2017/05/16
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهذا سؤال مقدمٌ من منطقة حصوين بالمهرة, إلى فضيلة الشيخ العلامة يحيى بن علي الحجوري حفظه الله تعالى.
يقولون:
حضر عندنا رجلٌ عنده خبرةٌ في اتجاه القبلة الصحيحة,فنظر في مساجد منطقتنا بما عنده من خبرة بالقوقل, فوجد كثيرًا من المساجد منحرفة عن القبلة, وهذه الانحرافات بعضها يصل إلى ثلاثة عشر درجة, وبعضها إلى تسعة عشر درجة, وبعضها إلى ثلاثين درجة.
السؤال:
كم هي درجات الانحراف المؤثرة من غير المؤثرة ؟

الجواب:
يقول الله عز وجل:﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة:144] 
فواجبٌ تحري القبلة, و تحري الشطر, أين ما كان المصلي, وشطر المسجد الحرام المقصود به الكعبة,وفي حديث المسيء في صلاته, أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قمت إلى الصلاة فاستقبل القبلة".
و عند أهل العلم أَنَّ استقبال القبلة شرطٌ من شروط صحة الصلاة, وليس المقصود به الاتجاه به إلى الجهة, بل استقبال الكعبة لمن قدر على ذلك, كأن يكون معاينا لها أو في حكم المعاين لها.
وهذه الآلة المذكورة القوقل, الخبراء يقولون بضبطها للقبلة ضبطا جيدا, فينبغي الاستفادة منها لمن قدر على ذلك في تحري القبلة, و أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, لما تحولت القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام, بعد أن صلوا إلى بيت المقدس ثمانية عشر شهرا, ونزل قول الله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة:144], بلغ ذلك الصحابة رضوان الله عليهم و بعضهم كان في صلاة, فاستداروا في صلاتهم إليها.
وأما حديث: " ما بين المشرق والمغرب قبلة"؛ فهو حديثٌ موقوفٌ على عمر بن الخطاب رضي الله عنه, على الصحيح, وعلى القول برفعه؛ فلا يعني أنك تميل عن القبلة بعد معرفتها عمدًا, ولكن معناه أَنَّ المصلي يجتهد إلى أن يصيب القبلة, والقبلة في حق الشمالي والجنوبي: " بين المشرق والمغرب".
فإن اخطأ مع اجتهاده,فصلاته صحيحة؛لأنه أدى ما في وسعه لإصابة القبلة, والله عز وجل يقول:﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة:286]
ولا عذر لمن عرف اتجاه القبلة عن طريق هذه الآلات أو غيرها, أن يميل إلى غيرها, لا  سيما في الفرض في حق المقيم, أما المتنفل المسافر يصلي على راحلته أينما توجهت به راحلته, كما ثبتت السنة بذلك.
ومن هنا فإِنَّ هذه الدرجات المذكورة مع البعد عن المسجد الحرام, تؤثر في القبلة, سواء ثلاثة عشر درجة أو أقل, تؤثر في القبلة, وتميل بالمصلي إلى غير القبلة التي أمر الله المصلي باستقبالها.
فنوصي إخواننا السامعين, السائلين وغير السائلين أن يتحروا في ذلك القبلة.
ومسجدنا هذا أسس على ما يسمي بالبوصلة آنذاك, وباجتهاد عندنا هنا, ولما علمنا بميوله عن القبلة بعدة درجات اتجهنا إلى القبلة, بطيبة نفس, فهذا الذي أمرنا الله به, وهذه عبادة, يجب على المصلي أن يتحرى صحتها, ويتحرى قبولها, قال تعالى:﴿إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾ [النساء:103] 
ولها أركانٌ و شروطٌ و واجباتٌ, من أخل بشيءٍ من ذلك اختلت صلاته, فلا تقبل عند الله, ولا تنهاه عن فحشاء ولا منكر, قال تعالى:﴿وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ﴾[العنكبوت:45] 
ورسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: " صلوا كما رأيتموني أصلي", علّمنا أن نتحرى القبلة كما كان يصلي إليها ويتحراها.
فليحذر من التساهل في أمر القبلة, وليس هذا بعسير أنهم يتجهون إلى القبلة في مسجدهم, يصلحون الصفوف على جهة القبلة, ويجتنبون الصفوف بين السوري, ولو كان هناك بعض الصفوف نقصت, لا يضر ؛ لأن هذا دينٌ أمرنا الله عز وجل بامتثاله, وما بُنِي المسجد إلا من أجل الصلاة فيه, ولذكر الله عز وجل, وثبوت الصلاة وفضل الصلاة فيها مقرون بصحتها, قال تعالى:﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ* رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ﴾ [النور:36-37],وقال تعالى:﴿ وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ﴾ [يونس:87]
وعلى هذا إيراد نظير ما جاء في الذين ماتوا وفي بطونهم الخمر, فماذا يصنع الله بهم؟ أي الذين شربوا الخمر قبل تحريمها, فانزل الله تعالى:﴿لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ [المائدة:93]
فصلاة هؤلاء الذين لا يدرون أنهم يصلون إلى غير القبلة الصحيحة, حيثُ اجتهدوا وصلوا إلى القبلة؛ فصلاتهم صحيحة مقبولة و معذرون في خطئهم, قال تعالى:﴿رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة:286] قال قد فعلتُ.
أما بعد معرفة القبلة وتعين وضوحها بأي وسيلة, لا عذر لمن تركها عمدًا ولا تصح صلاته؛حتى المخطئ في القبلة؛ كونه صلى إلى غير القبلة, وبعد صلاته علِم بالقبلة؛ وجب عليه أن يعيد صلاته ما دام الوقت باقيا, و أما ذلك الحديث أنهم صلوا إلى غير القبلة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعيدوا, فالحديث لا يثبت, ولا يعارض به مع ضعفه الأدلة المذكورة في وجوب استقبال المصلي القبلة.

وبالله التوفيق
 
سجلت هذه المادة
ليلة الأحد 18 / ربيع الثاني /1433هـ

 
 
الفتوى من موقع الشيخ على هذا الرابط
تمت الطباعه من - https://alilmia.com/show_news_36.html