي إليها, ويعرض البعير فيصلي إليه.اهـ 
قال النووي: قال الشافعي رحمة الله في «البويطى»ولا يستتر بامرأة ولا دابة فأما قوله في المرأة فظاهر لأنها ربما شغلت ذهنه, وأما الدابة ففى الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يعرض راحلته فيصلي إليها. زاد «البخاري» في روايته وكان ابن عمر يفعله, ولعل الشافعي رحمه الله لم يبلغه هذا الحديث وهو حديث صحيح لا معارض له فيتعين العمل به لاسيما وقد أوصانا الشافعي رحمه الله بأنه إذا صح الحديث فهو مذهبه.اهـ 
قلت: ولاكراهة في الصلاة إلى المرأة لما أخرجه البخاري (512)ومسلم (512) عن عائشة رضي الله عنهاأن الرسول كان يصلي إليها وهي معترضة بين يديه. إلا أن ينشغل بها عن الصلاة فلا يصلي إليها, وقد قال الرسول «إن في الصلاة لشغلا» , وقال: «اذهبوا بانبجانيتي هذه وأتوني بانبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي». 
«الأوسط» (5/86) و«المغني» (3/80و185-186) و«المجموع» (3/248) و «الفتح» لابن رجب (512) و«النيل» (5/30)

الاستتار بالبعير لا ينافي النهي عن الصلاة في مرابضها

ورد النهي عن الصلاة في مرابضها في حديث جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي صلي الله عليه وسلم فقال: أصلي في مرابض الغنم قال: «نعم» قال أصلي: في مبارك الإبل قال: «لا». رواه مسلم.
قال الحافظ: قال القرطبي فِي هَذَا الحَدِيثِ دَلِيل عَلَى جَوَاز التَّسَتُّر بِمَا يَسْتَقِرُّ مِنْ الحَيَوَانِ، وَلَا يُعَارِضُهُ النَّهْي فِي مَعَاطِن الإِبِل؛ لِأَنَّ المَعَاطِن مَوَاضِع إِقَامَتِهَا عِنْدَ المَاءِ وَكَرَاهَةُ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ عِنْدَهَا إِمَّا لِشَدَّةِ نَتْنِهَا وَإِمَّا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَخَلَّوْنَ بَيْنَهَا مُسْتَتِرِينَ بِهَا. اِنْتَهَى.
وَقَالَ غَيْره: عِلَّة النَّهْي عَنْ ذَلِكَ كَوْنُ الإِبِل خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، فَيُحْمَلُ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي السَّفَرِ مِنْ الصَّلَاةِ إِلَيْهَا عَلَى حَالَةِ الضَّرُورَةِ، وَنَظِيرُهُ صَلَاته إِلَى السَّرِيرِ الَّذِي عَلَيْهِ المَرْأَة لِكَوْنِ البَيْتِ كَانَ ضَيِّقًا. وَعَلَى هَذَا فَقَوْل الشَّافِعِيِّ فِي البُوَيْطِيِّ: لَا يُسْتَتَرُ بِاِمْرَأَةٍ وَلَا دَابَّة، أَيْ فِي حَال الِاخْتِيَار. وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ اِبْن عُيَيْنَة عَنْ عَبْد الله بْن دِينَار أَنَّ اِبْن عُمَر كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى بَعِيرٍ إِلَّا وَعَلَيْهِ رَحْلٌ، وَكَأَنَّ الحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا فِي حَال شَدِّ الرَّحْلِ عَلَيْهَا أَقْرَب إِلَى السُّكُونِ مِنْ حَال تَجْرِيدهَا.اهـ 
قال النووي: وأما الأعطان فهي جمع عطن, واتفق تفسير الشافعي رحمه الله تعالي في «الأم» وغيره, وتفسير الأصحاب علي أن العطن الموضع الذى يقرب موضع شرب الأبل تنحى إليه الإبل الشاربة ليشرب غيرها ذودا ذودا؛ فإذا شربت كلها, واجتمعت فيه سيقت إلي المراعى.
قال الأزهري العطن هو الموضع الذى تنحى إليه الإبل إذا شربت الشربة الأولى فتترك فيه, ثم يملأ لها الحوض ثانيا فتعود من عطنها إلي الحوض لتعل وتشرب الشربة الثانية وهو العلل قال, ولا تعطن الإبل عن الماء إلا في حمَارّة القيظ بتخفيف الميم وتشديد الراء. قال: وموضعها الذى تترك فيه علي الماء يسمى عطنا ومعطنا وقد عطنت تعطن وتعطن بكسر الطاء وضمها عطونا.اهـ 
«المجموع» و«المحلى» و«الفتح» 



