بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ والصلاةُ والسَّلامُ عََلَى رَسُولِ اللهِ وَعَلَى صحبهِ وَمَنْ والاهُ … أمَّا بَعَدُ:
فهذا مُلخصُ أحكامِ التذكية جمعتُهُ منْ كُتبِ أهلِ العلم ، وباللهِ التوفيق .
* إنَّ نعمَ اللهِ على العبادِ غيرُ محصيةٍ ، ولا محصورةٍ ، ومِنَنَهُ وعطاياهُ لعبادِهِ ظاهرةٌ مشهورةٌ ، قال تعالى : " أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ " ( لقمان : 20 ) .
* وإنَّ تذكُّرَ نعمةِ الله على عبادِهِ أمرٌ واجب ، أمرَ اللهُ به في كتابِهِ ، ودعا إليه عامةَ رسلِهِ وأنبيائِِهِ .
1 - و قال جلَّ وعلا : " وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " ( البقرة : 231 ) .
2 - وقال سبحانه : " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " ( آل عمران : 103 ) .
3 - وقال سبحانه : " وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ " ( المائدة : 7 ) .
4 - وقال سبحانه : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ " ( المائدة : 11 ) .
5 - وقال : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا " ( الأحزاب : 9 ) .
6 - قال اللهُ تعالى : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ " ( فاطر : 3 ) .
7 – وقال الله لنبيِّهِ صلى الله عليه وسلم : " وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ " ( الضحى : 11 ) .
* وبهيمةُ الأنعامِ منْ متاعِ الدُّنيا ، قال الله جل وعلا : " زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ " ( آل عمران : 14 ) .
وقد أخبرنا اللهُ جلَّ وعلا أنَّ منافعَها كثيرةٌ ، بما لا غِنى للإنسانِ عنها ، فقال سبحانه : " وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ " ( غافر : 80 ) ، وقال سبحانه : " وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ " ( النحل : 6 ) .
* وينبغي علينا أنْ نتعظَ ونعتبرَ بهذهِِ الأنعام ، قال سبحانه : " وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأنعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ " ( النحل : 66 ) .
* ولحمُهُ حلالٌ أكلُه ؛ لقوله سبحانه : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأنعَامِ " ( المائدة : 1 ) .
* ومن شُكرِ هذِهِ النعمةِ ، أنْ لا تُنحرَ إلا في طاعةِ الله ومرضاتِه ، فمنها :
1 - الهدي ، قال الله جل وعلا : " فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ " ( البقرة : 196 ) .
2 - الأُضْحِيَة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعقبةَ بنِ عامر رضي الله عنه كما في البخاري : " ضَحِّ بِهِ أنتَ " .
3 - العَقِيْقَة ؛ لحديث سمرة رضي الله عنه مرفوعاً : " كُلُّ مَولُودٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ " رواهُ أبوداود والترمذي وَصَحَّحَهُ الشيخان الألبَاني وَ الوَادعي .
4 - الفِدْيَة ، و تكونُ منْ بهيمةِ الأنعام ، فمنها :
أ - فِدَيةُ الإحِصَار، قال تعالى : " فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ " ( البقرة : 196 ) .
ب - فِدْيَةُ من حَلَقَ رأسَهُ وَهْوَ مُحْرِمٌ ، قال تعالى : " فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ " ( البقرة : 196 ) .
ج - فِدْيَةُ جَزاءِ الصَيْد ، قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ " ( المائدة : 95 ) .
د - فِدْيَةُ مَنْ جَامعَ زَوْجَتَهُ في نهارِ رمضان ؛ لحديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه في الصَّحيحين .
5 - الصَّدَقَة ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها في الترمذي : " أنهم ذبحوا شاة ، فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم : " مَا بَقِيَ مِنْهَا ؟ "، قَالَتْ : "مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلاَّ كَتِفُهَا " قَالَ : "بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا " وَصَحَّحَهُ الشيخان الألبَاني وَ الوَادِعي .