السترة المجوفة من أسفل

لايشترط في السترة عدم التجويف لما في الصحيحين عن عائشة قالت: لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلى وإنى على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة فتبدو لى الحاجة فأكره أن أجلس فأوذى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنسل من عند رجليه. «الفتح» لابن رجب وابن حجر (512) 
الصلاة إلى النائم

في حديث عائشة المتقدم دليل على جواز الصلاة إلى النائم من غير كراة, ولعدم ثبوت الأدلة في النهي عنه, وقد بوب البخاري على هذا الحديث بقوله «باب الصلاة خلف النائم» 
قال الحافظ: أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَة أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظٍ آخَرَ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ قَدْ يُفَرِّقُ مُفَرِّقٌ بَيْنَ كَوْنِهَا نَائِمَةً أَوْ يَقْظَى، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ أَيْضًا إِلَى تَضْعِيف الحَدِيث الوَارِد فِي النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ إِلَى النَّائِمِ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد, وَابْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ اِبْن عَبَّاس. 
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: طَرُقُهُ كُلّهَا وَاهِيَة، يَعْنِي حَدِيثَ اِبْن عَبَّاس. اِنْتَهَى.
وَفِي البَابِ عَنْ اِبْن عُمَر أَخْرَجَهُ اِبْن عَدِيّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيّ فِي «الأَوْسَطِ» وَهُمَا وَاهِيَانِ أَيْضًا. 
وَكَرِهَ مُجَاهِد, وَطَاوُس, وَمَالِك الصَّلَاة إِلَى النَّائِمِ خَشْيَة أَنْ يَبْدُوَ مِنْهُ مَا يُلْهِي المُصَلِّي عَنْ صَلَاتِهِ. وَظَاهِرُتَصَرُّف المُصَنِّفِ أَنَّ عَدَمَ الكَرَاهِيَةِ حَيْثُ يَحْصُلُ الأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ.اهـ «الفتح» لابن رجب وابن حجر (512)




استقبال الرجل صاحبه في الصلاة

يجوز استقبال الرجل وجه صاحبه وهو يصلي, ولا كراهة في ذلك مالم يشغل به, وقد كره عمر ذلك مطلقا, قال البخاري: إنما ذلك إذا اشتغل به, فأما إذا لم يشتغل به فقد قال زيد بن ثابت: ماباليت إن الرجل لايقطع الصلاة».
قال الحافظ: قَالَ اِبْن المُنِير: التَّرْجَمَةُ لَا تُطَابِقُ حَدِيثَ عَائِشَة- أن الرسول صلى إليها-، لَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى المَقْصُودِ بِالأَوْلَى، لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِأَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَقْبِلَتَهُ، فَلَعَلَّهَا كَانَتْ مُنْحَرِفَة أَوْ مُسْتَدْبِرَة. 
وَقَالَ اِبْن رَشِيد قَصَدَ البُخَارِيّ أَنَّ شُغْلَ المُصَلِّي بِالمَرْأَةِ إِذَا كَانَتْ فِي قِبْلَتِهِ عَلَى أَيِّ حَالَةٍ كَانَتْ أَشَدُّ مِنْ شُغْلِهِ بِالرَّجُلِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ تَضُرَّ صَلَاتَهُ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَغِلٍ بِهَا، فَكَذَلِكَ لَا تَضُرُّ صَلَاة مَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِهَا، وَالرَّجُل مِنْ بَاب الأَوْلَى.اهـ «الفتح» لابن حجر (511)




الاستتار بما لا ينتصب

الاستتار بما لاينتصب إن كان عريضا ولم يبلغ قدر السترة طولاً لا يجزئ, وقد كرهه النخعي, والثوري. وذهب سعيد بن جبير, والأوزاعي, وأحمد إلى جواز ذلك.
«الأوسط» (5/90)




الاستتار بالخط

ذهب جماعة من العلماء إلى أن للمصلي أن يستتر بخط إذا لم يجد ما يستتر به في صلاته, منهم سعيد بن جبير, والأوزاعي, وأحمد بن حنبل, لحديث أبي هريرة قال: قَالَ أَبُو القَاسِمِ –صلى الله عليه وسلم- «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئاً فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئاً فَلْيَنْصُبْ عَصاً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصاً فَلْيَخُطَّ خَطًّا وَلاَ يَضُرُّهُ مَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ». أخرجه أحمد (2/249) وأبو داود (690) وغيرهما. 
وذهب مالك, والليث بن سعد, وإبراهيم, النخعي, وأبو حنيفة, والشافعي؛ إلى إنكارالخط, وهوالراجح لعدم صحة الحديث .
قال النووي: حديث الخط فيه ضعف, واضطراب, ونقل ذلك عن القاضي عياض. 
قلت: فالحديث ضعيف كما قال النووي؛ ففيه أبومحمد بن عمروبن حريث هو وأبوه مجهولان, وفيه اضطراب أيضا, قال المزي في ترجمة حريث: إنه من إسماعيل ابن أمية فقال فيه مرة عن أبي محمد بن عمرو عن جده, وقال مرة عن أبي عمرو عن أبيه.اهـ «المغني» (3/86) و«الأوسط» (5/91-92) و«الإستذكار»(6/173)



الدنو من السترة

يستحب للمصلي أن يدنو من السترة لحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان «بين موضع سجوده والجدار ممر شاة»و«كان صلى الله عليه وسلم يقف قريبا من السترة فكان بينه وبين الجدار ثلاثة أذرع» , ولحديث سهل بن أبي حثم وفيه فاليدن.
قال النووي: وفيه أن السنة قرب المصلي من السترة.اهـ 
وهو أن يكون بينه وبينها ثلاثة أذرع. 
ولاتعارض بين ما تقدم من الأدلة فإذا كان ساجدا جعل بينه وبين الجدار ممر شاة, وإن كان قائما جعل بينه وبين السترة ثلاثة أذرع, وبهذا المقدار قال الشافعي، وعطاء وأحمد. 
«الأوسط» (5/90) و«المغني» (3/83-84)و«الاستذكار» (6/171-172)




حكم المرور بين يدي المصلي

المرور بين يدي المصلي محرم سواء كان في زحام لا يجد مكاناً يمر منه إلا من بين يديه, أو كان هناك سعة من غيره, وسواء كان بين يديه المصلي سترة أو لم يكن لحديث أبي جهيم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « لو يعلم المار بين يدى المصلى ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه ». قال أبو النضر لا أدرى قال أربعين يوما أو شهرا أو سنة. 
قال ابن رجب: وفي الحديث: دليل على تحريم المرور بين يدي المصلي، سواء كان يصلي إلى سترة أو لم يكن، فإن كان يصلي إلى سترة حرم المرور بينه وبينها, إذا لم يتباعد عنها كثيرا.
وإن لم يكن بينه وبين القبلة سترة، أو كانت سترة وتباعد عنها تباعدا فاحشا، ففي تحريم المرور وجهان لأ صحابنا:
أصحهما: التحريم؛ لعموم حديث أبي جهيم.
والثاني: يكره ولا يحرم، وهو قول أصحاب الشافعي.
وقال: وهذا كله يدل على تحريم المرور بين يدي المصلي، وهو الصحيح عند أصحابنا، والمحققين من أصحاب الشافعي. وطائفة منهم ومن أصحابنا أطلقوا الكراهة.
وكذلك أطلقها غيرهم من أهل العلم، منهم: ابن عبد البر وغيره. وحكاه الترمذي عن أهل العلم.
وقد حُمِل إطلاق هؤلاء للكراهة على التحريم؛ فإن متقدمي العلماء كانوا يستعملون ذلك كثيرا.
وقد حكى ابن حزم في «كتاب الإجماع» الاتفاق على أن المار بين المصلي وسترته آثم. «الفتح» لابن رجب (510) و«الأوسط» (5/92) و«المغني» (3/91)