6 – النَّذْرُ وَهْوَ طَاعَة ، فلابدَّ أنْ يُصرفَ في طاعةِ الله ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أَوْفِ بِنَذْرِكَ " رواهُ أبوداود من حديثِ ثابتِ بنِ الضَّحاك رضي الله عنه وَصَحَّحَهُ الشيخان الألبَاني وَ الوَادِعي .
7 – الضِيَافَة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصاري الذي أضافهُ : " إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ " رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
* وقد أُمرنا بالرفقِ بالحيوان ، ومن ذلكم :
1 – النهيُ عن تعذيبِ الحيوان ، فعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ " ، وفي رواية : " لا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرْضِ " متفق عليه .
- ومن تعذيبِ الحيوانِ حبسُهُ ورميُهُ بشيءٍ حتى يموت ، فقد جاء في الصحيحين من حديثِ أنسٍ رضي الله عنه قال : " نَهَى صلى الله عليه وسلم أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ " متفق عليه ، وفي مسلمٍ من حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما : " أنَّهُ مَرَّ بِفِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ ، وَقَدْ جَعَلُوا لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نَبْلِهِمْ ، فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَنْ فَعَلَ ؟!! هَذَا لَعَنْ اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ مَنْ اتَّخَذَ شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا " وأيضاً جاءَ في مسلم من حديثِ ابن عباس رضي الله عنهما .
- ومن تعذيبِ الحيوانِ وَسْمُهُ بالنَّارِ في وَجْهِهِ ، فقد روى مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ : " لَعَنَ اللَّهُ الَّذِي وَسَمَهُ " .
- وكذا لا يجوزُ تعذيبُ البهائمِ بإحراقِهَا بالنَّار ، فقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " لا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلا رَبُّ النَّارِ " رواهُ أبوداود من حديثِ ابنِ مسعود رضي الله عنه وصححه الشيخ الألباني .
2 - ومن الرفقِ به ، إعطائُهُ حظُهُ من المرعى عندما يُشاهدُ الكلأ والعشبَ ، ويمرُّ عليه ؛ لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم : " إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الإبِلَ حَظَّهَا مِنْ الأرْضِ ، وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي السَّنَةِ - أي الجذب - فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ ، وَإِذَا عَرَّسْتُمْ بِاللَّيْلِ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا مَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ " رواهُ مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
* و كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرفقُ بالحيوان ، ويقول : " اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً " رواهُ أبوداود من حديث سهل ابن الحنظلية رضي الله عنه وَصَحَّحَهُ الشيخان الألبَاني وَ الوَادِعي .
* وقد اشتكى جملٌ من سوءِ معاملةِ مالكِه ، كما في حديث عبدالله بن جعفر رضي الله عنه قَالَ : " أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلْفَهُ ذَاتَ يَوْمٍ ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ ، وَكَانَ أَحَبُّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَتِهِ هَدَفًا أَوْ حَائِشَ نَخْلٍ ، قَالَ : فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنْ الأنْصَارِ ، فَإِذَا جَمَلٌ ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ فَسَكَتَ ، فَقَالَ : " مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ " ، فَجَاءَ فَتًى مِنْ الأنصَارِ ، فَقَالَ : لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : " أَفَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا ، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ " رواهُ أحمد و أبوداود وَصَحَّحَهُ الشيخان الألبَاني وَ الوَادِعي.
3 - ومن الرفقِ بها عدمُ تكليفِهَا مالا تطيقُ من الأعمال ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ ، قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ الْبَقَرَةُ ، فَقَالَتْ : إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا ، وَلَكِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ ، فَقَالَ النَّاسُ : سُبْحَانَ اللَّهِ - تَعَجُّبًا وَفَزَعًا - أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "بَيْنَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ ، عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ ، فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً ، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ ، فَقَالَ لَهُ : مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ ، يَوْمَ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ غَيْرِي ، فَقَالَ النَّاسُ : سُبْحَانَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ " مُتفقٌ عَليهِ وَ اللفظُ لِمُسْلِم .
4 – ومن الرفقِ بها تطييبُ علفِ الحيوانات ، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ : " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجَلالَةِ فِي الإبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا أَوْ يُشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِهَا " رواه أبوداود والترمذي وَصَحَّحَهُ الشيخان الألبَاني وَ الوَادِعي.