المكان الذي يُمنع المرور فيه إذا لم يكن للمصلي سترة

قال ابن رجب: وفي قدر القرب الذي يمنع المرور فيه وجهان لأصحابنا:
أحدهما: أنه محدود بثلاثة أذرع ؛ لأنها منتهى المسنون في وضع السترة، على ما سبق.
والثاني: حده بما لو مشى إليه لدفع المار أو غيره، لم تبطل صلاته. 
وجاء في حديث مرفوع من حديث ابن عباس: تقديره بقدر قذفة بحجر. خرجه أبو داود وسنذكره فيما بعد - إن شاء الله تعالى.
وحكي عن الحنفية، أنه لا يمنع من المرور إلا في محل سجود المصلي خاصة.
وحكى أبو بكر ابن العربي، عن قوم أنهم قدروه بمثل طول الرمح، وعن آخرين أنهم قدروه برمية السهم، وقالوا: هو حريم للمصلي. قال: وأخذوه من لفظ المقاتلة، ولم يفهموا المراد منها. قال: والمقاتلة هنا: المنازعة بالأيدي خاصة.
وبكل حال؛ فيستدل به على تحريم المرور بين المصلي وسترته؛ لأنه جعله من عمل الشياطين، وأمر بالعقوبة عليه، وذلك من أدلة التحريم.
وأما حديث ابن عباس أن الرسول قال: «يجزئ إذا مر بين يديه على قذفة بحجر» فأخرجه أبوداود (704) وقال في نفسي من هذا الحديث شيئ كنت أذاكر به إبراهيم, وغيره فلم أرى أحد جاء به عن هشام, ولايرفعه, وأحسب الوهم من ابن أبي سمينة.اهـ
وذكره الذهبي في «الميزان» في ترجمة محمد ابن إسماعيل بن أبي سمينة وذكر كلام أبي داود وقال: صدق لأنه منكر جداً, ولكنه قد شك في رفعه ووقفه, وأنكره ابن عدي في «الكامل»(6/433) وابن رجب في «الفتح» (4/122) وابن قدامة في «المغني».
وجاء عن أبي هريرة , وأنكره أبو زرعة كما في العلل لابن أبي حاتم (1/177) ووهاه الأثرم فيما نقله ابن رجب عنه.
«الفتح» لابن رجب (510) و«الأوسط» (5/92) و«المغني» (3/91)




وجوب مدافعة المار بين يدي المصلي

إذا أراد أحد المرور بين يدي المصلي وجب منعه, للأدلة المتكاثرة في ذلك, وبه قال أكثر أهل العلم.
قال ابن قدامة: وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، وَالأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي إلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ، فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلْيَدْفَعْهُ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ، فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ» مُتَّفَق عليه.اهـ 
والأمر في هذه الأدلة للوجوب فيجب على كل مكلف أن يدفع من أراد المرور بينه وبين سترته, وبه قال بعض المالكية, والشافعية, والحنابلة, وبعض الظاهرية, واستظهره ابن رجب فقال رحمه الله: كلام أحمد وأكثر أصحابنا ليس فيه شيء من هذا، وكذا كلام أكثر أصحاب الشافعي، والرجوع إلى ما فهمه الصحابي من الحديث الذي رواه وعمل به مستدلا به أولى.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه وليدرأه ما استطاع».
أمر بدفع المار، ونهى عن تمكينه من المرور، وظاهره الوجوب.
وقد وقع في كلام ابن عبد البر ما يقتضيه، وأنه لا يعلم فيه خلافا ووقع في كلامه - أيضا - ما يقتضي أنه على الندب دون الوجوب، وهو قول كثير من أصحابنا والشافعية وغيرهم. «المغني» (3/92-93)و«الفتح»لابن رجب (509)




هل يجب الدفع على من ليس له سترة

جاء في الصحيحين عن أبي سعيد قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « إذا صلى أحدكم إلى شىء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع فى نحره فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان ». فظاهره أنه إذا لم يكن له سترة فلا يدفعه.
لكن قال ابن رجب رحمه الله: وأما أكثر أصحابنا فعندهم: أن رد المصلي لا يختص بمن كان يصلي إلى سترة، بل يشترك فيه من صلى إلى سترة ومن صلى إلى غير سترة ومر بقربه مار. واستدلوا بعموم الأحاديث التي لَمْ يذكر فيها هذا الشرط، وجعلوا هذه الرواية المذكور فيها الشرط من باب تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر، فلا يقتضي تخصيصه.اهـ «الفتح» لابن رجب (509)



معنى المقاتلة ؟

قال ابن رجب: وقال أصحاب الشافعي يدفعه دفع الصائل, بالأسهل فالأسهل، ويزيد بحسب الحاجة، وإن أدى إلى قتله فمات منه فلا ضمان فيه كالصائل. وحكى القاضي أبو يعلى ومن تابعه من أصحابنا عن أحمد في قتاله روايتين....
وقال ابن عبد البر في «التمهيد» في قوله: «فليقاتله»: المراد بالمقاتلة: المدافعة، وأظنه كلاما خرج على التغليظ، ولكل شيء حد. 
وقال: وأجمعوا على أنه لا يقاتله بسيف, ولا بخاطفة, ولا يبلغ معه مبلغا تفسد به صلاته, وفي إجماعهم هذا ما يبين لك المراد من معنى الحديث.
فإن دافعه مدافعة لايقصد بها إلا قتله فكان فيها تلف نفسه كان عليه ديته كاملة في ماله, وقيل هي هدر على حسب ثنية العاض وهذا كله يدل على أن فيه القود لاخلاف في ذلك.اهـ «الاستذكار» (6/163) و«الفتح» لابن رجب (509)





ما لا يمكن دفعه كالشاة والمجنون ونحوهما

من لا يستطاع دفعه كالشاة والمجنون ونحوهما فيتقدم المصلي إلى السترة ويجعلهما يمران من خلفه لما ثبت من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِذْ جَاءَتْ شَاةٌ تَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ فَسَاعَاهَا حَتَّى أَلْزَقَ بَطْنَهُ بِالْحَائِطِ. الحاكم رحمه الله ( 1/254)وهوفي الصحيح مما ليس في الصحيحين لشيخنا الوادعي.
إذا مر إليه ودفعه فهل تفسد صلاته

قال ابن عبد البر: فإن مشى إليه ورده لم تفسد بذلك صلاته, وإنما ينبغي له أن يدرأه درأً لاينشغل به عن صلاته, فإن غلبه فليدعه يبوء بإثمه؛ لأن الأصل في مروره أنه لايقطع الصلاة, والكراهة للمار أكثر منه للمصلي.اهـ «الاستذكار» (6/164)
إذا مر وتجاوز فهل يرده

إذا مر وتجاوز فلا يرده بين يديه إلى الناحية الأخرى فلا يرد من حيث جاء, فإنه يصير مرروراً آخر, وبه قال الجمهور منهم مالك, والشعبي, والثوري, وإسحاق, وابن المنذر. وهو الراجح خلافاً لمن قال برده مرة أخرى كـابن مسعود, وسالم, وغيرهم. 
«الأوسط» (5/95-96)و«الاستذكار» (6/164) و«المغني» (3/94)



هل هذا القطع نقصان أم بطلان

قال ابن قدامة: وَالمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْ المُصَلِّي يَنْقُصُ الصَّلَاةَ وَلَا يَقْطَعُهَا.
قَالَ أَحْمَدُ: يَضَعُ مِنْ صَلَاتِهِ، وَلَكِنْ لَا يَقْطَعُهَا.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ مَمَرَّ الرَّجُلِ يَضَعُ نِصْفَ الصَّلَاةِ.
وَكَانَ عَبْدُ الله إذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ التَزَمَهُ حَتَّى يَرُدَّهُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ.
قَالَ القَاضِي: يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ نَقْصُ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ أَمْكَنَهُ الرَّدُّ فَلَمْ يَفْعَلْهُ، أَمَّا إذَا رَدَّ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الرَّدُّ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يَنْقُصُ الصَّلَاةَ، فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا ذَنْبُ غَيْرِهِ.اهـ «المغني» (3/94)