- والجلالة : التي تأكلُ العذرةَ حتَّى تطهر .
5 – ومن الرفقِ بهم عدمُ لعنهم ؛ لحديث جابر رضي الله عنه في مسلم قال : " ... وَكَانَ النَّاضِحُ يَعْقُبُهُ مِنَّا الْخَمْسَةُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ فَدَارَتْ عُقْبَةُ رَجُلٍ مِنْ الأنْصَارِ عَلَى نَاضِحٍ لَهُ ، فَأَنَاخَهُ فَرَكِبَهُ ثُمَّ بَعَثَهُ ، فَتَلَدَّنَ عَلَيْهِ بَعْضَ التَّلَدُّنِ ، فَقَالَ لَهُ شَأْ لَعَنَكَ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ هَذَا اللاعِنُ بَعِيرَهُ قَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " انْزِلْ عَنْهُ فَلا تَصْحَبْنَا بِمَلْعُونٍ لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ " .
- وأمَّا الدِّيك فلا يجوزُ حتَّى سبُّهُ ؛ لحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه في سنن أبي داود مرفوعاً : " لا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يُوقِظُ لِلصَّلاةِ " وَصَحَّحَهُ الشيخان الألبَاني وَ الوَادِعي .
* فالمسلمُ مطالبٌ أنْ يُحسنَ إلى هذهِ الحيوانات ، فبإحسانِهِ لهمْ يغفرُ اللهُ لهُ ذنوبَهُ ، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً : " بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ " .
- وقد قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " رواهُ مسلم من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه .
ولذلك ما وقفتُ على كتابٍ من كتبِ الفقهِ إلا وقد طرقَ مؤلفُهُ بابَ ( آداب الذبح ) .
* آدابُ الذبح :
1 – إحسانُ الذبح ، لِحديث شدَّاد بن أوس رضي الله عنه مرفوعاً : " إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " رواه مسلم .
2 – إضجاعُ الذبيحة ؛ لحديث أَنَسِ بِنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ ، وَيُسَمِّي ، ويُكَبِّرُ ، وَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى صَفْحَتِهِمَا ، وَيَذْبَحُهُمَا بِيَدِهِ " مُتفقٌ عليه .
تنبيه : لا يُضجعها إلا وَقَد حَدَّ شفرتَهُ ؛ لحديثِ ابنِ عباس رضي الله عنهما مرفوعاً : " هلا حدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبَلَ أَنْ تُضْجَعَهَا " رواهُ الحاكمُ وَصَحَّحَهُ الشيخان الألبَاني وَ الوَادِعي .
3 – وضعُ قدمِهِ على صفحةِ عنقِها ؛ لحديثِ أنس رضي الله عنه المتقدم .
4 – توجيهُ الذبيحةِ إلى القبلة ؛ لأثر ابن عمر رضي الله عنهما في الموطأ (854 ) بإسنادٍ صحيح وفيه " وَيُوَجِهُهُنَّ إلِِىْ القِبْلَة " ، وفي مصنف عبدالرزاق (8585 ) بإسنادٍ صحيح عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه : " كانَ يَكْرَهُ أنْ يَأكُلَ ذَبِيْحَتَهُ إذَا ذُبِحَتْ لِغَيْرِ القِبْلَة " .
5 – التسميةُ والتكبير ؛ لحديثِ أنس رضي الله عنه المتقدم .
6 – يستحبُّ في النحرِ كلُّ ما يستحبُ في الذبح ، إلا أنَّ الإبلَ تُنحرُ قائمةً على ثلاث ، معقولة اليد اليسرى ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّهُ : " أَتَى عَلَى رَجُلٍ قَدْ أَنَاخَ بَدَنَتَهُ يَنْحَرُهَا قَالَ ابْعَثْهَا قِيَامًا مُقَيَّدَةً سُنَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم " مُتفقٌ عليه ، و في البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : " نَحَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ سَبْعَ بُدْنٍ قِيَامًا " ، و لحديث جابر رضي الله عنهما : " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يَنْحَرُونَ الْبَدَنَةَ مَعْقُولَةَ الْيُسْرَى قَائِمَةً عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ قَوَائِمِهَا " رواهُ أبوداود وصَحَّحَهُ الشيخُ الألباني .
* ولابدَّ أنْ نعلمَ أنَّ التذكيةَ شرطٌ لإباحةِ أكلِ الحيوانِ مأكولِ اللحم ، ففي الصحيحين من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه قال : " يا رسول الله ، إِنَّنَا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ وَلا ظُفُرٌ ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ " .
* ويُشترطُ ليحلَّ أكلُ الحيوان المذكَّى شروط ، بعضُها يتعلقُ بالمذبوح ، وبعضُها بالذبح ، وأخرى بآلةِ الذبح .
أولاً : شروطُ الحيوانِ المذبوح :
1 - أنْ يكونَ حيَّاً وقتَ الذبح ، فلا يُذبحُ الحيوانُ الميّت ؛ لقولِ اللهِ تعالى : " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ " ( المائدة : 3 ).
2 - أنْ يكونَ زهوقُ روحِهِ بمحضِ الذبح ؛ لحديثِ رافعِ بنِ خديج رضي الله عنه مرفوعاً : " مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ " مُتفقٌ عليه .
3- أنْ لا يكونَ من صيدِ الحرم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في صيد الحرم بمكة : " وَلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا " مُتفقٌ عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
ثانياً : شروطُ الذابح :
1 - أنْ يكونَ عاقلاً ، فلا تصحُّ تذكيةُ المجنونِ ولا الصبي الذي لا يعقل ، ولا السكران ؛ لأنَّ غيرَ العاقلِ لا يصحُّ منهُ القصدُ إلى الذبحِ والتسمية ، وبه قالَ الجمهور .
2 – أنْ يكونَ مسلماً أو كتابياً ( يهودياً أو نصرانياً ) ؛ لقوله تعالى : " وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ " ( المائدة : 5 ) قال ابنُ عباس رضي الله عنهما : ذبائحهم .
تنبيهٌ : إنَّما تَحلُّ ذبيحةُ الكتابي إذا لم يُعلمْ أنَّهُ ذَكَرَ عليها غيرَ اسمِ اللهِ تعالى ، فإنْ ذَكَرَ عليهِ اسمَ غيرِ اللهِ ، كأنْ يقولَ : باسمِ المسيحِ أو العذراءِ أو الصنمِ ، لم يُؤكلْ ؛ لقولهِ تعالى في بيانِ المحرَّمات : " إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ " ( البقرة : 173) .
3 – أنْ لا يكونَ مُحْرِمَاً إذا ذبحَ صيدَ البر ؛ لقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ " ( المائدة : 95 ) ، وقال : " وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا " ( المائدة : 96 ) .
4 - أنْ يُسميَ على الذبيحة ، فإنْ نسيَ التسميةَ فلا يَحلُّ لهُ أكلُها ؛ لأنَّ التسميةَ شرطٌ لصحةِ الذبيحة ، قال تعالى : " وَ لا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ " ( الأنعام : 121 ) ، ولحديثِ رافعِ بنِ خديج رضي الله عنه مرفوعاً : " مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ " مُتفقٌ عليه .
5 – أنْ لا يُهلَّ بالذبحِ لغيرِ الله ، والمقصودُ به : تعظيمُ غيرِ اللهِ سواء كان برفعِ الصوتِ أم لا ، قال تعالى : " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ " ( المائدة : 3 ) ، ولحديثِ علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعاً : " لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ " رواهُ مسلم .
ثالثاً : شروطُ آلةِ الذبح :
1 – أنْ تكونَ قاطعة ؛ لحديث شداد بن أوس رضي الله عنه مرفوعاً : "وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ " رواهُ مسلم .
2 – أنْ لا تكونَ عظماً أو ظفراً ؛ لحديث رافع رضي الله عنه المتقدم : " مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ وَلا ظُفُرٌ ".
والحمد لله رب العالمين
وكتب
أبوعمَّار ياسر العدني
حضرموت - المكلا
تحميل الكتاب