ما يقطع الصلاة قطع بطلان

جاء في الصحيحين من حديث أبى ذر قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- « إذا قام أحدكم يصلى فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود ». قيل: يا أبا ذر ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر قال: يا ابن أخى سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما سألتنى فقال « الكلب الأسود شيطان ». 
أي يقطع الصلاة قطع بطلان الكلب, والحمار, والمرأة الحائض, للحديث المذكور, ولحديث أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- «يَقْطَعُ الصَّلاَةَ المَرْأَةُ وَالحِمَارُ وَالكَلْبُ وَيَقِى ذَلِكَ مِثْلُ مُؤْخِرَةِ الرَّحْلِ»أخرجه مسلم (510), وبهذا قال جماعة من العلماء منهم أبو هريرة, وأنس, وابن عباس في رواية عنه وحكي عن أبي ذر, وابن عمر , ومن التابعين الحسن, وأبي الأحوص, وأحمد في رواية عنه, ورواية خصه بالكلب الأسود ويتوقف بالحمار والمرأة الحائض, وأهل الظاهر وجاء عن ابن عمر أنه خصه بالكلب, وبه قال عمرو بن الحكم الغفاري. 
وذهب الجمهور من السلف والخلف فيما نقله النووي إلى عدم بطلان الصلاة بمرور شيء من هذه الثلاثة, وحملوه على قطع النقصان لا البطلان.
والقول الأول هو الراجح, قال ابن المنذر: وأما حجة من قال يقطع الصلاة الكلب والمرأة والحمار فظاهر حديث –ثم ذكر حديث الباب –قال وهو خبر صحيح لا علة له؛ فالقول بظاهره يجب وليس مما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا التسليم له, وترك أن يحمل على قياس أو نظر.
وأما من قال: إن الكلب الأسود يقطع الصلاة ولا يقطع الصلاة الحمار والمرأةٍ.... وأما حديث عائشة أن الرسول كان يصلي وهي معترضة بينه وبين القبلة., فليس بوارد؛ لأنه لايقطع الصلاة إلا المرور, وهذه لم تمر, وحديث ابن عباس أنه مر بالحمار بين يدي الصف ليس بوارد أيضا؛ً لأنه مر بين يدي المأمومين وسترة الإمام سترة لمن خلفه فهو كمن مر بين السترة والقبلة.
وأما حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يقطع الصلاة شيء» فهو عن أبي بكر وعمر وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي أمامة من طرق كلها ضعاف.
الأول فيه إبراهيم بن يزيد الخوزي قال أحمد بن حنبل والنسائي هو متروك وقال يحيى ليس بشيء
الثاني فيه ابن أبي فروة قال أحمد لا تحل عندي الرواية عنه وقال يحيى كذاب وقال الفلاس والدارقطني متروك الحديث
والثالث فيه مجالد وقد ضعفه يحيى والنسائي والدارقطني وقال أحمد ليس بشيء وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به
الرابع فيه عفير قال أحمد ضعيف منكر الحديث وقال يحيى ليس بثقة وقال أبو حاتم الرازي ليس بشيء
الخامس فيه صخر بن عبد الله قال ابن عدي يحدث عن الثقات بالأباطيل عامة ما يرويه منكر أو من موضوعاته
وقال ابن حبان لا تحل الرواية عنه
راجع نصب الراية للزيلعي والعلل المتناهية لابن الجوزي والعلل لابن أبي حاتم و«تمام المنة»
قوله «المرأة الحائض» أي المرأة البالغة, سواء كانت في أثناء حيضها, أو في طهرها. وبهذا القيد أخرج؛ المرأة التي لم تبلغ سن المحيض إذا مرت بين يدي المصلي؛ فإنها لا تقطع الصلاة قطع بطلان, ولكن قطع نقصان, كقطع الرجل والله أعلم.
قوله «الكلب الأسود شيطان» يحتمل أنه شيطان بعينه على ظاهر الرواية, ويحتمل أنه معه شيطان, وهذا أقرب والله أعلم, ويؤيده قوله في الرواية الثانية ؛ «فإن معه القرين».
ومثل هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم «لاتصلوا في معطن الأبل فإنها خلقة من الشياطين» أخرجه ابن حبان (4/601) وأحمد (21082و 17257) عن عبد الله ابن مغفل. وإسناده ضعيف.
وقال عقبه: قوله صلى الله عليه وسلم «فإنها خلقت من الشياطين» أراد به أن معها الشياطين وهكذا قوله صلى الله عليه وسلم: «فليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله، فإنه شيطان» ثم قال في خبر صدقة بن يسار عن ابن عمر: «فليقاتله، فإن معه القرين»
ذكر البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: «فإنها خلقت من الشياطين» لفظة أطلقها على المجاورة لا على الحقيقة.اهـ
قال النووي: في«المجموع» قال الخطابى معناه لما فيها من النفار والشرور وربما افسدت علي المصلي صلاته قال والعرب تسمى كل مارد شيطانا.اهـ
«المغني» (3/97) ، و«شرح مسلم» (510) ، و «المجموع» (3/250)و«الأوسط» (5 / 100- 106) ، و«الاستذكار» (6/178)، و«النيل» (5/34)




هل هذا الحكم عام في الفرض والتطوع

لا فرق في قطع الصلاة بين الفرض, والتطوع, لعموم الحديث, ولأن مبطلات الصلاة يتساوى فيها الفرض, والتطوع في هذا وفي غيره, إلا أن التطوع يصلى على الراحلة. «المغني» (3/100)

كتبه أبو محمد عبدالكريم بن غالب أحمد الحسني الحلياني

تحميل الكتاب